مراجعة كتاب المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة
الباب التمهيدي
حاولتِ الكاتبة في هذا الكتاب (المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة) الحديثَ عن أثر المواثيق الدولية على منظومة الأسرة الإسلامية، ومدى خطورة انعكاساتها على أفْرادها، لكنها في بداية الكتاب تمهِّد بفصلٍ عن تأسيس منظمة الأمم المتحدةِ، التأسيسِ الذي جرى بعد الحرب العالمية الثانية لمنع وقوع أي نزاعٍ عالمي في المستقبل، لكن المنظَّمة أخذت توسِّع نشاطاتها وتشمل أمورًا تتعلق بحقوق الإنسان، التي هي في الظاهر مسعًى نبيل، لكنها في الباطن ورقة سياسية لعبها المعسكر الغربي في صراعه مع الشيوعية ليظهر أمام العالم بمظهر المخلِّص.
في هذا المبحث قدمت الكاتبة طرحًا علميًا حول ظهور الفكر الراديكالي النسوي، الذي بدأ بالظهور في ستينيات القرن العشرين في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وكان من نتائجه المناداة بمساواة الجنسين، وإعطاء الحرية المطْلقة للمرأة دون أي ضوابط أخلاقية، مما تسبب بخلخلة النظام الاجتماعي في تلك البلدان، ثم تناولت الباحثة مفهوم الفكر النسوي الراديكالي (feminism)، الذي يجعل المرأة كائنًا منفصلًا قائمًا بذاته، وفي حالة صراع دائم مع الرجل، وأنها هي المسؤولة الوحيدة عن جسدها، ولها حق ممارسة أي فعلٍ كان؛ مثل العلاقات العاطفية خارج منظومة الزواج، أو إجهاض الجنين، أو ممارسة الشذوذ، ثم إنّ الراديكالية النسوية تنادي بإنهاء منظومة الأسرة والزواج بوصفها فضاءً لقهر المرأة، بالإضافة إلى تشجيع العلاقات المثلية بوصفها الأصل، أما الحمل والإنجاب فهما وسيلة سياسية واجتماعية للتكاثر، ويمكن تعويضها بالعلم والتكنولوجيا.
وقد توسعت الراديكالية النسوية إلى حدٍّ بلغ الهيمنة على العديد من اللجان والهيئات الدولية، مما أدى إلى إصدار قراراتٍ وتوصيات متطرفة، تسمح بالأنشطة الشاذة، وتمنحها حمايةً قانونيةً ودولية، متناسِين دور الأسرة في انضباط المجتمع وضمان استمرار وجوده، فتحْييد دور المرأة في بناء الأسرة يهدم الأسرة كليًا، ويحكم بنهاية الوجود الإنساني والقيمي والأخلاقي، فلذلك يدعو الباحث المسيري إلى إنتاج منظومة الأسر الممتدة في المجتمعات المدنية؛ للحد من ظاهرة الشذوذ والتفكك الأسري.
الباب الأول: الاستراتيجيات والسياسات التي رسمتها المواثيق الدولية للمرأة والطفل لهدم واستئصال الأسرة
في هذا الباب عالجت الباحثة غير قليلٍ من القضايا التي سنَّتها القرارات الدوليَّة لهدم الأسرة، منها دعوة الشباب للانصراف عن الزَّواج بوصفه السبيل الحقيقيَّ والوحيد لبناء الأسرة، وذلك كي يتَسنَّى لهم هدم المجتمع وزعْزعة أسُسه، ولكي ينجحوا في ذلك وجدوا متنَفَّسًا للرغبة الجنسية إذ ساهمت غير قليل من المواثيق الدولية في نشر فكرة الزنا بشكل غير مباشر، فقد منحوا المرأة كامل حريتها، وأتاحوا لها أن تلبي رغباتها كما تشاء وبالطريقة التي ترتضيها، الأمر الذي جعل باب الزنا مفتوحًا وطريقه مسهلة، ولكي تنجح خطة إبعاد الشباب عن الزواج ابتدَعوا ما يُعرف اليوم بمرحلة المراهقة، وهي فترةٌ من حياة الإنسان تعقب فترة الطفولة، عُدَّت على أنّها امتدادٌ لسن الطفولة على الرغم من أنّها تشكل مرحلة بلوغ الإنسان.
بالإضافة إلى ما سبق شرَّعت بعض المواثيق الدولية مواقيتَ محددةً للزواج، وأصروا على تحديد سن الزواج في مفارقةٍ غريبة مع تحديدهم لسن الزنا، فقد رُفع سن الزواج، وخُفِّض سن السماح بممارسة الزنا دون عقاب، ولكي تكتمل المفارقة نجد أنّ العديد من المنظمات الدولية تنادي بالاعتراف بأبناء العلاقات اللاشرعية، على اعتبار أنهم غير ملُومين على هذه العلاقة وأنهم أبرياء أتوا بسبب علاقة حبٍّ جمعت بين اثنين، ونادوا أيضا بمنع تجريم علاقات الزنا التي وقعت بالتراضي، في حين أنَّ هذه المنظمات ترفض أن تقبل أبناء العلاقات الشرعية لحالات الزواج المبكر، وقد أكدت اتفاقية (سيداو) على ذلك.
وبالطبع لتشريع مثل هذه العلاقات لا بد من إجبار الدول على تقبل ومساعدة فاعليها، فنجد في الدول الغربية مثلا أنَّ الدول تمنح مساعداتٍ مالية ورعاية صحية للفتيات الحوامل من العلاقات غير الشرعية، الأمر الذي شكّل عبئًا ماليًا على تلك الدول، فحاولوا تثقيف الشباب والفتيات بمفهوم الجنس الآمن الذي يمنع حدوث حمل، وقد تبنى هذا المشروع منظومة سُمِّيت بالصحة الجنسية والإنجابية، التي دعت إلى تقليل فرص حدوث الحمل، وذلك من خلال وسائل طبية تمنع حدوثه، أما إذا وقع الحمل فالدولة مسؤولة عن رعاية الفتاة الحامل، بل وإشراكها في التعليم، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير بأقرانها وتشجيعهن على ممارسة الزنا، في ظل حماية الدولة لهن.
وعلى صعيدٍ آخر نجد أن العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية تفتح بابًا آخر لهدم الأسرة وممارسة الجنس بطرقٍ غير مشروعة، وهو تشريع الشذوذ الجنسي، فالشذوذ -من اسمه- يُعدّ أمرا غير مقبول بالفطرة الإنسانية، حتى إنّ المجتمعات الغربية التي تشجعه اليوم كانت ترفضه قطعيًا فيما مضى، لكن اليوم نجد تشجيعًا له في المحافل الدولية، بل نجد أيضًا له حمايةً قانونيةً، ومحاولات إدماجٍ له في المجتمعات الإنسانية، وقد نال الشذوذ اهتماما مبالغًا فيه أكثر بكثير من العديد من القضايا الإنسانية، فنجده يُحاط بحماية دولية وقانونية، ويُمنع المساس بممارسيه تحت مسمى منع العنف المبني على الجندر، بالإضافة إلى تشريع التحول الجنسي، وإجراء عمليات تغيير الجنس بوصفه حرية شخصية، واستجابة للرغبة النفسية والجسدية، وأخيرًا الإصرار على توفير حقوقٍ مساوية للشواذ مع الأشخاص الأسْوياء في الإقامة وتوفير الأمن والعمل وغيرها.
ولم تقف المواثيق والمعاهدات الدولية عند هذا الحد في محاولتها هدم الأسرة والمجتمع، بل نجد أنّها بدأت تهاجم بقية أفراده لضمان انهياره بشكلٍ تام، فقد اتجهت أيضًا لتحطيم منظومة المرأة، وذلك ببث روح التمرد لديها، والمطالبة بحقوقها، بما يشبه خلط السم بالدسم، فمطالبة المرأة بحقوقها ليس جرمًا، لكن المغالاة فيه، والتعدي للمطالبة بحقوقٍ تخالف الشرع والفطرة الإنسانية هو ما يعدّ خطأً قِيميًا يؤدي إلى هدم الأسرة وتفكيك ترابطها، فبدأت بعض المنظمات تطالب بإصدار مواثيق وقرارات دولية لمنح المرأة حقوقها، ومطالبين بمنع العنف ضدها، وتحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، مُلغين دور الرجل الذي يرعاها ويحميها سواء كان أبا أو زوجًا أو أخًا، جاعلين غيرته وحمايته لها على أنها عنفٌ موجهٌ ضدها، وقد تعدى الأمر إلى إلغاء كافة حقوق الزوج على زوجه، وإطلاق الحرية لها في الحركة دون إذن الزوج، أو عدم الإقامة معه كما هو مبين في اتفاقية سيداو، في مقابل إلغاء حقوقها هي الأخرى من مهرٍ ونفَقة وغيرها من أمور رفعت من مكانتها.
الباب الثاني: المظلات والآليات التي تستخدمها الأمم المتحدة لهدم واستئصال الأسرة
أما في هذا الباب فحاولت الكاتبة أن تتناول المظلات القانونية التي اتَّكأت عليها المواثيق الدولية في حربها على الأسرة والمجتمع السليم السوي، ومن ذلك إطلاق ما يعرف بحقوق الإنسان، فقد طالبت المنظمات الدولية بتوفير حقوق الإنسان لأفراد المجتمعات والأسر، وهي مطالبةٌ تبدو بالظاهر جيّدة، لكنها في باطن الأمر تدعو إلى التّمرد والعصيان والانقلاب على دور الأب والأم التربوي في تنشئة الأبناء وذلك بنشر أفكار التحرر والمطالبة بالخصوصية وحرية الحركة والمسكن؛ الأمر الذي يؤدي إلى انحلالٍ أخلاقي، وانفلات الأبناء وانحرافهم عن الطريق القويم، وفضلًا عمّا سبق أطلقت المنظمات الدولية عددًا من المظلات التي عبرت من خلالها لتحقيق أهدافها في تحطيم المنظومة الأسريَّة، ومن ذلك مظلة المطالبة بالمساواة بين الجنسين التي تؤدي إلى ضياع الحقوق، وهدم مكانة المرأة السامية لا سيما في المجتمعات الإسلامية، إذ إنّ المطالبة بتساوي الجنسين يلغي مكانة المرأة ويجعلها معرضةً لما لا تستطيع تحمله، فنرى في المجتمعات الغربية اليوم تشغيل المرأة في أعمالٍ شاقة، وعدم مراعاة خصوصيتها وما يتّصل بجسدها من ظروف، فمطالبة المنظمات الدولية بحق المساواة لم يكن إلا لنشر الفساد في المجتمع، وإلغاء كل القيم والدعوة إلى العبثيّة.
ومن المظّلات التي اتّبعتها المنظمات الدولية إنشاء عددٍ من المنظمات الدولية التي تُعنى بتطبيق قراراتها، وإلزام دول العالم بها، ومعاقبة أي دولةٍ ترفض الانصياع وعدّها دولةً شاذة، ومن ذلك إنشاء منظمة العفو الدولية، التي تراقب تطبيق ما يعرف بحقوق الإنسان، وأيضًا منظمة (هيومن رايتس ووتش) التي أطلقت عددا من المذكّرات التي دعت إلى تنظيم السلوك الجنسي، وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في السعودية، وحريٌّ بنا أن نشير إلى إنشاء غيرٍ قليلٍ من المنظمات التي ساهمت في تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومنظماتها لم يكن الخطوة الأخيرة، بل تعدَّى ذلك إلى توظيف عددٍ من القيادات الدينية في تحقيق مآربها، ومن ذلك الفاتيكان وعدد من المؤسسات الإسلامية واليهودية، وذلك لما تتمتع بها من مكانة لدى الشعوب التي تتبعها، فالسيطرة على مثل هذه المؤسسات يسهل الأمر على المنظمات الدولية تحقيق أهدافها بتظليلها بمظلة دينية، فقد وصل الأمر إلى قيام الكنيسة والفاتيكان بتحليل الزواج المثلي، والتشجيع على الشذوذ، وأيضا توفير الدعم المالي من هذه المؤسسات لدعم برامج الأمم المتحدة التي تسمى بالإنمائية، لكنها في واقع الأمر تستهدف القيم المجتمعية والأسرية.
جزاكم الله عنا خير جزاء