ما لا تعرفُه عن محنة الإخوان الأولى، وكيف تغيَّر نهج الجماعة!

لا يخفى اليومَ على أحدٍ ما تعيشُه جماعة الإخوان (الجماعةُ الأم) في مصرَ من محنة شديدةٍ وواقعٍ مؤلم، ولا يخفى أيضًا على أحدٍ أن هذه المحنة لم تكن المحنة الأولى التي تعيشها بآثارها و معاناتها، فلقد حدث ذلك من قبلُ في عهد النقراشي باشا- رئيس الوزراء-واستمرت في عهد خَلَفِه إبراهيم عبد الهادي حين كانت الملكية قائمةً في مصر آنذاك، وكذلك في عهد عبد الناصر  أوائلَ الحقبة الجمهورية في مصر.

صورة لبعض معتقلي الإخوان
صورة لبعض معتقلي الإخوان

ففي كل محنة عاشتْها الجماعة في مصر–ومنها محنة اليوم-نالها من بطش السلطة والتنكيل ما اللهُ به عليم، إلا أن محنة الإخوان الأولى كانت مختلفةً نوعًا ما عن سائر المِحَن التي مرت بها الجماعة، إذ مثلت هذه المحنة أولَ ضربةٍ تتلقاها الجماعة في تاريخها، ولها خصوصيتُها الخاصة بها.

أوجه التشابه والاختلاف بين المحنتين

ولكي يتضح الأمر جلياً، سنبين أوجه التشابه والاختلاف بين المحنة الأولى وبين محنتهم اليومَ، ولكن بأسلوبٍ مختلف قليلًا، فسيكون علينا أن نوضِّحَ ما نالَ الإخوانَ من بطش السلطة و ردة فعلهم على هذا البطش ” في محنتهم الأولى فقط ” ، وسيكون عليك أنت أيها القارئ مُهمة المقارنة بين ما ستقرأه هنا وبين ما تتابعه اليوم من أحوال الإخوان في مصر منذ الانقلاب العسكري الذي حدث بمصر عام 2013م، ولا أعتقد أنه لا يوجد أحدٌ من العرب غيرُ متابع للأوضاع في مصر.

http://gty.im/176503389

تحركات البنا – رحمه الله- لمنع قرارات الحلّ وتفادي حدوث المحنة

تسربت أنباءٌ في الجرائد المصرية عن حلّ جميعة الإخوان المسلمين، فبادر البنا-رحمه الله-جاهدًا لمنع هذا الأمر، فحاول زيارة إبراهيم عبد الهادي –وزير الداخلية حينذاك-ولكنه رفض مقابلته و طلب منه مقابلة عبد الرحمن عمار مدير الأمن العام، فذهب حسن البنا إلى عمار فى وزارة الداخلية، فقابله منفردًا ودارت بينهما مناقشة حادة، قال عمار:

«إن الإخوان قد صاروا خطرًا على الأمن وعلى الدولة، وأن في البلد أجانبَ وقد هدد الإنجليز بالعودة إلى احتلال القاهرة»

وكان أول ما قاله الأستاذ حسن البنا حين عاد إلى المركز العام بصوتٍ مرتفع وكررها:

«خلاص حلونا.»

وذكر الأستاذ البنا أن عمارًا قال له: ” لقد علِمنا أننا إذا نفذنا قرار الحل فإنكم ستنقلبون إلى جمعية سرية” ، فقال الأستاذ البنا : ” هذا طبيعي، فإنكم ستضيقون علينا، وتحرِّمون علينا الاجتماع، وتسلبوننا حريَّتَنا، قد اعتاد الإخوان أن يجتمعوا ويلتقوا ويتزاوروا لأنهم إخوةٌ، وهذا عندهم جزء من العقيدة التي يقدسونها ويتقربون إلى الله بها، فإذا حِلتم بينهم وبين أداء هذه الشعيرة فلابد أنهم سيجتهدون في الحصول على ذلك وتحقيقه بصفة سرية “، وفي هذه الليلة أذاع راديو القاهرة قرار الحل.

نص قرار حلّ الجماعة

أعلن راديو العاصمة في 8/12/1948م القرار العسكري الذي أصدره النقراشي باشا رئيس وزراء مصر، ونصه الآتي:

 «أصدر السيد رئيس الوزراء الحاكم العسكري العام، الأمر العسكري التالي: حل جماعة الإخوان المسلمين وجميعِ شُعَبها في مصر، وإغلاق الأمكنةِ المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها، وحظر اجتماع خمسة أشخاص أو أكثر من أعضائها، وتسليم كل وثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة، لأن الجماعة أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدًا شديد الخطر، وبات من اللازم وقفُ نشاط الجماعة التي تروع الأمن لضمان سلامة أهل البلاد في الداخل وجيوشها في الخارج، وكل من يخالف هذا الأمر يعرض نفسه للحبس مدةً تُراوِح بين ستة شهور وعامين وغرامة تُراوِح بين مئة جنيه وألف جنيه، والموظف أو الطالب الذي يخالف هذا الأمر يُفصَل من عمله أو من معهده».

مظاهر بطش السلطة وتنكيلها بالإخوان: ما أشبه اليوم بالبارحة!!

كان لهذا الأمر الخطير تبعاتٌ شديدةٌ و جليةٌ على الإخوان نوجزُها في التالي:

الاعتقالات بالآلاف:

 بعد إعلان قرار الحلّ اعتُقل كلُّ أعضاء مكتب الإرشاد إلا المرشد العام (الشيخ البنا -رحمه الله-) وجميع أعضاء الهيئة التأسيسية وقادة النظام الخاص–التنظيم العسكري السري للإخوان آنذاك- وكذلك جميع من تعرفه الحكومة المصرية من الإخوان، وكان عددهم بالآلاف، والأدهى من ذلك أنه اعتُقل جميعُ مجاهدي الإخوان في فلسطين.

الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد حرب فلسطين لاعتقالهم
الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد حرب فلسطين لاعتقالهم

التحفظ على الأموال وسياسة تجفيف المنابع:

كذلك عُيِّن بقرارٍ من وزير الداخلية مندوبٌ خاص، تكون مهمته استلامَ جميع أموال الجمعية المنحلة وتصفية ما يرى تصفيته منها، ويُخصَّصُ الناتج من التصفية للأعمال الخيرية أو الاجتماعية التي يحددها وزير الشئون الاجتماعية بقرار منه.

قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالهم
قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالهم

رعاية المعتقلين والمسجونين وذويهم:

على إثر النقطتين السابقتين، قام من لم تطَلْهم أيدي الحكومة من الإخوان بتنظيم رعاية أسر المسجونين والمعتقلين بالنفقة المناسبة قدرَ الإمكان، وكانت المبالغ تأتي من جيوب الإخوان القادرين في مصرَ وفى الخارج، ودُرسَتْ أحوالُ الأسر واحتياجاتهم، كما نظَّم الإخوان أمور الدفاع في القضايا والمحامين عن إخوانهم.

فصل موظفي الدولة أو الطلاب من الإخوان:

جاء في نص قرار الحلّ فصل أي موظف أو طالب جامعي أو غيره إذا ثبت انتماؤهم للإخوان.

قرار حل جماعة الإخوان

شيطنة الإعلام لهم:

قالت أبواق الحكومة الإعلامية من صحافة وإذاعة في ذلك الوقت: إن عدوًا بالداخل أشدُّ شراسةً وأشد خطرًا على مصرَ من الصهاينة في فلسطين قد ظهر فجأة، وأنه لا بد لمصر أن تتخلص من هذا العدو بالداخل بأن تُجهِز عليه قبل أن تفكر في مواجهة العدو الخارجي، وأن هذا العدو هو الإخوان المسلمون، الذين ظهر تآمرهم على قلب نظام الحكم وتخريب كل مرافق مصر تخريبًا تامًا، وأنه لو دخلت العصابات الصهيونية كـ(عصابات الهاجاناه وشترن) إلى مصر فإنها لا تستطيع أن تفعل عُشرَ معشارِ ما عزم الإخوان المسلمون على عمله في مصر من التخريب والتقتيل والإرهاب!!

شيوخ السلطان:

ولم يقتصر الأمر على الإعلام وحسب، بل استخدمت الحكومة علماء السلطان من شيوخ الأزهر؛ إلى حد أن يستصدر الفتاوى الشرعية المضللة لتقول للناس: إن جنود الإسلام الشرفاء الأطهار من الإخوان، ليسوا إلا ممن ينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى:

﴿إِنما جزاءُ الَّذين يحارِبونَ اللَّه ورسولَه ويسعونَ في الْأَرضِ فَسادًا أَن يُقَتلُوا أَو يُصلَّبوا أَو تُقَطَّع أَيديهِم وأَرجلُهم من خلَافٍ أَو يُنفَوا من الْأَرضِ ذَلك لَهم خزيٌ في الدنيا ولَهم في الْآخرة عذَابٌ عظيمٌ﴾.

لقد ضلل النقراشي علماء الأزهر الشريف؛ ليصدروا هذه الفتوى في حق جنود الإسلام الذين يقدمون في كل يوم من الشهداء والجرحى ما سبق أن بيَّنَّا عند وصف المعارك في فلسطين، مستعملًا سلطان المال، فهو الذي يُرَقِّيهم ويصرفُ لهم المرتَّبات، ويختار لهم المناصب وهكذا دائمًا علماءُ السلطان في أي بلدٍ كانوا أبواقٌ للسلطة أيَّا ما كانت وأينما كانت !!

محنة الإخوان بين اليوم والأمس:

والمتابع اليومَ للأحداث العديدة التي مرَّتْ بها مصر منذ الانقلاب العسكري 2013 الأخير، سواءٌ في القنوات الإخبارية أو على مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً حساباتِ الإخوة المصريين، لابد وأن لسان حاله بعد قراءة هذه السطور السابقة: ما أشبهَ اليوم بالبارحة حقًا !!!

لكنْ والله شتانَ شتانَ بين اليوم والأمس، فأنت لم تقرأ إلا مظاهر بطش السلطة تجاه الإخوان، ولم تَدْرِ بعدُ ماذا كانت ردة فعل الإخوان على ذلك وبالخصوص أفراد النظام الخاص للإخوان، فثمةَ اختلافٌ بين ردتَيْ الفعل، وهو ما سنذكره في تقريرنا القادم إن شاء الله تعالى.

فانتظروا تقريرنا القادم وأعِدُك قارئَنا العزيز أنك ستُذهَلُ حقًا وستجد حتمًا لسان حالك يقول: ما أشبه اليوم بالبارحة في التنكيل وحسب!!  أما ردود الأفعال فشتانَ شتانَ.


المصادر:

1-     كتاب النقط فوق الحروف الإخوان المسلمون والنظام الخاص.

2-     كتاب حقيقة التنظيم الخاص.

3-     كتاب التصويب الأمين.

عمّار إسماعيل

المستقبل ليس سيناريو مكتوبًا وعلينا فقط أن نقوم بتمثيله؛ بل هو عمل يجب أن نصنعه… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى