من كان يتصور أن ترامب سيرقى بسرعة ليصبح حبيب العرب! 

من يذكر ويتذكر من المسلمين، والعرب منهم على الخصوص، الكم الهائل من السب والشتم الذي وجهه دونالد ترامب للمسلمين طوال حملته للانتخابات الرئاسية ولا زال يفعله؟

من يتذكر قرارات ترامب التي تمنع المسلمين حصريا من دخول أمريكا؟  من يتذكر وصف ترامب للإسلام بأنه دين إرهاب؟ من يتذكر طرد ترامب لمسلمة أمريكية محجبة من قاعة كان يلقي فيها خطابا لحملته الانتخابية؟

بعض جرائم ترامب منذ توليه رئاسة أمريكا في 20 يناير 2017م

ومن يتذكر أن في صبيحة يوم تعيين ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية (19-20 يناير 2017م)، قدم الطيران الأمريكي هدية دموية لأهل السُّنة في الشام بقصفه لمعسكرات تدريب للثوار في منطقة الشيخ سليمان غرب مدينة حلب، قُتل على إثره أكثر من مائة من الثوار الذين رفعوا سلاحهم ضد نظام آل الأسد وحلفائه في الشام ولم يعلنوا قط حربا على أمريكا؟

التحالف الدولي يستهدف معسكرًا لجبهة النصرة بريف حلب

ومن يتذكر أن أول عمل قام به ترامب بعد توليه الرئاسة هو مجزرة مروعة في قرية يكلا بمحافظة البيضاء في اليمن، حيث قتلت قوات إرهابية أمريكية فجر يوم الأحد، 29 يناير 2017م، 15 طفلا وامرأة، وعددا من الرجال؟ وهل يتذكر أحد أن أيامها دشن ناشطون مسلمون على مواقع التواصل الاجتماعي أوسمة: #الارهاب_الامريكي_يقتل_اليمنيين، #مجزرة_يكلا، #أمريكا_تقتل_أطفال_اليمن، #أمريكا_تساند_الحوثي_وعفاش؟

ومن يتذكر قَصف ترامب لمسجد عمر بن الخطاب في قرية الجينة بريف حلب الغربي أثناء أداء صلاة العشاء مساء يوم الخميس 16 مارس 2017م، قُتِلَ على إثره ما لا يقل عن 46 من المسلمين وأصيب العشرات بجروح؟

ومن يتذكر القصف الأمريكي لحي الموصل الجديدة في العراق يوم 17 مارس 2017م والذي قُتل فيه أكثر من 700 من المدنيين وأصيب عدد كبير بجروح بالغة، ولم يستطع أهل الموصل حتى بعد أسابيع من انتشال كل القتلى من تحت الأنقاض؟

ومن يتذكر قصف ترامب المتعمد لسد الفرات يوم 26 مارس 2017م لإنهاء إمكانية توليد السد للكهرباء، باستهداف صاروخ موجه بدقة لغرفة القيادة والتحكم بالسد ليدمر كافة تجهيزات التحكم بالتوليد الكهربائي لعنفات وبوابات السد. ثُم لمنع إصلاح السد، استهداف الأمريكيان بعدها بأيام المهندس أحمد الحسين مُسيّر أمور السد، ومساعده حسن الخلف مديـر محطة تحويل الرقة، وعامل فني يدعى فراس الحسين، أثناء ذهابهم لعمل الصيانة داخل السد؟

هذا غيض من فيض من جرائم دونالد ترامب في وقت جد وجيز منذ توليه رئاسة أمريكا في 20 يناير 2017م!

دائمًا نكرر نفس السذاجة

فمن يذكر ويتذكر جرائم ترامب؟ ومن يتذكر جرائم أمريكا في العراق منذ 1991م والتي قُتل فيها بضعة ملايين من المسلمين وسُوِّيت مدن وأحياء بسطح الأرض، وهُجِّر الملايين، ونُهبت آلاف المليارات من خيرات وأموال العراق!؟ من يتذكر مجازر الفلوجة التي قام بها الجيش الإرهابي الأمريكي والتي استعمل فيها أسلحة محظورة دوليا!؟ ومن يذكر ويتذكر جرائم أمريكا في أفغانستان والصومال والسودان وغيرها من بلاد المسلمين؟

http://gty.im/1930396

ومن يذكر الاحتلال العسكري المباشر في دول الخليج وتمركز عشرات آلاف جنوده في مختلف البلدان الإسلامية وتمركز قواعد عسكرية أمريكية فيها؟ ومن يذكر ويتذكر معتقل غوانتنامو، وتعذيب أمريكا لعشرات آلاف المختطفين المسلمين في مختلف المعتقلات السرية والعلنية عبر العالم، ليس أبو غريب في العراق إلا أحدها، ومع ما تسرب من تعذيب وحشي وإهانات لسجنائه، إلا أنه (أي معتقل أبو غريب) ربما أقل المعتقلات الأمريكية وحشية، أمَّا أبشعها فالمعتقلات الأمريكية السرية في الدول العربية وباكستان وأفغانستان وبعض دول شرق أوروبا.

جرائم إرهابية لا تُحصى تمارسها أمريكا بكل شراسة وإصرار على المسلمين دون انقطاع منذ عقود، كلها تُمحى وتُنسى ببضعة تصريحات وبضعة صواريخ قصفت مطار الشعيرات الفارغ التابع لنظام آل الأسد، المطار الذي استأنف مباشرة في اليوم التالي عمله لتحمل طائراته الموت هذه المرة بقنابل النابالم بدلا من غاز السارين! حتى قصف أمريكا لمدينة الموصل أياما بعد قصف الشعيرات والذي قُتل فيه حوالي 173 شهيداً معظمهم من الأطفال وجُرح أكثر من 200 شخصا لم يذكره المفتونون بترامب، وكأن لسان حالهم يقول: العرب اطَّلعوا على الأمريكان الذين قصفوا الشعيرات، فقالوا لهم افعلوا فينا ما شئتم، فكل شيء مغفور لكم!

