مراجعة كتاب: المقاطعة الاقتصادية سلاح الشعوب
افتتح الكاتب د. عرابي عبد الحي عرابي كتابه المقاطعة الاقتصادية سلاح الشعوب بمقدمة تناول فيها ملخصًا عن الدوافع التي تؤدي إلى اللجوء لخيار المقاطعة الاقتصادية، لا سيما في سياقنا العربي الإسلامي، إذ تتعرض الأمة اليوم إلى هجماتٍ شرسة، تمثلت في الإساءة للنبي الكريم، وللدين الإسلامي، إضافة إلى احتلال أقطارٍ عربية، والسيطرة على مقدّرات الأمة الاقتصادية والصناعية، والطبيعية، لذلك لجأت العديد من الشعوب الإسلامية إلى خيار المقاطعة الاقتصادية، للبضائع والمنتجات الغربية، خاصةً لتلك الدول التي تهاجم الإسلام، وتتعدى عليه، خصوصًا في ظل سكوت الأنظمة العربية والإسلامية، وعدم المبالاة تجاه ما يفعله الغرب بأبناء أمتهم.
الفصل الأول: المقاطعة بين المصطلح والتاريخ
في هذا الفصل حاول الكاتب توضيح مفهوم المقاطعة، فلجأ إلى المعجم يستمدُّ منه المعنى اللغوي، الذي يتمثل في البُعد والهجر، وهذا الأمر ينطبق على المقاطعة الاقتصادية المتمثلة في رفض منتجات الطرف الآخر، حتى تحقيق الأهداف المرجوَّة من المقاطعة.
وعلى هذا الأساس تُستعمل المقاطعة الاقتصادية أداةً شعبية للتعبير عن الغضب تجاه دولة أو منظمةٍ ما تُسيء التصرف مع شعب أو دولةٍ ما، وقد أقرَّت كلٌّ من عصبة الأمم وهيئة الأمم في قانونهما حق المقاطعة الاقتصادية الدولية بحق أي دولة من الدول الأعضاء في حال خالفت إحدى المواثيق الدولية، وقد تتعدَّى هذه المقاطعة المنتجات الاقتصادية إلى ما هو أعمق من ذلك، مثل وقف الاستثمارات، وسحب الأصول المالية المودعة، أو إيقاف حركة النقل بأنواعها في وجه البضائع المستورَدة أو المصدَّرة من البلد المُقاطَع.
وتجدُر الإشارة إلى أنَّ المقاطعة الاقتصادية قد تصدر عن أكثر مِن جهة، فمِنها ما يكون صادرًا عن حكومة بلدٍ ما، إذ تعطي أوامرها للأشخاص والشركات بعدم التعامل الاقتصادي مع بضائع ومنتجات بلدٍ آخر، ومنها ما يصدر عن الجهات الدولية مثل مجلس الأمن، ويكون قرارها هذا ملزِمًا للدول الأعضاء، ومنها ما يكون من جهةٍ شعبية، مثل النقابات والجمعيات والأحزاب، وتكون المقاطعة ذات أبعاد وأنواع عدة، منها: المقاطعة السياسية التي تشمل قطْع العلاقات الدبلوماسية والعسكرية وكلَّ الروابط المشتركة بين الدَّولتين، وهنالك مقاطعة ثقافية فكرية، خصوصًا إن كانت الدولة الأخرى تتبنَّى طرحًا أيدولوجيًا لا يناسب الدولة المقاطِعة، وأيضًا المقاطعة الاقتصادية التي تتمثل في عدم التعامل بأي حركةِ بيعٍ أو شراء مع المنتجات الاقتصادية، وأخيرًا المقاطعة الشاملة التي تشمل كل ما سبق.
أما من ناحية قانونية المقاطعة الاقتصادية، فهي تُعتبر إجراءً شرعيًّا يُمكن اللجوء إليه، ولا يجوز الوقوف في وجهه، ولا يجوز تحميل الدولة التي يمارس أهلها مقاطعةً اقتصادية ضد دولةٍ أخرى تبِعاتِ هذه المقاطعة، إذ إن الدولة مسؤولة عن تصرُّفات الأشخاص ذوي الصفة الرسمية، طالما كانت هذه المقاطعة غير إجبارية، لكن هذه القوانين والأعراف ضُرب بها عرض الحائط عندما تعلق الأمر بإسرائيل، فقد حاول العرب مقاطعة إسرائيل اقتصاديًا، لكن دول العالم وقفت معها، وشغلت آلتها الإعلامية ضد العرب، ففي فرنسا اعتُبرت هذه المقاطعة غير شرعية، إذ تستند على التمييز العنصري، وقد رفضت هولندا أيضًا هذه المقاطعة، وردَّت بالمثل مع الشركات العربية، أما في الولايات المتحدة، فقد صدر قانونٌ يجرِّم المقاطعة العربية لإسرائيل، ويعاقب أي جهةٍ تتعامل مع هذه المقاطعة، حتى إن دائرة الضريبة الأمريكية رفعت الامتيازات عن أي مواطنٍ يشارك فيها، وأخيرًا منعت أي دولةٍ تشترك في المقاطعة بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
الفصل الثاني: المقاطعة والتاريخ، نماذج ووقائع
في هذا الفصل حاول الكاتب أن يعرض تاريخ المقاطعة الاقتصادية، فيستعرض نماذج لازالت حاضرة في كتب التاريخ، وفي القرآن الكريم، فيذكر على هذا قصة سيدنا يوسف مع إخوته عندما حجب عنهم الكيل، ويذكر أيضًا حادثة مقاطعة أهل مكة لبني هاشم أثناء بدايات الدعوة الإسلامية، عندما طردوا إلى الجبال، ومُنع عنهم الطعام والعمل والتزاوج من غيرهم وقد وثِّقت هذه المقاطعة بوثيقةٍ عُلقت على ستار الكعبة، ومن الأمثلة على المقاطعة في الإسلام حجب سيد اليمامة ثمامة بن آثال الحنطة عن أهل مكة نصرةً لرسول الله.
ويذكر الكاتب أمثلةً أخرى عن المقاطعة في زمننا المعاصر، منها مقاطعة اليابان للمنتجات الأوروبية والأمريكية بعد احتلالها من الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية، ومقاطعة الهنود للملح، الذي اُحتكِرت صناعته من قبل الإنجليز، وأيضًا المقاطعة العربية للمنتجات الصهيونية التي تُصنع في المستعمرات في زمن ما قبل النكبة، إضافةً لمقاطعة العالم الإسلامي لمنتجات الدنمارك وفرنسا بعد تطاولهما على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونشر رسومٍ مسيئةٍ عنه.
الفصل الثالث: المقاطعة في المنظور الفقهي الأحكام والاستدلالات والضوابط
حاول الكاتب في هذا الفصل أن يلخِّص مضمون الأحكام الشرعية التي تخصُّ المقاطعة الاقتصادية، فيذكر أنَّ الإسلام قد أباح التبادل التجاري مع أصحاب الشرائع الأخرى، لكنه لم يمنعْ قيام المسلمين بمقاطعة بضائعهم في حال تحوَّلت العلاقة إلى عداء، فذكر لذلك مجموعةٌ من الاستدلالات التي تؤكد صحة ما ذكر، منها أن تتم المقاطعة الاقتصادية لجهات تمول وتدعم الحرب على الإسلام، وقد أكد ذلك الإمام النووي، والإمام مالك، وأشارا إلى عدم قصور المقاطعة على الجهة التي تحارب الإسلام، بل كل مَن يقف وراءها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، مستندين على عدد من الآيات القرآنية، والأدلة الشرعية التي تؤيد قولهم، بالإضافة إلى اعتبار المقاطعة الاقتصادية شكلا من أشكال الجهاد، فالنبي صلى الله عليه وسلم استعمل المقاطعة الاقتصادية مع أهل ثقيف أثناء حصاره للطائف، وبناءً عليه صدرت العديد من الفتاوى في العصر الحديث، تحث المسلمين على مقاطعة البضائع الأجنبية التي تصدر عن دولٍ معادية للإسلام، وتجارية بشكل مباشر وغير مباشر، منها فتوى الشيخ حمود الشعيبي، والشيخ يوسف القرضاوي، اللذان تصدرا لإصدار فتوى تجيز مقاطعة المسلم للبضائع الأجنبية والإسرائيلية، إلا أنَّ بعض المشايخ مثل محمد بن العثيمين، وعبد العزيز بن باز أصدروا فتاوى مضادَّة تجيز حركة الشراء للبضائع الأجنبية والإسرائيلية في حال أمر ولي الأمر بذلك، مستندين في ذلك على مبدأ طاعة ولي الأمر.
الفصل الرابع: المقاطعة بين الجدوى ودعاوى غياب الفاعلية
أما في هذا الفصل فقد حاول الكاتب الرد على فكرة تسفيه أمر المقاطعة الاقتصادية التي تقوم بها الشعوب العربية والإسلامية، خصوصًا تجاه الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، تحت فكرة ومقولة من نحن كي نؤثر باقتصاد أمريكا، فيشير الكاتب إلى أن القيام بالمقاطعة الاقتصادية يمثل موقفًا واضحًا يعكس طبيعة الرفض تجاه الأعمال العدائية على الإسلام والمسلمين التي تقوم بها الولايات المتحدة أو أي جهةٍ في العالم، حتى وإن لم تلحق ضررًا يذكر، لكن القيام بمثل هذا التحرك يؤكد على الثبات على الموقف والتمسك بالقضية.
ويطرح الكاتب طرقًا وأساليب قد تكون ذات نفعٍ في أي مقاطعةٍ اقتصادية، مثل التوجه لشراء بضائع الدول الإسلامية، وإيقاف تصدير النفط للدول المعادية للإسلام، لكنه حلٌ مستبعد، وذلك بسبب الهيمنة العسكرية الأمريكية على عددٍ من الدول العربية، ووقوف بعض الأنظمة العربية إلى جانب القوى الغربية لضمان استمرارية وجودها في السلطة، وتحجيم دور المؤسسات الإسلامية، وإهمال دورها، وأخيرًا انعدام الأمن الغذائي والدوائي، إذ لا يوجد لدى الدول العربية اكتفاءٌ ذاتي بالموارد، ولكي تنجح أي مقاطعةٍ اقتصادية، لا بد من تضافر كافة الجهود من حكومية وشعبية ورجال أعمال لإنجاحها.