صٌنّاع الزيف.. قراءة في كتاب الدعاية الإسرائيلية

لقد أقـام الإعلام دولتنـا، واسـتطاع أن يتحـرك للحصـول علـى مشـروعيتها الدوليـة.

ديفــيد بـن غوريـون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول

حقق الكيان الصهيوني نجاحًا باهرًا في  اعتماده على الفلسفة الدعائية ذات الأبعاد السياسية، والتي قامت علـى أسـس أيديولوجيـة ومعرفـة تامـة بالجمهور المستهدف، هدفها الأساسي هو تغييــر صـورة اليهـود أمـام الـرأي العـام، وانتهـاج منطـق دعائـي مـزدوج يتجـه نحـو تأكيـد الشرعية الصهيونية، وتشـويه صـورة العـرب والفلسطيـنـييـن، بمـا يخـل بميـزان القوى لصالحها، ويحقق لها أهدافها المرحلية والمستقبلية.

وظهرت هذه الأهداف بشكل أوضح بعد قيامها بتوظيـف أساليب الدعايـة السياسـية فـي دبلوماسـيتها الرقميـة، سعيًا للظهور أمام العالم في صورة دولة محتـرمة وديمقراطيـة، محبـة للسـلام والعـرب والإنسانية مع إبراز الصراع بين الدول العربية التي تريد افتراس إسرائيل، وذبح اليهود الموجودين فيها، رغم كونها دولة صغيـرة ديمقراطية حضارية مسالمة غيـر عدوانـية ومحاصرة من كل جانب، همها الوحيد هـو السـلام والحفـاظ علـى أرواح وحيـاة مواطنــيها، وقد حرصت في ذات الوقت على شـيطنة الفلسطيـنـييـن ومقاومتهـم فـي الوعـي العربـي وعزلهـم عن محيطهم، وساعدها في تحقيق ذلك ضعف المحتوى الإعلامي الرقمـي الفلسطيـنــي، وعجـزه عـن منافسـة قـوة المضامين الإسرائيلية وتأثيــرها حتى وإن كانت معلومات مضللة أو زائفة.

عن الكتاب

 كتاب (الدعاية الإسرائيلية: قراءة في القوة الناعمة) هو خلاصة مجهود جماعي لعدد من الكتاب والمفكرين، سعوا من خلال فصوله إلى توضيح الحقيقة الكامنة خلف سلاح الدعاية الإسرائيلية، الذي يستخدمه الكيان الصهيوني بشكل موجه إلى الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، بل يمتد ليشمل شعوب العالم أجمع، ومن خلال فهم حقيقي وواع للحقائق الكامنة حول هذا الأمر يمكن إيجاد إجابة شاملة للتساؤلات التي تطرح من أجل فهم الكيفية التي تصنع إسرائيل من خلالها دعايتهـا وتخاطـب الجمهـور الفلسطيــني والعربـي والدولـي بها.

الكتاب الذي يأتي في (336) صفحة من الحجم المتوسط، والصادر عن مركز (رؤية – vision) للدراسات، يتكون من ثمانية فصول؛ عمل على كل منها أحد المؤلفين، تبدأ من تعريف القارئ بالمفهوم العام للدعاية والأسس التي يقوم عليها، وتنتهي مع الحملة المضادة التي عمد إليها الشعب الفلسطيني لمواجهة هذه الدعاية والتغلب عليها.

مؤلفو هذا الكتاب بترتيب فصوله هم: د. عبد الله عدوي وهو أستاذ مشارك في الاتصال والإعلام، ثم أ. ساهر غزاوي وهو كاتب وباحث ماجستير علوم سياسية دراسات الشرق الأوسط، يليه أ. لندا شلش وهي صحفية أكاديمية وباحثة في الإعلام ودراسات الشرق الأوسط، ثم د. نواف التميمي وهو أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، يتبعه أ. سعيد أبو معلا وهو كاتب ومحاضر الصحافة في الجامعة العربية الأميركية، ثم د. عدنان أبو عامر وهو رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام، ومُحاضر في تاريخ القضية الفلسطينية والأمن القومي والدراسات الإسرائيلية في جامعة الأمة للتعليم المفتوح بغزة، ثم أ. عصمت منصور وهو باحث في الشأن الإسرائيلي، وأخيرًا أ. سليمان بشارات الكاتب والمحلل السياسي.

 التمهيد

يستهل المؤلف هذا الفصل بتعريف مصطلح الدعاية أو الـ(propaganda) الذي يعتبر واحدًا من أقدم الأساليب التي تم استخدامها في التأثير على البشر والتحكم في طريقة تفكيرهم، وقد سعى العديد من المختصين إلى وضع تعريف شامل لهذا المصطلح يمكن من خلاله فهم ما ينطوي عليه من خصائص، خلصت جميعها إلى كون الدعاية هي:

أسلوب اتصالي يعنى بالتأثير على اتجاهات الناس وآرائهم من خلال التلاعب بعقولهم ومشاعرهم، بقصد خلق حالة من التوتر الداخلي لديهم تجاه الأفكار الجديدة التي يتم بثها والترويج لها بصورة مدروسة ومنظمة ومستمرة، لتحقيق الأهداف التأثيرية في المواقف والاتجاهات والسلوك.

وعادة ما يتم الربط بين مصطلح الدعاية والعديد من المصطلحات الدينية المعروفة مثل التبشير والدعوة، وما تتضمنه من بُعد إيجابي وبُعد سلبي، ويعتبر المثال الأوضح على ذلك هو القول الدائب للكيان الصهيوني بأن فلسطيـن هـي أرض بـلا شـعب لشـعب بـلا أرض، وبالدعايـة اليهوديـة بأنهـم شـعب الله المختار، وتضخيـم التــرويج للمحرقـة، وغيرها من الأمور التي ثبتت في العقول لكثرة ما تم تكرارها.

يتبع المؤلف ما سبق بتوضيح الأنواع المتعددة للدعاية مع بيان تعريف كل منها وهي على الترتيب:

  • الدعاية البيضاء: وهي الدعاية الواضحة المكشوفة في مضمونها والجهة التي تقف خلفها.
  • الدعاية الرمادية: وهي الدعاية التي تعتمد على التمويه في توجيه الجهة لخطابها ومعلوماتها، وهي دعاية غير واضحة تماما.
  • الدعاية السوداء: يطلق عليها اسم الدعاية السرية التي لا يُعْرَف القائمون عليها، وتظهر مضامينها للجمهور دون معرفة مصدرها والجهة التي تقف وراءها.

ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى توضيح الأساليب التي يُعتمَد عليها بشكل أساسي في عملية الدعاية من أبرزها:

  • التكرار بهدف تثبيت المعلومة.
  •  الكذب واختلاق الوقائع والتفسيرات.
  •  حذف أجزاء من الحقيقة وإضافة أجزاء أخرى بهدف التشويه.
  •  تعمد الربط الزائف بين الأمور غير المرتبطة ببعضها البعض.

يلي ذلك توضيح مفصل لأشكال الدعاية والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع أساسية وهي:

  1. دعاية تخدم نشاطًا معينًا سواءً كان سياسيًّا، أو عسكريًّا، أو اجتماعيًّا، أو اقتصاديًّا، أو دينيًّا.
  2. دعاية وفق هدف مباشر مثل الدعاية التحريضية، أو الدعاية الاندماجية، أو الدعاية الترويجية أو الحرب النفسية.
  3. الدعاية وفق الهدف الزمني والتي تبرز في أثناء الصراعات والحروب القائمة وترتكز على الحرب النفسية لإضعاف القوة المعنوية للخصم.

أسس الإعلام والدعاية الإسرائيلية

يهدف مؤلف هذا الفصل إلى توضيح الدور الأساسي الذي لعبته الدعاية جنبًا إلى جنب مع الإعلام من أجل تهيئة الرأي العام لتقبُّـل السـلوك السياسي، حيث أن الدعاية هي الأسلوب الأبرز الذي استخدمته الحركـة الصهيونــية فــي إقامـة الكيـان الإسرائيلي لليهـود.

فقد عمدت إسرائيل إلى استخدام استــراتيجيات دعائيـة ووظفتها لدعم كيانها سياسـيًا وعسكريًا وثقافــيًا واجتماعيًا، مما أثّر على الرأي العام العربي والغربي على حد سواء، وجعل الاقتناع بالرواية الإسرائيلية أمرًا ممكن الحدوث.

وقد ارتكز المؤلف في هذه الدراسة على أمرين أساسيين هما أسـس الدعايـة الإسرائيلية التي اسـتخدمتها قبـل إنشـاء الكيـان الإسرائيلي وبعـده، ودور المؤسسات الإسرائيلية فــي دعـم صناعـة الدعايـة الإسرائيلية، وبالاعتماد على هذه الأسس تُطرَح مجموعة من التساؤلات التي يجيب عنها المؤلف بشكل تفصيلي على مدار الفصل، من أبرزها مثلاً:

  • كيـف أسـس الاحتلال لدعايتـه مـن أجـل تحقيـق الغايـات والأهداف قبيـل إنشـاء الكيـان وبعـده؟
  • مـا هـي المراجع الأساسية للفكـر الصهيونــي فــي اسـتخدام الدعايـة الإسرائيلية؟
  • مـا هـو الـدور الـذي تقـوم بـه الدعايـة الإسرائيلية فـي صناعـة القـرار وفـي وضـع الخطـط والسيــناريوهات المستقبلية؟

تاريخ الإعلام.. صياح صياح!

يستهل الكاتب دراسته بتوضيح تاريخ الإعلام الذي بدأ مع تأسيس الكيان، حيث عمل قادة الحركة الصهيونية على كافة المستويات من أجل تحقيق وظائف الدولة بما في ذلك الجانب الإعلامي، وقد حقق ذلك نجاحًا كبيرًا أثبته رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول (ديفــيد بـن غوريـون) في قولـه: «لقد أقـام الإعلام دولتنـا، واسـتطاع أن يتحـرك للحصـول علـى مشـروعيتها الدوليـة».

وقد أشاد بما حققته وسائل الإعلام الإسرائيلية مستشـار الأمن القومـي لرئيـس الـوزراء الإسرائيلي فــي سبعيـنــيات القـرن الماضي (ياهـو شافي هـار كاباي) في قوله: “لقـد كان الـرواد يعطـون أهميـة مضافـة للإعلام ووسـائل الاتصال، باعتبارهـا المرتكزات الأساسية للمشـروع الصهيونــي، ولهـذا نعمـل بوسـائل إعلامنا الكفـؤة والمرتكزة علـى أيدولوجيتنـا للتأثيـر فـي الـرأي العـام، وعـرض قضيتنـا العادلـة علـى العالـم”.

ويعتبر من أهم المرتكزات التي قام عليها الخطاب الإعلامي في إسرائيل ما يلي:

  • المرتكزات التاريخية الدينية.
  • المرتكزات السياسية.
  • المرتكزات الاقتصادية.

وفي حقيقة الأمر، إن ما ساعد الكيان الصهيوني على هذا النجاح الإعلامي الباهر، هو اعتماده على فلسفة دعائية ذات أبعاد سياسية، تقـوم علـى أسـس أيديولوجيـة ومعرفـة تامـة بجمهورهـا المستهدف، ثـم العمـل علـى تغييــر صـورة اليهـودي أمـام الـرأي العـام، وانتهـاج منطـق دعائـي مـزدوج يتجـه نحـو تأكيـد الشرعية الصهيونية، وتشـويه صـورة العـرب والفلسطيـنـييـن، بمـا يخـل بميـزان القوى لصالحها، ويحقق لها أهدافها المرحلية والمستقبلية.

كما يركز النشاط الدعائي الصهيوني على قاعدة واضحة عبر عنها (تيـودور هرتـزل) في قوله:

«كل مـا يهمنــي هـو أن تتكلـم حتــى لـو تكلمـت عـن الصهيونـية، الصيـاح هو كل شيء حقا، إن للصوت العالي شأن كبير، ليس تاريخ البشر سوى قعقعة السلاح، وجعجعة الرأي الزاحف، عليكم أن تصيحوا أو تصرخوا».

 وأهم ما كان يميز الدعاـية الإسرائيلية فــي تلـك المرحلة هـو طغيـان المضمون العقائـدي والديـنــي، فقـد كانـت الدعايـة تسـتمد مضاميــن خطابهـا مـن الديــن اليهـودي، وخاصـة النصـوص التوراتيـة التـي تتحـدث عـن تحقيـق وعـد الـرب لـشـعب الله المختار فـي أرض الميعاد. وقد أوحت المنظمات الصهيونـية إلى الكتاب والشعراء، وغيـرهم من العامليـن فـي مجالات الإنتاج الفكري والفنـي، بتمجيد فكـرة الهجـرة إلـى إسـرائيل، بوصفهـا الوطـن القومـي لليهـود، مـع إشـاعة روح اليأس من بقاء اليهود في المنافي، وإثارة الحمية في نفوسـهم للتمسـك بالقوميـة اليهوديـة والهجـرة إلـى “وطنهـم الوليـد” .

الصحافة الصهيونية والدعاية الإسرائيلية

ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى بيان تاريخ الصحافة الصهيونـية فـي فلسطيـن، والتي بدأت خلال الانتداب البريطاني في فلسطين، فقد تأسست في هذه المرحلة العديد من الصحف العبرية التي ما زال البعض منها قائمًا حتى اليوم، وتنوعت ملكية هذه الصحف بين عامة وخاصة، وعمل فيها العديد من قادة حركة الصهيونية مثل (أليعيــزر بـن يهـودا)، و(بــرل كتسنلسـون)، و(ناحـوم سـوكولوف)، و(موشـيه شـاريت)، و(زئيـف جابوتنسـكي)، بالإضافة إلى مؤسس الحركة الصهيونية (تيـودور هرتـزل).

وقد تركت الصحافة العبرية بصمتها الخالدة من خلال تحقيق ثلاث مميزات رئيسية هي:

  • ازدهار الصحافة الحزبية كوسيلة سياسية فقط وليس لتحقيق الربح.
  • تجنيد الصحف والصحفيين من أجل دعم وإقامة الكيان الصهيوني.
  • تبني أنماط صحفية محددة تناسب الفئة المستهدفة سواء في شرق أو في غرب أوروبا.

وتعمل الدعاية الإسرائيلية على ثلاثة محاور أساسية وهي المحور المحلي والمحور الإقليمي والمحور الدولي، ومن أجل تحقيق أهداف كل منها تلعب العديد من المؤسسات الإسرائيلية دورًا بارزًا في صناعـة الدعايـة والإعلام الإسرائيلي، من أبرزها:

  • أجهزة الإعلام فــي وزارة الخارجيـة.
  • دائـرة الإعلام فــي ديـوان رئيـس الـوزراء.
  •  دائـرة الإعلام فــي وزارة “الدفـاع” الحـرب.
  • الرقابـة العسـكرية.

وفي سبيل سعيها المستميت إلى اختراق الوعي العربي والفلسطيني، عمدت إسرائيل إلى إنشاء العديد من الوسائل الإعلامية باللغة العربية من أجل تحقيق الدعاية الناعمة لها، وقد تميزت هذه الخطوة بأنها مفاجئة وسريعة الانتشار وشديدة التأثير، كما عمدت المؤسسات الرسمية المعنية في إسرائيل إلى إنشاء حسابات رسمية باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي (فــيسبوك)، و(تويتر)، و(إنستغرام)، وكان العنصر البشري الأبرز في هذه الحملة هو (أوفـيــر جندملـان) الـذي يتولـى نقـل مواقـف الحكومـة وشـرحها للجمهـور العربـي مـن خـلال مواقـع التواصـل الاجتماعي.

أوفير جندلمان والدعاية الإسرائيلية
أوفير جندلمان

وفي خاتمة الفصل أكد المؤلف أن الحركـة الصهيونــية مـن أقـوى الحـركات التـي اسـتخدمت سلاح الإعلام والدعايـة، حيث أصبحت الدعاية الإسرائيلية العمود الفقري للسياسة الصهيونية الذي يتيح لها القيام بعملية غسل دماغ إعلامي، والمساهمة في تكوين الرأي العام والتأثير عليه وتهيئتـه لتقبـل سـلوك الحركـة الصهيونــية السياسي.

الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية والاستراتيجيات الدعائية

يستهل المؤلف هذا الفصل بإثبات كون إسرائيل من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط نشاطًا في استخدام الدبلوماسية الرقمية، وقد وظفت وزارة الخارجيـة الإسرائيلية عشـرات الكـوادر المدربة فــي قسـم الدبلوماسـية العامـة والمكاتب التابعة لها، مثل السـفارات والقنصليات فـي دول مختلفة فـي السـنوات الأخيرة للتــرويج لروايـة الاحتلال وتجميـل صورتـه أمـام الـرأي العـام العالمـي.

فنظرية التأطير الإعلامي تشير إلى كيفية قيام وسائل الإعلام بحزم المعلومات وتقديمها إلى الجمهور، حيث تمارس هذه الوسائل عملية تأثير انتقائي حول كيفية رؤية الناس للواقع، وكيف يتم الترويج لبعض القضايا على حساب غيرها، مما يُمكّن القائمين على عملية الاتصال من تحديد المواضيع التي يفكر بها الجمهور المتابع، واختيار الطريقة الأمثل لعرضها لهم، وهذه العملية تتأثر بمجموعة من العوامل هي:

  • الأعراف الاجتماعية.
  • الضغط من جماعات المصالح.
  • التوجهات الأيدولوجية والسياسية.

وبناء على ما سبق يتم البحث عن القضايا التي تـركز عليها الدبلوماسـية الرقميـة الإسرائيلية الموجهة إلـى العـرب، والبحث عن الأساليب والاستراتيجيات المتعبة لجذب الجمهور العربي وضمان تفاعله.

وعلى الرغم من أهميتها الكبرى وتأثيرها العميق إلا أنه لا يوجد تعريف ثابت للدبلوماسية الرقمية، والسبب في ذلك هو تمتعها بالمرونة وسرعة التطور، ولكن لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه في إحداث تغيرات مهمة في طريقة التفاعل بين الناس والكيفية التي يتم من خلالها تبادل المعلومات، حيث مكنت الدبلوماسية الرقمية الأفراد من التعبير عن آرائهم عبر العديد من قنوات الاتصال، وخلقت بيئات تفاعلية عبر الفضاء الرقمي.

وتمتلك الدبلوماسية الرقمية عددا كبيرا من المميزات صعبة الحصر، ولكنها في نفس الوقت تواجه تحديات المنصات الرقمية المتعارف عليها، مثل إمكانية التعرض إلى تسريب المعلومات التي تتعلق بالدول، واختراق حسابات كبار المسؤولين ونشر العديد من التعليقات السلبية عنهم التي تظهر للجمهور المتابع داخليًا وخارجيًا، مما يؤثر على مكانة الدبلوماسيين أمام الرأي العام.

ومنذ إدراكها أهمية الدبلوماسية الرقمية مع انطلاق ثورات الربيع العربي، عمدت إسرائيل إلى استغلال هذا الأمر بأكبر قدر من الفاعلية فأنشأت ما يزيد عن (800) قناة رقمية، و(250) قنـاة رسـمية فــي السـفارات والقنصليـات، و(250) حسابًا لدبلوماسييــن إسرائيليين، بالإضافة إلى مواقـع الويـب وحسـابات المقرات الحكوميـة وغيــرها، موزعـة علـى خمـس منصـات رئيسـة: (فــيسبوك، تويتــر، إنسـتغرام، يوتيوب، تلغرام)، وتغطي هذه القنوات ما يقارب من (50) لغة منها العربيـة والإنجليزية والفارسـية واللاتينية والكرديـة.

تسعى إسرائيل من خلال هذه المنصات -الموجهة إلى العرب تحديدًا- إلى تجميـل صـورة دولـة الاحتلال، وإظهارها على أنها الدولة الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط، كما تروج لنفسها بأنها دولة تتميـز بالتنـوع السكانـي مـن مختلـف الأعراق والخلفـيات الدينية التي تعيش مع بعضها في تناغم وسلام.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن هدف إسرائيل الأبرز من خلال المنصات الرقمية هو أنسنة الجيـش الإسرائيلي، مقابـل شـيطنة الفلسطيـنـييــن ومقاومتهـم مـن جهـة، وتضخيـم وتكـرار الأحداث، خاصـة تلـك المتعلقة بتطبيـع العلاقـات مـع عـدد مـن الحكومـات العربيـة فـي السـنوات الأخيرة مـن جهـة أخـرى، وتستخدم في ذلك الأدوات التي تتناسب مع عصر السرعة والعالم الرقمي من جهة أخرى، مثل التـركيــز علـى مقاطـع الفــيديو القصيــرة، والصـور التوضيحيـة، والإنفوجرافيك والصـور المتحركة والكاريكاتـور.

ومن خلال العديد من التحليلات والأمثلة، التي أوردتها المؤلفة في باقي الفصل يمكن إثبات أن النشاط الإسرائيلي الرقمي ليس إلا ممارسة للدعاية السياسية، التي اعتمدها الكيان الصهيوني منذ نشأته من أجل كسب التعاطف الدولي والحصول على الشرعية لإقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين، وتشـجيع الهجـرة اليهوديـة إليـه، بالإضافة للعمل على تحسين صورة الاحتلال عالميًا وعربيًا في ظل تصاعد لهجـة الانتقادات الدوليـة لدولـة الاحتلال، بسـبب حملاتها العسـكرية ضـد الفلسطيـنـييـن، وسياسـاتها العنصريـة والتمييـزية ضدهـم.

وفي النهاية يمكن الجزم بأن توظيـف إسـرائيل أساليب الدعايـة السياسـية فـي دبلوماسـيتها الرقميـة، مـا هـو إلا محاولـة لإظهار نفسـها كدولـة محتـرمة وديمقراطيـة، محبـة للسـلام والعـرب والإنسانية، مقابـل شـيطنة الفلسطيـنـييـن ومقاومتهـم فـي الوعـي العربـي وعزلهـم عن محيطهم، وما يساعد في تحقيق ذلك ضعـف المحتوى الإعلامي الرقمـي الفلسطيـنــي، وعجـزه عـن منافسـة قـوة المضامين الإسرائيلية وتأثيــرها حتى وإن كانت معلومات مضللة أو زائفة.

الدعاية الإسرائيلية الموجهة دوليا

أوضح المؤلف في هذا الفصل سـعي الدعايـة الصهيونــية إلـى توفـيــر الإمكانيات المادية والبشـرية والفنــية كافة؛ من أجل حشد الرأي العام العالمي وراء المشروع الصهيونـي، وإقناع العالم بضـرورة إنجـاز الوطـن القومـي لليهـود فـي فلسطيـن ومسـؤوليته عـن تحقيـق ذلـك، وقـد هدفـت المنظمات الصهيونــية بذلـك إلـى تحويـل الـرأي العـام العالمـي مـن مجـرد جمهـور متعاطـف إلـى قـوى ضغـط علـى مراكـز القـرار السياسـي، لدعـم مشـروع تأسـيس وطـن لليهـود فـي العالـم، ثـم توفـيـر الحمايـة لهـذا الكيـان ودمجه فــي المجتمع الدولـي.

وقد تلون الخطاب الدعائي الصهيوني وفقًا لثلاثة عوامل وهي الجمهور المستهدف، واللغة الحاملة للخطاب، والظروف الموضوعية، وذلك من خلال الاعتماد على مجموعة من الركائز الجوهرية تمثلت في النقاط التالية:

  • إسرائيل حقيقة تاريخية كانت قائمة على أرض فلسطين ثم فقدت استقلالها، وقامت مجددًا عام 1948م.
  • قيام إسرائيل هو تحقيق لنبوءة دينية ووعد إلهي يعطي أرض فلسطين لليهود.
  • ضرورة لم شمل اليهود في وطنهم القومي بعيدًا عن الاضطهاد الذي لحق بهم حول العالم.
  • إسرائيل ليست دولة عدوان ولكنها تسعى لتحقيق السلام مع جيرانها.
  • إسرائيل دولة تمثل الديمقراطية الغربية في وسط العالم العربي الذي تحكمه أنظمة ديكتاتورية.
  • تعظيم قوة إسرائيل العسكرية وجيشها الذي لا يقهر.

وفي الوقت الراهن يقوم خطاب الدعاية الصهيونية على مجموعة من الممارسات التي تجمع بين المضامين القديمة والجديدة التي تسعى إسرائيل إلى تـرويجها وتـرسيخها فـي أذهان الرأي العام العالمي، ويعتبر من أبرزها ما يلي:

  • أعداء إسرائيل يسعون لنزع الشرعية عنها.
  • العرب لا يقبلون حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره.
  • الرفض التاريخ لإسرائيل هو السبب الأساسي لكافة الحروب منذ عام 1947م.

وفي إطار التعاون المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتحسين صورة الأخيرة حول العالم تم إنشاء “مشروع إسرائيل” في العام 2023م، والذي وصف بكونه منظمة تعمـل علـى تقديـم المعلومات والحقائـق عـن إسـرائيل للصحافـييــن والمؤسسات الإعلامية فــي العالـم العربـي وعبــر العالـم، وتضم المنظمة في مجلسها الاستشاري أكثر من ثلاثين مستشارًا من أعضاء مجلسي النـواب والشـيوخ الأميركيين، إضافـة إلـى سـفراء سابقيــن، وخبــراء في الإعلام، وأكاديمييـن وباحثيـن، وخبـراء سياسييـن وعسكرييـن متقاعديـن.

ومن خلال الجهود المبذولة لهذه المنظمة يمكن التعرف على الخطوط العريضة للخطاب الصهيوني خلال المرحلة الحالية، والتي يعتبر من أبرزها:

  • التظاهر بالتعاطف مع الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
  • التمييز بوضوح بين الشعب الفلسطيني وبين حركة المقاومة حماس واعتبارها العائق الأساسي في فشل مبادرات السلام.
  • التشكيك في نزاهة قيادات السلطة الفلسطينية.
  • التأكيد على تمسك إسرائيل بالسلام وسعيها المستمر إلى تحقيقه.
  • التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها.

وفي سبيل تحقيق هذه المضامين وغيرها فقد استخدمت إسرائيل العديد من الأساليب والوسائل الدعائية، ومن الأمثلة على ذلك:

  • صياغة رسائل تستهدف صناع الرأي.
  • جلب أصحاب الرأي المؤثرين -سواء كانوا أفرادًا أو وفودًا- لزيارة إسرائيل لمدة أسبوع وهو ما تتكفل به وزارة الخارجية.
  • تنظيـم نـدوات دوليـة سـنوية لصنّـاع الرأي للشـباب مـن غيــر اليهـود فــي أوروبـا.

 وقد عمد جهاز هاسـباراه الإسرائيلي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الدعائية باستخدام مجموعة متنوعة من أساليب الضغط، بعضها أساليب ناعمة، وبعضها خشنة، من أبرزها:

  • الحملات الإعلامية.
  • الإعلان المباشر والإعلام التحرري.
  • حملات العلاقات العامة.
  •  الضغط السياسي والمعنوي.

ولم تقتصر جهود جهاز هاسـباراه الإسرائيلي على الدعاية المحلية فحسب، بل شملت الدعاية الدولية أيضا، وذلك من خلال تصميـم خطابـات دعائيـة تسـتهدف جماهيــر جغرافية معينة، كان من أبرزها على سبيل المثال، الخطاب الموجه إلى دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية والذي كان من أبرز مضامينه النقاط التالية:

  • إسرائيل حقيقة تاريخية ترتبط حضاريًا بالديمقراطية الغربية.
  • شرح الصلات التاريخية والدينية التي تربط اليهود بفلسطين.
  •  شرح ما تعتبره الصهيونية الأسانيد القانونية ممثلة في وعد بلفور.
  •  التركيز على معاناة اليهود في ظل الحكم النازي وما سبقه من أنظمة اضطهادية.

ومن خلال ما سبق يجب الاعتراف أن أسـاليب عمـل أجهـزة الدعايـة الإسرائيلية تتطـور بشكل سريع، لكن وعلى الرغم من استخدامها لعدد كبير من الأدوات والطاقات والموارد البشرية لتحسين صورتها في أنظار العالم، فإن معظم حملاتها قد باءت بالفشل، وأدى ذلك إلى تغيرات هامة في القضية الفلسطينية، حيث تزايد دعم شرائح مهمة من النخـب السياسـية، والثقافــية، والاجتماعية، والاقتصادية، للرواية الفلسطينية وأصبحت الرواية الإسرائيلية تتعرض للانتقاد العنيف، وظهر هذا الأمر جليًا في ثلاثة اتجاهات أساسية وهي توجهات الرأي العام، وتوسع الحركات الداعمة لمقاطعة الكيان الصهيوني، وأخيرًا الاعترافات الرسمية بحق الشعب الفلسطيني في كيان سياسـي طبقًـا للقـرارات الأممية.

الدعاية الإسرائيلية الموجهة إلى الشعوب العربية 

يستهل المؤلف هذا الفصل بتوضيح الحقيقة الكامنة وراء الخطاب العربي الرسمي الذي كان دائمًا ما يشدد على أن أراضي فلسطين المحتلة هي قضية عربية خالصة، وهو الأمر الذي جعل الدعاية الإسرائيلية تشدد حملاتها تجاه هذه الدول، ولكن بدرجات متفاوتة القوة وفق الدولـة ومـدى قربهـا مـن دولـة الاحتلال، وطبيعـة العلاقـة التـي تجمعهـما.

وقد بدأ الكيان في تكثيف الجهود الدعائية الموجهة للعالم العربي بعد العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية في العام 1956م، وتمثلت الخطوة الأولى في إنشاء إذاعة (صوت إسرائيل بالعربية)، تلى ذلك إنشاء تلفزيون إسرائيلي خصص يوم الجمعة من كل أسبوع لإذاعة برامج باللغة العربية، ومع النهضة التكنولوجية الحديثة في القرن الواحد والعشرين أصبح الكيان يعتمد في حملته الدعائية على الشبكات الرقمية والمنصات الاجتماعية.

ويعتبر الحدث الأبرز الذي ساعد في تقوية الدعاية الإسرائيلية الموجهة للعالم العربي، هو علاقات التطبيع التي تم الإعلان عنها بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية مثل: الإمارات، والبحريــن، والسـودان، والمغرب، لكن ما هي طبيعـة الدعايـة الإسرائيلية الجديـدة التـي توجـه إلـى شـعوب الـدول العربيـة التـي طبعت علاقتها مع دولة الاحتلال؟ ومـا أبــرز وسـائل وأنمـاط واستــراتيجيات هـذه الدعايـة؟

على عكس المتوقع فإن عملية تطبيع الكيان مع بعض الدول العربية، أصبحت تتطلب جهـود دعائيـة مضاعفـة فــي ظـل طبيعـة التحـول الكبيــر فــي العلاقات التـي كان عمادهـا تاريـخ طويـل مـن العـداء والصـراع مـع شـعوب الـدول العربيـة، وهو الأمر الذي ترجم بفعاليـة ونشـاط مـن أجـل اسـتثمار الأجواء الجديـدة، وقطف ثمار الاتفاقيات الإبراهيمية، في ظل استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وتلاشـي حـل الدولتيـن، وتنامـي سياسـات اسـتهداف المسجد الأقصى وإجـراءات التهويـد والاستيطان التي لا تتوقف.

ويمكن القول بأن الدعاية الإسرائيلية الموجة للشعوب العربية قد مرت بثلاث مراحل أساسية وهي:

  • المرحلة الأولى: مرحلة الدفاع التي تمثلت في رغبة إسرائيل بنيل اعتراف المجتمع الدولي بشرعيتها، وأن على العرب القبول بذلك.
  • المرحلة الثانية: كانت خلال حرب 1697م وما بعدها، والتي امتازت بطابع هجومي شديد الصخب والصراخ والعدوانية بإمكانية هزيمة الأنظمة العربية.
  • المرحلة الثالثة: إظهار إسرائيل بكونها عامل رئيس في تحديد بوصلة الحرب والسلم في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب الربط بين الإسلام والإرهاب، والربط بين المسيحية واليهودية بإظهار أن الخطر المشترك بينهما هو الإسلام.
  • المرحلة الرابعة: استمرار لمجموعة من التحولات السياسية والاقتصادية بعد اتفاق أوسلو عام 1993م.

كانت الصورة الأبرز التي حاول الإعلام الإسرائيلي إبرازها هي الصراع بين الدول العربية التي تريد افتراس إسرائيل، وذبح اليهود الموجودين فيها، وبيـن دولة صغيـرة ديمقراطية حضارية مسالمة غيـر عدوانـية ومحاصرة من كل جانب، همها الوحيد هـو السـلام والحفـاظ علـى أرواح وحيـاة مواطنــيها.

وكما يقول المفكر العربي عبد الوهاب المسيري فإن الدعاية الإسرائيلية تضمنـت موضوعـات رئيسـة، لعـلّ أبــرزها التضليـل بصفـة عامـة، وهـو أمـر لا يتـم عبـر الكـذب المباشر، وإنما عبر الاختزال والاعتماد علـى الغمـوض، بالإضافة إلـى اعتمادهـا علـى تقديـم حلـول للعـرب، وقـد كانـت تـدرك جيـدًا أنهـم لـن يقبلـوا بهـا، وهـو أمـر دفعهـا إلـى التـركيــز علـى رفـض العرب، والتوجه إلى الغرب، وإظهارهم على أنهم يرفضون الحلول السلمية.

عبد الوهاب المسيري والدعاية الإسرائيلية
عبد الوهاب المسيري

وفي سبيل تحقيق أهدافها المعلنة والخفية الموجهة للعرب، استخدمت إسرائيل العديد من وسائل وأدوات الدعاية من أبرزها:

  • منظومة الدعاية في الجيش الإسرائيلي.
  •  الشؤون الاستراتيجية.
  • الجمعيات الإسرائيلية غير الحكومية.
  • وزارة الخارجية.

وبالإضافة لذلك فقد عملت الدبلوماسية الإسرائيلية على وضع أسس استراتيجية إعلامية جديدة، بالاستعانة بعلـم الهندسـة الاجتماعية للتأثيــر فــي الجمهـور المستهدف مـن العـرب عامـة، وذلـك مـع إعـادة النظـر إلـى المنصات الرقميـة بصفتهـا ركيـزة أساسـية فـي اندلاع ثـورات الربيـع العربـي بعـد عـام 2011م. وقد ظهرت نتائج هذه الجهود المبذولة من قبل الكيان الإسرائيلي وخطابها الإعلامي الموجه للعرب في عدد من الجوانب منها:  طبيعة الدعاية الجديدة، ومضامينها، والصورة التي تقدمها، والاستراتيجية المتبعة. 

الدعاية الإسرائيلية الموجهة إلى الفلسطينيين

يوضح المؤلف في هذا الفصل أن الدعايـة الإسرائيلية كرّسـت جهودهـا لمصلحة جيـش الاحتلال للحفـاظ علـى صورته كأسطورة، وتحويل الفشل التكتيكي إلى نجاح استراتيجي، والانصياع الكامل لمواقف المؤسستين الأمنية والعسكرية، والاعتماد الكلي عليهما في معظم المعلومات المنشورة، وقد استهدف الاحتلال الشعب الفلسطيني منذ بدئه على أرض فلسطين قبل سبعة عقود من خلال مجموعة من العمليات الموجهة التي تسعى إلى ترويضه واحتوائه، وذلك من خلال جملة من الأساليب والوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف الكيان القريبة والبعيدة الأجل.

ومن أبرز أساليب الدعاية الإسرائيلية الموجهة للفلسطينيين والتي قامت على مجموعة من المرتكزات الأساسية وهي كما يلي:

  • التاريخية الدينية التي تستند لما ورد في كتابي التوراة والإنجيل.
  •  المنطلقات السياسية التي تعتمد على فرضية “شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب”.
  •  المنطلقات والركائز الاقتصادية.

وفي سبيل تحقيق ما سبق وما زاد عنه، أطلق الكيان حملاته الدعائية باللغة العربية، والتي اشتملت على العديد من المميزات من أبرزها:

  • خضوعها المباشر لأجهزة المخابرات مما جعلها تحمل مدلولات أمنية موجهة للمحيط الفلسطيني.
  •  السعي إلى ترسيخ أفكار مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور الفلسطيني.
  • حظيت باستقطاب أعداد من الجمهور الفلسطيني لفترة طويلة من الزمن.

ويسعى الكيان إلى تحقيق أهدافه من خلال استخدام العديد من الأساليب والوسائل الإعلامية مثل:

  • أدوات الإعلام التقليدي (التلفاز، الإذاعة، الصحافة).
  •  أدوات السينما والدراما.
  •   أدوات الإعلام الرقمي (شبكات التواصل الاجتماعي، المواقع الإلكترونية، الإعلانات الرقمية واللوحات التعبيرية).

ومن أجل تحقيق أهدافها المختلفة فقد اتبع الكيان الصهيوني مجموعة من الأساليب عبر وسائله الإعلامية التي تستهدف الشعب الفلسطيني، من أبرز هذه الأساليب:

  •  التشكيك في الرواية الفلسطينية بشكل منظم وممنهج.
  •  اتباع سياسة المبني للمجهول فيما يتعلق بمقتل الفلسطينيين.
  •  استخدام التضليل بأشكاله وأساليبه المختلفة كركيزة إعلامية أساسية.
  •  جعل الكذب وسيلة ومنطلق أساسي في عمل الوسائل الإعلامية واستخدام كافة الحيل لمنع اكتشافه.

وقد استندت الدعاية الإسرائيلية على جملة من المفاهيم الأساسية والأيدلوجية المتعلقة بأرض فلسطين، وباتت جزءا أصيلا من أدبياتها السياسية والفكرية التي تقوم على بعض الأسس الخاصة بهم من أبرزها:

  •  فلسطين أرض الميعاد التي وعد الرب اليهود كي تكون وطنا خالصا لهم.
  •  علو اليهود فوق كل الشعوب وتقديس دمائهم كما تؤكد فتاوى الحاخامات.
  •  وصف الفلسطينيين والعرب بكونهم إرهابيين، وأن العربي الجيد هو العربي الميت.
  •  لا تستهدف الدعاية العرب والفلسطينيين فقط بل تمتد لتشمل الرأي العام الغربي.
  • اختيار قضية فلسطينية حساسة واتخاذها محورًا للدعاية والإشاعة والتهويل مثل التركيز على قتل العملاء.

وقد ظهرت هذه الأساليب واضحة جلية في العديد من النماذج التي أوضحها المؤلف بالشرح والتفصيل، هذه النماذج على الترتيب هي:

  •  الحروب على غزة.
  •  تهويد القدس المحتلة.
  • مسيرات العودة.
مسيرات العودة
جانب من مسيرات العودة عام 2018

الدعاية والترجمة عن الإعلام الإسرائيلي

يوضح الكاتب في هذا الفصل وجود جملـة مـن الأسباب التـي تدفـع الفلسطيـنـي والعربـي عمومًا للتوجه إلى التـرجمة والنقل عن اللغة العبـرية والإعلام الإسرائيلي، البعض منها معرفي يرتبط بفضول الإنسان، والبعض الآخر أسباب عملية ترجع إلى عدم القدرة على الحصول على المعلومات من مصادرها المباشرة بسبب هيمنة الكيان، والرغبة في عدم التعاطي مع مجتمع الاحتلال بشكل مباشر مع ضرورة الاطلاع على ما يدور داخله، أدت إلى حركة مطردة لم تنقطع من النقل والترجمة من اللغة العبرية إلى اللغة العربية، في مختلف الجوانب مثل وسائل الإعلام أو الإصدارات الثقافية والسياسية، وصولا إلى الأدب والفن والشعر.

وعلى الرغم من تحول الأمر إلى صراع ومقابلته باعتراض كبير من قبل مسؤولي الكيان الصهيوني، وتحول الأمر إلى حالة من التجاذب السياسي جعلت من يقدم على عملية الترجمة من وإلى العبرية في مواجهة هجمة شديدة القسوة من الجانب العربي، إلا أن القيام بعملية الترجمة ضرورة لا يمكن إنكارها ترجع إلى الأسباب التالية:

  •  الترجمة أداة فعالة تساعد في الاطلاع على تناقضات المجتمع الإسرائيلي من الداخل.
  • تدخل المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير في الواقع الثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي للعالم العربي، مما يوجب معرفة الجهات المتضررة من ذلك ومدى التأثير الواقع عليها.
  •   الحضور القوي للرواية الإسرائيلية عالميًا وعربيًا.

وقد مرت حركة الترجمة عن اللغة العربية بسلسلة كبيرة من التطورات تطرق إليها المؤلف بشكل تفصيلي، وأوضح فيما يلى ذلك أن عملية الترجمة من وسائل الإعلام العربي قد توسعت بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير، وأصبح القائمون على عملية النقل والترجمة يحصلون على معلوماتهم من مصادر مختلفة وليس فقط من الصحف اليومية، من أبرز هذه المصادر ما يلي:

  • مواقع إلكترونية إخبارية عبرية.
  •  صحف يومية.
  • مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي.
  •  صفحات مترجمين ومختصين في الشأن الإسرائيلي.
  •  جامعات وندوات متخصصة.

وعلى الرغم من أن الكثيرين يرون أن الاقبال الشديد على الترجمة من قبل وسائل الإعلام، وعرض نتائجها على الجمهور المتابع هي عملية إيجابية تعزز من الوعي، وتمكن الجمهور من الإلمام بمـا يـدور حولـه مـن أحـداث وتطـورات علـى جبهـة الصـراع وأثـره علـى الجانـب الإسرائيلي، إلا أن أبرز السلبيات وأكثرها ظهورا وتأثيرا كانت في تحول الإعلام والصحافة والمحللين الإسرائيليين إلى مصدر أساسي للمادة المنشورة في الإعلام الفلسطيني.

ولم يخفَ هذا التأثير على مسؤولي الإعلام في الكيان الصهيوني، فقد أصبحت وسـائل الإعلام العبــرية الناطقـة باللغـة العربيـة تستغل هـذا الإقبال مـن قبـل جمهـور المتابعين العـرب لتعزيـز حضورهـا بشـكل أكبـر، كما أنها تستفيد من المحتوى المضلل الذي تقدمه لمتابعة التضليل المتعمد الذي تقدمه للجمهور بشكل عام مسـتندة إلـى ماكيــنة إعلامية جبارة تعمل بشكل ممنهج لممارسة التضليل بهدف التستـر على جرائم الاحتلال من جهة، والإساءة للصـورة الفلسطيـنــية مـن جهـة أخـرى.

وقد مكن ذلك الدعاية الإسرائيلية عمومًا، والموجهة باللغة العربية خصوصًا، من قطع نصف المسافة تقريبًا فــي تحقيـق مآربهـا بعـد أن تهيـأت لهـا كل هـذه القاعـدة العريضـة مـن الجمهـور الـذي بـات يتقبـل مـا تنشـره ويَقـِل تحفظـه وحـذره تجاههـا، مـا منحهـا حضـورًا ومصداقية، وزاد مـن الطلـب يومًا بعد الآخر، وهو الأمر الذي يثير القلق بسـبب الأهداف التـي باتـت مثبتـة ولارتباطها الوثيـق بالمؤسسة العسـكرية والأمنية خاصـة.

وتُكثر وسـائل الإعلام الإسرائيلية من التودد للجمهور، وبث الدعوات إلى التسـامح والتقـارب، خاصـة مـا بعـد توقيـع اتفاقيـات التطبيـع مـع أربـع دول عربيـة، على اعتبار أن التقرب من إسرائيل يخـدم أمنهـا ورفاهيتهـا وتطورهـا، بينما التمسك بالقضية الفلسطينية يثقـل علـى كاهلهـا ويعيدهـا إلـى الخلـف!

وبرغم كل هذه المميزات ومدى الانجراف خلف الترجمة عن وسائل الإعلام الإسرائيلية ومدى الانبهار بها، يواجه نفس الإعلام تعالـي الأصـوات المنتقـدة لأداء وسـائل الإعلام الناطقـة باللغـة العربيـة وتــراجع تأثيــرها، بل يتم المطالبة بإعادة بنائها من جديد، في حين يرى البعض الآخر أن هذه المعركة خاسرة سلفًا ولا تحقق المطلوب.

على الصعيد العربي فإن التوقـف الفـوري أو الكامـل للتـرجمة عـن وسـائل الإعلام الإسرائيلي هو أمر لا يمت للواقع بصلة، خاصة مع عدم توفر البدائل المقنعة التي تلبي الحاجة وتسد الفضول المعرفي أو تحل معضلة الوصول إلى المصدر داخل دولـة الاحتلال، وفي حال الرغبة في تحقيق ذلك فيجب البحث عـن وسـائل أخـرى تضمـن جنـي أكبـر فائـدة ممكنـة منهـا، وتجنب الأضرار التي تنتج عن عملتي النقل والترجمة.

الإعلام الفلسطيني ومواجهة الدعاية الإسرائيلية

الإعلام الفلسطيني في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

في هذا الفصل يوضح المؤلف رفض الفلسطينيين لمشروع الاستيطان اليهودي، وأعاد ذلك إلى سببين أساسيين أولهما ارتباطهم الوجداني مع الأرض التي ورثوها عن أجدادهم، وثانيهما هو رفض القبول والاعتراف بمن يحاول سرقة هذا الحق منهم، وقد مثل الإعلام الفلسطيني أحد الأدوات المهمة التي مكنت الفلسطينيين من مواجهة الرواية الإسرائيلية التي تقوم بشكل أساسي على تزييف الوقائع والحقائق.

ومن أجل بناء الخارطة المعرفية للإعلام الفلسطيني بشكل صحيح يجب الاعتماد على بعدين أساسيين هما البعد الزماني، والجهة التي تتبعها هذه الوسائل. 

أما البعد الأول فقد مر بمجموعة من المراحل التي أورد المؤلف بيان كل منهما بالشرح والتفصيل مع توضيح دور الإعلام في كل منها، هذه المراحل على الترتيب هي كالتالي:

  • مرحلة الحكم العثماني وهي مرحلة نشأة الإعلام الفلسطيني.
  • مرحلة الانتداب البريطاني والتي امتدت من عام 1918م وحتى 1948م.
  •   مرحلة نكبة 48 وما بعدها.
  •  مرحلة ما بعد الاحتلال الإسرائيلي عام1967م وحتى عام الانتفاضة الأولى عام1987م.
  • مرحلة التفكك وإعادة التموضع من الخارج إلى الداخل من عام 1972م حتى عام 1993م.
  •  مرحلة نشأة السلطة من عام 1993م حتى العام 2006م.
  • مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية وصناعة المضمون المقاوم من عام 2006م حتى العام 2022م.

والمرحلة الأخيرة على وجه التحديد قد قامت على مجموعة من المرتكزات الأساسية من أجل المقاومة وهي:

  •  الإعلان عن موقف قوّى المقاومة الفلسطينية تجاه الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية أو ما شابهها.
  •  النشر والتعريف بآراء المقاومة ومواقفها لدحض محاولات النشر المضلل.
  •  تعزيز ورفع الروح المعنوية للجبهة الداخلية الفلسطينية وتحصينها خاصة في أوقات المواجهة.
  • إعادة تشكيل وهندسة الجمهور الفلسطيني والخارجي المؤيد للمقاومة من أجل دعمها وتعزيز ثقافتها.
  •  التخطيط وإدراة الإعلام المقاوم مما يساهم في صناعة الحملات المضادة للدعاية الصهيونية.

وقد شملت هذه المرحلة في تاريخ الإعلام الفلسطيني على العديد من المميزات المختلفة، من أبرزها:

  • تعزيز مصداقية الإعلام الفلسطيني.
  • التشكيك في الرواية الإسرائيلية.
  • خلق حالة الدعم الإعلامي.
  • تعزيز حضور الإعلام العسكري التابع للمقاومة الفلسطينية.

وشـكل تنـوع خارطـة الإعلام الفلسطيـنــي مـن حيـث تبعيتـه الحزبيـة والتنظيميـة، مدخلا مهما فـي تأثيـر حالـة الانقسام السياسي الداخلـي علـى أدائـه ومضاميـنه، امتـد هـذا الأثر ليعكـس طبيعـة تــرتيب الأجندات الإعلامية والخطـاب، وتحويـل جـزء كبيـر منـه إلـى حالـة مـن المناكفة الداخليـة علـى حسـاب الخطـاب الـذي كان مـن المفترض أن يتصـدى للدعايـة الإعلامية الصهيونــية، وقد ظهر تأثير ذلك بشكل جلي في العديد من الأمور التي أوضحها المؤلف شرحًا، وهي كالآتي:

  • بيئة العمل الإعلامي الفلسطيني عقب حالة الانقسام.
  •  دور الإعلام الفلسطيني في الشتات.

وكانت الرغبة في تقليص حالة غياب المعلومات المتعلقة بالقضية الفلسطينية أمام الجماهير العربية أو العالمية، واستغلال إسرائيل لهذا الضعف لتشويه الحقائق على الأرض، السبب في إنشاء العديد من المؤسسات الإعلامية خارج الأراضي الفلسطينية، وعلى الرغم من هذا الدور البارز إلا أن هذه الوسائل سجل عليها عدد كبير من الملاحظات من أبرزها:

  • تعددية المرجعية الفكرية والسياسية.
  •  قصر عمر التجربة وعدم الاستمرارية.

وفيما يتعلق بقطاع الاتصالات الرقمية الذي كان له النصيب الأكبر من سيطرة الكيان الصهيوني من أجل إحداث حالة من الانعزالية للقضية الفلسطينية، والحد من قدرة الفلسطينيين على استخدام التكنولوجيا الحديثة، فقد باءت كل هذه الجهود بالفشل، حيث تمكن الشعب الفلسطيني من جعل منصات التواصل الاجتماعي نافذة لعرض القضية الفلسطينية بصورة مختلفة عن تلك التي يسعى الكيان لإثباتها.

وقد برزت أهمية الإعلام الرقمي ودوره في الرد على ادعاءات الكيان الصهيوني نتيجة لمجموعة من المحددات من أبرزها:

  •  المهارة الحديثية لبناء المضامين.
  • سرعة الانتشار واتساع مساحة الوصول.
  •  التحول من الاستقبال إلى صناعة المحتوى.

وحيال ذلك، لم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي بل عملت على تكثيف جهودها الإعلامية للتغلب على الحملات المضادة لها، واستغلت بشكل كبير ضعف إمكانيات الإعلام الفلسطيني وحصوله على القدر الأكبر من معلوماته من خلال الإعلام العبري، وذلك لقدرة الأخير على الوصول بشكل أكثر أريحية إلى الشخصيات السياسية ومقابلتها، وقد شكل ذلك ضررًا كبيرًا لدعم القضية الفلسطينية يمكن إرجاعه إلى العديد من الأسباب منها:

  •  خضوع الإعلام العبري بشكل كامل للرقابة الأمنية الإسرائيلية.
  • تعزيز مكانته كمصدر للمعلومة والتشكيك في رواية الإعلام الفلسطيني.
  •  قبوله بكونه نافذة للحضور العربي الفلسطيني.

وفي النهاية يمكن القول بأن الإعلام بأشـكاله ووسـائله كافـة يمثـل أداة مهمـة لشـعب مـا زال يــرزح تحت الاحتلال، والإلمام بكافة الوسائل والأساليب التي يستخدمها العدو ليحصل على الشرعية من دول العالم أمر هام، ليس فقط على صعيد العلم والمعرفة، بل للوعي والإدراك بالكيفية الصحيحة التي يمكن من خلالها إنشاء حملات مضادة تعادله في القوة بل وتتفوق عليه وتهدم ما قام بزراعته من أفكار.

رضوى التركي

كاتبة، آخذة بعنان قلمي في سبيل الله، تخصص تربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى