ليس كل اقتتال بين المسلمين وليس كل تغلب مذموم
بسبب تأثير الدعشنوفوبيا، أصبح هناك تخوف من ممارسة سياسة التغلب أو الدعوة إليها، وأصبح متهمًا بالدعشنة من يجيز التغلب، مع أن التغلب سُنَّة من سنن الحياة، والإسلام لا تقوم له قائمة إلا بتوفر أهله على قوة يقهرون بها من يقف سدا أمام إقامته. والخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عبَّر عن هذه الحقيقة بمقولته الشهيرة (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
والكلام هنا ليس عن تغلب حاكم مسلم على منصب الخلافة، فالخليفة يجب اختياره بالتراضي، ولا تصح بيعة خليفةٍ متغلب (حسب الرأي الشرعي الذي أتبناه)، لكن الحديث هنا عن تغلب مشروع الإسلام على غيره من المشاريع العلمانية أو الليبرالية الخ، وهذا لن يتأتى إلا بتغلب أهل المشروع الإسلامي على من سواهم، ولما يصبح للإسلام شوكة على الأرض تقام فيها الشريعة، ساعتها يختار المسلمون خليفة أو أميرا يحكمهم بِما أنزل الله، شريطة أن تتوفر في الخليفة أو الأمير الشروط الشرعية للإمارة أو الخلافة!
هل كل اقتتال بين طائفتين مسلمتين محرم على الدوام؟
فإذا كان فصيل من المسلمين يشكل خطرا على المشروع الإسلامي وتواترت القرائن على موالاته لمشاريع الكفار وعزمه على تنفيذها، أو يقف عثرة أمام فتح جبهات قتال ضد الأعداء المحاربين وأمام خوض المجاهدين معارك ضد الأعداء والتقدم عليهم، فساعتها يكون من الواجب شرعا استئصال نفوذ وشوكة هذا الفصيل. والحديث هنا عن استئصال نفوذ -شوكة- الفصيل وليس استئصال أفراده. فمن هرب لا يُتبع ومن استسلم وكف يده يُؤَمَّن على حياته، ولا يُؤسر ولا يُسجَن، ولا تُؤخذ ممتلكاته وأمواله، ولا يُعاقب إلا على جرائم ومظالم ثبت ارتكابه إياها بحق عوام الناس).
وبالتالي من الجهل أن يُعتبر كل اقتتال بين طائفتين مسلمتين محرما على الدوام وفِي كل الأحوال. ومن الجهل والسطحية كلما اقتتل طائفتان من المسلمين أن يخرج الدراويش أصحاب القلوب المرهفة ليستدلوا بحديث الرسول “إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّار”(رواه البخاري ومسلم)، دون أن يدركوا مناط الحديث ودون أن يبحثوا عن أسباب الاقتتال الحقيقية، ودون أن يدركوا أن الفئة التي لا تريد الفيء للحق يجب قتالها حتى يُؤْمَن شرها على الإسلام والمجاهدين.
{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}(الحجرات).
فالإصلاح بين الفئتين المتقاتلتين يكون بعدما تفيء الطائفة الباغية للحق، أما الدعوة إلى وقف قتالها مع أنها تصر على بغيها، أو التسوية بين الفئة الباغية والفئة التي تصدت لها، فهذا من الركون للظلم والظالمين {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113)} (هود). أرأيت إن سرق أحدٌ مالك، فالواجب أولا استرداد المال ولو بالقوة، وبعدما يرد السارق المال ساعتها يُحاول الإصلاح بين السارق والمسروق لتُزال الضغائن التي تولدت بينهما بسبب سرقة الأول واستعمال الثاني القوة لاسترجاع ماله!
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله
وانظر لِمَا قال القرطبي في تفسيره لآية {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ}: [هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الْمَعْلُومُ بَغْيُهَا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَ(دليل) عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَام-: “قِتَالُ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ”. وَلَوْ كَانَ قِتَالُ الْمُؤْمِنِ الْبَاغِي كُفْرًا لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالْكُفْرِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ! وَقَدْ قَاتَلَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِسْلَامِ وَامْتَنَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَأَمَرَ أَلَّا يُتْبَعَ مُوَلٍّ، وَلَا يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَمْ تُحَلَّ أَمْوَالُهُمْ، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ فِي الْكُفَّارِ.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ اخْتِلَافٍ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْهَرَبُ مِنْهُ وَلُزُومُ الْمَنَازِلِ لَمَا أُقِيمَ حَدٌّ وَلَا أُبْطِلَ بَاطِلٌ، وَلَوَجَدَ أَهْلُ النِّفَاقِ وَالْفُجُورِ سَبِيلًا إِلَى اسْتِحْلَالِ كُلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَسَفْكِ دِمَائِهِمْ، بِأَنْ يَتَحَزَّبُوا عَلَيْهِمْ، وَيَكُفَّ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَام-: “خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ”](انتهى الاقتباس من قول القرطبي).
فالذين يسارعون لِلْوَلْوَلَة عند كل اقتتال بين طائفتين مؤمنتين مستدلين بآية الحجرات {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أخفقوا في فهم مناط هذه الآية وحكمها، فالآية توجب قتال الفئة الباغية أو الظالمة إلى أن تخضع للحق، أما وفصائلُ مصرة، كما هو مثلا في واقع الشام اليوم، على موالاة الكفار وتنفيذ مشاريعهم، فأوجب الواجبات شرعا هو قتالها واستئصال نفوذها!
فماذا عن “القاتل والمقتول في النار”؟
أما حديث الرسول: “إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ”، فقِيلَ له: فَهَذَا الْقَاتِلُ (فهمنا لماذا يدخل النار)، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ”(صحيح البخاري)، الذي يُستدلُّ به لتحريم كل اقتتال بين طائفتين مسلمتين تحريما دائما، فاستدلال باطل ويَنُم عن قلة الفقه عند هؤلاء، وعدم ربطهم النصوص الشرعية بعضها ببعض وعدم التدقيق في مناطها وعدم اكتراثهم لمعرفة الواقع وفهم دقائقه.
فأنقل هنا عن ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث، قوله: [أَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي حَدِيثِ “الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ” زِيَادَةً تُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَهِي: “إِذَا اقْتَتَلْتُمْ عَلَى الدُّنْيَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ”، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: “لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ”، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: “الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ”. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْقِتَالَ إِذَا كَانَ عَلَى جَهْلٍ مِنْ طَلَبِ الدُّنْيَا أَوِ اتِّبَاعِ هَوًى فَهُوَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ “الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ”. قُلْتُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الَّذِينَ تَوَقَّفُوا عَنِ الْقِتَالِ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ أَقَلَّ عَدَدًا مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوا، وَكُلُّهُمْ مُتَأَوِّلٌ مَأْجُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ قَاتَلَ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ: “مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ”، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: “إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ”] (انتهى الاقتباس من فتح الباري).
وقال الشوكاني في مصنفه (نيل الأوطار)، تحت “بَابٌ فِي أَنَّ الدَّفْعَ لَا يُلْزِمُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَيُلْزِمُ الْغَيْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ”، [ذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى وُجُوبِ نَصْرِ الْحَقِّ وَقِتَالِ الْبَاغِينَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَزَادَ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ}، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتُتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ ( أحاديث اعتزال قتال الفتنة) عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُحِقُّ، أَوْ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ظَالِمَتَيْنِ لَا تَأْوِيلَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (أي لا يستطيع التمييز بين المحق والمبطل)، قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ](ا.هـ).
ولو كان كل اقتتال بين المسلمين حرام، لما قال الرسول للرجل الذي سأله: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ له رسول الله: “فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ”، فقَالَ الرجل: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ رسول الله: “قَاتِلْهُ”، قَالَ الرجل: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ رسول الله: “فَأَنْتَ شَهِيدٌ”، قَالَ الرجل: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ رسول الله: “هُوَ فِي النَّارِ”(أخرجه مسلم).
ولو كان كل اقتتال بين المسلمين لا يجوز، لما أجاز الرسول للمسلمين بقتال الحاكم الذي جاء بالكفر البواح. عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ (صحيح البخاري).
وإن كان قتال حاكم أتى بكفر بواح جائز بل وواجب على من توفرت لهم القدرة على ذلك، فالأولى والأوجب أن تُقاتَل فئة تسعى لإقامة نظام حكم بغير ما أنزل الله وأن يُستأصل نفوذها قبل أن تقوى شوكتها وتتمكن من الهيمنة على البلاد والعباد ومن ثم إخضاعهم لنظام حكم بغير ما أنزل الله!
فهل يظن من عنده ذرة من عقل أن أي نظام يتم تأسيسه في الشام من قِبل الغرب سيكون حاله أحسن من حال الأنظمة الوظيفية التي قام الثوار ضدها والتي تذوق الشعوب المسلمة نارها؟
فرض الأنظمة الوظيفية التابعة للغرب
فإذا ورَّط الغرب الأمة بأنظمة آل سعود وآل نهيان والسيسي وغيرها من الأنظمة الوظيفية الطاغية في مرحلة غفلة منها (أي الأمة)، ورأيتم حجم الذل والإهانة والبطش الذي تمارسه عليكم هذه الأنظمة ودرجة عدائها ومحاربتها للإسلام الذي فاقت فيه الكفار الأصليين، فكيف يقبل المسلمون اليوم وهم في درجة أعلى من الوعي -كما نحسب- بحقيقة النظام الدولي وأساليبه وأهدافه، كيف يورطهم الغرب من جديد بأنظمة وظيفية جديدة؟
فاعلموا أن أي نظام جديد ينبثق من دهاليز النظام الدولي وتحت رعايته وإشرافه ويحظى برضاه، سيكون أشرس وأشد حربا على الإسلام مما يمكن أن تتخيلوه، ساعتها ستطلبون لو أن آل سعود والسيسي وآل نهيان هم حكامكم، بل وستفرحون لو كان محمود عباس وحكومته من يسوسونكم! ولا يغرنكم “السمت” الإسلامي لتلك الفصائل الشامية التي اختارت سبيل المفاوضات مع الغرب، فالسمت الإسلامي لآل سعود الذي استعانوا به لتوطيد حكمهم الطاغي المحارب للإسلام لم يكن أقل من “مجدد الإسلام” في العصر الحديث (كما يصفه غير واحد من المشايخ)، محمد بن عبد الوهاب!
تحديد مفهوم البغي
ولعل من أكبر الملابسات التي يقع فيها كثير من مشايخ عصرنا وعلى رأسهم ممن يتحدثون في نوازل الساحة الشامية، هو قصر فهمهم لمفهوم البغي الذي أوجب الله فيه قتال الفئة الباغية حتى تفيء للحق. فيظنون أن البغي يقتصر على بدء قتال شخص لشخص أو جماعة لجماعة، أو نهب المال والأملاك، فحصروا البغي في الاعتداء على الجسد أو النفس أو المال. وهذا مفهوم قاصر، إذ لم يعطي أي اعتبار للبغي على الدين. فأعظم البغي هو البغي على شريعة الله بعدم إقامتها أو محاربتها.
فمن البغي الركون للظلمة والكفار، ومن البغي التواطؤ مع الكفار وتنفيذ مخططاتهم ضد الإسلام والأمة الإسلامية، فالله وصف من لا يحكم بما أنزل الله بالظالمين {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، والله عاقب اليهود بسبب مخالفتهم أوامره وسمى عصيانهم له بغيا {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}(الأنعام)، فقد قال أكثر من واحد من المفسرين أن معنى {ذلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ} أي بمخالفتهم لأمر الله.
وقال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)}(الأنفال)، فالفتنة العظيمة تحصل حين يتولى المسلمون الكفارَ ويخضعون لهم ويتخلوا عن شريعة الإسلام إرضاء لهم، وهذه الفتنة وهذا الفساد الكبير لا تتم النجاة منهما إلا بالتصدي لفئة المسلمين الموالية للكفار الخادمة لمشاريعهم في بلاد المسلمين، وإن كان شر هذه الفئة المسلمة لا يُوقَف إلا بقتالها، كان قتالها من أوجب الواجبات وإلا {تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}!
من هم البُغاة في ثورة الشام
وإذا حملنا هذا المفهوم الحقيقي والشامل للبغي على ساحة الشام اليوم، فالبغاة هم من يذهبون لمؤتمرات يرعاها الكفار ويحددون مخرجاتها، كمؤتمرات آستانة وجنيف، ويعملون على تنفيذ مخرجات تلك المؤتمرات، ويسعون لإرضاء الغرب الكافر بقلع كل معالم إسلامية لثورة الشام كإزالة راية التوحيد واستبدالها براية الاستعمار الفرنسي، الراية التي ترمز للوطنية المقيتة، ويسعوا لإقامة حكم علماني. وبغي هؤلاء أعظم بكثير من بغي قطاع الطرق. فَبَغْيُ قطاع الطرق محدود ولا يصيب إلا أموال أو أنفس بضعة أناس، أما بغي أولئك الخانعين للكفار العاملين على تمرير مخططاته في بلاد المسلمين، فيصيب الدين وأمةً بأكملها.
فليست هناك أعظم من فتنة الدين، فالرسول لما ذكر الفتن ربطها بضياع الدين وليس المال أو النفس، إذ قال صلى الله عليه وسلم: “بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ، فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ: يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا”(صحيح مسلم).
فليس هناك بغي وظلم أكبر من أن يعيش المسلمون تحت نظام حكم غير إسلامي، فقد يُمَكِّن هذا النظام للناس الأكل والشرب والعلاج من الأمراض الجسدية والمال والمتعة المادية في الدنيا، لكنه يسوق ملايين منهم للنار، لأنه (أي نظام الحكم الغير إسلامي) لم يمكنهم من حياة إسلامية حسب ما يُرضي الله، فعاشوا في المنكرات والفواحش، وتخلوا عن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأنَّا تكون لهم الجنة! ففناء أهل الشام كلهم بشتى أنواع أسلحة الدمار بسبب صمودهم وقتالهم وإصرارهم على إقامة شرع الله، لهو لب الخير والمنفعة والمصلحة، إذ تنتظرهم ساعتها عند الله جنات لا تساويها كل خيرات ونعم الدنيا في شيء! وما قيمة حياة قصيرة على الأرض يقضيها المسلم عاصيا لربه، تؤول به إلى جهنم والعياذ بالله!
اقرأ أيضًا: 5 دروس ومكاسب أهدتها لنا الثورات المضادة
واجب المشايخ تجاه البغي على الإسلام
فإلى الذين يسارعون لِلْوَلْولة كلما تقاتلت فصائل في الشام، أجدى لهم، إن كانوا يسعون فعلا للصلح، أن يضعوا أصابعهم بكل صدق وصراحة على لب الداء. فيستحيل عقلا وشرعا أن يُوقَف الاقتتال ما دامت هناك فصائل تشارك في مؤتمرات آستانا وجنيف وتخضع لأوامر الداعمين كتركيا وقطر والسعودية، وتُدفع أجورٌ للمقاتلين من قِبل الدول الوظيفية أو الغرب، وتتبنى تلك الفصائل مشاريع غير إسلامية تبدأ بنبذ راية التوحيد ورفع علم سايكس وبيكو، مرورا بتبني القانون العربي الموحد الذي حررته جامعة الدول الوظيفية للغرب (العربية)، وانتهاء بالقبول بدولة علمانية إرضاء للغرب!
فما دمتم يا مشايخ لا تتحدثون عن هذه الأسباب الجوهرية والحقيقية للاقتتال بين فصائل الشام، ولا تعملوا على قلعها، ولا تكونوا أنتم السباقين للدعوة لقتال الفصائل التي لا تريد الفيء لأمر الله بفك الارتباط السياسي والمخابراتي بدول الغرب وبالدول الوظيفية كتركيا وقطر والسعودية والأردن، ما دمتم يا مشايخ لا تقومون بواجبكم الشرعي هذا وتكتفون بالولولة لإيقاف الاقتتال دون أن تفيء الفئة الباغية للحق وتفك تبعيتها للدول الوظيفية وللغرب، فأنتم إذًا يا مشايخ شهود زور وتتحملون وزر ضياع الإسلام في الشام وتغلب مشروع الكفار!
كل فئة تدعي بان الفئة الأخرى هي الباغية ، فمن يحكم بمن هو الباغي ؟ كل فئة تدعي بأنها تعمل لإقامة شرع الله وجعل كلمة الله هي العليا ، فمن يحكم من هي الفئة الصادقة وخاصة ان جميع هذه الفئات تأخذ اسلحتها وقوتها من الكفار ( الغرب ) وتقتل بعضها بعضا ، فكيف يكون ذلك وكيف يكون التفسير والموقف الشرعي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أيام رسول الأمة كان الرسول هو الذي يحكم وهو الصادق الأمين ، اما الآن وبعد ان تعدد من يدعون بأنهم هم وحدهم الحكماء ، فمن هو الصادق الأمين؟؟.؟؟
السلام عليكم …هذا الكلام خطأ .ويؤدي إلى سغك دماء المسلمين …الإدلة التي ذكرتها كلها كانت ضمن دولة إسلامية قائمة ذات شوكة .يخشى من قوتها ثم كان الكلام عن طائفة خرجت عن سلطان للدولة .وهذه الإدلة يا جاهل لا يجوز إسقاطها في زمنن وذالك بسبب غياب دولة قوية و كثرة الأحزاب والفصائل الضعيغة التي كلها تدعي الإسلام .وتدعم مشروع دولة إسلامة وكلهم يرى نفسه واجب على المسلمين تكثير سواده .فأدت مثل هذه الفتاوى إلى قتال الفصائل وسفك الدماء
وإهلاك بعضها البعض وبالتالي تغلب الكفار عليهم .
فما هو الحل ؟
الحل تجتمع هذه الاحزاب على مجلس شورى من أهل العلم الثقات والمعروفين بالعدل . ثم أهل المجلس يكونون هم أهل الحل والعقد وهم الجماعة الواجب أتباعها .ولا يجوز الخروج عنها ووجوب قتال من خرج عنها حتى تعود لصف الجماعة . وهذ هو منهج الخلافاء الراشدون والسلف وكل ما سواه من قتال التغلب والديمقراطية وحكم عامة الشعب لنفسهم لا يجوز أبدا وواجب على المسلم أن يبرأ إلى الله من ذالك إن وجد بين جماعات المسلمين
وهل تجتهدون لايصال هذه الحقيقة للمقاتلين هناك؟؟
جزاكم الله خيرا .. بالفعل استفدت ايما استفادة من هذه المقالة ،.. لكن ماذا عن القاعدة الا يدركون كل هذا ؟؟؟! فلماذا قد تحالفوا مع فئات لا تسعى الى اقامة حكم الله !!!! ماذا حدث للقاعدة !؟؟
كنا ننتظر هذا المقال بفارغ الصبر…..شكرا