قراءة في البيانات الأمريكية بعد مرور عام على غزوة طوفان الأقصى

لا يكاد يمر يوم وإلا وتتوالى علينا البيانات والاجتماعات الأمريكية عن الأوضاع في قارتنا العربية، ولا يستطيع باحث مهما قُدّر له من علم، وما أتيح له من وقت، وإمكانات، وطاقة أن يتابع هذا الكم الهائل من الكلمات المحملة بالخطط الخبيثة، والحاملة للبارود والخراب للأمة؛ والتي تحتاج كتائب من الباحثين ومراكز للدراسات حتى تعلم الأمة بما يدبر لها من أعدائها. 

ونحاول في هذا المقال وما يليه من مقالات تتبع هذه البيانات التي تخص واقعنا العربي ومستقبلنا بالوصف والتحليل والنقد؛ لعل الحركات والمراكز البحثية العربية تنتبه لما فيها من مخططات وما تحمله من تصورات لحاضر ومستقبل أمتنا، فتبصر عموم الأمة بها وتنتدب من رجالات الأمة من يحذرون منها ويخططون لمستقبل بديل للأمة؛ يفسد تلك المخططات التي تتم بالشراكة مع الحكومات العربية وذيولها في سابقة لم تحدث في تاريخ الأمة بهذا الشكل المرعب والمريب من قبل.

وسوف نبدأ في هذا المقال بآخر هذه البيانات الصادرة يوم السابع من أكتوبر عام 2024م عن الرئيس الأمريكي جو بايدن التي أوشكت مدة ولايته على الانتهاء ليختفي من واجهة المشهد الأمريكي، وبيان نائبته كاميلا هاريس التي حلت مكانه مرشحة للحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية المقررة الشهر القادم، وبيانا وزيرا خارجيته ودفاعه أنتوني بلينكن و(ج.ب. أوستن)، فقد أصدروا جميعا بيانات منفصلة بمناسبة ذكرى غزوة طوفان الأقصى الظافرة، فماذا قالوا فيها وأي رسائل أرادوا توصيلها في هذه اللحظة المضطربة من تاريخ العالم وقارتنا العربية؟

الديباجات الكاذبة

بادين ووزير الخارجية ووزير الدفاع
يظهر في المنتصف رئيس أمريكا جو بايدن وعلى يمينه وزير الخارجية بلينكن وعلى يساره وزير الدفاع ج.ب أوستن

عندما يوجه رأس النظام الأمريكي رسالة معينة في مناسبة معينة فهو يضع أمام ناظريه العديد من النقاط التي يجب أن تتناولها الرسالة، وكيف تتناولها، والجمهور المطلوب توجيه الرسالة له: وأولهم الجمهور الأمريكي ذاته، ومدى اهتمامه بالقضية محل البيان الصادر وتوجهاته نحوها، واللوبيات المختلفة في واشنطن وموقفها من القضية؛ وخصوصا اللوبي الصهيوني، والجهات الأخرى الموجهة إليها الرسالة خارج المجتمع الأمريكي، والحزب الذي ينتمي إليه الرئيس وجمهوره الحالي والمتوقع، والتوقيت الذي صدر فيه البيان وعلاقته بشعبية حزب الرئيس وتأثير ذلك على التصويت له في الانتخابات سواء رئاسية أو تشريعية، وهناك مجموعة العمل الاستشارية حول الرئيس وتوجهاتها تجاه القضية التي يعرض لها البيان، وتوجهات الرئيس وعقيدته ومدى تأثرها بالقضية محل البيان، كل هذه النقاط توضع في الحسبان قبل الرسالة.

وبما أن القضية محل هذه البيانات الأربع للرئيس ونائبته ووزيرا خارجيّته ودفاعه تتعلق بحدث جلل متصل أشد الاتصال بالمسألة الفلسطينية، وله تأثيراته الخطيرة على وجود الكيان الصهيوني الذي يَدين لوجوده ثم ببقائه للقوة الاستعمارية الأمريكية، فإننا نجد فيها جميعا ديباجات لطالما زيّنت بالزور أي بيانات أمريكية متعلقة بفلسطين والكيان المحتل لها، وتعكس كل العناصر السابقة أعلاه عند إصدار بيان عنها؛ وخصوصا أن العقل السياسي الأمريكي يحمل تاريخا من الانحياز ضد فلسطين وللكيان الصهيوني، يعود جذوره لنشأة الولايات المتحدة ذاتها. وقد نمت تلك الانحيازات ضد فلسطين ولصالح الكيان الصهيوني مع الزمن حتى صارت جزءا من الحمض النووي لأي رئيس أمريكي؛ كما يمثله الرئيس الحالي والسابق في فجاجة انحيازهما للكيان الصهيوني وضد فلسطين وأهلها والعرب عموما.

والديباجة، كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، هي «مصطلح يشير إلى الظواهر ذات الطابع الأيديولوجي الحاد التي تصاحبها اعتذاريات مصقولة، تحاول فرض تفسير ما على حدث أو فعل بما يتفق مع مصلحتها وبما يمليه عليها موقعها». وهذا ما تفعله هذه البيانات بالضبط في تعاملها مع غزوة طوفان الأقصى بعد عام من حدوثها.

فالبيانات في كل كلمة منها تحمل طابعًا أيديولوجيًا دينيًا توراتيًا حادًا تجاه القضية المطروحة، فهي تنطلق من أيقنة اليهود وتمجيدهم -كما يقول أستاذنا المسيري رحمه الله- عبر تجريدهم من طبيعتهم الإنسانية وتاريخيّتهم  وزمانيّتهم  وتحويلهم إلى شيء فريد لا يمكن فهمه أو تفسيره من خارجه، وشيطنة حماس عبر نفس الآلية.

السردية التوراتية.. أساس البيانات

لذلك نجد البيان الصادر عن الرئيس يبدأ هكذا: «أشرقت الشمس في مثل هذا اليوم من السنة الماضية فيما كان من المفترض أن يكون عيداً يهودياً بهيجاً. بيد أن يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر أصبح بحلول غروب الشمس هو اليوم الأكثر دموية بالنسبة للشعب اليهودي منذ المحرقة».

في حين بدأ بيان نائبته بالديباجة التالية: «إنني لن أنسى أبداً رعب يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر… وإن السفر الطويل والاستثنائي للتاريخ اليهودي ملئ بالتمييز والمذابح العرقية وكذلك الفصل العرقي والقتل. وهناك الآن، وفي جيلنا، لحظة أخرى لا ينبغي للعالم أن ينساها أبداً». 

وكان ثالث البيانات لوزير الخارجية في نفس الاتجاه وبنفس اللهجة التوراتية، حيث يقول في ديباجته: «اليوم، نُحيي ذكرى سنوية مدمرة ومأساوية».

وهكذا ينسج رابع البيانات الذي أدلى به وزير الدفاع الأمريكي حيث يفتتح بيانه بالقول: «قامت حماس في مثل هذا اليوم قبل سنة، بتاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بارتكاب أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ إسرائيل… في يوم (Simchat Torah) المقدس لدى اليهود».

حيث يلاحظ القارئ الموجه إليه الخطاب أساساً؛ وهو الناخب الأمريكي واليهودي أو الصهيوني المسيحي وفي مقدمتهم وبالطبع المستوطن الصهيوني في فلسطين، أن لغة البداية توراتية تذكر بأجواء التاريخ التوراتي منذ آلاف السنين، فتعبيرات مثل: «أشرقت الشمس» و«عيد يهودي» و«غروب الشمس» و«الأكثر دموية للشعب اليهودي»، ثم استخدام «المحرقة» للجمع بين ما يعرف في التاريخ اليهودي بالتعذيب والاضطهاد والإبادة، بالربط بين الماضي البعيد والقريب ولحظة السابع من أكتوبر حيث تتشابك اللحظات الثلاث معاً في ترابط وثيق في ذهن القارئ. 

ونفس الإيحاءات نجدها في ديباجة بيان نائبة الرئيس والوزيرين: «لن أنسى رعب يوم السابع»، وهو أسلوب توراتي في سرد مآسي اليهود في التاريخ قبل آلاف السنين وأثناء ما سُميّ بالمحرقة والإبادة النازية لتلحق بهما غزوة الطوفان فتتماثل معهما: قتل واغتصاب وخطف ودماء.

والقارئ المدقق للبيانات لن يذهله فقط كم الكذب الذي تحتويه الديباجات الأربع، وكم الأيقنة التي تم تصوير اليهود بها وشيطنة حماس مما يذكرنا بـ«جوليات» الذي يحاول قتل «داوود» دون شفقة، أو «هتلر» الذي يبيد يهود أوروبا دون رحمة، فهكذا ظهرت حماس في البيانات الأربعة، في حين يبدو الكيان الصهيوني ومجموعة المستوطنين القتلة سراق الأرض محترفو الإبادة والقتل هم داوود المسالم المظلوم الذي تجمع عليه الأشرار العرب ليبيدوه.

اجتزاء الصورة.. الخطوة الثانية

ثم يبرهن البيان بالأرقام والآثار التي تثبت ما جاء في الديباجة من أيقنة وشيطنة، فنجد بيان الرئيس يتحدث عن ذلك اليوم فيقول: «ويصادف اليوم مرور سنة من الحداد على أكثر من 1200 شخص برئ من جميع الأعمار، بما في ذلك 46 أمريكيا، الذين قتلهم تنظيم حماس الإرهابية في جنوب إسرائيل. وقد مر سنة منذ أن ارتكبت حماس أعمال عنف جنسي مروعة. كما مر سنة على احتجاز أكثر من 250 بريئاً كرهائن، من بينهم 12 أمريكياً. ومرت سنة على الناجين الذين يحملون جراحاً، مرئية وغير مرئية، ولن يعودوا كما كانوا أبداً». 

وهو تقريبا نفس محتوى بيان نائبة الرئيس، حيث يقول: «إذ قُتل 1200 شخص برئ، من بينهم 46 أمريكياً، على يد إرهابيي حماس. كما تم اغتصاب النساء على جانبي الطريق. وتم اختطاف 250 شخصاً وكان هذا اليوم الأكثر دموية بالنسبة للشعب اليهودي منذ المحرقة».

وهو تقريبا نفس ما جاء في بيان وزير الخارجية مع بعض تفاصيل أكثر، حيث يقول: «ففي السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتِل أكثر من 1200 رجل وامرأة وطفل، من بينهم 46 أميركياً ومواطنين من أكثر من 30 دولة، على يد حركة حماس في ما يُعد أكبر مذبحة لليهود منذ المحرقة (الهولوكوست). وتعرضت فتيات ونساء للاعتداء الجنسي. كما احتجزت حماس 254 شخصاً رهائن في ذلك اليوم، من بينهم 12 أميركياً. وأربعة من هؤلاء الأميركيين: هيرش غولدبرغ-بولين، وإيتاي تشين، وجودي وينشتاين، وغاد هاغاي- قُتلوا على يد حماس. وأُطلِق سراح أربعة بموجب اتفاق تفاوضت عليه الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكن هناك أربعة ما زالوا في الأسر في غزة: إيدان ألكسندر، وكيث سيغل، وساغوي ديكل تشين، وأومير نيوترا. إن هناك ما يقدر بنحو 97 رهينة آخرين ما زالوا محتجزين في غزة اليوم. ومن بينهم رجال ونساء وأولاد وبنات وطفلان وأشخاص كبار السن من أكثر من 25 دولة. يتعين على حماس إطلاق سراح هؤلاء الرهائن على الفور. ولابد من إعادة كل واحد منهم إلى أسرته، وستواصل الولايات المتحدة العمل بلا كلل لإعادتهم إلى ديارهم».

ويعيد وزير الدفاع التأكيد على نفس الأمور السابقة فيقول ولكن باقتضاب: «وقامت حماس، وفي يوم (Simchat Torah) المقدس لدى اليهود، بقتل نحو 1200 مدني، من بينهم أكثر من 40 مواطناً أمريكياً، واحتجزت 251 شخصا بريئاً آخر، من بينهم 12 أمريكياً».

وهي صياغة مراوغة كاذبة تخلط أعداد القتلى بجرائم لم تحدث ولم تثبت من أجل كسب تعاطف القارئ من ناحية، وتثبيت الخطاب الصهيوني حول غزوة الطوفان من ناحية ثانية، وما فيه من أكاذيب لاستخدامها لاحقاً وكما هو جاري الآن لإدانة حماس وقادتها بدعاوى كاذبة وفي نفس الوقت يرفضها العالم كله ودعاة حقوق الإنسان، وتؤجج مشاعر الشعب الأمريكي ضد قادة حماس الذين قتلوا وخطفوا إخوانهم الأمريكيين دون أن يقولوا لهم بالطبع أن هؤلاء الأمريكيين كانوا يحتلون أرضاً ليست لهم ويتدربون على قتال شعب يقاوم احتلالهم لأرضه واغتصابهم لمقدساته وقتلهم وتهجيرهم لأهلها.

لا تنس التعاطف مع القاتل!

وبعد ذلك يتحول البيان ليبين مواقف الإدارة الأمريكية من هذه المأساة الفظيعة التي عانى منها الشعب اليهودي المظلوم والمضطهد والمكروه من العرب الفلسطينيين المتوحشين، وكيف تنظر لها وتتعاطف معها، فيقول الرئيس: «فدعونا، بعد مرور سنة واحدة على هذه الحرب المدمرة، وفي هذه الذكرى الجليلة، نشهد على الوحشية التي لا توصف لهجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكذلك على جمال الأرواح التي سُرقت في ذلك اليوم. وقد أعاد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى السطح ذكريات مؤلمة خلفتها آلاف السنين من الكراهية والعنف ضد الشعب اليهودي».

وهو نفس ما يؤكد عليه بيان نائبة الرئيس حيث يقول:  «وإننا في يوم هذه الذكرى، الذي يصادف أقدس أيام التقويم اليهودي، نكرم روح الشعب اليهودي التي لا تقهر ونحزن على ضحايا السابع من تشرين الأول/أكتوبر. عسى أن تكون ذكراهم بركة. وإن ما فعلته حماس في ذلك اليوم كان شراً خالصاً، وقد كان وحشياً ومثيراً للاشمئزاز. وقد أشعلت هذه الحرب من جديد خوفاً عميقاً بين الشعب اليهودي، ليس فقط في إسرائيل، ولكن أيضا في الولايات المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم».

في حين يقول بيان وزير الخارجية: «في هذه الذكرى الأليمة، تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل وهي تدافع عن نفسها ضد الإرهاب».

بينما يشدد بيان وزير الدفاع لغته العاطفية فيقول: «وإننا، وبعد مرور سنة على اليوم الأكثر دموية في التاريخ اليهودي منذ نهاية المحرقة، نحزن مع شعب إسرائيل ومع عائلات الذين قتلتهم حماس وكذلك نقف مع العائلات التي لا تزال تعمل بشجاعة كبيرة لتحرير أحبائهم من أسر حماس».

وهي رسالة واضحة للوبي الصهيوني من ناحية، والمطبعين العرب من ناحية ثانية، ولكل من تسول له نفسه الجهاد ضد الكيان الصهيوني من ناحية ثالثة؛ ليدرك الجميع أن الإدارة الأمريكية ستكرس كل أدواتها وإمكاناتها لحماية الكيان وكل من يسهم في حمايته وبقائه ونمائه.

فعلنا وفعلنا.. ووقفنا مع الظالم!

ثم ينتقل البيان ليحدد ما قامت بها الولايات المتحدة لمواجهة تلك المأساة الرهيبة التي واجهها اليهود المساكين، فيقول الرئيس في بيانه معدداً ما قام به ومتفاخراً به وواعداً بالمزيد منه، فيقول: «وأصبحت، لهذا السبب، وبعد وقت قصير من الهجوم، أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل في زمن الحرب. وقد أوضحت حينها لشعب إسرائيل: أنتم لستم وحدكم. ولا نزال أنا ونائبة الرئيس هاريس، بعد سنة واحدة، ملتزمين تماما بسلامة الشعب اليهودي وكذلك أمن إسرائيل وحقها في الوجود. ونحن ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حزب الله وحماس وكذلك الحوثيين وإيران. كما الجيش الأمريكي، بتوجيه مني، في الأسبوع الماضي ساعد بنشاط مرة أخرى في الدفاع الناجح عن إسرائيل، وهو الأمر الذي ساعد في دحر هجوم صاروخي باليستي إيراني».

ونفس الأمر توضحه نائبة الرئيس معبرة عن مشاعرها ومعتقدها وموجهة رسالتها للناخب الأمريكي واللوبي الصهيوني في أمريكا ليمنحها صوته: «وقد صدمتني خسارة الشعب الإسرائيلي وآلامه نتيجة الهجوم الشنيع الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وأنا ودوغ نصلي من أجل عائلات الضحايا ونأمل أن يجدوا العزاء في تذكر الحياة التي عاشها أحباؤهم. كما نصلي من أجل سلامة الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم. ويجب علينا جميعاً أن نضمن عدم حدوث أي شيء مثل أهوال السابع من تشرين الأول/أكتوبر مرة أخرى. وسأبذل كل ما في وسعي لضمان القضاء على التهديد الذي تشكله حماس وعدم قدرتها على حكم غزة مرة أخرى وكذلك في إفشال مهمتها في إبادة إسرائيل وتحرير شعب غزة من قبضة حماس. ولن أتوقف أبداً عن النضال من أجل إطلاق سراح جميع الرهائن، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين السبعة، الأحياء والمتوفين، الذين مازالوا محتجزين: أومير، وايدان، وساغي، وكيث، وجودي، وجاد، وإيتاي. ولن أتوقف أبداً عن النضال من أجل تحقيق العدالة لأولئك الذين قتلوا هيرش غولدبرغ-بولين وغيره من الأمريكيين. وسأضمن دائماً أن لدى إسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها ضد إيران والإرهابيين المدعومين من إيران مثل حماس. وإن التزامي بأمن إسرائيل ثابت لا يتزعزع. وأنني أفكر اليوم وفي كل يوم في الرهائن. وقد التقيت بعائلات الرهائن وحزنت عليهم. وقد كابدوا ومروا بالجحيم. وقد تفاوضت حكومتي من أجل إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة، بمن فيهم أميركيون. ولن نستسلم أبداً حتى نعيد جميع الرهائن المتبقين إلى وطنهم بأمان».

ويؤكد بيان وزير الخارجية، أن: «في هذه الذكرى الأليمة، تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل وهي تدافع عن نفسها ضد الإرهاب».

في حين نجد بيان وزير الدفاع يسهب فيما سيتم عمله وما تم بالفعل للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بتوجيهات الرئيس: «وإن الواجب الأساسي لوزارة الدفاع هو الحفاظ على سلامة المواطنين الأمريكيين. وإننا نحني رؤوسنا إحياء لذكرى الأمريكيين الذين قتلتهم حماس على مدى السنة الماضية، بما في ذلك الرهائن المقتولين: إيتاي تشين، وغاد هاغي، وجودي، وينشتاين، وهيرش غولدبرغ-بولين. وستكون ذكراهم نعمة وبركة، وستحفزنا على العمل. ولن نرتاح حتى يعود جميع الرهائن إلى وطنهم.

وقامت الوزارة، وبتوجيه من الرئيس بايدن، بزيادة المساعدات الأمنية لإسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر ونشرت قوات عسكرية إضافية في الشرق الأوسط لدعم الدفاع عن إسرائيل، وكذلك لردع المزيد من العدوان من جانب إيران وشركائها ووكلائها ومن أجل حماية الموظفين الأمريكيين في جميع أنحاء المنطقة. وقامت القوات الأمريكية، بتاريخ الثالث عشر من نيسان/أبريل ومرة أخرى في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، بالتنسيق مع جيش الدفاع الإسرائيلي وشركاء آخرين لدحر الهجمات الوقحة والفظيعة لصواريخ كروز والصواريخ الباليستية والمسيرات الإيرانية ضد إسرائيل. كما دعمت الوزارة وكالات حكومية أمريكية أخرى تعمل على تحرير الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين في غزة. ولن تتوان وزارة الدفاع عن التزامها بأمن إسرائيل ومكافحة الإرهاب الذي تمارسه حماس والجماعات المتطرفة الأخرى وكذلك ردع المزيد من العدوان من جانب إيران والعمل مع حلفائنا وشركائنا لتعزيز الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط».

بالنسبة للضحية.. كيف يظهر الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين في البيانات؟ 

يقول بيان الرئيس: «وأعتقد أن التاريخ سيتذكر أيضاً يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر كيوم مظلم للشعب الفلسطيني بسبب الصراع الذي أطلقته حماس في ذلك اليوم. وقد عانى عدد كبير من المدنيين أكثر مما ينبغي خلال هذه السنة من الصراع، وقُتل عشرات الآلاف، وهي حصيلة بشرية تفاقمت بسبب اختباء الإرهابيين وعملهم بين الأبرياء. ولن نتوقف عن العمل من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يعيد الرهائن إلى الوطن وكذلك يسمح بزيادة المساعدات الإنسانية لتخفيف المعاناة على الأرض ويضمن أمن إسرائيل وينهي هذه الحرب. كما إن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء يستحقون العيش في أمن وكرامة وسلام». 

ويقول بيان نائبة الرئيس نفس الرؤية نحو فلسطين وشعبها: «وإن حماس هي من أطلقت الهجوم الإرهابي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في غزة. وإنني أشعر بالحزن الشديد إزاء حجم الموت والدمار الذي لحق بغزة خلال السنة الماضية، حيث أزهقت عشرات الآلاف من الأرواح وفر الأطفال بحثاً عن الأمان مراراً وتكراراً وأصبحت الأمهات والآباء يكافحون من أجل الحصول على الغذاء والماء والدواء. وقد حان الوقت للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن وكذلك وقف إطلاق النار لإنهاء معاناة الأبرياء. وسأناضل دائماً من أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق حقه في الكرامة والحرية وكذلك الأمن وتقرير المصير».

ويقول وزير الخارجية في بيانه: «لقد أطلقت هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر العنان لعام كامل من الصراع، مع عواقب مأساوية على الشعب الفلسطيني. إن الولايات المتحدة تنعى كل الأبرياء الذين لقوا حتفهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر وفي العام الذي تلاه. لقد حان الوقت للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن إلى ديارهم، ويخفف من معاناة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ويضع حداً لهذه الحرب في نهاية المطاف. ويتعين على المجتمع الدولي أيضاً أن يقف بثبات في وجه الإرهاب والتطرف العنيف، بما في ذلك مصادر الدعم لجماعات مثل حماس. ويتعين عليه أن يدين دعم إيران لحماس وغيرها من الجماعات الإرهابية في المنطقة المسؤولة عن الكثير من الموت والدمار وعدم الاستقرار».

ويبين بيان وزير الدفاع الرؤية أكثر فيقول: «وقمت مرارا وتكرارا على مدى السنة الماضية بإجراء مناقشات مع قادة إسرائيل كيف أن حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة تشكل مسؤولية أخلاقية وضرورة استراتيجية في آن واحد. وإننا نحزن على وفاة كل مدني فلسطيني قُتل في الضفة الغربية وغزة خلال هذا الصراع المروع وكذلك نحزن على وفاة المواطنين الأمريكيين توفيق عجاق ومحمد خضور وعايشانور إيغي (Aysenur Eygi). وسوف تتفاقم معضلة مأساة هذه السنة، إذا كان ما ينتظر الإسرائيليين والفلسطينيين هو المزيد من انعدام الأمن والمرارة واليأس في المستقبل. وإننا، ومثل كل إدارة أمريكية منذ حرب الأيام الستة في سنة 1967، نعتقد أن الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يجدوا طريقة لتقاسم الأرض التي يسميها كل منهما وطنهم. وهذا الأمر يعني العمل على إيجاد طريق نحو دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في أمن متبادل، كجزء من مستقبل أوسع وأكثر إشراقاً للتطبيع العربي-الإسرائيلي الذي يتضمن اندماج إسرائيل في المنطقة».

لبنان.. تهوين وتجاهل

ونفس الأمر فيما يتعلق بلبنان وما حدث وما يحدث لأهله من قتل وتشريد وتهجير حيث يحظى ببضع كلمات تنم عن مكانة النفس العربية في العقل السياسي الأمريكي، فنجد بيان الرئيس يتحدث عن لبنان وسلامة أهله رابطاً ذلك بسلامة مستوطني الكيان الغاصب وأمنهم وتبعيته له: «وما زلنا نعتقد أيضاً أن الحل الدبلوماسي على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية هو السبيل الوحيد لاستعادة الهدوء الدائم والسماح للسكان على كلا الجانبين بالعودة بأمان إلى منازلهم».

وهو تقريبا نفس نص بيان نائبة الرئيس، حيث تقول في بيانها: «وما زلنا نعتقد أيضاً أن الحل الدبلوماسي على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية هو السبيل الوحيد لاستعادة الهدوء الدائم والسماح للسكان على الجانبين بالعودة بأمان إلى منازلهم». في حين لم تُذكر لبنان في بيان وزير الخارجية، ولا بيان وزير الدفاع.

ختام البيانات.. شيطنة وأيقنة

ثم تتكرر الديباجة وتعاد الأيقنة والشيطنة في نهاية البيانات التوراتية مرة ثانية حتى لا تفلت مشاعر القارئ لها في نهايتها، فيعاد التأكيد على معنى الكيان في العقل السياسي الأمريكي ممثلاً في أعلى أركان إداراته لتصل الرسالة واضحة لكل المقصودين بها والذين سيطالعونها.

ففي بيان الرئيس عودة للتذكير بالعداء للسامية وواجب الوقوف ضد أعدائها من العالم كله، والأعداء هنا من العرب الفلسطينيين واللبنانيين المقاومين المجاهدين، فهم وكل عربي ومسلم يجاهد هؤلاء هو عدو للسامية يجب أن يحاربه العالم كله، فنجد بيان الرئيس يعلنها واضحة: «كما أنني أدين بشدة التصاعد الشرس لمعاداة السامية في أمريكا وفي جميع أنحاء العالم. وإنه أمر غير مقبول. ويجب علينا جميعاً أن نقف متحدين ضد معاداة السامية وضد الكراهية بجميع أشكالها».

في حين نجد في بيان نائبة الرئيس قولها: «وأعلم اليوم، وفي الوقت الذي نؤبن الأرواح التي فُقدت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أن العديد من اليهود سوف يتلون ويتأملون الصلاة اليهودية للحداد (the Kaddish). لكن كلمات (the Kaddish) لا تتعلق بالموت. والصلاة تدور حول الاستمرار في الإيمان بالله ومواصلة الإيمان. وأعلم أن هذا صعب وسط الكثير من الصدمات والألم. ولكن بهذه الروح أحيي ذكرى هذا اليوم الجليل. ولن ننسى، ولن نفقد الإيمان. وعلينا، وفي تكريم لجميع تلك الأرواح التي فقدناه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ألا نغفل أبداً عن حلم السلام والكرامة والأمن للجميع».

في حين يقول بيان وزير الخارجية في نهايته، ما يلي: «ويتعين على المجتمع الدولي أيضاً أن يقف بثبات في وجه الإرهاب والتطرف العنيف، بما في ذلك مصادر الدعم لجماعات مثل حماس. ويتعين عليه أن يدين دعم إيران لحماس وغيرها من الجماعات الإرهابية في المنطقة المسؤولة عن الكثير من الموت والدمار وعدم الاستقرار».

ثم يؤكد بيان وزير الدفاع عن الفكرة عبر شيطنة حماس واستعداء العالم كله عليها، فيقول: «إن حماس مجموعة إرهابية لا تعرف الرحمة وتستخدم المدنيين كدروع بشرية. وقُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة. ومن واجب جميع الدول الرد على الاعتداءات الإرهابية مثل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكما يقع على عاتق جميع الدول واجب حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة».

في حين يقول وزير الدفاع في نهاية بيانه: «كما إن الفظائع التي ارتكبتها حماس في يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر تذكير صارخ بالتهديد الذي تشكله حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران. وإنني أصلي اليوم من أجل أولئك الذين قتلتهم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وكذلك أصلي من أجل الناجين ومن أجل جميع الذين مازالوا يعملون بشجاعة لإعادة أحبائهم وإنهاء المعاناة من خلال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن إلى ديارهم ويتيح زيادة المساعدات الإنسانية. وهذا ليس يوما للحداد، وإنما يوم للعمل».

ملخص الرؤية الأمريكية لطوفان الأقصى

هذه هي الرؤية الأمريكية لغزوة طوفان الأقصى بعد عام من وقوعها بلسان أكبر رؤوس القيادة الأمريكية: الرئيس ونائبته ووزير الخارجية ووزير الدفاع وهم يمثلون نخبة صنع وتنفيذ القرار الأمريكي ومجمع المصالح الكبرى في هذا المجتمع، حيث اجتمعوا جميعا على:

  • فلسطين غير موجودة على الإطلاق في العقل السياسي الأمريكي كما كانت غائبة دائماً وخصوصاً منذ مؤتمر (بلتيمور) عام 1942م الذي اعتبرها أرض إسرائيل وفقط.
  • الشعب الفلسطيني يمكنه العيش والحصول على الحياة الآمنة فقط عندما يحصل عليها أفراد الكيان الصهيوني كاملة، وذلك وفق الشروط التي يحددها الكيان الصهيوني مجرد أفراد أو على الأكثر مجموعة فرعية تتمتع بحكم محلي في أجزاء محددة خارج أرض إسرائيل التوراتية.
  • الشعوب العربية في دول الطوق أو المواجهة في لبنان والأردن ومصر وسوريا لن تتمكن من الحصول على الأمن والحياة المستقرة دون أن تستسلم تماماً لمقولات المشروع الصهيوني وتقبل بالسلام العبري والتطبيع على الطريقة الخليجية.
  • الجهاد ضد المشروع الصهيوني الذي هو رأس جسر للمشروع الاستعماري الأمريكي في القارة العربية يساوي معاداة السامية من ناحية ومناطحة المشروع الأمريكي وأمنه القومي من ناحية ثانية وهو أمر لا يعني سوى شن حرب عالمية وتحالف تقوده أمريكا وكل توابعها على من يقوم به أو يفكر فيه.

فهل يمكن لعربي مسلم أن يغمض له جفن وهو يقرأ ويرى كلمات تلك البيانات تتحقق واقعاً مُراً علقماً يصادر مستقبل أمتنا بادئا بفلسطين ولبنان ولن يتوقف إلا بعد أن يصل لفرات العراق ونيل أسوان؟ متى نفيق ونبدأ في العمل الجاد لبعث جديد لهذه الأمة؟

عماد الدين عشماوي

باحث في الشؤون الدينية والسياسية، باحث دكتوراه في السياسية العامة، له مؤلفات عديدة من مقالات… المزيد »

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. كاميلا هاريس هي مرشحة عن الحزب الديمقراطي وليس الجمهوري دكتور عماد يجب التصحيح وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى