عبد الله عزام: من فلسطين إلى أفغانستان

يلخص قصة عبد الله عزام توماس هيغهامر بقوله: “هذه أيضًا قصة حقيقية أغرب من الخيال. إنها قصة فلسطيني سخّر حياته للقتال في آسيا الوسطى، ومزارعٍ أصبح مجنّد حرب رحّالًا، وبروفيسور أحب الحياة العسكرية. إنها رواية عن منظر راديكالي (1) لم يصادق فعليًا كل الإسلاميين البارزين في زمنه، وحسب؛ بل التقى كذلك أمراء، وعملاء في المخابرات الأمريكية، ونجم البوب كات ستيفنز (Cat Stevens). قصته ستأخذنا لأماكن لا نتوقعها مثل كاليفورنيا وجنوب إيطاليا وفنزويلا، وستحملنا لشقق تحت الأرض، وقصور باذخة، وكهوف مظلمة في أعماق الجبال. وستنتهي هذه القصة، حرفيًا، بانفجار: اغتيال بقنبلة، ما زال أكبر جريمة غامضة بتاريخ الجهادية”.

فلسطيني ارتبط اسمه ببلاد أفغانستان، فأصبح من أشهر أعلام العصر الحديث؛ لما حققه من تأثير في ساحته وما حمله من فكر جهادي. تحول لمدرسة للجماعات الجهادية على اختلاف الأماكن والأزمنة؛ إنه “شيخ المجاهدين العرب” و”رائد الجهاد الأفغاني”، الشيخ عبد الله عزام.

المولد والنشأة

ولد عبد الله يوسف عزام في عام 1360هـ (1941م)، في قرية سيلة الحارثية في جنين، شمال وسط فلسطين، أثناء حقبة الانتداب البريطاني. عرف منذ صغره حبه للاستقامة؛كالصلاة في المسجد وقراءة القرآن والتزامه بالعبادات. واستمر على تلك الحال إلى أن تزوج في سنة 1385هـ (1965م)؛ حيث رُزق من هذا الزواج بخمسة ذكور وثلاث إناث، لم تمنعه شدة انشغاله بالعمل الجهادي من العناية بهم وتربيتهم.

 بقي عبد الله في فلسطين يعايش الأحداث المتوالية ويتأثر بها إلى أن خرج منها أثناء نكسة 1387هـ (1967م) ماشيًا على قدميه إلى الأردن. واستقر به المقام في العاصمة الأردنية عمان، حيث تعثرت به السبل فانتقل إلى بلاد الحرمين للعمل. وبقي بها لمدة عام كامل، لكنه ما لبث أن رجع إلى عمان مرة ثانية ليعمل مدرسًا في مدرسة التاج الثانوية للبنات.

تركت نكسة 67 آثارًا عميقة في نفس عبد الله عزام، بما تحمله من فكر حركي؛ مما دفعه للانضمام إلى الفدائيين والمشاركة في القتال على حدود الأردن. فبعد 18 شهرًا فقط من النكسة، كان عبد الله عزام يحمل سلاح كلاشينكوف على الحدود الأردنية، ويتنقل بين  هضاب إربد وجبالها، ويصل إلى الأغوار، وضفاف اليرموك، في جيبه المصحف الذي لا يفارقه بحسب من عرفه.

يقول توماس هيغهامر صاحب كتاب “القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي” عن أثر تلك التجربة عليه: “لقد أعطته طعم الحياة العسكرية بكل مشاعرها: شعور المعنى، وإثارة المغامرة، والفخر باختراق المصاعب، وسرور الإخوة. لقد أقنعته كذلك بأن الحركة الإسلامية ما زال لها روح قتالية، خصوصًا بين شبابها. وكل ما يتطلبه الأمر هو إيجاد السياق المناسب لإشعالها. سيتطلب الأمر عقدًا كاملًا قبل أن تأتي هذه الفرصة”.

الدراسة والتعليم

درس عبد الله عزام مرحلة الابتدائية والإعدادية في نفس قريته التي ولد فيها، ثم انتقل إلى كلية خضورية الزراعية، التي تخرج منها بدبلوم بدرجة امتياز؛ لينتقل بعدها إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق، حيث حصل على شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيد جدًا عام 1386هـ (1966م).

وانتسب بعد ذلك في عام 1390هـ (1970م)، إلى جامعة الأزهر في مصر، ليتخرج منها بشهادة ماجستير في أصول الفقه؛ مما أهله للعمل كأستاذ محاضر في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بالعاصمة عمان، بعد تخرجه بسنة. وفي الأردن عمل أيضًا بوزارة الأوقاف، حيث برز في مجال الدعوة والوعظ والخطابة.

بعد أيلول الأسود في عام 1390هـ (1970م) توقفت عمليات القتال عندما قررت حكومة الملك حسين في الأردن، وضع نهاية لعمليات فتح والحركات الأخرى. فسافر عبد الله عزام إلى القاهرة لتحصيل شهادة الدكتوراه في أصول الفقه؛ حيث تخرج منها بمرتبة الشرف الأولى عام 1393هـ  (1973م). ليعمل بعد ذلك مدرسًا بالجامعة الأردنية في كلية الشريعة، حيث استمر في هذا العمل إلى غاية عام 1400هـ (1980م). تاريخ انتقاله للسعودية للالتحاق بجامعة الملك عبد العزيز في جدة. ثم انتقل بعد ذلك للعمل في  الجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة الباكستانية إسلام أباد بطلب منه، وكانت تلك آخر محطاته في العمل والتدريس حيث تفرغ بعدها للعمل الجهادي في أفغانستان المجاورة.

توجهاته الفكرية

انضم عبد الله عزام في منتصف الخمسينيات إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد احتكاكه ببعض دعاتها، كشفيق أسد عبد الهادي وفريز جرار في فلسطين؛ حيث تأثر بدعوة حسن البنا وأدبيات الإخوان التي كانت رائدة آنذاك، وانشغل بالدراسات الإسلامية بشكل عام.

والتقى في هذه الفترة بالمراقب العام لجماعة الإخوان في الأردن، محمد عبد الرحمن خليفة. وأثناء وجوده في دمشق، التقى بالعديد من قيادات الإخوان وشيوخهم، كمحمد أديب صالح، وسعيد حوى، ومحمد سعيد رمضان البوطي، والملا رمضان البوطي، ومروان حديد الذي سبق أن زاره في جنين، وفي مصر التقى بآل قطب.

وتأثر عبد الله كثيرًا بخبر إعدام سيد قطب، فأرسل برقية احتجاج للحكومة المصرية، يدفعه الغضب والمعارضة. وقال في ذلك: “أذكر أني كتبت برقية لعبد الناصر أقول فيها:

الدعوة لن تموت والشهداء خالدون والتاريخ لا يرحم.

ومع أن عبد الله عزام لم يحظ بفرصة لقاء سيد قطب من قبل، إلا أنه حرص عندما انتقل إلى القاهرة عام 1391هـ (1971م) على التواصل مع بعض أفراد عائلته؛ شقيقيه، أمينة ومحمد قطب. وانعكس تأثر عبد الله بمقتل سيد، في إطلاقه اسم “سيد قطب” على إحدى العمليات الفدائية التي اشترك فيها عام 1390هـ (1970م).

لم تقف علاقة عبد الله مع آل قطب هنا، بل امتدت إلى غاية أمريكا، حيث سافر مع محمد قطب في عام 1397هـ (1977م). واستمرت الصحبة في مكة عام 1401هـ (1981م)، إلى أن أقنع كمال السنانيري زوج أمينة قطب، عبدَ الله عزام، بالانتقال إلى باكستان لاحقًا.

وخلال مسيرته أظهر عبد الله عزام صفات قيادية وخطابية متميزة؛ فقد جذب الأنظار بأسلوبه القوي وخطاباته المؤثرة. وكان لافتًا أثناء ذلك عداؤه الشديد للشيوعية، كما ظهر في الخطبة التي خطبها في مدينة إربد في الذكرى المئة لميلاد لينين عام 1390هـ (1970م)، وفي كتابه السرطان الأحمر الذي حذّر فيه من الشيوعية، ثم جاء قتاله بنفسه مع جنود الاتحاد السوفيتي ليؤكد على رسوخ الفكرة في قلبه.

ومع ما كان يحمله عبد الله عزام من فكر حركي يتطلب المعارضة، وما تركته حادثة أيلول الأسود من أذى في نفسه؛ ظهر كل ذلك عليه أثناء زيارة للملك الحسين للجامعة، حيث رفض الوقوف بينما يتم عزف السلام الملكي الأردني، ويبدو أن هذا الموقف كان السبب الذي أدى إلى فصله من الجامعة.

وقضى عبد الله عزام سنواته في الأردن في صراع مع الحكومة حوّله لعبء حتى على جماعة الإخوان. كل ذلك كان يمهد لتشكل فكرة الجهاد في أفغانستان. فهي فكرة لم تتولد في لحظتها إنما مهدت لها سلسلة الأحداث التي حفرتها الحوادث في حياة عبد الله عزام. 

ويبدو أن هذه الأحداث أثرت في علاقة عبد الله مع قيادة الإخوان؛ حيث أشار الكاتب توماس هيغهامر إلى رسالة أرسلها عبد الله عزام لقيادة الإخوان تظهر مدى انزعاجه منهم، ومن التضييق عليه.

بعد النفي من الأردن، استقر به المقام في السعودية؛ حيث انشغل عبد الله في التدريس والخطابة والكتابة، وأخرج عدة مقالات في عام 1400 – 1401هـ (1980- 1981م) نشرت له في مجلة المجتمع -وهي مجلة كويتية تعتبر لسان حال جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت- في السعودية بقي عبد الله في جامعة الملك عبد العزيز إلى الفصل الثاني من عام 1401هـ (1981م). وبعد لقائه بكمال السنانيري وتعرفه على تفاصيل الصراع في أفغانستان، تزامنًا مع أحداث كبرى عرفها العالم آنذاك كالثورة الإيرانية، واتفاق كامب ديفيد، وحادثة جهيمان، والحرب الإيرانية العراقية، والحرب الأهلية اللبنانية، وأحداث حماة، والاحتلال الإسرائيلي للبنان، واغتيال أنور السادات؛ كل هذه الأحداث كان لها أثرها في دفع عزام للتوجه نحو أفغانستان.

وهكذا بعد الأردن والسعودية توجهت أنظار الدكتور عبد الله إلى زاوية أخرى من قارة آسيا، إلى باكستان حيث كان ينتظره عالم مزدحم بالأحداث.

نشاطه الجهادي

شارك عبد الله عزام في العمل الجهادي مبكرًا، بعد سقوط الضفة الغربية سنة 1387هـ (1967)؛ حيث شارك في عدة عمليات جهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتحق بكتائب المجاهدين التي شكلها الإخوان آنذاك وكانت قواعدها في الأردن. من أشهرها،  معركة “الحزام الأخضر” عام 1389هـ (1969م) في منطقة الغور الشمالي، وكانت ثقيلة على الاحتلال. ومعركة “5 حزيران” عام 1390هـ (1970م) حيث أشرف كقائد على عملياتها العسكرية.

رافق هذا العمل الميداني عناية بأسر المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، والاهتمام بالمستضعفين.

الجهاد الأفغاني

لمع نجم عبد الله عزام بعد التحاقه بالجهاد الأفغاني، وخوضه المعارك الكثيرة ضد الاحتلال الروسي لبلاد الأفغان آنذاك، منها معركة “جاجي” في شهر رمضان عام 1408هــ (1987م). وكانت من أشرس المعارك التاريخية ضد الروس، خاضها عبد الله عزام مع عدد من رفاقه المجاهدين العرب، ومنهم من استشهد أثناءها.

لكن نشاط عبد الله عزام في هذه الحقبة لم يقتصر على حمل السلاح، واقتحام ساحات المعارك فحسب، بل شمل جميع ساحات الجهاد الفكرية والإعلامية والعمل التنظيمي الذي كان أحد أهم أسباب ذيوع صيت الشيخ الفلسطيني في بلاد الأفغان حيث أبرز مواهبة وفجر عبقريته القيادية.

قيادة المشاريع الجهادية

عمل عبد الله عزام على إطلاق العديد من المشاريع الجهادية التي استفاد منها الكثير من المسلمين في أفغانستان والمهاجرين إليها من مناطق مختلفة من العالم الإسلامي. وضمت هذه المشاريع المؤسسات الإدارية للخدمات، والطبية للعلاج، والإعلامية للتغطية الصحفية  والتوعوية، والتعليمية للتدريس والتربية.

وكانت من أبرز إنجازات عبد الله عزام، تأسيسه “مكتب خدمات المجاهدين”؛ الذي يعتبر أول مؤسسة إغاثية جهادية متخصصة تغطي الساحة الأفغانية. واعتنت هذه المؤسسة باستقبال الشباب المجاهدين المسلمين من كل مكان للنفير لأفغانستان. تزامنًا مع إنشاء خمسة مستشفيات لتقديم الخدمات الطبية التي كانت تعد مهمة جدًا في ظل استمرار الحرب.

كما اقترن اسم عبد الله عزام بمجلة “رسالة الجهاد”، التي أسسها الشيخ لتكون بمثابة منبر إعلامي شهري لنشر أخبار الجهاد. بالتوازي مع إطلاق مجلة “نشرة لهيب المعركة” وهي مجلة أسبوعية تقدم تغطية لآخر المستجدات على الساحة الأفغانية.

ولم يمنعه ازدحام جدول أعماله من الاهتمام بالساحة التعليمية والتربوية؛ حيث حرص على فتح المدارس وإقامة المراكز التربوية في بلاد أفغانستان. كذلك أولى الشيخ اهتمامًا بالغًا بإقامة الدورات التدريبية والمعسكرات لإعداد المجاهدين المقبلين على أفغانستان من كل مكان للتصدي للاحتلال الروسي.

هذا فضلًا عن كمّ التجارب التي اكتسبها عبد الله عزام من خلال مخالطة مختلف القوميات والجنسيات؛ يفسر كيف شكلت أفكاره وخبراته وخلاصاته ميراثًا ومدرسة للحركات الجهادية، وكيف أصبح عبد الله عزام أحد أئمة الجهاد البارزين في العصر الحديث.

العمل مع مؤسس القاعدة

لقد كان لقاء عبد الله عزام بأسامة بن لادن، في أفغانستان حجر أساس للمشاريع الجهادية في هذه البلاد التي امتد صداها لما بعد اندحار الاتحاد السوفيتي. وللمفارقة فإن أول لقاء بين الرجلين كان في ولاية إنديانا في الولايات المتحدة عام 1398هـ (1978م).

وساهم أسامة بن لادن بملايين الدولارات في بناء “مكتب الخدمات” الذي أصبح بفضل تفاني العاملين عليه أهم منظمة في الجهاد الأفغاني. وليس غريبًا أن ذكر عبد الله عزام، أسامة بن لادن في وصيته، ممتنًا ومثنيًا عليه، ولا غريبًا أيضًا أن يبقى اسم عبد الله عزام حاضرًا كإمام للجهاد في أدبيات تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية التي انتشرت في العالم.

مؤلفات عبد الله عزام

رغم هذا النشاط الميداني الذي كان يأخذ جلّ وقت الشيخ  المهاجر، إلا أن ميراثه في عالم التأليف كان من أبرز ما تركه خلفه، حيث كتب في العديد من القضايا المهمة ورافق اسمه العديد من أسماء الكتب والمؤلفات التي احتضنتها المكتبة الإسلامية والجهادية. من أبرز ما كتب الشيخ عبد الله عزام:

  • العقيدة وأثرها في بناء الجيل.
  • الإسلام ومستقبل البشرية.
  • السرطان الأحمر.
  • آيات الرحمن في أفغانستان.
  • المنارة المفقودة.
  • الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان.
  • الحَقْ بالقافلة.
  • في الجهاد آداب وأحكام.
  • بشائر البصر.

صفاته الشخصية

كرجل حمل همّ قضية كبيرة تشغل جل اهتمامه وقائد اعتنى بصناعة همته وصقل مواهبه، كان من أبرز صفات الدكتور عبد الله عزام، الاعتزاز بدينه، والصدع بالحق بلا خشية من خسارة عمل أو وظيفة، يذكر من ذلك رده الشديد على صحفي تعمد رسم كاريكاتير للاستهزاء باللحى.

وبصفته مقاتلًا مهاجرًا شارك في العديد من المعارك في فلسطين وأفغانستان، وكما اتصف بمسابقته الخطوط الأمامية في كل ساحة؛ فقد تميزت شخصيته بالشجاعة والجرأة والجود بالنفس والإيثار، لا يعرف البخل والجبنوكما كان يدعو في وصاياه، من صفاته الزهد والتقشف في الحياة، قد عود نفسه على المعيشة الخشنة ووجّه جلّ ما يدخره من مال لتمويل مشاريعه المؤسساتية.

ومما يذكر عنه من رفاق دربه أنه كان حليمًا متسامحًا، أظهر الكثير من الصبر والمصابرة والتجلد في مخالطة الناس المختلفة بمن فيهم الأفغان المختلفون.

اهتمام عبد الله عزام بالتربية

برزت جهود عبد الله عزام بشكل كبير في ثغر التربية، حيث أولى عناية فائقة بالتربية الإيمانية للجنود مؤكدًا على ضرورة تربيتهم قبل حمل السلاح؛ لأن المجاهد الذي يفتقد هذه التربية يتحول إلى قاطع طريق أو لص مسلح.

وفي سبيل ذلك لطالما ركزت منهجيته في التربية على المنهج الرباني الذي يحفظه الالتزام بالقرآن والسنة، كما يظهر في مؤلفاته وخطبه. مشددًا في ذلك على أهمية التوحيد والحاكمية والولاء والبراء تحت ظل شريعة الله.

وتجتمع خطابات الشيخ في هذا الباب، على ضرورة وضوح الراية الجهادية، لتكون خالصة لله بهدف إقامة شريعته في الأرض، لا لإقامة الدعوات الوطنية والقومية مع العناية بتأسيس القاعدة الصلبة التي تسهر على إنشاء جيل قوي من المؤمنين، يحملون هم الدعوة لله وصناعة الأجيال التي تحمل الأمانة، مجاهدين في سبيل الله يحمون حياض الدين. كل هذه المعاني حاضرة بقوة في ميراث عبد الله عزام.

استشهاد عبد الله عزام

في الوقت الذي لقيت دعوة الشيخ عبد الله عزام إقبالًا كبيرًا وإعجابًا مهيبًا من شباب المسلمين في كل مكان في العالم، كانت دوائر الاستخبارات الدولية تتربص به إلى أن تمكنت من قتله بانفجار استهدف سيارته في 25 ربيع الثاني 1410هـ الموافق لـ 24 أغسطس 1989م، حيث قتل معه ولداه، محمد وإبراهيم. وذلك في باكستان وهو متجه إلى مسجد “سبع الليل” الذي خصصته جمعية الهلال الأحمر الكويتي للمجاهدين العرب، لإلقاء خطبته يوم الجمعة.

لم تثبت هوية القتلة إلى اليوم. ودفن يوم وفاته في باكستان، وفتح باب العزاء له بالأردن. لتكون وفاته في غير موطنه، شاهدة على صدق مبادئه التي حاربت الوطنية ودعت إلى فقه الأمة الواحدة. يقول الشيخ عبد الله عزام في ذلك: “رحابة الإسلام لا ضيق الوطنية. الإسلام لا يعرف تلك الحدود المتوهمة التي فرضها المحتل الصليبي علينا. لا فرق بين قطر إسلامي وآخر فوطن المسلم دينه، وجنسيته عقيدته. وطني الإسلام لا أفدي سواه وبنوه أين كانوا إخوتي”.

ومن كلماته: “إذا أردت تحرير وطن ضع في مسدسك عشر رصاصات تسعة (للخونة) وواحدة للعدو فلولا (خونة الداخل) ما تجرأ عليك عدو الخارج”.

وصية عبد الله عزام

ترك عبد الله وصية تلخص عمق تأثير التربية الإيمانية في نفس الرجل، مما ذكره في وصيته: “يا دعاة الإسلام! احرصوا على الموت توهب لكم الحياة، ولا تغرنكم الأماني ولا يغرنكم بالله الغرور. وإياكم أن تخدعوا أنفسكم بكتب تقرأونها، وبنوافل تزاولونها، ولا يحملنكم الانشغال بالأمور المريحة عن الأمور العظيمة ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 7]. ولا تطيعوا أحدًا في الجهاد، لا إذن لقائد في النفير إلى الجهاد، إن الجهاد قوائم دعوتكم وحصن دينكم وترس شريعتكم”.

كما أولى للنساء نصيبًا من وصيته حيث قال فيها: “يا معشر النساء! إياكن والترف؛ لأنَّ الترف عدو الجهاد، والترف تلف للنفوس البشرية، واحذرن الكماليات، واكتفين بالضروريات، وربين أبناءكنَّ على الخشونة والرجولة، وعلى البطولة والجهاد. لِتَكُنْ بيوتكن عَرِينًا لأُسود، وليس مزرعة للدجاج الذي يُسَمَّنُ ليذبحه الطغاة، اغرسن في أبنائكن حبَّ الجهاد، وميادين الفروسية، وساحات الوغى. وعِشْنَ مشاكل المسلمين، وحاولن أن تكُنَّ يومًا في الأسبوع على الأقل في حياة تشبه حياة المهاجرين والمجاهدين، حيث الخبز الجاف، ولا يتعدى الإدام جرعات من الشاي”.

كما شدد على ضرورة الإعداد وتربية جيل على حب الجهاد والاستشهاد.

ونلاحظ أن مسيرة عبد الله عزام لخصتها بالفعل كلماته عن نفسه حين قال: “لقد ملك حبُّ الجهاد عليَّ حياتي ونفسي ومشاعري وقلبي وأحاسيسي. إنَّ سورة التوبة بآياتها المحكمة التي مَثَّلث الشِّرْعَةَ النهائية للجهاد في هذا الدين وإلى يوم الدين، لتعتصر قلبي ألمًا وتُمزِّق نفسي أسًى وأنا أرى تقصيري وتقصير المسلمين أجمعين تجاه القتال في سبيل الله”.

الخاتمة

كان عبد الله عزام حريصًا على استقطاب الهمم المسلمة الواعدة، وكانت استراتيجيته في الإعداد والتدريب والتربية والإعلام، مؤثرة تأثيرًا كبيرًا في التطور اللاحق للحركة الجهادية. ومع انشغاله بالجهاد في أفغانستان ظلت فلسطين حاضرة في وجدان عبد الله عزام.

المصادر

  • كل ملتزم بدينه يعتبر راديكاليا لدى الغرب.
  • كتاب “القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي”، للكاتب توماس هيغهامر، ترجمة عبيدة عامر.
  • كتاب نجوم على الطريق ص 131.
  • ذوو الهمم في قهر السوريين وسرقتهم

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى