ما هو دورك تجاه الأمة؟
حين نتساءل عن دورنا تجاه الأمة، علينا ألا ننسى تلك الغاية الكُبرى التي خلقنا الله من أجلها، عبادة الله في أرضه، وكما قالها الربعي بن عامر رضي الله عنه:
نحن قومٌ ابتعثنا الله لنخرج العباد، من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد.
ولا نملك أن نسير إلى رب العالمين بمنهجٍ يخالف ما أراده سبحانه وتعالى.
وعلينا أن نعي مراد الله عز وجل منا في كل لحظة بذاتها. ففي الوقت الذي تفضل فيه الجلوس مع صَحبك، لتدارس قصص الأنبياء مثلًا، وكان بوالدتك حاجة إليك في ذلك الوقت فالأولى أن تجيبها إلى حاجتها، وهكذا في كل أمور حياتنا. مثلًا في أوضاع أمتنا الحالية، هل الصواب أن أجمع الناس وأحدثهم عن فقه الطهارة، متغافلًا عما هم فيه من بلاء؟! ليس أنك تهمل هذا الجانب، لا لكن لا يكون هو محور كل الأحاديث.
ولا يستطيع حمل هم هذا الدين من لم يجاهد نفسه في طاعة الله عز وجل. تلك العبادات التي يمنحك الله بها ثباتًا في وجه الباطل، وتقويك في وجه الفتن التي يدسونها يومًا بعد يوم؛ ليشغلوا أهل الحق، ولإلهاء الناس. فإنه لا يصح أن يكون المسلم قوي الفكر ضعيف العبادة. فالإسلام يعلمنا أن الحركة لا تنفصل عن العبادة، بل تقوم على أساسها. وقد قال الله تعالى: “قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا” اتبعها بقوله سبحانه: “إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا”
إعلاء قيم الدين
حتى لا يعلو صوت الباطل، وتصبح خياراتك بين أن تساير هذا الباطل، أو أن تنعزل بهذا الحق الذي تحمله! وهكذا يتسلل الضعف النفسي إليك، ويبدأ خط الانهيار. الاهتزاز النفسي في إعلان شعائر الدين، في ذاته هزيمة. لهذا ما دمت تعرف الحق، فالزمه واصدح به. أتذكر كيف كان الصديق رضي الله عنه، من شدة بطش المشركين في مكة، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة، وفي الطريق، لقيه ابن الدغنة فقال:
والله إنك لتزيين العشيرة، وتعين على النوائب، وتكسب المعدوم. ارجع فأنت في جواري.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يقيم الليل في بيت ذلك الرجل المشرك فيتأثر من يسمعه من المشركين. فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة فقالوا له: يا ابن الدغنة، إنك لم تُجر هذا الرجل ليؤذينا! إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي، وكانت له هيئة ونحو، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا أن يفتنهم؛ فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء. فمشى ابن الدغنة إليه؛ فقال له: يا أبا بكر، إني لم أجرك لتؤذي قومك، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه وتأذوا بذلك منك، فادخل بيتك، فاصنع فيه ما أحببت. فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: “أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله؟” قال: فاردد عليّ جواري، قال: قد رددته.
كان رضي الله عنه مهاجرًا تاركًا بطش أهل مكة، فأجاره واحدٌ منهم، ولم يمنعه من الصلاة فقط اشترط عليه ألا يراه أحدٌ منهم يصلي، فرد عليه جواره؛ فإعلاء قيم الدين أمرٌ لا يُتخلى عنه أبدًا، تلك قوتك الحقيقة مهما اشتد الضعف المادي.
ومن قبله سيدنا بلال رضي الله، لما عجز الصوت عن الاستمرار في ترديد “أحد، أحد” من شدة البطش، ظل يشير رضي الله عنه بإصبعه علامة التوحيد، لأن داخله كان صامدًا حقًا بقوة تلك العقيدة. لله درهم رجالٌ كالجبال شموخًا.
الوعي الديني
فكل مسلمٍ في ذاته، هو مشروع مقاومة؛ لأنه يحمل بين جنبيه عقيدة أبيَة، ترفض الطغيان والظلم. ولأنه يحمل عقيدة تغيرية ثورية. ولهذا عملوا جاهدين على تغييب تلك العقيدة، وجعلوا الدين أغنية نحبب الناس فيها، وتجذبهم إليها. وصار الدين فعليًا أفيونًا للشعوب، فهو يوفر لك من يتكلم في أمورٍ معينة لا يتجاوزها، لا يحدثك إلا عن التسامح والتعايش، أو عن فقه الوضوء فقط ولا ينتقل إلى ما سواه من أبواب الفقه، وبقية الدين أين ذهبت؟! وأصبحت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعرف عنها إلا أمثلة التسامح مع غير المسلمين! وكأنه لم يكن هناك مقاومة، ونشر للدين ودفاع عن المال والأنفس والأعراض والأوطان. وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام لم يكونوا خير مثالٍ على قول الله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
حين تعود تلك العقيدة الغائبة فقط، يستطيع المرء أن يجد غضاضة في مشاركة الكنيسة تعديل مناهج التعليم. أما غير ذلك فسيخبرك أنه من قبيل الوحدة الوطنية وما إلى ذلك!
حينها فقط لن تجد من يعلق على غضب الناس لإغلاق بيوت الله عقب الصلاة قائلًا: وفي ماذا ستحتاج المسجد؟ ألم تؤدِ الصلاة؟! وإذا كنت تجد في الأمر صعوبة، فإن العقيدة ليست هي تلك الكتب النظرية، ابحث عنها في سيرة رسول الله والنبيين أجمعين، في الأحاديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي الواقع، القضية من أولها إلى آخرها دينية. والدين ليس ما يصنعونه، بل فعليًا لا تصلح الدُنيا إلا على يد طلاب الآخرة. هم يعطون ويعمرون، ليلقوا الجزاء في الآخرة. أما طلاب الدُنيا فإنهم يأخذون ولا يعطون!
مشروع المُربي
لأن العبرة ليست بصلاح الدين إنما العبرة بمن ربى صلاح الدين، وبأمةٍ استجابت لصلاح الدين. بإمكانك أن تمارسه مع الكبار أو الصغار؛ لإخراج أئمة وقادة. أفرادٌ يعرفون دينهم ومراد الله عز وجل منهم، فيحملون هم أمتهم. أفراد أسرتك، ورفاقك في العمل أو الجامعة. وهناك أيضًا عشرات الأطفال والناشئين في كل دور الأيتام. هؤلاء لا يعرفون عن دينهم شيئًا أبدًا، لا أحد يخبرهم عن الله سبحانه وتعالى.
يتركونهم وهم في سن الثالثة والخامسة أمام الأفلام والمسلسلات، تغييب وعيهم وتشكل عقولهم بكل ما فيها من فساد وضلال. بهذا فإنهم يخرجون من دائرة الصراع قبل أن يدركوا وجوده أصلًا! سيكون عظيمًا تطوعك هناك أو حتى العمل بأجر، بل قد يعينك على الاستمرار في العمل بدل أن تنشغل عنه بكسب الرزق. فلعلك تبني قائدًا مسلمًا أو أسرة أو أمة بأكملها. إن أطفال الأمة هم كنزها، وهذا حقًا كنزٌ مهمل!
وفي وضعنا هذا، فإننا يجب أن ندرك معنى الإخاء، ونكون لبعضنا كما الجسد الواحد، فنحيط أهلنا من أسر الشهداء والمعتقلين والمطاردين بمعاني أخوة الإيمان والعقيدة.
وأخيرًا
هو هدفٌ لا يقل أهمية أبدًا عن الأهداف السابقة، هؤلاء الناجون من أقبية التعذيب إلى النور، صدقني هو لا يحتاج أبدًا من يهتف باسمه ويقول كم هو بطل! فقط يحتاج أن يستعيد إنسانيته من جديد. أحيطوهم برعايتكم بغير شفقة، ابتعدوا عن الصداماتِ والضغوط. وامنحوهم الكثير من دفء الإيمان، فإن الأمور هناك شديدة القسوة، ومن أهدافها الرئيسية تحطيم المرء حتى لا يصلح لشيء وهكذا يضمنون تنحيه عن الساحة! ولعل الله يشاء غير ذلك فيعودون بقوة العقيدة.
ولا ننسى الدعاء، لكن ليس ذلك الدعاء الذي لا يعقبه عمل. بل دعاءٌ وعمل.