أسد البحار بارباروسا.. خير الدين بربروس
أن تكون أنت والبحر والله ثالثكما، أن تكون ذي قرنين عصرك، أن تكون أمير البحار! موضوعنا ليس مقتبسًا من وحي الخيال، ولا من رواية عالمية، بل من وحي التاريخ الإسلامي، نبحر سويًا مع أميرنا – أمير البحار – إلى عالمه الذي كان فيه.
أمير البحار هو “خير الدين بربروس”، ابن لأحد البحارة الذي يدعى “يعقوب”، كان ليعقوب أربعة أبناء، خضر -وهو خير الدين- وإسحاق وإيلياس وعروج، وتعود أصول العائلة إلى ألبانيا، وفي بعض الروايات إلى تركيا.
ولد بربروس في عام 888 هـ، 1472 م، في جزيرة لسبوس في إسطنبول، اسمه الأصلي “خضر بن يعقوب“، لقبه السلطان سليم الأول بخير الدين باشا، وعرف عند الأوروبيين بـ “بارباروسا” أي ذي اللحية الشقراء، توفي رحمه الله عام 956 هـ، 1546 م.
من بحارة في التجارة إلى بحارة في سبيل الله
اشتغل خير الدين في مقتبل عمره مع والده وأخوته بالتجارة، حيث كان له سفينة يبحر بها بين سلانيك وأغريبوز، قبل أن يتحولوا إلى بحارة مجاهدين، في فترة ما بعد سقوط الأندلس وانتشار ذيول الهزيمة في المكان، وبعد كشف الإسبان عن مخالبهم بقيادة فارسهم “القديس يوحنا” في نية القضاء على كل أثر إسلامي في المنطقة.
إلا أن لله في أرضه خلفاء ومجاهدين عاهدوا الله على أن يبيعوا أنفسهم في سبيله بأن لهم الجنة، فكان بفضل الله الأخوان بربروسا – عمالقة البحرية الإسلامية – العقبة التي حالت بين الإسبان وبين تحقيق مناهم في تحقيق حلمهم بالقضاء على الدين والاستيلاء على بلاد المغرب العربي.
بداية الجهاد في سبيل الله
توجه عروج -بابا بربروس الأول كما أسموه الإسبان– برفقة أخيه “خير الدين” نحو جزيرة جربة في تونس سنة 1504م، وعقدا اتفاقًا مع أميرها “عبد الله محمد بن حسن” على أن يمنحهما ميناء حلق الوادي، ليجعلوا منه قاعدة لهم في مواجهة الإسبان على أن يأخذ خمس الغنائم التي يحوزان عليهما، والتحق بهما أخيهم “إسحاق”.
شرع “الأخوان بربروسا” يشنان غاراتهم على سواحل وسفن العدو، واشتركا في استعادة مدينة بجاية وحماية مدينتي الجزائر وجيجل، واستقرا في مدينة جيجل بعد أن اتخاذاها مقرًا لهم، ثم الجزائر في عام 1514م، واتخذا الجزائر دارًا ومركزًا للقوات العثمانية.
ونظم خير الدين بربروسا غاراته على سواحل وسفن إسبانيا والبندقية والباباوية وجنوة، بالإضافة إلى تعرضه للسفن التجارية والبحرية التابعة لكافة الدول الأوروبية التي لا تربطها معاهدة سلام مع الدولة العثمانية أو غيرها من الدول الإسلامية، فحاز “القائد بربروسا” على غنائم هائلة، واستطاع أن يفك أسر الآلاف من المسلمين من قبضة الصليبيين، وكان يبحر إلى مدن الأندلس ويخلص المسلمين من الأسر والتعذيب ويعود بهم إلى سواحل شمال إفريقيا، وقد وصل عدد المسلمين الذي استطاع أن ينقلهم إلى 70 ألف أو يزيد ما بين 1504م و1510م، وأثار الرعب في سائر بلدان البحر المتوسط.
في عام 1516م أعلن القائد البحري عروج نفسه سلطانًا على الجزائر، وأخذا الأخوان بربروسا يزرعان الاستقرار في المنطقة، وسيطرا على عدة مدن من مدن الجزائر من قبضة السلطان الزياني الذي كان رأسًا للخيانة وشريكًا مع الإسبان في احتلال بلاده، فكان بذلك الأخوين واضعين لأسس بناء الجزائر العثمانية، التي قدر الله لها أن تعمر ما يجاوز الثلاثمئة سنة، ثم تخلى عروج عن لقب السلطان لصالح الخلافة العثمانية بأن تكون الجزائر تابعة لها، وبعث للسلطان سليم الأول الذي وافق على ذلك وضم الجزائر للدولة العثمانية، ووعد بأن يبعث جيشًا من الإنكشارية لمساندتهم.
قضى الأخوان بربروسا سنوات عدة في مواجهة العدو الإسباني والأوروبي، واستشهد الأخ إلياس، واستطاع الإسبان أن يأسروا القائد عروج، إلا أن ذو اللحية الحمراء القائد خير الدين بربروسا استطاع أن يفك أسر أخيه من قبضتهم، وواصلا جهادهما ضد أعداء الله.
ورحل عروج
وفي 1518م قضى قائدنا البحري العظيم “عروج” بعد أن صدق الله فيما عاهده عليه في معركة قرب تلمسان وأسر أخيه إسحاق، وحزن عليه من حزن ممن آواهم ونصرهم من ظلم ملوكهم، وممن هم تحت ولايته وشاهدوا على عدله. رحل وقد أغرق من سفن الإسبان ما أغرق وأسر من أساطيلهم ما أسر، رحل وبقيت سيرته شاهدةً عليه لا ينكرها أحد.
وبعض العارِ لا يمحوه ماحٍ
ما زال الصليبيين إلى الآن يصورون بابا بربروسا -كما أسموه– في أفلامهم بأنه زعيم العصابة، شبح القراصنة، ويصورون القائد خير الدين بأنه القرصان ذي اللحية الحمراء والشعر الأحمر، ذو قدم واحدة وعين مغطاة، حاولوا تشويه صورهم، لكن التاريخ ما زال شاهدًا على عظمة القادة الذين حالوا بين الصليبيين وبين تحقيق حلمهم بالقضاء على الدين والاستيلاء على البلاد، انتقل القائد عروج إلى الرفيق الأعلى وترك خلفه تاريخًا مضيئًا، وقائدًا عظيمًا تسلم الراية من بعده.
تسلم أمير البحار خير الدين بربروس الراية
القائد البحري خضر الذي أطلق عليه الأندلسيون –خير الدين-، وقيل أن السلطان سليم الأول هو من سماه خير الدين، ولقبه الأوروبيين بـ بربروسا “ذو اللحية الحمراء”، تعددت أسمائه لكن فعله واحد لم يتغير، أكمل المسير، وتسلم الراية بعد أخيه عام 1518، وشعر بأنه بحاجة إلى دعم أكثر من قبل الدولة العثمانية، فأرسل أهل الجزائر وفدًا لإسطنبول برئاسة أحد العلماء وهو “حاجي حسين” في أكتوبر 1519م يطالبون بجعل خير الدين واليًا على الجزائر وجعل الجزائر إيالة عثمانية.
وافق السلطان سليم على ذلك وبعث إلى خير الدين بالخلعة السلطانية، والراية مع 2000 جندي من الانكشارية، وأذن بأن يجمع ما يشاء من المتطوعين من سكان الأناضول لإيفادهم إلى الجزائر وتحقق ذلك. وبهذا كانت الجزائر أول إيالة تابعة للخلافة العثمانية في شمال إفريقيا، وقرأت الخطبة باسم السلطان العثماني سليم الأول. وازدهرت بلاد الجزائر في عهده خاصة من المهاجرين الأندلسيين الذين تم نقلهم إلى شمال إفريقيا، فنقلوا لها فنونهم ومهاراتهم وصناعاتهم.
تصدى خير الدين للحملة العسكرية على الجزائر التي قادها ملك صقلية في سنة 1519م، وتمكن من الاستيلاء على مدينة القل وبونة -عنابة- وقسنطينة، لكنه اضطر إلى مغادرة الجزائر سنة 1542م بعد الثورة التي قادها “ابن القاضي” بتحريض من سلطان تونس “الحفصي” الموالي للإسبان، فلجأ إلى مدينة جيجل، وتمكن من استعادة الجزائر مرة أخرى بعد ثلاث سنوات، عيّنه السلطان “سليمان القانوني” عام 1534م قبطان داريا، وبيلرباي على الجزائر، فقام بإصلاح دار بناء السفن في إسطنبول وأعد أسطولًا كبيرًا، وأغار بثمانين قطعة منه على روجيو وسبيرلونكا وفودي وغيرها من المدن الممتدة على شواطئ الساحل الإيطالي الجنوبي، ثم استولى على تونس بعد فرار سلطانها مولاي الحسن، إلا أن الإمبراطور الإسباني شرلكمان تمكن من احتلالها وإعادة السلطان مولاي حسن إلى العرش.
في عام 1538م استولى أمير البحار على 20 جزيرة من الجزر الواقعة على بحر إيجة بأمر من السلطان سليمان القانوني وإلحاقها بالدولة العثمانية، أثارت الغارات التي يشنها أمير البحار الرعب في نفوس المماليك الأوروبيين، فعقد “شارلكان” هدنة مع فرنسا، وتنادت الممالك لعقد تحالف صليبي كبير اشتركت فيه كل من إسبانيا والبابا والبندقية والبرتغال، وأعدوا حملة مكونة من 600 سفينة حربية وسفينة دعم، وتسلمت قيادتها أندوريا دوريا، فاستعد الأمير خير الدين لمواجهة التحالف، وأعد أسطول مكون من 122 سفينة، ثم اشتبك مع قوات التحالف في معركة كبيرة في خليج بروزة، انتهت بهزيمة ثقيلة للتحالف الصليبي، واستيلاء خير الدين على 36 سفينـة، و 2175 أسير، فكان من أهم نتائج هذه المعركة سيطرة العثمانيين على البحر المتوسط.
في عام 1541م، قاد الإمبراطور شرلكان بنفسه حملة كبرى على الجزائر لكنها منيت بالهزيمة كعادتها أمام أمير البحار، فقد فيها الإسبان معظم قطع أسطولهم، وعندما شن شارلكان هجمات على فرنسا طلب الملك الفرنسي “فرانسوا الأول” من الدولة العثمانية التدخل إلى جانبها في حربها ضد أسبانيا، فأرسل السلطان العثماني القائد خير الدين عام 1543م لمواجهة الهجوم الإسباني مقابل تنازل الفرنسيين للعثمانيين عن مارسيليا ﻟﻤﺪﺓ 5 ﺃﻋﻮﺍﻡ، وقاد أسطولًا مكونًا من 110 سفينة، استولى به على مدينة نيس في أغسطس من السنة نفسها، ومني شارلكان بالهزيمة مرة أخرى، وبعد أن عقد شارلكمان مع فرنسا معاهدة تصالح عاد خير الدين إلى بلاده.
وفاة أمير البحار
بقي ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﺠﺎﻫﺪًﺍ حتى ﺁﺧﺮ لحظة في حياته، حتى وافته المنية في قصره المطل على مضيق البوسفور عام 956 هـ، 1546م عن عمر يناهز 65 عامًا، وخلفه ابنه “حسن آغا” في حكم الجزائر، وما زال قبره ماثلًا للعيان في إسطنبول.
ترك الأمير خير الدين بعد وفاته الكثير من الأموال والسفن والعبيد، وصى ببعضها للدولة وبعضها لابنه حسن آغا بربروس، وترك من أمواله لعبيده ورجاله ما يؤمن حياتهم، بقي معاهدًا على الخير والعطاء حيًا وميتًا، رحل أمير البحار الذي خلف أخيه القائد عروج، قضى نحبه بعد أن صدق بإذن الله في جهاده في سبيل الله، تاركًا لنا مثلًا يحتذى به على مر الزمان، وها نحن ننتظر أمير للبحار ليظهر في زماننا ليتسلم راية الجهاد ويكون خلفًا لمن صدقوا وسبقوا ورحلوا، ليصدق الله فيما عاهده عليه كأميرنا أمير البحار خير الدين بربروسا “ذو اللحية الحمراء” رحمه الله تعالى وألحقنا به على خير.
أكرمكم الله في كل ما أوضحتموه لكني أرجو أن تعتنوا باللغة فلا تكثروا من الأخطاء النحوية :
” ن تكون ذي قرنين عصرك ” تصحيحها : أن تكون ذا قرنَي عصرك ..
بارك الله جهودكم في صناعة الوعي واحياء تاريخ الامة الناصع المجهول