لماذا نقرأ التاريخ الأمريكي؟

إن قراءة التجربة التي خاضها السكان الأصليون في أمريكا تؤدي إلى الاطلاع على إجابات وافية عن أسئلة عديدة تتعلق بواقعنا ومصيرنا، وقد فصلت الحديث عن السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية التي واجهتنا فوقعنا في أخطاء عديدة لعدم إلمامنا بتجارب من سبقنا:

1-ما هي الدوافع التي قادت الغربيين إلى غزو العوالم الأخرى؟ وما هو مدى انطباق شعارات نشر الحضارة والتبشير بالدين على مشروع الاستيلاء على الأرض؟

2-كيف أثرت دوافع الاستعمار على معاملة السكان الأصليين ومكانهم في المشروع الأبيض؟ وما هي الاختلافات بين المشاريع الاستعمارية المختلفة سواء الاقتصادية أو الاستيطانية وما هي آثارها وأضرارها على الأهالي المحليين؟

3-ما هو دور الدين في تبرير المشروع العلماني والتمهيد له وكيف تطورت العلمانية الغربية من الدوافع الدينية بعدما تمت عقلنتها دون إلغائها بأي حال من الأحوال؟ وما هو دور الدوافع الدينية في مختلف مراحل التاريخ الأمريكي؟

4-ما هو دور الانقسام بين السكان الأصليين في تحقيق الاختراق الأبيض وهل كان بالإمكان تلافي المصير الإبادي بالوحدة؟ وهل ينطبق حال أمريكا على حال منطقة أكثر كثافة سكانية كبلادنا؟

5-ما هي أهمية تقبل السكان الأصليين للشعارات الحضارية والتبشيرية المعلنة للمشروع الاستيطاني في قبول المستوطنين لهم؟ وهل تحقيق التقدم الحضاري يؤدي إلى الانسجام بين الطرفين؟ وهل فعلاً جاء المستوطنون لينشروا رسالة حضارية بين السكان الأصليين ويشاركوهم في مستواهم؟

6-ما هو الفرق بين مصير المقاومين ومصير المسالمين؟ وهل توقفت المصائر الأفضل على مسالمة البيض؟ أم أن المسالمين نالهم ما نال المقاومين من اضطهاد؟ وما هو مصير المقاوم الذي يسلم سلاحه بناء على وعود بتحسين وضع قومه؟ ومن الذي خلدهم التاريخ المعادي: هل هم المسالمون أم المقاومون؟

7-ما هو الفرق بين الفئات المضطهَدة في تاريخ المجتمع الأمريكي كالعبيد والسكان الأصليين والعمال والنساء والأقليات القومية كالإيرلنديين والإسبان واللاتين واليهود؟ ولماذا صعدت فئات ورسبت أخرى؟ ومن هي الفئة التي ينطبق عليها وضعنا في المشرق؟ وهل يمكن أن نتطابق مع العبيد الذين تم “تحريرهم” أم مع السكان الأصليين الذين تمت “إبادتهم”؟ وهل يفيدنا ميراث أبراهام لنكولن مثلاً لإقناع المجتمع الأمريكي بقضايانا كما اقترح ذلك مفكرون عرب؟ أم أن “المحرر العظيم” لا يفيد قضية حريتنا لأنه كان ممن دعا إلى قيام الدولة الصهيونية في فلسطين واكتسح حريات السكان الأصليين؟

8-ماذا عنت شعارات التنوير والعقل والحرية والمساواة للسكان الأصليين؟ ولماذا كانوا يطالبون الرجل الأبيض باستمرار بتطبيقها؟ أليس في ذلك دليل على أن الشعارات البيضاء لم تترجم في الواقع؟ وهل يصلح ميراث الحريات في التاريخ الأمريكي للانطباق على أمم العالم الثالث؟

9-كيف يمكن أن تتأسس الإنجازات الكبرى للمجتمع الغربي كالحرية والاستقلال والبحث عن السعادة على أنقاض الآخرين؟ وكيف يمكن أن تكون نفس المبادئ التي تدعي الخير لهم سبباً في شقائهم؟

10-هل المجتمع المبهر الذي بناه الأمريكيون يفتح أبوابه للآخرين؟ وما هو مكانهم فيه؟ وهل تريد الولايات المتحدة تعميم نموذجها أم تعميم استغلالها؟

اقرأ أيضا: الغرب بين الاعتراف بإنجازاته العلمية وتجنب إباداته الجماعية.

11-ما هو الهدف الذي كان الأمريكيون يعقدون المعاهدات لأجله مع السكان الأصليين؟ وما هي درجة التزام الحكومة الأمريكية بتعهداتها؟ وماذا نستفيد من ذلك؟

12-هل كان التوسع الشامل قضية مخططة منذ البداية؟ وهل يعفي المجرمَ من جريمته المتكررة عدمُ سبق الإصرار عليها؟ ومتى أصبح من الواضح أن الاجتياح الأبيض سيعم القارة؟ وهل توقف التوسع الأمريكي بإغلاق التخوم الهندية؟

13-متى يتعاطف الرأي العام الأمريكي مع ضحيته؟ وهل لهذا التعاطف مردود إيجابي على الضحية؟ ومن المستفيد منه: هل هو المجرم الذي يبيض صفحته بمشاعر إنسانية لا أثر عملياً لها أم الضحية الباحث عن تحسين ظروفه بلا فائدة؟

14-متى تبدأ ظاهرة المراجعة التاريخية في المجتمع الاستيطاني لتهز المسلمات والأساطير التي قام الاستيطان على أساسها؟ وهل هي دليل على نجاح آلية التصحيح الذاتي الديمقراطية أم أنه لا أثر عملياً لها في تصحيح أي خطأ لاسيما إذا تجددت دواعي العدوان ضد الضحية نفسها أو ضد ضحايا جدد؟

15-ما هو سبب الجرائم التي ارتكبت ضد السكان الأصليين؟ هل هي قيم معينة أم مجرد الطمع والجشع؟ وما مدى انطباق ممارسات المجتمع الأمريكي في القرن التاسع عشر على قيم التنوير التي ظهرت في القرن الثامن عشر؟ وكيف أثر هذا التراجع الذي سببته الأطماع المادية على إيجاد قيم جديدة أكثر رجعية مما سبق خلافاً لدعاوى التقدم؟ وأين هي ممارسات القرن العشرين والحادي والعشرين من شعارات التنوير؟ وهل ما حدث مجرد انحراف جانبي؟ أم خيانة؟ أم هو نتيجة حتمية كانت كامنة في التنوير نفسه وتحمل نقيضه فيها؟

16-كيف أثرت الدوافع المادية على رؤية المستوطن لصاحب الأرض؟ وهل هناك نظير للاستشراق في رؤية بقية السكان الأصليين بما يسمح بتسميته “الاستئصال” ليكون دراسة لهم تستهدف اقتلاعهم كما استهدف الاستشراق تبرير اضطهاد المشارقة؟

17-لماذا كان الأثر الأوروبي على مجتمعات السكان الأصليين عن بعد أفضل من اقتراب الأوروبيين من هذه المجتمعات؟ وهل حقاً أن اقتراب الأوروبيين من غيرهم يدمر الفوائد التي جناها الغير منهم عن بعد؟

18-كيف يتفق ادعاء الأوروبيين بتفوقهم الحضاري مع اعترافهم بأن احتكاك السكان الأصليين بهم يؤدي إلى تفكك مجتمعاتهم؟ ولماذا كانت الممارسات السلبية كشرب الخمور والانحلال الأخلاقي هي الغالبة على ما يقتبسه السكان الأصليون من البيض؟ وكيف يمكن لمتحضر أن يكون أثره سلبياً على الآخرين؟ وهل ينطبق هذا الأثر على احتكاكنا بهم اليوم؟

19-هل كان ادعاء الأوروبيين بالعمل على تمدين الهنود صادقاً في ظل استعجال النتائج بما يناسب الاستيلاء على الأرض ولا يناسب الوقت الكافي للتغير الاجتماعي الذي كان من شروطه الواضحة مراعاة التدرج وهو أمر تحدث عنه الطرفان الهندي والأبيض؟ ولماذا يكرر الغرب اليوم نفس الخطأ بعدم مراعاة نسبية الظواهر السلبية في المجتمعات الأخرى والتي مرت بها نفس المجتمعات الغربية ويتخذ من عيوبها مبررات للقضاء عليها وليس للأخذ بيدها نحو التطور؟ وهل تجارب نشر الديمقراطية حديثاً كالعراق مثلاً تدعم الادعاءات التمدينية أم الاتهامات المضادة بالبحث عن المصالح فقط؟

20-في ظل الإبادات الجماعية التي وقعت في أمريكا وأستراليا والاسترقاق الجماعي الذي وقع في إفريقيا والاستعمار الذي وقع في آسيا، ما هي مصداقية الغرب في اتهام الإسلام بالعنف والانتشار بالسيف الذي هو لعبة أطفال مقارنة بأسلحة الدمار الشامل التي نشرت الديمقراطية الغربية؟

21-ما هي مكانة الحلفاء الذين يسهلون مهمة الاستعمار ضد بني جنسهم تحت ذرائع مختلفة كالخلافات الداخلية والاستبداد وغير ذلك؟ وهل يؤدي ذلك إلى ارتفاع مكانة هؤلاء في عالم المستعمِر؟ أم أنهم يصبحون ضحايا كالآخرين؟

22-ما هي مكانة الذين يتبنون ديانة المستعمِر أو ثقافته؟ وماذا يريد هو منهم؟ هل هم مجرد مهتدين أم متورطين في تسهيل تمدده ببيع الأراضي والقتال ضد قومهم وإفشاء أسرارهم وخططهم؟ وما هو مصيرهم في النهاية؟

23-لماذا يصر المستوطن على القضاء على مصادر العيش المستقل للسكان الأصليين؟ وما هي عواقب اعتمادهم على المساعدات والصدقات التي يقدمها؟

24-ما هي أهمية الاستقلال الاقتصادي للسكان الأصليين؟ وكيف يتم تدميره بالتجارة مع المستوطنين؟ وأيهما أفضل: أن يعتمد الأهالي على كدهم لنيل معيشة بدائية تتطور تدريجياً مع مرور الزمن أم بالتخلي عن العمل والاعتماد على المنتجات الصناعية المتطورة التي يأتي الاستعمار بها؟ وما هو الحل عندما لا يترك المد الاستعماري الفرصة للتطور الذاتي؟

25-كيف يتفق ادعاء التفوق الحضاري مع تشجيع الاستعمار لرذائل المجتمعات الأصلية ونشرها على أوسع نطاق بعدما كانت محدودة الانتشار؟ وكيف يدعي الاستعمار تحرير السكان الأصليين من استبداد زعاماتهم ثم يستخدم هذا الاستبداد وبقية الرذائل في تمرير مصالحه؟

26-لماذا تميزت سياسة الولايات المتحدة تجاه السكان الأصليين بانتشار ظاهرة الفساد والمصالح الشخصية بين القائمين عليها بداية من التاجر الصغير في التخوم إلى رئاسة الجمهورية؟ وهل هذا الفساد يناظر المصالح الشخصية للمسئولين الأمريكيين عن عمليات غزو بلادنا؟

27-ما هو تفسير نمو بعض الشرائح من السكان الأصليين في ظل الاستعمار؟ وما هي نسبتهم إلى المجموع العام؟ وهل يمكن القول إن الاستعمار الاستيطاني مفيد أم أن الأمر لا يعدو استثناءات لا تشمل القاعدة العريضة وذلك كمن يزدهر وضعه من الفلسطينيين تحت الاحتلال الصهيوني بعد تشريد وإبادة وإفقار وحصار معظم الشعب الفلسطيني؟ وهل يمكن أن نردد مع الصهاينة أن هذه الاستثناءات دليل على فوائد المشروع الاستيطاني؟ فما باله لم يفد الجميع إذن؟ ولماذا يريد أن يكون الأهالي مجرد “عينات” في حديقته كالحيوانات النادرة لدعم دعوى التعددية؟

28-في ظل الإبادة التي تعرض لها السكان الأصليون، ما هي فوائد المواقف السلمية والاستسلامية التي وقفها البعض في درء الكارثة النهائية؟

29-لماذا يستيقظ ضمير البيض دائماً بعد فوات الأوان وقضاء الوطر من الجريمة؟ ولماذا لا يتعلمون مما مضى ولا يعيدون الحقوق رغم دموعهم المزيفة؟ ولماذا يكررون الجريمة بأشكال جديدة ضد أناس جدد؟ وهل الدموع المسفوحة دليل تطور في القيم أم مجرد ندم لا طائل منه إلا في تبييض صفحة المجرم؟

30-وما هو ثقل القوى اليسارية والليبرالية في إنصاف المظلوم؟ ولماذا كانت هذه القوى تتعاون مع السياسات الجائرة بدعوى العمل على التمدين أو تلافي الأسوأ الذي ينتظر السكان الأصليين؟ وهل يمكن الاعتماد على هؤلاء في استعادة حق؟

اقرأ أيضا: “سليم هندي أحمر” في محاولة لكشف زيف الحضارة الغربية.

31-ما هو هدف الاستعمار الاستيطاني من بذل الوعود للسكان الأصليين بإقامة دولة مستقلة لهم؟ وما هو مصير هذه الوعود والمشاريع التي تبنتها مختلف الدول الأوروبية في أمريكا؟ وكيف يمكن أن نستفيد من هذه التجارب ونحن بصدد نفس الوعود اليوم؟

32-ما هو السر في اهتمام المشاريع الاستيطانية بالبحث عن حجج تاريخية تثبت جذوراً للمستعمِر في المستعمرة؟ وفي ظل قيام المهاجرين الأوربيين بمحاولة اختلاق جذور لهم في أمريكا رغم غرابة هذه الفكرة، ما هي أهمية الجذور التاريخية التي يدعيها الصهاينة في فلسطين؟ وهل بالفعل ينطبق على الاستعمار الاستيطاني صفة “العودة” إلى أرض الآباء أم هو مشروع عدواني “يراعي” جذوراً مختلقة ويعمى عن الجذور الراسخة للسكان الأصليين وهو يختلف عن العودة واللجوء اللذين يتمان بطرق سلمية كما يعرفهما العالم؟

33-لماذا يقدم المستعمِرون المؤن والمساعدات للسكان الأصليين بعد حرمانهم من أراضيهم ومصادر رزقهم؟ هل هذا بسبب المشاعر الإنسانية أم أن إطعام الضحية ورشوتها أرخص من قتالها؟

34-لماذا نلاحظ تكرار استخدام العبارات المبهمة في المعاهدات والقرارات التي تخص السكان الأصليين وحقوقهم والتي ينشب الخلاف على تفسيرها عشرات السنين تتعطل فيها الحياة؟

35-لماذا تتكرر ظاهرة ارتكاب المجازر في المشاريع الاستعمارية والاستيطانية؟ هل هي مجرد حوادث غير مقصودة وأضرار جانبية أم أن لها دوافع استراتيجية وسياسية وشخصية أكبر من ذلك؟

36-لماذا يثور المستوطنون في النهاية على الدولة التي رعت غرسهم في أرض غريبة؟ وهل هذه الثورات ثورات تحررية أم مجرد خلافات بين اللصوص على اقتسام الغنيمة المسروقة من طرف ثالث؟

37-لماذا تكرر الكيانات الاستيطانية حشر السكان الأصليين في محميات خاصة بهم بعيداً عن المستوطنين رغم أنها تدعي أنها تحمل الحضارة إليهم وتعمل على تطويرهم؟ وما هي ظروف الحياة في هذه المحميات؟ وهل المقصود منها هو العزل أم التمدين؟ وما هو مستقبل الحياة فيها؟

38-ما هو دور الشرطة المحلية التي ينشئها الاستعمار بدعوى ضبط الأمن بين السكان الأصليين؟ هل الهدف هو الأمن أم القضاء على المقاومة؟ وما هو مفهوم الأمن أصلاً لدى الاستعمار؟ وهل هو مطابق لمفهوم الأمن لدى الأهالي؟ فلماذا إذن تصبح هذه الشرطة المحلية سوط عذاب عليهم؟

39-ما هو جدوى المراهنة على القوانين الدولية والمنظمات العالمية والجمعيات الخيرية واللجان الإنسانية ولجان التحقيق في استعادة الحقوق لأصحابها؟ وماذا قدمت هذه البنود لمن قبلنا وننتظر أن تقدم لنا؟

40-ما هي دلالة أن المشروع التمديني الأمريكي لم ينجح في نقل مهارة “حضارية” إلى السكان الأصليين بطريقة تجعلهم يتفوقون فيها بشكل واضح سوى القمار؟ وماذا نقل لنا الصهاينة من مهارات وعدونا بها عندما حلوا ببلادنا؟ ولماذا كان اهتمامهم هو احتكار التقدم أكثر من نشره؟

اقرأ أيضا: نحو فهمٍ أفضل للهيمنة الأمريكية.

هذه كثير من الأسئلة التي تتعلق بواقعنا ويمكن أن يجيب عليها قراءة التاريخ الأمريكي الذي يقدم نماذج واضحة ومثيرة أكثر من الاهتمام المتحفي بتيجان الريش التي كان زعماء الهنود يرتدونها، هذه تساؤلات لبيان أهمية قراءة التاريخ، الإجابة يجب أن يبحث عنها القارئ وهو يتصفح المراجع ويقارن الأحداث.

 قد حاولت الإجابة على كثير من هذه الأسئلة في سلسلة “أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء” ما صدر منها وما هو تحت الطبع، كما أن مراجع التاريخ متوفرة ويمكن استخلاص الإجابات من الحوادث أينما حصلنا عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى