المصطلحات والحركة الإسلامية بين الشيخ البنا والشيخ رفاعي سرور

معركة المصطلحات معركة أصيلة قديمة قِدم الصراع بين الحق والباطل؛ فللإسلام مصطلحاته، وللجاهلية مصطلحاتها. وكطبيعة أي صراع، يحاول كل طرف في الصراع فرض مصطلحاته على الطرف الآخر كنوع من فرض القوى وتحقيق انتصار نفسي سهل.

و”نعني بالألفاظ والمصطلحات: «المباني» الحرفية التي تدل على «المعاني» العقلية والقلبية، فهي وسيلة لا غاية، وخادمة لا مخدومة، والمنهج معنيٌّ بالمعاني قبل المباني، والعبرة ليست بما تحمله دلالات الألفاظ عندك، بل العبرة بما سيفهمه الناس من كلامك، فربما اللفظ الذي يحمل دلالة سيئة عندك يحمل دلالة حسنة عند غيرك أو العكس.”

و”نحن إذا نظرنا إلى أي مصطلح من المصطلحات باعتباره مجرد (وعاء) يوضع فيه (مضمون) من المضامين، وبحسبانه (أداة)، فسنجد أنه فعلًا “لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات”.

أما إذا نظرنا إلى هذه الألفاظ والمصطلحات من زاوية (المضامين) التي توضع في أوعيتها، ومن حيث (الرسائل الفكرية) التي تحملها هذه (الأدوات: المصطلحات) فسنكون بحاجة، وحاجة ماسة وشديدة، إلى ضبط معنى هذه العبارة، وتقييد إطلاقها وتحديد نطاق الصلاح والصلاحية التي يشيع عمومها من عموم ما تحمل من ألفاظ.”

في هذا المقال -إن شاء الله- سنناقش كيف تعامل اثنان من أقطاب الحركة الإسلامية في القرن الماضي مع هذه المعركة، ثم ننظر بعد وفاة كليهما -تقبلهما الله في الصالحين- أيًا منهما كان تعامله أكثر نفعًا للأمة بشكل عام، وللحركة الإسلامية بشكل خاص. كما سنتناول قضية معركة المصطلحات بشيء من التفصيل، ثم نرى كيف نتعامل مع المصطلحات المختلفة.

قبل كل شيء نريد أن ننوه أن هذا ليس تقليلًا من شأن أحدهما أو تضعيفًا من رأيه، فهما -رحمهما الله- قدما للأمة ما لم يستطع أن يقدمه الكثيرون، ولهم من الفضل على الحركة الإسلامية الكثير الكثير، وإنما هو تفنيد للآراء وتقريب بينها لنصل للأصوب بما يعم على الأمة الإسلامية بالنفع الأكبر -والله ولى التوفيق-.

الإمام البنا -رحمه الله ورضي عنه- رجلٌ جليل لا ينكِر فضله على الأمة إلا جاحد، وكذلك لا ينكر فضله على الحركة الإسلامية وتحوّر أفكارها ومناهجها إلا شخص ضعيف البصيرة لا يرى إلا تحت قدميه، ليس على الإخوان فقط، وإنما على الحركة الإسلامية بشكلٍ عام. ولعل “مجموعة الرسائل للإمام الشهيد -رضي الله عنه ورحمه-” تُمحور جُل أفكاره، ومنها كيفية التعامل مع الأمور السياسية المختلفة.

ولا يخفى على أحد فضل الشيخ رفاعي سرور -رحمه الله ورضي عنه- على الأمة وعلى أفكار الحركة الإسلامية -بشكل عام-، خصوصًا في العقود الثلاثة الأخيرة. ولعلّ آخر ما كتب، وهو كتاب “التصور السياسي للحركة الإسلامية”، يوضح كثيرًا من نظريته في التغيير، وما يراه صوابًا للحركة الإسلامية في كل ما يخص جوانب السياسة من نظرة الإسلام للسياسة.

توضيح

قد يظن ظان أن هذا إجحافٌ للشيخ البنا وظلم له بمقارنة تعامله مع المصطلحات بتعامل الشيخ رفاعي، حيث أن الرجلين عاشا في حقبتين زمنيتين مختلفتين، وفي حقبة الشيخ البنا لم تكن قد ظهرت بعد معالم معركة المصطلحات، ولم تكن دلالات المصطلحات واضحة كما كانت واضحة في حقبة الشيخ رفاعي.

نقول هنا إن النظر في الرأي ليس لأنه رأي الشيخ البنا، ولكن لأن تعامل الشيخ البنا مع المصطلحات هو نفس تعامل الإخوان المسلمين مع المصطلحات حتى الآن، أي أن رأيه صار مدرسةً للتعامل مع المصطلحات، لذلك كان لا بد من تفنيد الرأي، لا لأجل النقد، وإنما لمصلحة الأمة.

كيفية تعامل الإمام البنا مع المصطلحات

الشيخ حسن البنا

لم يرَ الإمام البنا مُشاحّة في الاصطلاح؛ فكان يرى أن المهم هو المعنى الذي يرمز إليه هذا المصطلح بغض النظر عن شجرته الفكرية أو عن أصله، ولنأخذ مثالًا من تعامله مع مصطلح من المصطلحات، وليكن مصطلح الوطنية.

عند الحديث عن الوطنية، لم يرَ مشكلة مع المصطلح نفسه، بل لم يتطرق إليه بالحديث أصلًا، وإنما قام باستخلاص وتفنيد كل المعاني التي تنبثق عن مصطلح الوطنية وقال موقفه منها، وهذا ما رأى فيها:

“إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض، وألفتها والحنين إليها والانعطاف حولها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى.

وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من الغاصبين وتوفير استقلاله، وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، فنحن معهم في ذلك أيضًا، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد.

وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد، وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم، فذلك نوافقهم فيه أيضًا ويراه الإسلام فريضة لازمة.

وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح.

وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والأغراض وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية، فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس.

فها أنت ذا قد رأيت أننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد،  وقد رأيت مع هذا أن تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام.”

لم يرَ الإمام البنا مشكلة مع المصطلح نفسه، ولا من أين جاء، وإنما تعامل مع ما يدل عليه هذا المصطلح. ولو أردنا وضع رأي الإمام البنا في جملة واحدة فأنا أرى أنها جملة: “لا مُشاحّة في الاصطلاح”، وإنما النظر إلى المعنى الدال عليه هذا المصطلح وتفنيده وبيان الموقف من المعنى لا من المصطلح نفسه. وكان هذا تعامله مع كل المصطلحات والدعوات لا مع الوطنية فقط، فقد تعامل مع القومية نفس التعامل، وكان هذه نهجه -رحمه الله- في التعامل مع المصطلحات الدخيلة.

كيفية تعامل الشيخ رفاعي سرور مع المصطلحات

الشيخ رفاعي سرور

أعطى الشيخ رفاعي سرور -رحمه الله- المصطلحات اهتمامًا بالغًا عند وضعه تصورًا سياسيًا للحركة الإسلامية، بل تحدث عنها باعتبارها معركة من المعارك الطاحنة القائمة بين الجاهلية والإسلام، بل قال إن تقابل المصطلحات يمثل أخطر معالم الصراع بين الإسلام والجاهلية فقال: “وكنتيجة للتقابل بين النظرية الإسلامية والجاهلية أصبح لكل نظرية مصطلحاتها، وأصبح التقابل بين مصطلحات كل نظرية يمثل أخطر معالم الصراع بين الإسلام والجاهلية، كما أصبح لهذا الصراع عناصره الثابتة:

  • تقييم كل طرف بمصطلحات الطرف الآخر.
  • فرض كل طرف لمصطلحاته كدلالة على قوته وغلبته في الصراع.
  • محاولة الخلط بين المصطلحات الإسلامية والجاهلية لتغييب التصور الإسلامي السياسي الصحيح.”

“وأساس المعركة هو تحديد النظرية السياسية بمناهج ومصطلحات غربية. والمثال التاريخي على ذلك تحليل كل ظواهر الدعوة الإسلامية بالمناهج الغربية، وهذا التحليل ليس مجرد محاولة للمعرفة، ولكنه التفاف حول الدعوة ووضعها في ميزانهم الفكري والمنهجي، وإعطاء الانطباع بأنها ظاهرة خاضعة للدراسة ومحكومة الاحتمالات، وهي فكرة شيطانية قديمة، حاولتها أقوام جاهلية سابقة منذ هود صلى الله عليه وسلم؛ حيث حاولوا تفسير الرسالة والدعوة بأنها مجرد إصابة من الآلهة ولا تخرج عن حدود ذلك وليس هناك تفسير غيره (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)، ولكن الموقف الصحيح هو فرض واقع الرسالة عليهم بأن يدخلهم معه في شهادته عليهم بالبراءة من الشرك (قَالَ إِنِّي أُشْهِد اللَّه وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ).

وهذه المعركة موضوعها الرئيسي محاولة الجاهلية وضع الطرف الإسلامي في ميزانها التصوري، مثلما كانت الشيوعية تفسر الحركة الإسلامية تفسيرًا ماديًا، وأن الصراع بين الإسلام والجاهلية صراع طبقي.

ومتابعة بداية ظهور المصطلحات المعادية يختم الحساسية الشديدة في قبول أي مصطلح لم يرد فيه نص شرعي.

مثل قبول تسمية الشورى ديمقراطية؛ هو الذي انتقل إلى مصطلح الإسلام الديمقراطي، والذي يعني: أن هذا الدين بكليته ديمقراطي، ما أنشأ بدوره مصطلح الاعتدال، الذي تحول إلى «الإسلام المعتدل»، والذي أظهر بدوره مصطلح التطرف والإرهاب والإسلام السياسي.

والخط الأساسي لمعركة المصطلحات هو تفريغ التصور الإسلامي من مضمونه العقدي الصحيح، فالمصطلح الشرعي الصحيح «الحاكمية» يتحول إلى مصطلح «تقنين الشريعة»، الذي تحول بدوره إلى: «تنقية القوانين»..!

والمقصود من «الإنسانية» القضاء على حقيقة الولاء للدين. والمقصود من «الثقافة» تحول الدين إلى ظاهرة فكرية. والمقصود من «الآخر» القضاء على المفاصلة.

إن محاولة إبعاد «التصور الإسلامي» عن واقع الناس هي مهمة جاهلية أساسية تظهر في كل المواقف والأفكار السياسية الجاهلية.”

وهناك نوع آخر من المصطلحات، وهو الذي يؤدي إلى خلط في المفاهيم، وهو المصطلحات المشتركة بين الجاهلية والإسلام فقال:

وهناك مصطلحات مشتركة، قد قُررت من جانب النظرية الإسلامية من حيث اللفظ؛ فيصير الأمر الخطير أن يُفهم مدلولها في السياسة الجاهلية، مما يصير به الأمر أشد خطرًا، أن تفرض هذه المصطلحات مدلولها الجاهلي فتنفي دلالتها الصحيحة في النظرية الإسلامية، ولهذه المصطلحات أمثلة مشهورة أهمها مصطلحا الثورة والحرية

ثم قام بتفكيك مصطلح الثورة وبيان الفرق في المعنى بين الجاهلية والإسلام.

“فالثورة في النظرية الجاهلية.. تعني بصورة مطلقة (رفض الواقع.. الغضب.. العنف). وهي أبرز عناصر أي ثورة جاهلية، ولعل أوضح أمثلتها الثورة الفرنسية التي حدثت خلالها أهوال تاريخية تفوق مآسيها مأساوية الأوضاع التي جاءت الثورة للقضاء عليها.

