الشرعیة العسكریة لمنظومة الاحتلال الدولي
الصورة النمطیة القدیمة من الاحتلال العسكري هي صورة مفضوحة أمام الشعوب، ومازالت الشعوب تنظر نظرة عداء للمحتلین العسكریین وترفض وجودهم ولا تعطي لهم شرعیة، إلا أن هناك صورًا من التواجد العسكري الأجنبي سهّل ابتلاع الشعوب لها، مثل تواجد القوات الدولیة في سیناء (MFO)، وتواجد القواعد الأمریكیة الصریحة في الخلیج بل وفي دول أخرى كمصر!
والاستهانة بهذه الصور من الاحتلال الصریح ناشئة عن الفهم المغلوط لمعنى كلمة “الاحتلال العسكري”، وناشئة كذلك عن عدم فهم طبیعة منظومة الاحتلال الدولي الیوم.
كما أن من أخطر الملفات التي لا تنتبه لها الشعوب، وهي جزء من القواعد العسكریة عندنا: المراكز البحثیة المختلفة التابعة لوزارة الدفاع الأمریكیة المنتشرة في دول ما یسمى الشرق الأوسط، وهي لیست فقط مراكز بحثیة بقدر ما هي مراكز استخبارات، كما تقوم السفارات الغربیة أیضًا بأدوار استخباراتیة وتوجیهیة تتعدى بها اختصاصاتها الدبلوماسیة بكثیر، وصلت أحیانًا للتدخل في تعدیل المناهج!
وللأسف فإن معرفة الشعوب بحقائق القواعد الأمریكیة المنتشرة في بلادهم تعد سطحیة جدًا حتى في الخلیج، كما یظن البعض أن القواعد الأمریكیة لیست موجودة إلا في الخلیج فقط والحقیقة هي أنه لا یكاد یخلو بلد عربي أو مسلم من وجود قواعد للأمریكان بأشكال مختلفة لتأمین مصالح أمریكا.
ورغم التعتیم الشدید على معظمها إلا أنه یكفیك في مصر مثلًا أن تبحث عن هذه الملفات: (قاعدة بني سویف الجویة – مركز نامرو 3 الطبي في العباسیة التابع للبحریة الأمریكیة – قاعدة قنا الجویة – قاعدة رأس بناس) ولولا ضیق الوقت لفصلنا فیها أكثر من ذلك، وبالرغم من إنكار معظم الأنظمة لهذا الكلام رسمیًا إلا أن مواقع أمریكیة رسمیة لا تنكرها وتتعامل مع الأمر على كونه طبیعًا جدًا.
ومن المضحك أن تعلم أن أمریكا تقسم العالم إلى 6 إدارات عسكریة، كل إدارة تدیر شؤون منطقة من العالم وتشرف علیها، وبالطبع فإن أهم وأخطر وأنشط إدارة فیهم هي الإدارة المشرفة على منطقتنا، فهي تشرف على بلدان ما یسمى منطقة “الشرق الأوسط” باستثناء “إسرائیل” طبعًا، وتسمى إدارة (سنتكوم) أو ما یسمى: (القیادة المركزیة أو القیادة الوسطى) ویمكنك أن تبحث في النت عنها لتكتشف آسفًا أن قائدها هو ضیف دائم في بلداننا ویتم التعامل معه وكأنه المدبر لكل شؤوننا؛ ولكن للأسف قل من ینتبه ویبحث، ودور هذه الإدارة الرسمي والمعلن على موقعها هو الاستجابة للأزمات التي تظهر في المنطقة وأنها تسعى لتحقیق الأمن والاستقرار الإقلیمي، لاحظ أنهم یتكلمون عن منطقتنا، هذا هو المعلن فما بالك بالمخفي؟!
هذه القیادة المركزیة هي التي تدیر القواعد العسكریة الموجودة في منطقتنا، وهي التي تقیم المناورات العسكریة مع جیوش بلادنا، وبإشرافها تُشن الحروب الأمریكیة والغارات الجویة داخل المنطقة كما حدث مع العراق مثلًا عام 2003 ومازال یحدث! وإذا كان البعض ینظر إلى هذه الأمور أنها طبیعیة وأنها ضمن الاتفاقیات الدولیة فلماذا لا یوجد لنا قواعد عسكریة مماثلة في بلادهم وبالأعذار ذاتها؟ ولماذا تتم المناورات على أرضنا نحن فقط؟ لماذا من حقهم هم أن یدرسوا أرضنا جیدًا عبر هذه المناورات ولیس لنا نفس الحق على أرضهم؟
ببساطة لأننا محتلون وقواعدهم عندنا لتأمین احتلالهم، ولأن جیوشنا لیست إلا أداة في أیدیهم، ویكفیك أن تعلم أن مناورات النجم الساطع التي تقام على أرض مصر لم تبدأ أصلًا إلا بعد معاهدة السلام مع “إسرائیل” بعدما أصبح تسلیح وتدریب الجیش المصري كله یتم على ید أمریكا!
وأما قوات حفظ السلام، فهي بحسب وصفهم قوات دولیة ترصد أي اعتداء یقع من البلدین، بینما إذا نظرنا على الأرض نجد أن هذه القوات موجودة في مصر فقط حیث رفضت “إسرائیل” وجود أي جندي أجنبي على أرضها حتى ولو كان أمریكیًا وتم الاستجابة لها!
لیكتشف الجمیع في النهایة أن دور هذه القوات هو حمایة “إسرائیل” ولیس الإشراف على تطبیق معاهدة السلام المخزیة كما ادعوا، وهي قوات لها أكثر من 35 برج مراقبة ونقاط تفتیشیة على طول الشریط الحدودي في سیناء، كلها في أماكن استراتیجیة، وقوام هذه القوات حوالي 1700 جندي مدرب معظمهم من الأمریكان.
یضاف إلى كل ذلك الاتفاقات الأمنیة المشتركة بین أنظمة بلادنا وبین الأمریكان بحجة المواجهة المشتركة للإرهاب، حتى صارت الأنظمة تتواطأ وتتعاون مع الأمریكان ضد أفرادٍ من شعوبها بل ومع الصهاینة في إطار ما یسمى تبادل المعلومات للحرب على الإرهاب!
ولا ننسى حسني مبارك في 7 دیسمبر 1995 حین خرج خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه برئیس الوزراء “الإسرائیلي” -آنذاك- شیمون بیریز في القاهرة لیؤكد على أن:
أ- الإرهاب لیست ظاهرة خاصة بدولة معینة ولكنها ظاهرة دولیة.
ب- لابد من التعاون بین “جمیع” دول العالم حتى تتوقف عملیات الإرهاب عند حدودها ولیس سرًا أن بعض من كانوا یحققون مع المسجونین في معتقل جوانتنامو كانوا من الأجهزة “الأمنیة” العربیة، كل هذا یتم تحت غطاء الاتفاقیات الدولیة للحرب على الإرهاب. بینما الحقیقة الصارخة هي أن كل هذا یتم فعلیًا تحت بند العبودیة والعمالة وتلقي الأوامر من السید الأمریكي الذي یحكمنا بالفعل!
وبهذا نكون قد أنهینا الحدیث عن شرعیة النظام الدولي (السیاسیة – والاقتصادیة – والعسكریة) لیظهر بوضوح أننا أمام عالم لا یعترف بالحق وإنما یعترف بما یحقق مصالحه.
كما أننا یمكن أن نلخص نظرة أمریكا ومنظومة الاحتلال الدولي لبلادنا بالآتي: (منهب للثروات – سوق لتصریف المنتجات – منطقة لإقامة المناورات – أداة من أدوات السیطرة على العالم لما للمنطقة من وضع استراتیجي خاص “أقلها الوضع الجغرافي والمضائق التي ذكرناها”).
اضغط هنا لتحميل كتاب معركة الأحرار كاملًا PDF – الطبعة الثانية