حملة دعائية مجانية لترامب

لا دول أوروبا ولا الناتو ولا روسيا ولا الصين ولا إسرائيل ولا أمريكا نفسها ضخموا قصف ترامب لقاعدة الشعيرات، لكن العرب-أكثر شعوب العالم اضطهادا من قِبَل أمريكا-فعلوا ذلك، قاموا بحملة دعائية مجانية لترامب لم يكن يحلم بها ولا يترقبها، حتى إن أحد المغفلين سمَّى مطعمه البسيط الوسخ على الحدود التركية-السورية على اسم ترامب! بل والدعاية لترامب قام بها حتى من يُحسبون على الطبقة “المثقفة” و”النخبة” من المسلمين، قام ويقوم بها صحفيون ومنظرين ومحللون سياسيين وأكاديميون ومشايخ.

طالما كانت هذه “النخبة” تطعن في أمريكا، فتبين أن طعنهم السابق لأمريكا لم يكن عن عقيدة راسخة ثابتة وعن وعي سياسي شرعي ولا عن براء تام خالص من الكفار كما أمر الله، وإنما طعنهم لأمريكا كطعن الزوجة في زوجها ليس كُرْهاً له ولا رغبة في الانفصال عنه، ولكن لتقصيره في رعايتها! هكذا حال هؤلاء العرب، فقد تبين أنهم يَرَوْن في أمريكا سيدتهم ووَصِيَّةً عليهم، فإذا لم ترعى مصالحهم غضبوا منها، وإذا قامت بفعلٍ فيه خدمة لهم (حسب تقييمهم وظنهم) شكروا لها ومجَّدوها وفرحوا بها وغازلوها، هكذا نفسية العبيد!

http://gty.im/665506436

عاد أمل العبيد في أمريكا التي تذبحهم منذ سنين ولا زالت، وتَعَلّق أمل العبيد بترامب الذي يلعن المسلمين ويسبهم ويهينهم ويهين الإسلام ليل نهار، تعلق أملهم به كما تعلق من قبل بأوباما وبوش وكلينتون،-مات الملك، عاش الملك-! عاد أمل العبيد في أن أمريكا ستعينهم هذه المرة وسترحمهم وستقلع بشار الأسد، فصاروا يتطايرون تغريدات وتصريحات ترامب ومعاونيه كأنها آيات قرآنية يتعبدون بها ويستبشرون بها خيرا، أصبح كل واحد من هؤلاء العرب العبيد بوقا لأمريكا، غالبهم يعمل الدعاية لترامب بالمجان وبعضهم يتملق بها لأمريكا ويرجو حظوة ومالا، وآخرون مستأجرين الخ!

بعض من التغني بترامب بعد قاعدة الشعيرات

ولما رأت أمريكا سذاجة العرب العبيد وغبائهم وعاطفيتهم وسهولة التلاعب بهم بأبسط الألاعيب والتصريحات المجانية، استغلت الفرصة، فركبت الموجة وتمادت في تصريحات يصفق لها العبيد ويتطايرونها.

ولننظر لبعض ما كتبه وقاله العبيد وما نقلوه عن أمريكا وترامب بعد قصف قاعدة الشعيرات:

  • من التصريحات التي تطايرها العبيد واستبشروا بها خيرا: “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يهاجم بشار الأسد وينتقد استمرار روسيا في دعمه”، “ترامب: دعم روسيا للأسد مضر لها ولكافة البشر”، “البيت الأبيض: أميركا مستعدة لتوجيه ضربات جديدة ضد نظام الأسد”، “البيت الأبيض: لا يمكن تخيل السلام في سوريا في ظل حكم الأسد”، “وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون: نهاية حكم آل الأسد في سوريا باتت قريبة”.
  • وأحد المحللين توصل لاستنتاج عبقري، حيث كتب: “انطلاق صواريخ أمريكا لتفجير القواعد بعد المجزرة الكيميائية التي تم تنفيذها في منطقة إدلب، أدى إلى انخفاض درجة إنجازات روسيا وإيران في سوريا”.
  • وأحدهم اكتشف فجأة أن مجلس الأمن، وبعد سبعين عاما على تأسيسه ودوره في إنشاء دولة الاحتلال وغزو وتدمير العراق وأفغانستان وتمزيق السودان الخ، اكتشف فجأة أن هذا المجلس كان يضحك طوال الوقت على الشعب السوري، وفرح بكشف ترامب وابنته لألاعيب الأمم المتحدة (ونحن نتكلم عن الأمم المتحدة التي أسستها أمريكا نفسها)، حيث كتب: “لسنوات ضحكوا على الشعب السوري بالفيتو ومجلس الأمن والقرارات الأممية والمبعوثين الدوليين. بينما ترامب قصف النظام لمجرد أن ابنته حثته على ذلك”(ا.هـ). ونحن نعلم تأثير النساء الشقراوات الغربيات على العرب خاصة، فلا نستبعد أن عقول بني قومنا تصبح مغيبة حين تتحدث عنهم فتاة شقراء، خصوصا إذا كانت حسناء وابنة رئيس أمريكا!

http://gty.im/487396162

  • والتصريح الذي نال أكبر نسبة من التطبيل والفرح هو قول دونالد ترامب: “بشار الأسد شرير يرمي الناس بقنابل الغاز والبراميل المتفجرة. إنه حيوان”. نسي العرب الأغبياء أن أمريكا تقتل المسلمين بقنابل أكثر تدميرا ووحشية، منها الفسفورية والمنضبة باليورانيوم، وأمريكا البلد الوحيد في العالم الذي استعمل قنابل ذرية قتلت في ثوان عشرات الآلاف من المدنيين في اليابان وشوهت مئات الآلاف! ونسي الحمقى أن نفس ترامب الذي سبَّ بشار الأسد، وجه شتائم أعنف وأقبح للمسلمين قاطبة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر شتما على العلن في حديث تلفزيوني لقناة فوكس نيوز الأمريكية، في شهر يناير 2017م، حيث قال ترامب: “كنت في بروكسل قبل عشرين سنة، كانت مدينة جميلة، كل شيء جميل فيها، أما الآن فقد تحولت (بسبب المسلمين) إلى حفرة من جهنم”!
  • وأحد إعلاميي الثورة الشامية، هادي العبد الله، خرج إلى شوارع الشام ليأخذ آراء الناس عن قصف ترامب لقاعدة الشعيرات، وترجمها بالإنجليزية ونشرها ليقدم برهان الولاء للعم “سام”، فمما قال أحدُ الذين سألهم الإعلامي: “الله يعطي العافية لترامب”. وطبعا نعلم عن تسجيلات استقصاء الآراء أن المخرج يقص ويلصق ويعرض ما أمكن الآراء التي تخدم الرسالة التي يريد بعثها ونشرها والتسويق لها.

  • ويعلق الإعلامي هادي العبد الله على تصريح الرئيس الأمريكي دونالد بأن بشار الأسد حيوان، قائلا: “هههه رهيب هالزلمة”(ا.هـ)! قلتُ: نعم، هو رهيب فعلا، ولازال سيرى المسلمون إرهابه الأكبر!
  • ويكتب هادي العبد الله: “التصريحات الأمريكية خلال اليومين الماضيين: بشار_الأسد_حيوان، الأسد جزّار، حكم عائلة الأسد اقترب من نهايته. هذه التصريحات ليست عبثية أبداً”!
  • ويكتب إعلامي آخر، أحمد موفق زيدان: “الواضح الآن أن الإدارة الأميركية في عهد ترامب أعلنت خطها الأحمر واقعاً وفعلاً ممثلاً بمنع استخدام الكيماوي وهو ما يعني أن الشيك على بياض الذي كانت تمارسه العصابة الحاكمة مدعومة بالإيراني والروسي لم يعد موجوداً، وبالتالي القدرة على التفوق على الثوار والمعارضة بوجود الكيماوي واستخدامه لم تعد موجودة، مما سيحدّ بشكل كبير التفوق على الثوار خلال تقدمهم”! وأضاف أحمد موفق زيدان: “لكن بالمجمل ما بعد الضربة لن يكون كما هو قبلها، وإن كان البعض يضعها بداية لحرب عالمية ثالثة بين روسيا وأميركا، فإن الضربة تؤشر بالتأكيد على مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، ولن يكون بمقدور روسيا الاستفراد في الشام، فاللاعب الإقليمي إيران سيكون أداة وليس فاعلاً كما كان من قبل، فحين تتقاتل الفيلة يدفع الثمن العشب…”! العجب أن يكتب زيدان هذا الكلام أياماً فقط بعد نشره لمقالة تحت عنوان: “أمريكا حسمت خيارها بالانضمام للثورة المضادة ضد الحرية”! تخبط في المواقف لا نظير له، وتطلع لأمريكا لا حَدَّ له!

هذا غيض من فيض من تصريحات وتعليقات العرب، كلها تعليقات وتحليلات تستحق أن تُضاف إلى الروايات التي جمعها جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه “أخبار الحمقى والمُغَفَّلين”!

أتنصرنا أمريكا أم تتسارع على رأسنا؟

عبيد هم من يتطايرون تصريحات ترامب وأمريكا ويستبشرون بها خيرا، وكيف يستبشرون خيرا بمحض الشر والخبث {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} (الأحقاف)!

أفيقوا، أمريكا ودول الغرب عامة لا يهمهم قتل المسلمين، ولا يهمهم أيُقتلون بالغازات السامة أو بقنابل النابالم والفسفور الحارقة أو بالبراميل المتفجرة أو بالقنابل العنقودية أو بالقنابل الارتجاجية، أو يُقتلون جوعا! فنفس الغرب استعمل أبشع أدوات القتل والتعذيب طوال فترة احتلاله المباشر لبلدانكم! هل نسيتم جرائم بريطانيا في مصر والعراق وفلسطين؟ هل نسيتم جرائم إيطاليا في ليبيا؟ هل نسيتم جرائم فرنسا في الجزائر والمغرب وتونس ولبنان وسوريا؟ هل نسيتم كيف قضت فرنسا وإسبانيا على ثورة عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي باستعمالهم أسلحة كيماوية من بينها غاز الخردل؟ هل نسيتم تجارب فرنسا النووية على أهل الجزائر؟ هل نسيتم استعمال أمريكا لأسلحة “محرمة دوليا” في العراق وأفغانستان والتشوهات التي ولد بها أعداد من أبناء المسلمين بسببها؟

http://gty.im/88808018

وما أسخف التحليلات التي تدَّعي أن روسيا قصفت مشفى خان شيخون الذي نُقل إليه ضحايا القصف بالغازات السامة، لتدمير أدلة استعمال الغازات! لا يا عباقرة، اعلموا أن الغرب والشرق الكافرين لا يُعَنُّون أنفسهم لإخفاء جرائمهم ولا أدوات إبادتهم لكم. جثث القتلى بالغازات يمكن بسهولة اكتشاف مادة الغاز فيها حتى لو تفجرت! فروسيا قصفت المشفى ليس لإتلاف أدلة، بل لقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين، فمن لم تقتله الغازات السامة تقتله القنابل بعد نقله للمشفى، وروسيا قصفت أيضا مقر الدفاع المدني بخان شيخون حتى لا تصل أي مساعدات وإسعافات للمصابين! ثم ما هذا الاستخفاف بدماء المسلمين وبناياتهم المدنية، تتكلمون عن قصف المشفى لمحو أدلة القتل بالغاز، وتنسون جريمة أبشع تتمثل في قتل المرضى ورجال الدفاع المدني وتفجير مشفى ومقار الدفاع المدني!؟ يعني روسيا تُعَنِّي نفسها لتدمير أدلة استعمال غازات سامة، ولا يهمها تَرك أدلة جرائم ضد الإنسانية بقتل المرضى وتدمير مشفى!؟ أين عقولكم يا عرب!

أفيقوا، إذا ظننتم أن أمريكا ستنهض لتحميكم من قتل نظام آل الأسد لكم، فمن سيحميكم من قتل أمريكا لكم؟ وإذا ظننتم أن أمريكا ستحاسب نظام آل الأسد على جرائمه ضدكم، فمن سيحاسب أمريكا على جرائمها ضدكم؟

http://gty.im/495413681

أفيقوا، الغرب والشرق الكافرين، يتناوبون ويتعاونون على قتلكم ومحاولة إبادتكم منذ الغزو الصليبي الأول والغزو التتري، فإن كانت تجاذبات بينهم، فليست حبا فيكم أيها المسلمون ولا حرصا عليكم، ولكنه تسابق وتنافس بين الغرب والشرق الكافرين للحصول على الحصة الأكبر من استعبادكم ونهب خيراتكم وقتل أبنائكم، فالشرق والغرب لا يتصارعون لحمايتكم ولكن لقتلكم وإبادتكم وإذلال واستعباد من تبقى منكم.

من أسقط النظام ستكون له الكلمة بعده

أفيقوا، فالسؤال ليس هل بإمكان أمريكا إسقاط نظام الأسد وهل تريد أمريكا التدخل عسكريا في الشام، ولكن السؤال هو هل يريد المسلمون الأحرار أن تُسقِط أمريكا نظام آل الأسد! فالمسلم الحر يرفض رفضا قاطعا أن تُسقط أمريكا نظام آل الأسد، فكل عاقل يعلم أن من أسقط النظام ستكون له الكلمة بعده! المسلم الحر يعلم علم اليقين أن أمريكا إن تدخلت عسكريا في الشام وأسقطت نظام آل الأسد، فإنها ستستمر في استعبادهم بوضع نظام عميل بديل أشد بطشا ووحشية. فها هي العراق تدخلت فيها أمريكا لقلع نظام صدام، والنتيجة إبادة ملايين المسلمين من أهل السُّنة وعذاب وإذلال فاق ما فعله التتار بالعراق لما اجتاحوها قبل حوالي ثمانمائة سنة!

أفيقوا، فليس السؤال ما تريد أمريكا وما تخطط له، ولكن المهم ما يريده المسلمون وما يخططون له! حريتكم أيها المسلمون لن تمنحها لكم أمريكا ولا روسيا ولا الأمم المتحدة، فهؤلاء هم من يستعبدونكم ويقتلونكم، وهم من صنعوا الأنظمة الطاغية الإرهابية ونَصَّبُوها عليكم لتذيقكم الذل والعذاب والفقر منذ عقود! حريتكم لن تحصلوا عليها إلا بسواعدكم وقوتكم وإيمانكم بالله وإخلاص العمل له! وحماية أهليكم ودياركم لن تتحقق إلا بسواعدكم واجتهادكم في الأخذ بأسباب الحماية والدفاع، فطائرات العدو ستستمر في قتل المسلمين ما دمتم لا تصنعون أسلحة مضادة للطائرات، وما دمتم لا تصنعون طائرات وتدربون طيارين مسلمين يغزون سماء الشام والعراق ويقفون سدا منيعا أمام طائرات العدو، تماما كما يصد المجاهدون على الأرض تقدم الأعداء في الشام! فهل للغرب عقول استطاعت صناعة طائرات قبل مائة سنة، وأنتم ليست لكم عقول وهمة أيها المسلمون!؟

أفيقوا، ما أغبى وأحقر أن تفرحوا بتدخل أمريكا، حتى لا تستفرد روسيا بالوضع في الشام! فأولا لم تكن روسيا قط منفردة في القتل والإرهاب والعربدة في الشام، بل تدخلها وإرهابها تقوم به بتنسيق كامل مع أمريكا وبرضاها وموافقتها. ثم الأصل أن من يريد التحرر يعمل جاهدا لإبعاد أكثر ما يمكن من الأعداء من الساحة، وليس يفرح بجلب أعداء جدد!

خلق الفوضى في الوطن العربي

أفيقوا، لا تروجوا لترامب وأمريكا، لا تتطايروا تغريدات وتصريحات ترامب ومعاونيه! هل رأيتم الغرب يتطاير تصريحات النصر والعزة التي ينشرها الثوار المخلصون في الشام، أم أنه يعتبرهم إرهابيين ويغلق حساباتهم على تويتر والفيسبوك واليوتيوب، ويتطاير كل خبر وتصريح يشوه صورة الثوار المسلمين الأحرار!؟

أي تطبيل لظالم ضد ظالم مجرم هو من الغباء السياسي والخلل العقائدي

تعلموا شيئا من السياسة والديبلوماسية والرزانة والثبات! فإن ضرب ظالمٌ ظالماً كما ضربت أمريكا العدوة الظالمة نظام الأسد العدو الظالم، وكان في ذلك تفريج نسبي عن المسلمين، فاصمتوا ولا تعقبوا لصالح هذا الظالم ولا لذاك! فأي تطبيل لظالم مجرم محارب (خصوصا إذا كان كافرا) ضد ظالم مجرم هو من الغباء السياسي القاتل والخلل العقائدي الفادح {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113)} (هود)، …. {تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)} (المائدة)، … {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} (النساء).

اعلموا أنكم ركنتم للروس وذهبتم للآستانة وجعلتم روسيا ضامنا لثورة الشام، بحجة أن ركونكم لروسيا سيخلق خرقا في الصف الإيراني-الروسي-السوري، وستكسبون روسيا لجانبكم ضد نظام آل الأسد وإيران، فما كان إلا أن ازداد طغيان روسيا وإيران ونظام آل الأسد، وطُهِّرت المزيد من المدن من أهل السُّنة برعاية روسية، وقصفكم نظام آل الأسد بغازات سامة برعاية روسية! والآن تريدون الركون لأمريكا وتطلبون منها التدخل المباشر في الشام، بحجة إضعاف روسيا! أين عقولكم يا عرب!

فأصحاب النفوس الذليلة لا يعرفون إلا المعيشة في الأقفاص، إما في القفص الروسي أو الأمريكي، ولا يحلوا لهم مقامٌ إلا تحت وصاية الغرب أو الشرق! ليس لهم العزيمة والرغبة في التحرر من الغرب والشرق، ليست لهم الهمة لخوض الحروب المفصلية والى النهاية، لا يتمموا حربا قط، يتوقفون عند منتصف الطريق، يبحثون دوما عمن يقاتل عنهم ثم يستعبدهم!

اعلموا أيها المسلمون أن طغيان الغرب والشرق الكافرين في بلاد المسلمين لن يزول بتصادم وحرب بين أمريكا وروسيا، أو بين أمريكا والصين، ولا تتواكلوا وتترقبوا مواجهة بين أعدائكم لتخرجوا فجأة متحررين، ولكن الطغيان لا يزول إلا بإيجابيتكم وقوتكم الذاتية وانتصاركم عليهم كلهم وطردهم من بلاد المسلمين، تماما كما اعتمد صحابة رسول الله على أنفسهم وأعدوا العدة وحاربوا الفرس والروم في العراق والشام وطردوهم منها.

العبيد الأغبياء يظنون أن حرب عالمية ستحدث بين روسيا وأمريكا على الشام وبسبب نظام بشار الأسد، والحقيقة أن هناك فعلا حرب عالمية في الشام والعراق، لكنها حرب توحدت فيها كل قوى العالم بما فيها أمريكا وروسيا لقتال أهل السُّنة، فلا ملجأ لكم إلا إلى الله والتوكل عليه وحده ثم على المسلمين والأخذ بأسباب القوة، لا طريق للتحرر غير هذا، وإن عدلتم عن هذا الطريق فستبقون عبيدا، تعيشون أذلاء وتموتون أذلاء!

شيئا من الوعي السياسي ننتظره من “النخبة المثقفة” المسلمة خاصة، إلى متى تنطلي عليكم تصريحات الغرب وتتركوا الوقائع والقرائن العملية على أرض الواقع؟ والى متى تتركوا آيات القرآن وسُنَّة الرسول التي ترشدكم إلى الطريق الصحيح وتبين لكم حقيقة الكفار وكيف يجب التعامل معهم؟


مراجع

كيف يرى أهالي خان شيخون الضربات الأميركية ضد الأسد. استطلاع رأي يرصد آراء شريحة منهم

‘Trump Restaurant’ opens in Kobani, Rojava, Syria

“Good job Mr.President, but it’s not enough” – Syrians views of US strikes

احمد موفق زيدان: الضربة الأميركية للشعيرات .. فض عتب ولكن ؟!

Trump: Brussels is a Hell Hole, Because of Muslims

فاروق الدويس

مسلم مُتابع للأحداث في البلدان الإسلامية خاصة، يحاول المساهمة في معركة الأمة المصيرية بأبحاث ومقالات… More »

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. أسأل الكاتب .هل أنت عربي أم لا. فان كنت عربي فتنطبق عليك الصفات التي تلوكها ضد العرب. وان كنت غير عربي فانت عنصري…
    أنا عربي ولايهمني مواقفك ولا مواقف زيدان . ولست منخرطا في عبيد بوتين او عبيد ترامب . أو عبيد من يكتب على شاكلتك.. واعتقد أن 80%من العرب لا علاقة لهم بذلك فانتم تدخلون الأمة في الفتن ثم تصبحون أبطالا على الورق.. ثم تسبون العرب..أنا مسلم والحمد لله وعلى سنة رسول الله ولا أسب أمة العرب.. حياءا من رسول الله..ولاآخذ العرب بجريرة 20%منهم .. هل قلبي بربك هل كانت الثورة السورية بتخطيط من السوريين ودراسة مستفيضة لامكانياتهم وقدراتهم وتحديد دقيق لما يمكن فعله واستشراف للمستقبل ونهاياته … ام كانت هذه الثورة مجرد عظمة رما بها اوباما عن قصد ودراسة فجرى وراءها من تسميهم ثوار وكونوا مئات الفصائل والامراء وقادوا شعبهم الى الذبج والقتل والسلخ .هذه الحركات الأسلامية بجميع انواعها الجهادية او السياسية او المنبطحة لانظمة مابعد سايس بيكو كانت وبالا على الأمة.. فلم تنل الأمة منها أي شيء سوى القتل والذبح والاغتصاب والتهجير.. والسبب هو الجري وراء الزعامة والامارة بأية وسيلة .. ثم يأتي كاتب أعطاه الله القدرة على الكتاب فيسب العربي .. هذا العربي المطحون في كل مكان .يحارب في لقمة عيشه . ويتربص في عرضه .. كثرت عليه المذاهب والطوائف والقيل والقال حتى صلاته أصبح يختطفها خطفا والكثير هربوا من المساجد لكثرة الفتن وكثرة القيل والقال.. 60%من العرب أميون وأصحاب الشهادات أكثر أمية بمفهوم الوعي.. كل ما يحيط بالعربي المسكين المسجون في فقره واميته والتي تتربص به الطوائف والعصبيات م من كل جهة للفتك به ..يأتي كاتب مثل هذا غير مسؤول فيسب العرب .. تدعون انكم اتباع رسول الله . الذي كان جاء رحمة يربي الناس ويعلمهم فجعلتم الاسلام نكبة .. والحقيقة أن الكتاب والجماعات والحركات كانوا نكبة على المسلمين عامة والعرب خاصة… والله حتى الحكام العرب كنتم أسباب فتنتهم … واسباب تنازلاتهم الكثيرة .. والمشكلة هي بسيطة أن الحضارة الغربية كانت كاسحة ومدمرة ووسائلها فاتنة وقاتلة . وقد احتلنا الغرب وعرف عنا كل صغيرة وكبيرة.. وهو يعرف الاسلام افضل منا وهو عدو لهذا الدين .. واستغل كل التفاصيل ليرهق الأمة ويفقدها قيمها وتوازنها.. وبدل أن يفهم الإسلاميون هذا الامر ويرسموا خططهم على مدار سنين طويلة أقاها 50سنة .راحوا يدخلون في معارك دنكشوطية تارة مع الأنظمة وتارةأخرى مع امريكا ومرات فيما بينهم …وضاع العربي الغلبان وسط الهدير …. والله لو عملوا من اجل إعادة العربي إلى لغته التي ضيعوها منه لكنا قطعنا نصف الطريق في حربنا مع أعداء هذا الدين .. وللاسف صرنا جزءا من هذا العداء لان عجزنا جعل كل واحد فينا يسفه الآخر… وقد صرح الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قائلا والله ماعرفوا محمدا ولااتبعوه..

    1. الجزء الأول:
      ألا ترى أن كلامك يضرب بعضه بعضا؟
      أنتَ لم يعجبك وصفي الدقيق المحدود للعبيد على أنهم عبيد، لكن في المقابل تضرب أنتَ وتخون وتُجَرِّم كل المسلمين الثائرين والمجاهدين وكل الجماعات الاسلامية، الذين قاموا ليقضوا على العبودية للغرب ويعيدوا الامة الى العبودية الخالصة لله، بل ولسان مقالك يشبههم ب”الكلاب” (يرمي لهم أوباما عَظْم فيجرون وراءه)، أقتبس ما كتبتَ: [كانت هذه الثورة مجرد عظمة رما بها اوباما عن قصد ودراسة فجرى وراءها من تسميهم ثوار](ا.هـ).
      وتضيف قائلا: [وكوَّنوا (الثوار) مئات الفصائل والامراء وقادوا شعبهم الى الذبج والقتل والسلخ .هذه الحركات الأسلامية بجميع انواعها الجهادية او السياسية او المنبطحة لانظمة مابعد سايس بيكو كانت وبالا على الأمة.. فلم تنل الأمة منها أي شيء سوى القتل والذبح والاغتصاب والتهجير..](ا.هـ).
      أنت هنا تقف صراحة الى جانب الانظمة الخائنة العميلة المجرمة الظالمة القاتلة للمسلمين، وتجعل الجماعات الاسلامية هي السبب في كل المصائب التي حلت بالامة، بل وبهذا تُبرِّئ الغرب أيضاً من كل الارهاب والتذبيح الذي يمارسه على المسلمين منذ أكثر من قرن من الزمن!

      وإنه لمن المضحك أن تجعل الجماعات الاسلامية هي السبب في فتنة الحكام وتنازلهم للغرب، وأقتبس من كلامك: [والله حتى الحكام العرب كنتم أسباب فتنتهم … واسباب تنازلاتهم الكثيرة .. ](ا.هـ).

      أما فيما يخص الطريق والاسلوب الذي يجب أو يستحسن للجماعات الاسلامية خوضه للتحرر، فلا أظن أن من يرى في الحكام الظلمة ضحايا فَتَنَتْهُم شعوبهم والجماعات الاسلامية، لا أظُنُّه مؤهلا ليتحدث في هذا الأمر!

      ثم انت تتحدث عن “أمة عربية” ونحن لا نعرف في ديننا شيئا اسمه أمة عربية، بل لا نعرف إلا “الامة الاسلامية” (راجع إن شئت مقالا لي بهذا الشأن: “تصحيح مفاهيم الامة العربية والامة الاسلامية”)، ولما استبدل العرب رابطة الاسلام برابطة العروبة، أصبحوا غثاء لا قيمة لهم، أصبحوا عبيدا للغرب! وهذا القول ينطبق على العرب الذين هذا حالهم، اي الذين جعلوا العروبة هي هويتهم ومشروعهم الذي يجتمعون عليهم ويتطلعون الى الغرب على انه وَصِيٌّ ومسؤول عليهم، ومن ليس هذا حاله من العرب فبالطبع ليس عبدا للغرب!
      ويكفي ان الذي زرع فكرة العروبة ودعى اليها وحشد العرب عليها هو الغرب (بريطانيا)، وعلى أساس فكرة العروبة قامت ما يسمى بالثورة العربية الكبرى التي حاربت الى جانب البريطانيين ضد الخلافة العثمانية وساهمت في إسراع الإجهاض عليها، ونشأت على أنقاضها الدويلات العربية العميلة للغرب التي نراها اليوم ونعيش ظلمها وذلَّها! فكيف لا يكون هؤلاء عبيدا؟

      فتوصيفي ليس من فراغ، ولا افتراء، بل هو حقيقة نراها ونلمسها ولها أعراضها وخصالها!
      فالعبيد هم من يتطلعون الى الغرب على انه وصي ومسؤول عليهم، ويستجدونه ويتطلعون اليه ليتدخل في شؤون بلاد المسلمين وليحل مشاكل مجتمعاتهم وبلدانهم! فمن لم يكن هذا حاله فهو مسلم حر ولا يشعر بأن توصيف العبيد يشمله أو يعنيه! أما من كانت فيه صفات العبيد فلعله ينتبه لحاله ويراجع نفسه ويعمل على قلع صفات وخصال العبودية، فيخرج من زمرة العبيد الى زمرة الأحرار الأعزاء!

      ولا أفهم لماذا عندنا هذا الحساسيات حين نشخص واقعنا وحالنا على حقيقته، لكن لا تتحرك حساسيتنا ونحن نمارس خصال وأفعال ومواقف ما نوصَفُ به!؟ فالأولى أني إذا قلتُ مثلا: “أرجوا من ترامب ان يتدخل ويسقط نظام الاسد” أن يتحرك شعوري وإحساسي، ويأنبني وينبهني أن ما أطلبه هنا هو عين الخنوع للغرب والعبودية له، كيف أجعل للكفار على المسلمين سبيلا!؟
      (يتبع)

    2. الجزء الثاني:

      وانظر ماذا كتب سيد قطب رحمه الله عن العبيد:
      العبيد هم الذين يقفون بباب السادة يتزاحمون، وهم يرون بأعينهم كيف يركل السيد عبيده الأذلاء في الداخل بكعب حذائه، كيف يطردهم من خدمته دون إنذار أو إخطار كيف يطأطئون هامتهم له، فيصفع أقفيتهم باستهانه، ويأمر بألقائهم خارج الأعتاب، ولكنهم بعد هذا كله يظلون يتزاحمون على الابواب، يعرضون خدماتهم بدل الخدم المطرودين، وكلما أمعن السيد في احتقارهم زادوا تهافتاً كالذباب.

      العبيد هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذل.. لابد لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد، أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد، وتراموا على الاعتاب يتمسحون بها، ولا ينتظرون حتى الاشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين .

      العبيد هم الذين إذا أُعتقوا وأُطلقوا، حَسدوا الأرقاء الباقين في الحظيرة، لا الأحرار المطلقي السراح، لأن الحرية تخيفهم، والكرامة تثقل كواهلهم، لأن حزام الخدمة في أوساطهم هو شارة الفخر التي يعتزون بها ولأن القصب الذي يرصع ثياب الخدمة هو أبهى الأزياء التي يتعشقونها.

      العبيد هم الذين يحسون النير، لا في الاعناق، ولكن في الارواح، الذين لا تلهب جلودهم سياط الجلد، ولكن تلهب نفوسهم سياط الذل، الذين لا يقودهم النخاس من حلقات في اذانهم، ولكنهم يقادون بلا نخاس، لأن النخاس كامن في دمائهم.

      العبيد هم الذين لا يجدون أنفسهم إلا في سلاسل الرقيق، وفي حظائر النخاسين، فإذا أنطلقوا تاهوا في خضم الحياة، وضلوا في زحمة المجتمع، وفزعوا من مواجهة النور، وعادوا طائعين يدقون أبواب الحظيرة، ويتضرعون للحراس أن يفتحوا لهم الأبواب.

      والعبيد -مع هذا- جبارون في الأرض، غلاظ على الأحرار شداد، يتطوعون للتنكيل بهم، ويتلذذون بإيذائهم وتعذيبهم، ويتشفون فيهم تشفي الجلادين العتاة.

      إنهم لا يدركون بواعث الاحرار للتحرر، فيحسبون التحرر تمردا، والاستعلاء شذوذاً، والعزة جريمة، ومن ثم يصبون نقمتهم الجامحة على الاحرار المعتزين، الذين لا يسيرون في قافلة الرقيق .

      إنهم يتسابقون إلى ابتكار وسائل التنكيل بالأحرار تسابقهم إلى إرضاء السادة، ولكن السادة مع هذا يَملّونَهم، فيطردونهم من الخدمة، لأن مزاج السادة يدركهم السأم من تكرار اللعبة، فيغيرون اللاعبين ويستبدلون بهم بعض الواقفين على الأبواب.

      ومع ذلك كله فالمستقبل للأحرار. المستقبل للأحرار لا للعبيد، ولا للسادة الذين يتمرغ على أقدامهم العبيد. المستقبل للاحرار لأن كفاح الانسانية كلها في سبيل الحرية لن يضيع، ولأن حظائر الرقيق التي هدمت لن تقام، ولأن سلاسل الرقيق التي حطمت لن يعاد سبكها من جديد .

      إن العبيد يتكاثرون. نعم، ولكن نسبة الاحرار تتضاعف، والشعوب بأكملها تنضم إلى مواكب الحرية، وتنفُر من قوافل الرقيق. ولو شاء العبيد لانضموا إلى مواكب الحرية، لأن قبضة الجلادين لم تعد من القوة بحيث تمسك بالزمام، ولأن حطام العبودية لم يعد من القوة بحيث يقود القافلة، لولا أن العبيد كما قلت هم الذين يدقون باب الحظيرة ليضعوا في أنوفهم الخطام.

      ولكن مواكب الحرية تسير، وفي الطريق تنضم اليها الألوف والملايين، وعبثاً يحاول الجلادون أن يعطلوا هذه المواكب، أو يشتتوها بإطلاق العبيد عليها، عبثا تفلح سياط العبيد ولو مزقت جلود الأحرار، عبثاً ترتد مواكب الحرية، بعدما حطمت السدود ورفعت الصخور، ولم يبق في طريقها إلا الأشواك.

      إنما هي جولة بعد جولة، وقد دلت التجارب الماضية كلها على أن النصر كان للحرية، كل معركة نشبت بينها وبين العبودية قد تدمى قبضة الحرية، ولكن الضربة القاضية دائما تكون لها، وتلك سنة الله في الأرض، لأن الحرية هي الغاية البعيدة في قمة المستقبل، والعبودية هي النكسة الشاذة إلى حضيض الماضي.

      إن قافلة الرقيق تحاول دائماً أن تعترض مواكب الحرية، ولكن هذه القافلة لم تملك أن تمزق المواكب يوم كانت تضم القطيع كله، والموكب ليس فيه إلا الطلائع، فهل تملك اليوم وهي لاتضم إلا بقايا من الأرقاء، أن تعترض الموكب الذي يشمل البشرية جميعا .
      وعلى الرغم من ثبوت هذه الحقيقة فإن هنالك حقيقة أخرى لا تقل عنها ثبوتاً، أنه لابد لموكب الحريات من ضحايا لابد أن تمزق قافلة الرقيق بعض جوانب الموكب، لابد أن تصيب سياط العبيد بعض ظهور الأحرار، لابد للحرية من تكاليف! إن للعبودية ضحاياها وهي عبودية افلا يكون للحرية ضحاياها وهي الحرية!!

      هذه حقيقة وتلك حقيقة، ولكن النهاية معروفة، والغاية واضحة، والطريق مكشوف، والتجارب كثيرة، فلندع قافلة الرقيق وما فيها من عبيد، تزين أواسطهم الأحزمة ويحلي صدورهم القصب، ولنتطلع إلى موكب الأحرار، وما فيه من رؤوس تزين هاماتها مياسم التضحية، وتحلي صدورها أوسمة الكرامة، ولنتابع خطوات الموكب الوئيدة في الدرب المفروش بالشوك، ونحن على يقين من العاقبة، والعاقبة للصابرين.
      (سيد قطب)

    3. الجزء الثالث:
      وانظر الله كيف وصف من اتخذ بشرا آلهة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}(التوبة). قال الطبري: (أربابا من دون الله)، يعني: سادةً لهم من دون الله، يطيعونهم في معاصي الله، فيحلون ما أحلُّوه لهم مما قد حرَّمه الله عليهم، ويحرِّمون ما يحرِّمونه عليهم مما قد أحلَّه الله لهم.
      واليوم تجد البلدان الاسلامية قاطبة تحتكم للحلال والحرام الذي يحدده الغرب والامم المتحدة، بل ومن المشايخ من يسوغ الحكم بغير ما انزل الله والتحاكم لقوانين وضعية ويتشبت بالوطنيات وحدود سايكس وبيكو التي وضعها الغرب، فألم نتخذ بذلك الغرب رَبًّا لنا؟ ألسنا بذلك عبيد للغرب؟

    4. الجزء الرابع:
      وانظر كيف وصف الله صنفاً من العرب، دون أن تتحرك عند الصحابة النزعة العربية القومية ويحتجوا، حاشاهم، على وصف الله هذا، إذ صاحب علمٍ يعلم أن الكلام ولو جاء بسياق العموم إلا أنه يختص بمن اتصفوا بتلك الصفات، ومن كانت فيه تلك الصفات فإن عليه قلعها وتغيير حاله حتى يخرج من الزمرة التي يقع عليها الذم:
      {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَاللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}﴿٩٧ التوبة﴾
      {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}﴿٩٨ التوبة﴾
      {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}﴿١٠١ التوبة﴾
      {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّايَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْمِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}﴿١٤ الحجرات﴾

      وأحيلك أيضا الى ما كتب ابن خلدون عن العرب، ابتداء من الفصل الخامس والعشرون، باب: في أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط!
      فالعرب لم يكونوا شيئا دون الاسلام وأصبحوا غثاء دون الاسلام كما وصف الرسول! لذلك قال عمر بن الخطاب: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله!

    5. الجزء الأول: (الرجاء لا تحذفوا هذا الرد) ،
      ألا ترى أن كلامك يضرب بعضه بعضا؟
      أنتَ لم يعجبك وصفي الدقيق المحدود للعبيد على أنهم عبيد، لكن في المقابل تضرب أنتَ وتخون وتُجَرِّم كل المسلمين الثائرين والمجاهدين وكل الجماعات الاسلامية، الذين قاموا ليقضوا على العبودية للغرب ويعيدوا الامة الى العبودية الخالصة لله، بل ولسان مقالك يشبههم ب”الكلاب” (يرمي لهم أوباما عَظْم فيجرون وراءه)، أقتبس ما كتبتَ: [كانت هذه الثورة مجرد عظمة رما بها اوباما عن قصد ودراسة فجرى وراءها من تسميهم ثوار](ا.هـ).
      وتضيف قائلا: [وكوَّنوا (الثوار) مئات الفصائل والامراء وقادوا شعبهم الى الذبج والقتل والسلخ .هذه الحركات الأسلامية بجميع انواعها الجهادية او السياسية او المنبطحة لانظمة مابعد سايس بيكو كانت وبالا على الأمة.. فلم تنل الأمة منها أي شيء سوى القتل والذبح والاغتصاب والتهجير..](ا.هـ).
      أنت هنا تقف صراحة الى جانب الانظمة الخائنة العميلة المجرمة الظالمة القاتلة للمسلمين، وتجعل الجماعات الاسلامية هي السبب في كل المصائب التي حلت بالامة، بل وبهذا تُبرِّئ الغرب أيضاً من كل الارهاب والتذبيح الذي يمارسه على المسلمين منذ أكثر من قرن من الزمن!

      وإنه لمن المضحك أن تجعل الجماعات الاسلامية هي السبب في فتنة الحكام وتنازلهم للغرب، وأقتبس من كلامك: [والله حتى الحكام العرب كنتم أسباب فتنتهم … واسباب تنازلاتهم الكثيرة .. ](ا.هـ).

      أما فيما يخص الطريق والاسلوب الذي يجب أو يستحسن للجماعات الاسلامية خوضه للتحرر، فلا أظن أن من يرى في الحكام الظلمة ضحايا فَتَنَتْهُم شعوبهم والجماعات الاسلامية، لا أظُنُّه مؤهلا ليتحدث في هذا الأمر!

      ثم انت تتحدث عن “أمة عربية” ونحن لا نعرف في ديننا شيئا اسمه أمة عربية، بل لا نعرف إلا “الامة الاسلامية” (راجع إن شئت مقالا لي بهذا الشأن: “تصحيح مفاهيم الامة العربية والامة الاسلامية”)، ولما استبدل العرب رابطة الاسلام برابطة العروبة، أصبحوا غثاء لا قيمة لهم، أصبحوا عبيدا للغرب! وهذا القول ينطبق على العرب الذين هذا حالهم، اي الذين جعلوا العروبة هي هويتهم ومشروعهم الذي يجتمعون عليه ويتطلعون الى الغرب على انه وَصِيٌّ ومسؤول عليهم، ومن ليس هذا حاله من العرب فبالطبع ليس عبدا للغرب!
      ويكفي ان الذي زرع فكرة العروبة ودعى اليها وحشد العرب عليها هو الغرب (بريطانيا)، وعلى أساس فكرة العروبة قامت ما يسمى بالثورة العربية الكبرى التي حاربت الى جانب البريطانيين ضد الخلافة العثمانية وساهمت في إسراع الإجهاض عليها، ونشأت على أنقاضها الدويلات العربية العميلة للغرب التي نراها اليوم ونعيش ظلمها وذلَّها! فكيف لا يكون هؤلاء عبيدا؟

      فتوصيفي ليس من فراغ، ولا افتراء، بل هو حقيقة نراها ونلمسها ولها أعراضها وخصالها!
      فالعبيد هم من يتطلعون الى الغرب على انه وصي ومسؤول عليهم، ويستجدونه ويتطلعون اليه ليتدخل في شؤون بلاد المسلمين وليحل مشاكل مجتمعاتهم وبلدانهم! فمن لم يكن هذا حاله فهو مسلم حر ولا يشعر بأن توصيف العبيد يشمله أو يعنيه! أما من كانت فيه صفات العبيد فلعله ينتبه لحاله ويراجع نفسه ويعمل على قلع صفات وخصال العبودية، فيخرج من زمرة العبيد الى زمرة الأحرار الأعزاء!

      ولا أفهم لماذا عندنا هذه الحساسيات حين نشخص واقعنا وحالنا على حقيقته، لكن لا تتحرك حساسيتنا ونحن نمارس خصال وأفعال ومواقف ما نوصَفُ به!؟ فالأولى أني إذا قلتُ مثلا: “أرجوا من ترامب ان يتدخل ويسقط نظام الاسد” أن يتحرك شعوري وإحساسي، ويأنبني وينبهني أن ما أطلبه هنا هو عين الخنوع للغرب والعبودية له، كيف أجعل للكفار على المسلمين سبيلا!؟

    6. الجزء الخامس والأخير
      وأنهي تعليقي برابط لجزء قصير من خطبة طويلة قيمة لمالكوم إكس تحدث فيها عن صفات العبيد،
      ‏https://m.youtube.com/watch?v=CzzDNixPhAI
      https://m.youtube.com/watch?v=NL_cMavweX8

      فكيف لا نصف بالعبيد من يصرون على إبقاء الغرب مهيمنا على بلاد المسلمين ويستجدونه ليل نهار ليتدخل في بلادنا، ويفرحون حين يتدخل الغرب في بلادنا، فهؤلاء العبيد هم أكبر عقبة أمام تحرر المسلمين، كما وصف مالكوم إكس، فالمسلمون الأحرار الأعزاء يقاتلون ويصارعون ليطردوا الغرب من بلاد المسلمين، والعبيد يدخلونه من الأبواب الخلفية! بل ووصلت بهم الوقاحة ليدخلوه من الأبواب الرئيسيّة الأمامية! فهؤلاء هو عبيد “البيت” الذين وصفهم مالكوم إكس في خطبته التاريخية في مطلع الستينات من القرن العشرين!
      وما حرَّكنا قلمنا إلا لنتصدى للعبيد وأسيادهم ولنشارك الأحرار في شق الطريق نحو التحرر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى