أنوثتك غالية، فأكرميها.. مراجعة كتاب رسائل في الأمومة والأنوثة والحياة للكاتبة تسنيم راجح
مَن منا لم يسمع عن النسوية وعن آثارها هذه الأيام؟ إما عن سوئها أو حسنها بحسب ما يتردد عليه كل واحد منا.
كثيرة هي الأطروحات التي قُدمت عن هذا الموضوع، حتى صار الحديث عنها من المواضيع المستهلكة، بل المملة عند البعض!
وفي خضم هذا الغثاء نسعد بكل من يأتي بطرح جديد أو تناول قَيِّم نافع، لا “يكرر للتكرار” بل لهدف ومبتغى. فإذ بنا نجد الأستاذة تسنيم راجح تطل علينا بكتابها (رسائل في الأمومة والأنوثة والحياة) الذي طرح موضوع المرأة وما يتعلق بها بشكل جديد؛ فبدل البحث الأكاديمي المعروف، ترسل لنا هذه الأخت الفاضلة رسائل في هذه المواضيع تبتغي أن تهدي بها الأخوات إلى مرافئ السكينة والطمأنينة والرضى بهذه الأنوثة بله الحياة ككل.
رسائل من أخت وأم وزوجة
على غير العادة، يبدأ الكتاب بمقدمة مثيرة حول الكاتبة نفسها، حيث أنها تحكي قصة “تخليها” عن دراستها وبالتالي عن عملها المستقبلي من أجل رضيعها، وهذه الحادثة وحدها تمثل صدمة للقارئة التي اعتادت أن ترى تضحيات من الأم بأطفالها من أجل عملها ومن أجل مسارها المهني “Career”.
قصة واقعية تدخل بنا إلى عالم هذه المرأة الإنسان التي اختارت أن تجعل همها متمثلا في طاعة ربها ثم زوجها وتربية أبنائها. فكان بذلك كلامها خلال الكتاب ينبض بالحياة، فهي بذاتها قد تمثلت ما تدعو إليه ولو على أقل تقدير.
وبهذه المقدمة الشيقة تدخل بنا إلى محتوى متميز عبارة عن رسائل من أخت وأم وزوجة إلى مثيلتها من بنات جنسها، حيث قسمت هذه الرسائل بحسب موضوعاتها فكانت عبارة عن أربعة فصول إن صح التقسيم.
فالفصل الأول هو عن تصويب مفاهيم خاطئة (مجتمعية وحداثية ونسوية)، والفصل الثاني عنونته بـ (أنوثتك غالية)، ثم الفصل الثالث تحدث عن (أمومة وأمهات)، وآخر فصل قبل الختام كان حول التربية.
ولنبدأ بمراجعة كل فصل على حدة.
تصويب مفاهيم خاطئة في خَلَد النساء
أما الفصل الأول فقد كان الهدف منه إصلاح ما أفسدته المفاهيم والمعتقدات الخاطئة في خَلَد النساء كالحداثية والنسوية. فأول رسالة كانت عن سؤال بريء يُطرح عند المقارنة بين نساء اليوم ونساء الأمس، ألا وهو: هل أصبحت المرأة أسعد بالفعل؟ ويأتي الجواب من الغربيين أنفسهم -فمن خلال بحوثهم- أن المرأة صارت أتعس مما كانت عليه مثيلاتها في السابق، فالمرأة عندهم «أُقنعت بأن عليها أن تكون كل شيء، وبأنها إن لم تكن كل شيء فهي ليست أي شيء!».1
فالمرأة المسكينة اليوم صارت تحمل هما وأثقالا مضاعفة عما حملته مثيلتها خلال قرون، وبهذه الرسالة الأولى تشد الكاتبةُ القارئةَ لتتبع الكتاب ككل؛ لتبحث عن معاني السعادة المفقودة، فتأتي الرسالة الثانية بتذكير محوري وهو أننا لسنا في جنة، ورغم وضوح هذا المعنى إلا أننا نتغافل عنه، فنحن في هذه الدنيا في دار ابتلاء، كما قال ربنا عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، فالعاقل هو من يستثمر هذه الدار للفوز بجنان الخلد في نعيم مقيم.
ثم بعد ذلك تبدأ الأستاذة تسنيم بالرد على سؤال يراود فتيات اليوم: هل النسوية حماية للمرأة ودفاع عن حقوقها؟ فتبين في هذه الرسالة أن النسوية وليدة لتطور مجتمعي مخالف لمجتمعاتنا الإسلامية فما الداعي لاستيرادها والمرأة لم تعاني مثل مثيلتها الغربية؟
وقد تتوهم فتيات اليوم أن المرأة المسلمة كانت تحيا في ضنك من العيش مع الرجل، فلا هي ذات قيمة ولا هي ذات تأثير، وهو أمر غير واقعي البتة، فـ «الأم كانت مقدرة أضعاف ما نراه اليوم، والفتيات كن في أمان وحماية نحتاج إحياءها في نفوس الرجال والحديث عن قيمتها النفيسة في نساء اليوم»2، ولعل الكاتبة لو قدمت هذه الرسالة لتكون تابعة للرسالة الأولى الذي تتحدث فيها عن نسبة سعادة النساء اليوم لكان أفضل للقارئ ليعرف تتمة الجواب من خلال عرض واقعي لما قالته في الفصل، لكن لعل للكاتبة وجهة نظر قد خفيت علينا.
النسوية ونصرة المرأة
وبعد هذا تعود للحديث عن جواب سؤال: هل النسوية نصيرة المرأة بالفعل كما يقولون؟، حيث توضح من خلال بحوث وأرقام أن الجواب بالنفي، وهنا نعيد ملاحظة أن هذه الرسالة لو كانت بعد المقال الثاني الذي يتحدث عن النسوية وكونها دفاعا عن حقوق المرأة لكان ألصق وأكمل في المعنى.
تأتي الرسالة التي تليها للحديث عن علاقة النسوية بكذبة الحرية، فقد تكون المرأة هي التي اختارت برضاها ورغبتها أن تصير أما وربة بيت وراعية في بيت زوجها، لكنّ النسويين لا يتركونها وشأنها حتى يجعلوا هواها تبعا لهواهم، رغم كون هذا الأمر داخل في حريتها، لذلك فعن أي حرية يتحدثون؟
ثم تثني الكاتبة برسالة أخرى تبين فيها عور منهج النسوي المتمثل في “تبخيس العمل التقليدي للمرأة لمجرد كونه تقليديا”، وهنا لفهم المشكلة التي يطرحها الفكر النسوي يجب أن نفكر سويا ما الإشكال في العمل التقليدي المتكرر، أليس الخباز اليوم هو الخباز من مائة سنة؟ نفس العمل وإن تغيرت الأدوات!
فالأمومة هي نفس الوظيفة منذ أزمان لكن تغيرت بعض الوسائل فيها، لكن لا زالت الأم تحتاج تربية ورعاية وتعليما وتخطيطا وانضباطا وغيرها مما يُحتاج إليه لتنجح في مهمتها ومبتغاها، فلِم يتم تبخيس ما تقوم به وهو من أعظم المهمات؟
النسوية إسلامية؟!
بعد كل هذا الحديث عن النسوية العامة يأتي دور النسوية التي تدعي أنها إسلامية، فتتناول الأستاذة تسنيم هذه الفكرة الخبيثة في رسائل متتالية، تحاول فيها تحليل هذه الظاهرة والرد على إشكالاتهم، وكذلك الجواب عن بعض ما يروجون له كادعائهم أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها سيدة أعمال نسوية، فتبين أن ما «تقوم به الخطابات النسوية الإسلامية هو إسقاط لأفكار مستحدثة على الشخصيات التاريخية وإخراج للأحداث من سياقها وتحليل لمجرياتها وفق ما تراه المنظومات العلمانية خيرا وشرا وهدفا ونجاحا وفشلا»3.
وتنبهنا هنا إلى معنى جد مهم وهو الانتقال من “الطبطبة” بسؤال: ماذا قدم لي الإسلام إلى سؤال: ماذا أقدم أنا إلى الإسلام؟! فبدل أن يكون دين المرأة على شفا جرف هار تريد الخروج من حدود الدين بأي شبهة وأي أذى ضئيل، ينبغي تعليمها عن القوة بالله والاعتزاز بالدين والتسليم له والانطلاق منه.
وفي هذا الخضم تذكرنا بلفتة رائقة، ألا وهي أنه ليس بالضروري أن تدّعيَ المرأة أنها نسوية لكي تكون كذلك، بل أفعالها هي التي تدل على ما مدى إيمانها بهذه المرجعية.
النسوية آفة تؤثر على الرجال
بعد هذا المنعطف عن النسوية الإسلامية، تمر بنا الأستاذة الكاتبة إلى وجهة أخرى في هذا الفكر النسوي، فتوضح لنا أن هذا الفكر قد غزا المجتمع بأكمله رجاله ونسائه، بل أصبح الرجل «يحمل تخيلا مستحيلا عن المرأة المثالية… فبات الزوج يتوقع من زوجته أن تنضبط بكل الأعراف المعتادة، وفي نفس الوقت تخرج معه إلى العمل صباحا لتساويه في طلب الرزق والإنفاق على الأسرة»4، لذلك فالحديث عن النسوية ليس حديثا خاصا بالنساء فقط، إنما هو حديث عام يشمل الكل.
تعود بنا إلى نقطة البداية وهو الحديث عن النسوية وتخريبها للمجتمع، فهذا الفكر المتطرف يهدف إلى مهاجمة مؤسسة الزواج وتجريمها لكل دور تقليدي سواء للرجل أو للمرأة، لذلك وجب علينا مدافعته كمسلمين والتصدي له.
ثنائيات لا تعارض بينها
وبعد هذا الطرح توجه رسائل مباشرة لكل مرأة عن تقسيمات ثنائية لا صحة لها كأن تكون طموحة أم ربة بيت؟ تحب نفسها أم أسرتها؟ «فالطموح لا علاقة له بالعمل ولا بالشهادات الورقية، وأن النجاح كأم فقط ليس بسيطا ولا قليلا بل القليل من يحسنه فعلا»5.
وكذلك تنبيه لخطابين ينبغي تمييزهما والحذر منهما، أولهما أنه كلما ارتكب الرجل خطأ تسعى المرأة لتجاريه في هذا الخطأ؛ كأن لسان حالها يقول: “من منا سيسبق لجهنم؟” والعياذ بالله، والثاني التعميم في حالات الرجل والمرأة فتصبح كل امرأة تتوجس من كل رجل وتتبع طريق سوء الظن، فتجربة تلك التي ظُلمت من طرف زوجها ليس بالضرورة أن تتكرر عندك أنت فتُظلمين من زوجك؛ لكن الصواب أن يعالج كل إشكال بحسبه وينظر لكل قضية بحسب الظروف والبيئة والعوامل التي ساهمت في حدوثها.
انفصام بين العلم والعمل
تغير بنا الكاتبة الوجهة هذه المرة للحديث عن: “تناقض الغربيين بين علمهم وواقعهم”، في مثال صارخ حول هذا التناقض ألا وهو عند وصف ضعف المرأة الحامل وحاجة رضيعها بعد الولادة للرضاعة الطبيعية التي بحسب الكاتبة يقدسونها أيما تقديس، لكن لا نرى من ذلك شيئا في توصياتهم العملية واستنتاجاتهم، فهم ينكرون فلسفتهم التي يؤمنون بها، فلا نجد “على المجتمع أن يربي بناته على الرضا عن النفس بتربية الأبناء والفرح بهم، وتصحيح إثبات الذات وتحقيق الإمكانيات! أبدا!”، لكن مثلا تقول أن على شركات التأمين توفير غرفة لضخ الحليب للمرأة المرضع وغيرها، مما يفيد أن على المرأة إيجاد القوى الخارقة لتطبيق الأبحاث ضمن هذه الإيديولوجيات، فيا للعجب!
تنتقل بنا بعد ذلك لوصف “خدعة لئيمة” آمنت بها النساء حيث أوصلت الفتاة لتأخذ منها راحتها وتملي عليها متى تتزوج ومتى تعود من العمل ومتى تخرج منه، وأقنعت بتلك الخدعة حتى صارت تترك أسرتها وأطفالها في مكان لا يمكن أن يقوم مقامها شخص آخر.
وفي الرسالة التالية تتحدث مع الرجال وعن دورهم، وعن قيمة معاني الغيرة والشجاعة والمروءة فيهم، ثم في الرسالة التي تليها تتحدث عن المسار الذي تخطو إليه المجتمعات إن لم تتبع دين ربها.
وتنهي الفصل الأول من هذا الكتاب برسالتين تجيب عن جماعة “جسدي ملكي”، وعن مفهوم البنت السيئة “BAD GIRL”، حيث يغدو السيء جميلا.
أنوثتكِ غالية
وبعد هذا التطواف حول موضوع النسوية ومآلاتها يأتي الحديث عن الأنوثة في ستة عشرة مقالا لكل أنثى، حيث تحث المرأة على الاستمتاع بدقائق تحضير وجبات الطعام، واستشعار الأثر في الأطفال حين تربيتهم وملاعبتهم. كما أنها تتحدث عن القوة بمفهوم الوحي لا بمفهوم النسوي، فالقوة النفسية مثلا تنطلق من كون المرأة أمة لله تعالى لا تنفك ولا تنعزل عنه، قوية في دينها وفي إيمانها بربها، وقوية في طلب العلم الشرعي الذي تحتاجه لمعرفة ربها وما تحتاجه في حياتها، كما ينبغي فهم مواطن الضعف وإعطائها حقها فلا تقارن بغيرها خاصة في الماديات إنما تسعى للتنافس في أمور الآخرة.
كما تناقش فكرة مغلوطة عند بعض من الفتيات، ألا وهي الخشية من الاقتراب من الالتزام لتصور مغلوط حوله، وبين تهمة النسوية التي لا ترغب أن توصف بها، فحاولت بمقالتها أن تدعو البنات إلى الله ورسوله والدار الآخرة إلى ما يصلح حالهن ويصحح تصوراتهن عن الالتزام، وعن خطأ التجنب المبالغ به لتهمة النسوية.
وبعدها وجهت رسالة لمن تمضي ساعات وهي تمسك هاتفها تقلب صفحات انستغرام وما شابهها، تذكرها أنما هذه الحياة دنيا متاع وأن دار الآخرة هي دار القرار، وأن تلك التي تتجول في هذه المواقع الاجتماعية إنما هي تُصعِّب عليها اختبارها بكثرة ما تشاهده، مما يجعلها تتناسى النعم التي أنعم الله بها عليها وهي مما لا يُحصى عده.
في المقالة التالية تتحدث عن بؤس الأنوثة حينما يشوهها الضلال وتبتعد عن نور الوحي والتمسك بهدايته ومن مظاهرها اعتبار اللبس القصير من الموضة التي يجب أن تتُبع.
وفي التفاتة لطيفة تذكرنا الكاتبة لضرورة غض البصر فحتى النساء أمرن به، وكذلك تجنب مداخل الشيطان كأن تتمنى الواحدة منا أن يكون زوجها أو أبوها مثل الشيخ الفلاني، في مقارنة خبيثة، تجعل المقَارَن به في وهم كمال لا يدعيه صاحبه، ولكن يؤتي وبالا على من تتوهمه.
ثم تنتقل بنا الأستاذة تسنيم الراجح إلى موضوع مختلف عن سابقه حيث تتحدث عن فهم الضعف الأنثوي وتعطي مثلا بالفطر في نهار رمضان، حيث توصي النساء بأن يحببن ضعفهن وأن يرضين بما قسمه الله لهن وأن يحمدن الله تعالى على هذه الهبات والعطايا.
تأخر الزواج.. اختبار لك
ولعل الحديث يُظن أن أغلبه لمن وهبها الله أطفالا ولها زوج، فماذا عن التي لم تنعم بالزواج بعد؟ تأتي هنا الكاتبة بقلمها الرشيق توصي فئة مع الأسف صارت عريضة في المجتمع وهن من تأخر عنهن ركب الزواج، توصيها بالأنس بالله ولذة القرب به سبحانه وبحمده، وبفهم حقيقة الحياة وأن هذا بلاء ينبغي فهمه والتعامل معه بحكمة واستثمار الوقت في بناء النفس كأم وزوجة مستقبلية.
ثم تجيب عن سؤال قد تطرح الأخوات في خلدهن: ما عساي أن أفعل لأتخذ أسباب الزواج؟ فأجابت عن هذا بطريقة لطيفة تحافظ بها الفتاة على حيائها وكذلك تبين رغبتها في الزواج، وبدل أن أفصل هنا في الموضوع، أدعو القارئات ليكتشفن ما الذي دعت إليه.
ولكنها لم تنس نقطة توازن مهمة جدا عند الحديث عن التأخر في الزواج؛ فلا تجعل الفتاة محور حياتها الزواج فيصير شغلها الشاغل، ولا أن تسخط على الأقدار، بل ترجو الله تعالى وترغب في كرمه، وتعمل على إصلاح نفسها والأخذ بها إلى جنات النعيم.
وفي سياق التحذير نفسه، يأتي المقال التالي لتذكر المتزوجات حديثا والمخطوبات أن هذا الرجل الجديد في حياتها ليس هو العمر كله، فهي ليست علاقة تملك، بل هو ببساطة زوجك ومحبوبك امتن الله عليك به لتسكني إليه.
نصائح عامة
ثم تعود إلى النصائح العامة، فتتحدث عن أهمية الوقت لكونه لا يُسترجع، فلذلك لابد من التوقف والتساؤل حول ما تفعل الفتاة لكي لا تندم وتتحسر يوم لا ينفع الندم على سُويعات لا بديل لها. وتليها نصيحة أخرى بالتذكير بأهمية الدعوة إلى الله تعالى وعدم الاستهانة بها، فنعم لابد من الحديث بالعلم وبالأسلوب الحسن لكن لابد لنا من إظهار الحق متى اقتضى الأمر ذلك، فلا ندع كلمة الحق تنقرض لأننا نخجل من قولها، فكيف بأهل الباطل الذين يستميتون أن يظهروا باطلهم، ونحن على حق نستحي مما عندنا!
ومن نصائحها الهامة عند إشارتها إلى الكلام عن القنوات العامة المخصصة للشؤون الأنثوية الخاصة، بصيغة أخرى، هي القنوات التي تهتم بالأمور النسائية الخاصة بهن، لكنها تنشرها على العموم لكل من هب ودب، ناسية إمكانية أن يطلع عليها الرجال، فهنا تذكر الأخوات بضرورة إيجاد حلول بديلة لنشر هذا العلم لكن بطريقة تبقي على الخصوصية.
وفي هذا الحديث الأنثوي لابد من التطرق للطبخ وجمال وقته، حيث تذكرنا ما مدى أهمية استشعار نعمة تحضير الطعام للأسرة ومعرفة كل فرد منهم، وبهذا ينتهي الفصل الثاني.
أمومةٌ وأمهاتٌ
أما الفصل الثالث فهو معنون بـ(أمومة وأمهات) وفيه ثمانية عشر رسالة عن عظمة نعمة الأمومة وعن صعوباتها وحلاوتها، حيث تبتدأ الرسالة الأولى بمفارقة عجيبة وهي احتقار المهن المرموقة اجتماعيا كالأستاذة الجامعية والطبيبة وهذا أمر لا يكاد يُذكر، لكن يذكر دور الأم بدلها آلاف المرات، فحق الأمومة يبخس إلى درجة أن يقال: أم لا أكثر! فقد عظمت الدنيا في وجداننا وتناسينا الآخرة إلى درجة أننا صرنا نحاكم المرموق بغض النظر عما يقوله الوحي في فضله وأولويته.
ثم ترسل رسالة إلى كل زوجة وأم ومربية ألا تستهين بنفسها، ولا تلقي السمع لمن يخببها عن حياتها التي ارتضتها، «فكونك السكن لرجل يرتاح من قسوة الحياة بلقائك عمل عظيم لا يقدر عليه القليل»6، و «لا تستهيني بما تبنينه في نفوس أسرتك كل يوم.. ولا تستهيني بأثرك العظيم عليهم لمجرد أنك ثابتة على ثغرك…»7.
بعد كل هذه الدعوة إلى العطاء قد تتخيل الأخت القارئة أن عليها بذل التضحيات والاحتراق للإضاءة للآخرين، لكن هنا تنبهنا الكاتبة للتوازن المطلوب، فالصورة الكئيبة المصورة أن الأم لا تعرف إلا تأمين الأكل والشرب والدواء والنظافة ولا تعرف من الحياة إلا واجبها تجاه أسرتها وأن تضحي بكل ما أوتيت من قوة لإسعاد أسرتها، لكن في الحقيقة يجب أن تتذكر أنها أمة لله تعالى قبل كل شيء فتسعى لإصلاح نفسها أولا وتزكيتها وتكون القدوة السعيدة المطمئنة لأبنائها.
الإنجاز الحقيقي ما يرضي الله
تنتقل بنا بعد ذلك إلى مقال آخر يتحدث عن يوم عادي في الحياة، لم تتحقق فيه ما يملأ السيرة الذاتية للعمل في وظيفة ما، لكنها عملت ما يرضى به الله عنها من أمور بسيطة كإقناع طفلها ذي العامين بتناول البيض مثلا، وهذه أمور وإن كانت تبدو تافهة عند البعض إلا أنها ذات أهمية بالغة فيما بعد، وعليها تُبنى أمور كثيرة، فلعل البيض أمر بسيط يظهر للقارئ لكنه يمكن أن يؤثر على أكله الصحي فيما بعد، وكذلك في ثقته في أمه واختياراتها.
بعدها تذكرنا بمشهد واقعي حصل لها يمثل حالة الانتقال من الضعف في الصغر إلى حالة الضعف حال الوهن والكبر، وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: كم ضيعنا من العمر في فترة الشباب متناسين أننا سنقدم على فترة يستحيل معها العطاء كما كان.
وتعود بنا بعد ذلك إلى الحديث عن الأمومة وأزمة الشعور بالإنجاز، وهنا كان لزاما أن تعيد تعريف الإنجاز في حد ذاته وعن ماهيته، وإنما هو كل ما يقرب إلى الله ويزيد إيمانا ويرفع في الدرجات العلى، إضافة إلى أن الحلول العولمية ليست هي الحلول المفيدة في هذا الباب، وإنما على المرأة أن تعيد أولوياتها ليس طلبا لرضى الناس بل طلبا لرضى رب الناس.
وفي نفس الصدد؛ خصصت مقالة تتحدث فيها من الإنجاز نحو السعي، فالله عز وجل يحاسب على السعي لا على النتيجة، «طالما أنك في سعي نحو رضا الله فأنت منجز ولو لم تنه أي شيء اليوم»8.
أنت بشر
وحول هذا الموضوع بذاته قد تأتي شبهة عن المرأة المثالية التي يبدو للناس أنها تستطيع فعل كل شيء، ولكن ما يدّعونه حول هذه المرأة وتلك إنما هي فقط الأمور الظاهرة ولا يعلمون من خباياها شيئا. إضافة إلى هذا من الذي ألزم أن تتشبه البنت هذه المرأة أو تلك، بل نحن نبقى بشرا عاديين نجتهد ونتأخر، وقد نتكاسل وعندنا قدرات وتأثير محدودين، وإنما المطلوب هو ترتيب الأولويات بما يرضي الله تعالى عنا.
ويأتي المقال التالي ليبين أن هذه المثالية المزعومة إنما هي أمر مستحيل نظرا لأن الطاقة والأولويات والقدرة والإنجاز والسعادة كلها تتغير عما كانت عليه قبل الزواج بل وقبل الإنجاب فتصبحين شخصا جديدا وأنت ذات الشخص، وطبيعي أن تشعر الأم بالفرق، لكن ينبغي الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه سبحانه وبحمده وأن تستمتعي بهذه المسؤوليات على صعوبتها.
استمتعي بأمومتك، وأخلصي عملك
وبعدها يأتي المقال التالي ليذكرك بأن تستمتعي بأمومتك وتضمي أطفالك وتخبريهم بمقدار الحب والحنان الذي تكنيهم لهم، فترين تحقيق الذات وتنمية المهارات وتغيير المجتمع فيهم.
لكن في ظل كل هذا قد تشتكي أم وتقول أنه لا يراها أحد، فتأتي بمقالها لتذكرنا أن الله تبارك وتعالى هو المطلع علينا في جميع أحوالنا، وله يجب أن تكون أعمالنا خالصة لوجه الكريم، ثم بعدها تأتي بسؤال آخر لماذا تختار الأم لتكون أما وتعيدها؟ والجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى إعادة تحديد البوصلة: لماذا نعيش وإلى أين نمضي؟ وعلى أساسه تجيب في هذا المقال الشيق الذي أنصح بقراءته، خاصة أنها أنهته بأمر جميل عن مقاطعة ابنها لها عدة مرات وهي تحاول كتابة هذه الرسالة.
في كل أطوارك أنت مكرمة
تتحدث المنظومة الغربية فقط عن المرأة في سن شبابها متناسية باقي تطوراتها العمرية، لكن الإسلام لم يغفل عن كل أطوراها من تكريمها مولودة وبنت وأم وزوجة.
وهذا ما حاولت نقله في المقال المعنون (وهنا على وهن)، وبعدها في الرسالة التالية تستشعر ما مدى كرم الله عليها وهي في لحظات تأملها لأطفالها وتتذكر حادثة النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين وهو على المنبر.
ثم قبل ختام الفصل تتحدث عن أمر قد تقع فيه الأمهات من جلد الذات لعارض من العوارض، فتذكر الأم بالأسباب التي قد تُوصلها إلى هذه الحالة، فالتعب والضيق طبيعيان في الحياة، المهم ألا يكون سمة عامة، وتشغل نفسها بالذكر؛ وتتوب وتستغفر وتؤوب إلى رب الأكوان.
وختاما للفصل بيّنت الكاتبة أن الأم وحدها لا تكفي في مجتمع لا يساعدها على مهمتها هذه، فالكل من أب وأجداد وجدات وأخوال وأعمام وعمات مسؤول عن تنشئة هؤلاء الأطفال!
تربية الأبناء
وأخيرا الفصل الرابع الذي تتحدث فيه عن التربية، فتبتدأ أولا بالتنبيه إلى كيفية تجنب أن تربي ابنا علمانيا؛ مع مقال بعده للتذكير بالله عز وجل خلال اليوم والليلة.
ثم بعد ذلك تنبه الآباء والأمهات إلى الطرق السيئة التي يدفعون بها بناتهم إلى الإيمان بالفكر النسوي.
وتجعل بعدهما مقالين للاستشعار بالنعم وكيفية الوصول لذلك وهي مشكلة أساسية نعيشها في خضم الحياة متناسين قدر النعم التي أنعم الله بها علينا.
ثم يليه مقال يتحدث عن حالة أن يكون الأب صالحا وابنه طالحا كما حصل لسيدنا نوح عليه السلام، وهذه ليست دعوة للتكاسل في التربية وادعاء أن الابن كابن نبي الله نوح عليه السلام، إنما هي لدفع الحسرة عمّن عمِل واجتهد.
أما المقالان الأخيران فيتحدث أولهما عن وباء العصر المتمثل في اللا اكتراث والتفاهة، وثانيهما عن الحسنات الجارية أو السيئات الجارية كل بحسب علمه.
وتنهي كتابها بالرد على رسالتين قد وصلتاها من القراء علقت عليهما، وكذلك بنبذة تعريفية عن الكاتبة وأهدافها.
ختاما
وبعد هذا العرض لمحتويات الكتاب يمكن القول بأنه كتاب نافع ماتع، يلقي الضوء على أهم المواضيع المتعلقة بالأمومة والأنوثة والحياة ككل كما عنونته صاحبته، فالعنوان متطابق حقا مع محتوى الكتاب. ومما أعجبني فيه هو يسر تناول الموضوعات بشكل واقعي جذاب ينفع القارئ للإجابة على الأسئلة المحورية في قضايا الأنوثة والأمومة.
وإن كان من عيب فلعله في ترتيب بعض المقالات التي لم أر خيطا ناظما لها، بل انتقالا من موضوع لموضوع دون صلة ربط وثيقة، لكن لعل للكاتبة تفسيرا لم أُوفق لفهمه فهي أدرى بما تصبو إليه، وهذا لا يقلل من قيمة العمل بل يزيده بهاء وحسنا ورونقا على ما هو عليه. والحمد لله رب العالمين.