موسوعة الذخائر العظام فيما أثر عن عبد الله عزام

إن الحروف لتقف خجلة حين تُستجمع لتنسج ما يوفي شيخ المجاهدين وإمامهم حقه من الوصف والتقدير، ذلك أن همة كهمة الشيخ عبد الله عزام، تعتبر مضربا للأمثال وقدوة للأجيال، سطرت في أقل من خمسين سنة، أسطورة عطاء متميز، لا زالت منافعه تغدو بين جموع المسلمين فتأبى نسيانه.

ويكفي إلقاء نظرة على موسوعة الذخائر العظام فيما ورد عن الإمام الهمام الشيخ المجاهد عبد الله عزام تقبله الله،  لندرك حجم العطاء والبذل الذي شغل وقت الشيخ، يظهر ذلك في  الأجزاء الأربع من  الموسوعة الضخمة، كل جزء منها يحوي أكثر من 1000 صفحة  وهي الصفحات التي جمعت كتابات الشيخ من مقالات وافتتاحيات لمجلة الجهاد ونشرة لهيب المعركة إضافة لتفريغ لمحاضراته الصوتية والمرئية وكذا جميع مؤلفاته من الكتيبات ذات الحجم الصغير فضلا عن بعض الكتب والمجلدات التي خطها الشيخ بقلمه.

وقد عمل على إخراج هذا العمل الضخم وأشرف عليه، الأستاذ محمود سعيد عزام، مدير المكتب الإعلامي للشهيد عزام في بيشاور – باكستان سابقا.

ثم ما يدفعنا حقيقة للانبهار هو أن ما تم جمعه  في الموسوعة من تأليفات الشيخ عبد الله عزام هي مؤلفاته خلال عشر سنين فقط، وعجز في الوصول لكتابات ومحاضرات الشيخ التي ألقاها في أوروبا وأمريكا  والخليج وغيره لصعوبة ذلك، أي أن هذه الموسوعة لم تستوف جميع أعمال الشيخ الذي برغم انشغاله بالجهاد والدعوة إلا أنه أتعب من بعده في مجال التأليف.

ولا شك أن هذه الكتابات هي خلاصة دراسة وبحث ومعايشة ومشاهدة قدم فيها الشيخ الشهيد خبراته الثمينة التي كان للجهاد فيها نصيب الأسد والتي ستبقى منارا للعاملين إلى ما شاء الله.

ويكفي النظر في معسكرات التدريب وفي ساحات الإعداد والرباط لنعلم مدى ارتباط هذا الميدان الشديد الخطورة والتعقيد، بفكر الشيخ عبد الله عزام الذي انتزع لقب إمامة بلا أدنى جدال .

فلا زالت كتبه تدرس وتربيته تلقن وخلاصاته تحفظ وآثاره تتوارث، كل هذا دليل نباغة وصدق واجتهاد وعلم كان عنوانه الشيخ.

ومن يتجول بين صفحات موسوعة الذخائر سيتمتع بثرائها المميز، ويحلق مع  آيات الرحمن في جهاد الأفغان،  جمع فيها الشيخ الكرامات والرؤى التي ازدان بها الجهاد الأفغاني، وسيتعرف على الحق بالقافلة التي كتبها بروح المحرض المجاهد، وسينتفع بعبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر التي نثر فيها الإلهام الراشد، ثم المنارة المفقودة التي بسط فيها تاريخا غابرا استخلص منه العبر الحسان منذ سقوط الخلافة الإسلامية وبروز نجم مصطفى كمال أتاتورك، وسيحلق في السيرة عبرة التي عرج بنا في فقراتها بسيرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم،  وتألق الشيخ في كل من التربية الجهادية والبناء وبشائر النصر وإعلان الجهاد وكلمات من خط النار وخط التحول التاريخيوالأسئلة والأجوبة الجهادية والإسلام ومستقبل البشرية وفي ظلال سورة التوبة وتجارب جهادية، وهذا غيض من فيض، لا يفوت مثابر النيل من خيره.

ولا ريب، فموسوعة الذخائر العظام ليست إلا خلاصة تلك المسيرة التي استمرت منهمرة بالبركات، حتى أراد الله ليد غدر آثمة أن تنتزع الشيخ المجاهد من بيننا، في24 نوفمبر 1989، فرحل البطل مجندلا بدمائه، ولكن تركته بقيت بيننا تثري رفوف مكتباتنا وتنير عقول أجيال لاحقة من بعده، وإن ما سطره بروحه ومهره بدمه في عشر سنين، لم يكن إلا دليلا على عبقرية مسلمة وطأت ثريا النجاح.

العلم والجهاد معا

وفي حين كان يستدل الشيخ عبد الله عزام بأقوال الشيخ عبد الله ابن المبارك، إلا أن الشيخين على اختلاف أزمانهما قد اشتركا في فضيلتي العلم والجهاد معا، ولهذا سنجد للشيخ عبد الله عزام مؤلفات في شتى فنون العلم في أبواب العقيدة وفي الفقه وفي التاريخ، توّجها بكتابات لها السبق في التأليف الجهادي الذي تعمق فيه بفقه وتربية وتجربة وتوجيه وتأريخ.

المولد والنشأة

ولد إمامنا في فلسطين في  قرية “سيلة الحارثية”  بالقرب من مدينة جنين سنة 1941 وهناك نشأ وترعرع وشب في بيت دافئ بحنان العائلة وهناك أيضا  تلقى علومه الابتدائية و الاعدادية لينتقل إلى طولكرم حيث أكمل دراسته في معهد “خضوري” الزراعي.

لكن عناية الشيخ بتحصيله العلمي كان يوازيها تربية إيمانية مواظبة فقد كان ملازما لتلاوة القرآن ولمسجد القرية وعرفت دروسه منذ ذلك الوقت فكان فارس الدعوة الإسلاميةالذي لا يعلم ما ينتظره بعد من جد واستعمال فكانت مشيئة الله في الإعداد.

تفوق الشيخ في دراسته وأهله هذا التفوق لمتابعة دراسته الجامعية في  جامعة دمشق (كلية الشريعة ) حيث حصل على شهادة الليسانس بتقدير جيد جدا وخلال إقامته في سوريا تمكن من لقاء بعض مشايخها وعلماءها أمثال الدكتور محمد أديب الصالح و أبي الفتح البيانوني، والإمام المجاهد مروان حديد، وحين قفل عائدا إلى وطنه شاء الله أن يتم نصف دينه ويتزوج سنة 1965  ليرزقه الله بعدها بخمسة ذكور وثلاث إناث: استشهد معه اثنين منهم.

الجهاد في فلسطين

لقد نثر الشيخ المجاهد من عبق مساهمته على صفحات جهاد فلسطين، بعد سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة بيد الصهاينة عام 1967،  ولكنه جهاد مقهور بقلة النصير وبقوة العدو، فخرج بعد مواجهات واستفزازت، باتجاه الأردن وهناك  تعاقد مع التربية و التعليم في السعودية لمدة سنة، لكنه رجع بعدها الى الأردن ولمع نجم نشاطه الفدائي ليلفت الانتباه. لقد بدأ يطبق نظريته في الكفاح، بعد أن أيقن أن لا سبيل للفلاح إلا الجهاد والإعداد، فكان مسعر حرب بامتياز ومحرضا في سبيل الله قد حاز الاختصاص ومقتحما للصفوف قد أدرك سبيل الخلاص، تشهد له معركة المشروع أو الحزام الأخضر في منطقة الغور الشمالي وهي المعركة التي جرح فيها الشيخ أبو مصعب السوري، كما تشهد له معركة 5 حزيران 1970، لكن أيلول 1970 قطع الطريق على الشيخ الإمام للجهاد على أرض فلسطين بعد أن أغلقت الحدود.

مسابقة وتحصيل

إنه الشيخ الذي جمع بين العلم والجهاد، فتراه مرابطا فيقواعد الشمال وطالبا في جامعة الأزهر ، نال شهادة الماجستير في أصول الفقه سنة 1968م ما أهله لأن يستلم منصب محاضر في كلية الشريعة في عمان 1970 لمدة سنةلكنه انتقل بعدها إلى القاهرة أين حصل على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه بمرتبة الشرف الأولى في عام  1973 م .

وبسبب شخصية الرائعة وروحه المعطاءة أحبه من حوله كثيرا خلال السبع سنوات التي عمل فيها مدرسا في الجامعة الأردنية في  كلية الشريعة منذ سنة 1973 ولأجل هذه الشعبية ولأجل تحريضه لجموع الشباب وقدرته على توجيههم إلى الجهاد وتحقيق دعوته القبول، جاء قرار الحاكم العسكري الأردني بفصله من الجامعةالأردنية.

فصل انتهى برحيل الشيخ  إلى السعودية حيث عمل مع جامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1981م، ولكن ما لبث أن حلق إلى الجامعة الإسلامية الدولية في إسلام آباد في باكستان حين تنسم أريج الجهاد الأفغاني.
وهناك شق الشيخ طريقه الذي كان يحلم به ويعد له، وانطلق عمله الجهادي في بيشاور والذي افتتحه بتأسيس مكتب الخدمات لتوجيه الأخوة العرب لخدمة الجهاد 1984 وهو المكتب الذي ذاع صيته وامتدت بركات اجتهاده في أرض أفغانستان.

هناك في فضاء أفغانستان لا زال صدى كلماته النارية يتردد، (أيها المسلمون: حياتكم الجهاد،وعزكم الجهاد،ووجودكم مرتبط ارتباطا وثيقا بالجهاد،أيها الدعاة: لا قيمة لكم تحت الشمس إلا إذا امتشقتم أسلحتكم وأبدتم خضراء الطواغيت والكفار والظالمين، أما الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر بدون جهاد وقتال ودماء وأشلاء هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين).

إمام التربية الجهادية

هو الإمام الذي وضع قواعد متينة في التربية الجهادية، وقد كانت له خطبا رنانة ونصائح براقة لأبناء الحركة الإسلامية وقادتها، لا زال منها يتردد مثل: (الجهاد ضروري للحركة الإسلامية، إذا استمرت في أخذ العلم دون التعامل معه فإنه يؤدي الى قسوة القلوب وقلة التقوى وضعف الإيمان وتفقد الحركة مصداقيتها فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ماتأكله).

وهو الذي قال: “أدركت أن التربية ركن ركين وجزء أساسي في الإعداد لأي عمل جهادي، وقبل امتشاق الحسام وانتضال السلاح، ولا يمكن للنفس المقصرة أن تتسلق إلى قمة سنام الإسلام وهي عاجزة عن صعود أولى درجات السلم، ولئن قفزت فوصلت فإنها لا تستطيع الصمود، فإن استطاعت بطاقة اندفاعها وحماسها على الصعود فإنها لا تطيق طويلا الصمود، وعندها تسقط من فوق القمة.

وبالمعايشة مع الإنصاف يمكن أن تذوب كثير من الخلافات بين الجماعات وتنصهر الطاقات من شتى المآرب والدعوات في بوتقة العمل الواحد، وعلى حرارة الأحداث وسخونة الوقائع والمشكلات.

وبالمعايشة فوق أرض المعركة تبددت كثير من الأوهام، وزال كثير من الغبش واللبس الذي نشأ في الظلام، وأدرك الإنسان أن العمل الجدي الواقعي غير الأحلام العذبة التي تداعب الخيال، وإن الآمال لا بد لها من عظام الرجال لينقلوها إلى وقائع وأفعال.

وبالتجربة الحية الواقعية أدركت أن الجماعات الإسلامية يكمل بعضها بعضا، ولا غنى عن التعاون على البر والتقوى، ولا يمكن لأي حركة أن تقيم مجتمعا إسلاميا بدون الاستفادة من طاقات المسلمين، وأن تكسب كل ذرة خير تستطيعها في صالح العمل الإسلامي ابتغاء مرضات الله!).

خصال لابد منها للإمامة

عرف الشيخ بحماسته وغيرته الشديدة للجهاد والإسلام وبشجاعته التي قل لها نظير، فكان مصاداقا لمقولة، إذا كنت تريد أن تكون إمامي فكن أمامي!  وهو ما تشهد له أرض جاجي ( المأسدة ) وقندهار ، أين اخترق الصفوف في منطقة سهلية حتى وصل إلى بعد 1500متر من مواقع الشيوعيين في أجواء تدعو للتريث والكفّ، كما عرف بالزهد وترفعه عن الترف، فهو الذي ترك الدنيا بزخرفها،  وترك الجامعات ومكاتب الدكاترة ومشاهير الأعلام، لغبار المعارك والأتربة، وخرج من الدنيا دون أن يأخذ منها شيئا ولا عجب أن تعكس وصاياه تلك العبقرية الفذة في تناول أعمدة الجهاد التي من بينها الزهد والقناعة والتواضع.

مفهوم جهاد أمة

لقد كان الصابر المصابر الذي كتب في الصبر الدرر النافعة الماتعة، ومن يتفرس في خط سير الشيخ الدعوي والجهادي سيبصر رغبة الشيخ الواضحة في تحويل الأمة برمتها للجهاد، وجمعها كأمة إسلامية واحدة تحت علم الجهاد، وذاك هو مفهوم جهاد الأمة، وقد كان يردد الداعية له ببصيرة ثاقبة قائلا: “إن موت جميع أولادي أحبّ اليّ من أني أتخلف قادة الجهاد.”.

إننا اليوم ننصح كل من أراد أن يتعرف على عبقرية الشيخ عبد الله عزام أن يبحر في ثنايا موسوعة الذخائر العظام للشيخ الإمام ثم حريّ بكل مسلم حامل همّ أمته أن ينهل من ثمراتها ويغوص في أعماقها ويستخرج الفوائد النيرة والخلاصات المبهرة كيف لا، وقد أثبتت الأيام مع كل نازلة أننا لا زلنا بأمس الحاجة إليها وبكل وصية له أو ميراث، فهو الشيخ الإمام الذي كما نحسبه قد أدرك طبيعة هذا الدين وأدرك سبل نصرته والاعتزاز به.

فاللهم تقبل عبدك المجتهد الشيخ عبد الله عزام واجزه عنا خير الجزاء وبارك في زرعه وحصاده.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. عبد الله عزام وأمثاله هم من ” يزرعون ” أسباب القوة والمنعة للأمة ،فهم علامات فى طريق إعادة التمكين فى الأرض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى