قراءة في كتاب هيروشيما: حكايا ستة ناجين من كارثة القنبلة الذرية لجون هيرسي
في عام 1945 بالتحديد، فيما كان يسمى بالإمبراطورية اليابانية، استقبلت البشرية جمعاء حدثًا مروعًا لم يسبق له مثيل. وذلك في خضم الحرب العالمية الثانية بين الحلف الأمريكي والحلف الألماني؛ هذا الأخير (الألمان) انهزم في حربه مع عدوه، ما جعله يترك باقي حلفائه يخوضون غمار حرب ضروس كانت نهايتها بين دولة العم سام (الأمريكان) وفرسان النينجا (اليابان)؛ التي أرادت أن تستسلم في نهاية الحرب لكن مع شرط عدم تعرض الأمريكان للإمبراطور الياباني خشية أن يحاكم كمجرم حرب بعد وضع السلاح وإعلان الاستسلام.
هذا الأمر الذي لم يقبل به شرطي العالم آنذاك؛ فلم يكن يقبل أن بوضع أي شرط في حالة الاستسلام من قبل اليابانيين. هذا ما أدى على حد قول الرواية الأمريكية إلى ضرب مدينتي هيروشيما وناغازاكي، بالقنبلة الذرية. وكانت هيروشيما المدينة الوحيدة التي لم تتعرض للقصف بطائرة B-29 Superfortresses -أطلق السكان المحليون على هذه الطائرات B-san أو السيد متوتر-. كتب جون هرسي في كتابه نقلًا عن أحاديث سكان هيروشيما: “كانت هناك شائعة مفادها أن الأمريكيين كانوا يحضرون شيئًا مميزًا للمدينة”.
نقل الشيخ عبد الله العجيري العديد من الأقوال لوزراء وجنرالات، في عدم تقبلهم فكرة إلقاء القنبلة الذرية. كالذي ينقله -على سبيل المثال لا الحصر- عن الجنرال “دوايت إيزنهاور” في تصريح له للوزير الأمريكي الذي أخبره أن قرار ضرب المدينة بالقنبلة الذرية قد تم إصداره، سوف أنقله مجزئًا يقول فيه: “لا داعي من ذلك لأن اليابانيين مستعدون فعلًا للاستسلام. إنني أكره لبلدي أن يكون هو السباق لاستعمال مثل هذا السلاح”.
بعد عرضه لهذه الأقوال يعرج الشيخ عبد الله العجيري، ويقول في سبب ضرب المدينة بالقنبلة الذرية من طرف الأمريكان: “الأمر أشبه بلعبة في يد طفل شقي، وكان يخشى أن يحرم من اللعب بها مستقبلًا، وكان مصرًا على تجربتها، فكان له ذلك، ليس مرة، بل مرتين. ولو لم يعلن الإمبراطور بنفسه خطاب الاستسلام من إذاعات المحطات اليابانية لاستمر اللعب ثالثة، ورابعة، وخامسة”.
رواية “هيروشيما: حكايا ستة ناجين من كارثة القنبلة الذرية” من تأليف الكاتب جون هرسي، وترجمة الشيخ عبد الله العجيري، صدرت عن مركز تكوين سنة 2019 الطبعة الثانية. تقع الرواية في 290 صفحة، تتألف الرواية من خمس فصول، بدايتها مقدمة من المترجم في حدود 40 صفحة، ونهايتها تقدم نبذة مختصرة للتشويق، أكثر من أن تكون تلك النبذة التي تلخص ما جاء في الكتاب.
يتناول الكتاب حكاية ست ناجين عاينوا وعاشوا أهوال القنبلة الذرية. يصور الكتاب حالهم وحال من شاهد ذلك الانفجار العظيم بطريقة تظهر مدى الوحشية التي تعرض لها سكان مدينة هيروشيما. يقول الشيخ عبد الله العجيري عن الكتاب: “يكشف للقارئ على المستوى الإنساني، حجم الكارثة التي وقعت، وعن طبيعة الإجرام الذي تم على نحو قريب ودقيق، وينكشف من خلاله فظاعة ما يمكن أن تنحدر إليه الحضارة المهيمنة على عالمنا اليوم”.
الكتاب يحاول أن ينقل للقارئ تصورًا يقارب الحقيقة للأحداث الفظيعة التي تعرض لها الشعب الياباني من خلال حكايات هؤلاء الناجين الستة؛ وذلك من خلال تقديم هذه الشهادات والقصص المروية في قالب أدبي يصل إلى كل قلب ينبض بالحياة. يصور الكاتب في كتابه الهلع الذي تعرض له الشعب الياباني من خلال حكايات هؤلاء الأشخاص. وعلى العموم فإن مراجعة الكتاب -حسب رأيي- قد قدم لها الشيخ عبد الله العجيري في مقدمة الكتاب، وقد أحسن في مراجعته التي ضمنها في مقدمته، والقارئ الممتاز يدرك أن المقدمة عبارة عن مراجعة المترجم للكتاب الذي ينوي ترجمته.
شخصيات الكتاب وهم الشخصيات الست التي نجت من الانفجار: طبيبان فوجي مازاكاو وتيروفومي ساساكي، وزير بروتستانتي كيوشي تانيموتو، خياطة أرملة هاتسويو ناكامورا، عاملة مصنع في العشرينيات ساساكي دومينيك، كاهن كاثوليكي ألماني ماكوتو تاكاكورا. تتوزع عليهم الأدوار حسب فترات زمنية مختلفة من الصباح قبل حدوث الانفجار إلى ظهور الوميض الساطع، ثم وقائع ما بعد الانفجار الذري وحالة التي عاشتها كل شخصية من الشخصيات.
قبل أن أتعرض لبعض الأحداث الخاصة بالكتاب، يجب أن أقول إن اللغة الأدبية للمترجم في غاية الأناقة، لغة أدبية قدمت لمسة جديدة لهذا العمل. والذي أزعم أن نسخته العربية أقوى من جميع النسخ والله أعلم. وذلك لعدة اعتبارات أولًا أنه ترجم إلى اللغة العربية التي لا أحتاج أن أعبر عن قيمتها بين باقي اللغات، ثانيًا أن الشيخ عبد الله العجيري الذي ترجمها قلمه الأدبي أحسن نقل مشاعر الشخصيات من خلال عباراته، التي أعطت لهذه النسخة العربية الأسبقية في الامتياز.
في الفصل الثاني تحت عنوان الحريق وبعد فض الحديث عن فصل البرق الصامت، ينقل الكتاب أحوال الشخصيات بعد الانفجار والصدمة التي أصابتهم تلقاء هذا الانفجار المرعب. تصور لنا إحدى مشاهد الكتاب فظائع ما حصل، “كانت السيدة هاتسويو ناكامورا تكافح من أجل تحرير نفسها من تحت أنقاض منزلها المنهار بعد الانفجار، كانت تستطيع رؤية طفلتها ميكو أصغر أطفالها الثلاث مدفونة حتى صدرها وغير قادرة على الحركة”. مشهد يدمي العين؛ كيف لا والأم التي لم تستوعب بعد ما حدث من هول الانفجار تشاهد أبنائها تحت الأنقاض.
يصور الفصل أيضًا انقلاب حال الشخصيات من العيش في ذلك الصباح الهادئ الذي يتلاحم فيه الشعب الصمد، إلى مقارعة الأهوال والحرائق المميتة التي تأتي على الأخضر واليابس. أهوال جعلتهم يتركون أشخاص من ذويهم تحت الأنقاض ليلقوا مصرعهم متفحمين من ألسنة اللهب.
فصل يصور الهلع الرهيب الذي أصاب سكان مدينة هيروشيما، ما جعلهم يخرجون شائعات بسبب قطرات ماء تساقطت عليهم كانت مصدر قلق مفادها “أن طائرة أمريكية واحدة قامت برش البنزين في أنحاء المدينة، ثم وبطريقة ما تشعل ذلك البنزين في لحظة خاطفة”. لكن في الحقيقة ما هي إلا تساقطات أمطار عادية.
نأخذ الفصول التالية بمجموعها ونقول إن وقع الانفجار لم يخلف فقط مصابين وموتى في تلك اللحظة، بل خلف خسائر لا يمكن تعويضها. وإن أرادت أمريكا تعويضها، فالذي يريد أن يعوض الأشخاص لن يعوض البلاد عن ذلك الإرث الحضاري المفقود الذي يدل على هوية البلد وتاريخها، لن يعوض المال التاريخ الذي تم مسحه من خارطة العالم في لمحة من البصر.
فيما بعد الكارثة ينقل الكتاب تعرض الأشخاص الذين نجوا من الانفجار إلى الإقصاء والتهميش بحيث تمت تسميتهم -بالهيبكوشا- عوض تسميتهم بالناجين. وذلك في محاولة لتميزهم عن غيرهم، ما أدى إلى اضطهادهم اجتماعيًا واقتصاديًا…..”.
وعلى الجملة، فإن عرض كل القضايا التي ناقشها الكتاب شيء ممتع لكن يطول الأمر في نقل كل ذلك. والمغزى من هذه الكتابة أن يُقبِل القراء على قراءة هذا الكتاب، نظرًا لأهميته في التعاطي للعديد من الأبواب. من أهمها بالنسبة لي بيان وحشية الغرب الذي ينادي بحقوق الإنسان ويفرض عقوبات على الدول التي لا تريد أن ترضخ إليه من بوابة الحقوق، التذكير بأن الإسلام لم يأتِ لقوم خاصة وإنما جاء للإنسانية جمعاء وهذا يجب أن يشحذ همتنا في الدعوة إلى الله، وإعلاء كلمة التوحيد التي بفضلها ننشر العدل ونقضي على الظلم، عدم الاغترار بالمفاهيم الغربية ومعرفة أن كل مفاهيمهم المنمقة حبر على ورق.