فإذا انتقلنا بمصطلح «الثورة» إلى النظرية السياسية الإسلامية فإننا نرى وجودًا لعناصر مصطلح الثورة ولكنه وجود صحيح. حيث نرى الرفض موضوعيًا، والغضب واعيًا، والعنف منضبطًا.

فإذا ما أصبح مصطلح «الثورة» بهذه العناصر الصحيحة كان من الجائز اعتباره مصطلحًا من مصطلحات النظرية السياسية الإسلامية. حيث سيكون الرفض الموضوعي للواقع في التغيير، والغضب الواعي في التعامل، والعنف المنضبط في المواجهة. فالثورة الإسلامية ليست مجرد رفض للواقع، ولكن للباطل في هذا الواقع، بحيث إذا كان في هذا الواقع حق أخذت به الثورة الإسلامية، وأقره الإسلام، وأصبح جزءًا من نظامه.

وأما الغضب فهو قمة الوعي؛ لأنه غضب لله، وليس غضبًا شخصيًا يفقد فيه الغاضب وعيه ويصبح إغلاقًا. وأما العنف فهو الأمر المنضبط بسياسة القوة وأحكامها الشرعية، وبذلك يتحقق مصطلح الثورة الإسلامية بمنطلق خاص للتغيير، يتميز بالجسم الواعي المتأني.

والتقابل المطلق بين النظرية السياسية الإسلامية والجاهلية يقتضي الحذر الشديد من المحاولة الخاطئة للخلط بين مصطلحات النظرية السياسية الإسلامية وغيرها، ابتداءً بالمصطلحات الضخمة كالثورة، وانتهاءً بأدق التعبيرات البسيطة مثل رفض تعبير (الإمبراطورية الإسلامية) بدلاً من الخلافة.”

وهكذا رأينا كيف تعامل الشيخ رفاعي سرور -رحمه الله- مع المصطلحات، ووجدنا كم الاهتمام البالغ الذي وضعه لها، لدرجة أننا نستشعر من كلامه رفض كل مصطلحٍ غير قرآنيّ، واعتباره جزءً من المعركة الكبرى، بل وأصلاً من أصول الصراع بين الإسلام والجاهلية. فعَنِيَ الشيخُ -رحمه الله- بلفظ المصطلح نفسه -إن كان جاهلياً-، وقال برفض كل مصطلح لم يرد فيه نص، أو على الأقل فرض حساسية كبيرة تجاهه.

النظر في الرأيين

قام الإمام حسن البنا -رحمه الله- بالتعامل مع معنى المصطلح وما يدل عليه بغض النظر عن أصل المصطلح وعن شجرته الفكرية، وهذا ما يؤدي إلى التباسٍ في المفاهيم عند العامة من الناس.

“خطورة المصطلحات والشعارات تكمن في أن كل مصطلح أو شعار مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بشجرته الفكرية التي يمثلها ويتغذى منها ويعيش عليها. ومن عوامل خطورة المصطلحات أن العوام يحفظونها من كثرة ترديدها على أسماعهم، وبالتالي يرددونها ومن ثم تسيح هذه المصطلحات في لغة العوام بما فيها من ارتباط بشجرتها الفكرية النابتة من مصدرها.”

آثر الشيخ البنا -رحمه الله- استعمال المصطلحات نفسها لفظيًا مع بيان المعنى الذي نقصده منه، لكننا نرى أن هذا باب يسهل للعدو أن يدخل لنا منه، حيث أن المصطلح الدخيل عندما يسيح في لغة العوام من كثرة ترديده عليهم، ويصبح مصطلحًا دارجًا بينهم لا شيء فيه.

وبالتالي يسهل للعدو استعماله في معناه الأصلي النابت من شجرته الفكرية التي أتى منها -غير معناه الذي عرفه العوام من الناس-، فضلاً عن أن يُستعمَلَ المصطلح من رجال الحركة الإسلامية، فذلك يُرسِّخُ عند العوام أن هذا المصطلح ليس عاديًا فقط، بل يعتقد العوام أنه أفضل من غيره من المصطلحات، وبالتالي يسهلُ الأمر على أعداء هذا الدين أكثر من السابق، فعلى كل من يحمل هم هذا الدين ألا يتساهل مع المصطلحات الدخيلة.

” ولا ننسى أن المصطلحات استعملت لضرب الحركة الإسلامية نفسها بعضها ببعض كلفظة القطبية أو السرورية أو المدخلية أو الطحانية التي قصد بها: التقسيم، وشق الصف، وشل الفاعلية.”

إن خطورة الإسقاط المصطلحي -كما يقول جمال سلطان-: كامن في جانب هام وماكر، فيه تدمير للوعاء التعبيري الذي تُقدَّم من خلاله الفكرة؛ مما يترتب عليه تدمير الفكرة ذاتها بمرور الوقت.

أما الشيخ رفاعي -رحمه الله- فقد نظّر للأمر تنظيرًا شرعيًا، وتعامل مع لفظ المصطلح نفسه، وألقى الحكم عليه بناء على شجرته الفكرية ومنبعه النابع منه، فرفض المصطلحات التي ليس لها أصل شرعي قطعًا، وأثبت المصطلحات التي لها أصل شرعي قطعًا.

أما المصطلحات المشتركة بين الإسلام والجاهلية فقد فصل فيها، لكن هذا الأمر لا يتماشى مع العوام -الذين هم في الأصل محل دعوتنا-، فهم بلا شك سيرفضون ترك شيء أُشرِبوه وصار هو الدارج في لغتهم، فلا بد أن نبين لهم أولًا ما هذا الذي نرفضه ولماذا نرفضه وما بديله، وهذا هو ما سنبينه في الفقرة القادمة.

اقرأ أيضًا: كيف نخاطب الجماهير برسالتنا؟

وبناء على تفنيد الرأيين

المصطلحات عندنا على ثلاثة أوجه:

  • مصطلحات قرآنية ونبوية

وهي المصطلحات التي وردت في كتاب الله -عز وجل- وفي سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. وهذه المصطلحات هي الأولى في الاستخدام، فعند الحديث في موضوعٍ معين، إن وجِد مصطلحات قرآنية ونبوية فينبغي استعمالها وترك ما دونها.

“علينا أن نطرح مصطلحاتنا القرآنية بقوة للتداول، والاقتصار على المصطلح القرآني -إن وجد- يوفر علينا كثيرًا من المشاكل التي تنتج عن المصطلحات الاجتهادية التي تختلف باختلاف المجتهدين، والتي تؤدي إلى نوع من البلبلة في الأفكار واختلاط المفاهيم بين المسلمين أنفسهم، كما أن المصطلحات القرآنية تحمل طابع العقيدة دائمًا، وبناء على ذلك لا نقع في تعارض بين عقيدتنا ومصطلحاتنا.”

  • مصطلحات مشتركة بين الإسلام والجاهلية

وهذه المصطلحات مثل الثورة والحرية وغيرهما، وفي هذه المصطلحات نرى أن ما فعل الشيخ رفاعي سرور هو الصواب، فيجب تفكيك المصطلح وبيان المعنى الذي يدل عليه وما نقصده، وأن نفرض معنى المصطلح المراد به في الإسلام للعامة لكي يتم تداوله بينهم وليصير هو الرائج والسائد بين العامة.

إن تحرير مضامين المصطلحات، واكتشاف مناطق الاتفاق ومناطق التمايز في معاني ومفاهيم هذه المصطلحات -وخصوصًا تلك المصطلحات الأكثر شيوعًا، والأكثر إثارة للجدل بين تيارات الفكر في عصرنا وفي واقعنا- .. هو مهمة أساسية، وأولية بالنسبة لأي حوار فكري حقيقي وجاد ينقذ حياتنا الفكرية من خطر الاستقطاب الحاد.

  • مصطلحات جاهلية دخيلة

وهي مصطلحات لم ترد في كتاب الله -عز وجل- ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما جاءت لنا من ثقافات مختلفة معادية للإسلام، أو أنها مصطلحات تم تلغيمها أو تغليفها لتلتبس على العامة.

“وسميناها (ملغمة): لأن هذه المصطلحات غالبًا تكون بها ألغام وضعها الإعلام الموجه أحيانًا، بل ووضعتها التيارات التي تسيء استخدامها أحيانًا كثيرة، فإذا ذكرت المصطلح انفجرت تلك الألغام في أذن المستمع، وربما يبدأ في إنكار ما تقول وتبدأ أنت في الرد عليه بينما هو ينكر شيئا ًمختلفا ًعما تحاول أنت إثباته.”

ومن أمثلة هذه المصطلحات الملغمة مصطلح (تطبيق الشريعة)، فهذا مصطلح لا أصل له في الكتاب والسنة، وإنما الأفضل استعمال مصطلح إقامة الدين، فهو المصطلح القرآني الوارد في كتاب الله:

أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ

أما “المصطلحات المغلفة: هي تلك المصطلحات خبيثة المعنى في الأصل، لكن تم تغليفها بمعانٍ أخرى جميلة، حتى إذا بدأت مهاجمة تلك المصطلحات -دون تبيين- وتبرأت منها فهم من يسمعك أنك تنكر المعاني الجميلة المغلفة لتلك المصطلحات، بل العجيب أنه ربما لا يفهم المستمع من هذه المصطلحات إلا تلك المعاني الغلافية الجميلة، ونحن في هذه الحالة لا نستفيد شيئًا من التبرؤ من هيكل الكلمة والمصطلح، بينما ظل المعنى الذي ننكره غير مفهوم للناس، وهذا قصور في البيان وضعف في الخطاب.”

ومن أمثلة هذه المصطلحات المغلفة مصطلح الديمقراطية، والوطنية، والرأسمالية، والليبرالية، والاشتراكية، وغيرها من المصطلحات. ولمن أراد الاستزادة في الفرق بين إقامة الدين وتطبيق الشريعة، وتفصيل الأمر في مصطلحات الديمقراطية وغيرها، يمكنه مطالعة كتاب معركة الأحرار للمهندس أحمد سمير.

نحن “إذا ما حاولنا تبيّن بعض هذه المصطلحات التي اقتحمت علينا ثقافتنا، وعقدنا مقارنة بينها وبين مصطلحاتنا القرآنية لوجدنا فروقًا شاسعة، فروقًا هي في الواقع بين ثقافتين ودينين وحضارتين، فروقًا بين إسلام وجاهلية.”

لذلك لا بد من رفض هذه المصطلحات الملغمة، والاستعاضة عنها بمصطلحاتنا القرآنية إن وجدت -كاستعمال لفظ إقامة الدين بدلاً من تطبيق الشريعة-.

وأما المصطلحات المغلفة “فالسبيل هو: أن تزيل تلك الأغلفة التي تغلف المصطلح وتعري المصطلح تمامًا مما أُلصِق به، حتى إذا أصبح مجردًا مفسَّرًا واضحًا أنكرته وبينت عواره، ولذلك قلنا لا بد من التفسير قبل الإنكار، فمن أكبر الأخطاء أن يخرج متكلم للناس بدون شرح ولا توضيح ولا تفسير ويقول لهم مثلًا: (الديمقراطية كفر أو الديمقراطية حرام) ثم ينصرف! أي نوع من البيان هذا؟!! … علمًا أنه أيضًا لا يصح استخدام المصطلحات المغلفة في الخطاب بحجة أنك تقصد الأغلفة المجملة لأن اللفظ نفسه يحمل معانٍ أخرى غير صحيحة.”

ومثال ذلك أننا لو قلنا مثلاً للمصريين قطعًا لا تشربوا الشاي -الذي هو المشروب الدارج عندهم- هل سيستمع لنا العوام؟ قطعاً لا. وإنما الصواب هو بيان القصد من الشاي الذي ننهاهم عنه، وبيان أضراره وإيضاح البديل عنه، حتى نجد القبول عند العوام، ولربما هذا هو التدرج الشرعيّ الذي جاء في تحريم الخمر مثلًا، فقد بين القرآن للناس أولًا أن إثم الخمر أكبر من نفعها، ثم نهاهم عن الصلاة وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون، ثم نزل القطع بالتحريم.

لذلك فالصواب هو إيضاح الأمر لهم وإزالة الأغلفة التي تغلف المصطلح أولًا، ثم نبين لهم سبب رفضنا للمصطلح، والأهم من ذلك هو إعطاء البديل الشرعي لهم، فلا توجد إزالة بدون إيجاد بديل.

اقرأ أيضًا: ھل نحن مضطرون لمخاطبة شعوبنا ودعوتھم؟

المصادر

عماد عبد المعين

أدرس بكلية الطب، مدون مهتم بقضايا المسلمين بوجه عام وبالحركات الإسلامية بوجه خاص

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قد اتفق معك في النتيجة
    لكني اختلف معك في طريقة الوصول اليها
    الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى تعامل مع قضية المصطلحات وفق قاعدته المعروفة “نتعاون فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا فيه” وصحيح ان هذه القاعدة في الاساس موجهة للداخل الاسلامي لكنها ايضا توضح طريقة تفكير الرجل في التعامل مع عموم الاختلاف الهادفة لردم فجوات الاختلاف ومد جسور الترابط وتقليل حدة الصراع مع المختلفين.
    ولا اقصد مما قلته ان ادافع عن الفكرة التي تهدف لتميع المصطلحات و بالتاكيد لم يكن المقصود الذي عناه الشيخ البنا هو تمييع المصطلحات و انما محاولة تجنيب العامي الدخول في معركة جدلية تبعده عن المقصود الحقيقي الذي من المفترض ان لا يختلف حوله كل صاحب نية سليمة ومحاولة لسحب البساط من تحت اقدام ادعياء محتكري المصطلح الجذاب و المخادع للعامة و البسطاء من الناس.
    وفي نفس الوقت اعتبر ما جاء في فكر الشيخ رفاعي هو تطور و امتداد فرضته طبيعة الصراع مع المخالفين للفكر الاسلامي الذين حاولوا و لا يزالون سحب البساط من تحت الاسلاميين المسيطرين على الشارع كرد فعل طبيعي لاختلاف توجهات المشروعين المتناقضين باطنا المتفقين ظاهرا في اعين العامة
    ومن ثم ترى ان ما قلته انا يتفق مع ما طرحته انت من ان مخاطبة الشارع يستلزم توضيح المقصود قبل اصدار الاحكام على المصطلح و هذا بالنتيجة ما ذهب اليه الشيخ البنا ولكن بطريقة بناءة كمحاولة لعدم اشعال نار معركة الاختلاف قبل اشتعالها وذلك بالذهاب لتوضيح معنى المصطلح بشكل يتوافق مع الاسلام
    اخيرا ارى ان واقع الحياة التي عاشها الشيخ البنا هي ما افرزت ذلك الاسلوب
    كما ان واقع الحياة التي عاشها الشيخ رفاعي هي ما فرزت ذلك الاسلوب
    ولو تعاكست حياة الشيخين لربما ذلك كل واحد منهما لعكس ما ذهب اليه الاخر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى