
أين يقف المجتمع الصهيوني في بداية 2025؟ «قراءة في نتائج آخر استطلاع رأي صهيوني»
لا توجد أمة لا تتعرض لتهديدات بشكل دائم أو مؤقت، قوية أو ضعيفة، فالتهديدات دائمة بدوام الحياة القائمة على الابتلاء بالشر والخير فتنة. وتتعدد التهديدات ما بين بشرية وطبيعية. وتختلف مقادير الأمم عند مواجهتها لتلك التهديدات ما بين أمة قوية وأخرى ضعيفة، فبعض الأمم اندثرت عندما واجهت تهديدًا لم تستطع مواجهته، وبعضها ذاب في الأمة المهددة له، والبعض الثالث واجه التهديدات التي واجهته بقوى مجتمعية حية فازداد قوة ومنعة وصنع حضارة ومكانة.
هذا هو درس التاريخ وتلك عبرته، والتي رسخها القرآن في قصص الأولين: تنجح بعض المجتمعات في مواجهة التهديدات وتنتهي إلى أن تصبح أقوى من خلال تحويل التهديد إلى فرصة، بينما تفشل مجتمعات أخرى وتنهار أو تتلاشى تدريجيًا، ويظل التفسير الرئيسي للفشل والنجاح؛ بعد تقدير الله وتوفيقه، في قوة المرونة/المناعة الوطنية لهذا المجتمع.
وتعني المرونة/المناعة الوطنية لأي مجتمع قدرته على التعافي من صدمة -مثل كارثة طبيعية أو وباء أو حرب يشنها عدو- تواجهه والصمود في مواجهتها وامتصاصها والتعافي منها؛ مواجهة الكارثة وتطويق آثارها، أو ردع العدو وحرمانه من تحقيق أهدافه، محتفظًا بحيويته الاجتماعية من خلال قيامه بوظائفه الرئيسية بفعالية في مستواها الطبيعي قبل الأزمة أو تجاوزها لمستويات أعلى.
ولكل مجتمع مؤشرات يقيس بها مقدار مرونته أو مناعته القومية، فقد طوّر الخبراء في علوم السياسة والاجتماع وعلم والنفس والإحصاء وغيرها من العلوم الاجتماعية مقاييس متعددة ومؤشرات لقياس درجة المرونة أو المناعة الوطنية لأي مجتمع. حيث يتم جمع بيانات تلك المرونة عبر استطلاعات الرأي والمسوح والتحليلات الإحصائية، ومقارنة البيانات المجموعة منها بتحليلات ذاتية مثل ثقة الجمهور في الحكومة وقياداتها ومدى تماسك المجتمع وتصوره للأمن والسعادة وغيرها، والتي تعطي في مجموعها صورة عن اتجاهات المرونة الوطنية ثباتًا أو صعودًا أو هبوطًا.
وقد طور الباحثون وعلماء الكيان الصهيوني مؤشرات لقياس المرونة الوطنية منذ التسعينيات في القرن الماضي يمكن من خلالها إعطاء صورة واضحة عن اتجاهات المرونة الوطنية داخل هذا الكيان ليستخدمها المسؤولون عن قيادته وهم يخططون للحظته الراهنة ومستقبله؛ خاصة في أوقات التحديات الكبرى والوجودية التي تواجهه. وتبارت المؤسسات البحثية والجامعات في تطوير المقاييس ونشر البحوث والاستطلاعات وإعداد الباحثين القادرين على توضيح حالة أبناء المجتمع الصهيوني في مواجهة الأزمات والتحديات: قوة وضعفًا، صعودًا وهبوطًا؛ لتكون الصورة واضحة أمام قياداته ليتصرفوا في ضوئها.
وفي هذا المقال نطالع أحدث استطلاعات الرأي بخصوص ما وصل إليه هذا الكيان الغاصب من تراجع في مرونته/مناعته القومية، والذي أجراه واحد من أهم معاهد البحث في الكيان، وهو معهد دراسات الأمن القومي.1 وقد أجرى المعهد ما يقارب 20 استطلاعًا للرأي العام منذ اندلاع الحرب على غزة بعد غزوة طوفان الأقصى المباركة لقياس مستوى المرونة أو المناعة داخل المجتمع الصهيوني الغاصب لفلسطين،2 وكان آخرها ما أجراه المعهد في ديسمبر الماضي ونشره على موقعه في السادس من الشهر الماضي لقياس المرونة أو المناعة القومية؛ بعنوان: Swords of Iron Survey Results – December 2024، ويعطي هذا الاستطلاع صورة عن تفكير سكان الكيان في الحاضر والمستقبل، وفي علاقتهم مع حكومتهم ومع إخواننا في فلسطين ولبنان وسوريا وتوجهاتهم تجاه السلام. ويلقي هذا المقال أضواء على ذلك الاستطلاع ويحلل نتائجه ويستخرج أهم عبره وفوائده.3
خلاصة الاستطلاع
أولًا: بخصوص الثقة في القادة والمؤسسات

1- أظهر الاستطلاع أعلى نسبة لمستويات الثقة بين المؤسسات والقيادات المفحوصة بالمقارنة بالأشهر السابقة، وهي: جيش الدفاع الإسرائيلي، والمتحدث باسمه، وسلاح الجو، وسلاح الاستخبارات ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي.
2- في حين جاءت الثقة في الحكومة الإسرائيلية في أدنى تصنيف من بين جميع المؤسسات المفحوصة. وإن ظلّت الثقة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس مستقرة.
3- كما يُبين الاستطلاع تراجع الثقة في التعاون الفعال بين القيادتين السياسية والعسكرية بالمقارنة بالاستطلاع السابق من 67 في المائة إلى خمسين في المائة.
ثانيًا: بالنسبة للوضع على خطوط المواجهة في الشمال مع لبنان
1- أظهرت نتائج الاستطلاع تأييد ما يقارب من نصف المجتمع الصهيوني اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع لبنان بينما عارضه 22.5 في المائة.
2- ويلاحظ الاستطلاع أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي متشائمون ولا يعتقدون أن الاتفاق سيضمن الهدوء طويلًا في شمال إسرائيل.
3- كما أظهر الاستطلاع أن ما يقارب نصف العينة يعتقدون أن الوضع الحالي في الشمال لا يسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم بالمقارنة بنسبة 37 في المائة يعتقدون أنه يسمح بذلك.
4- ومن نتائج الاستطلاع الهامة كذلك ما أظهره من أن أقل من نصف الجمهور الإسرائيلي (45%) قلقون أو قلقون للغاية بشأن تداعيات التطورات الأخيرة في سوريا على الأمن القومي الإسرائيلي، مقارنة بـ 46% إما غير قلقين إلى هذا الحد أو غير قلقين على الإطلاق.
5- ويبين الاستطلاع أيضًا أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي (59.5%) يعتقدون أن الإجراءات الإسرائيلية في لبنان ساهمت بشكل كبير في سقوط نظام الأسد. ويؤيد 45% من الجمهور الإسرائيلي ضرورة احتفاظ جيش الدفاع الإسرائيلي بالسيطرة على المنطقة العازلة منزوعة السلاح والجزء السوري من جبل الشيخ حتى يتم ترسيخ الحكومة الجديدة في سوريا. ويعتقد 28% أن جيش الدفاع الإسرائيلي يجب أن يحتفظ بالسيطرة على هذه المنطقة بشكل دائم، في حين يعتقد 14% أن جيش الدفاع الإسرائيلي يجب أن يغادر الأراضي السورية ويلتزم باتفاقية وقف إطلاق النار التي تم توقيعها مع سوريا عام 1974م بعد حرب 1973م.
ثالثًا: بالنسبة لخط المواجهة في الجنوب مع المقاومة الفلسطينية
1- أظهرت النتائج الرئيسية للاستطلاع أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي (65%) واثقة أو تعتقد أن جيش الدفاع الإسرائيلي سيفوز في الحرب في قطاع غزة. وظل هذا الرقم ثابتًا مقارنة بالشهر السابق.
2- كما يعتقد 52% من الجمهور الإسرائيلي أن أهداف الحرب في قطاع غزة قد تحققت بالكامل أو إلى حد كبير.
3- يظهر الاستطلاع أيضًا أن أغلبية كبيرة (68%) من الجمهور اليهودي تعتقد أن النصر سيتحقق في قطاع غزة بعد إعادة جميع الرهائن. وفي المقابل، يعتقد 12% من الجمهور الإسرائيلي أن النصر سيتحقق من خلال الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على قطاع غزة وإعادة إعمار المستوطنات اليهودية هناك.
4- ويعتقد 8% آخرون من الجمهور الإسرائيلي أن النصر سيتحقق عندما يتم تشكيل حكومة فلسطينية معتدلة باستثناء حماس في قطاع غزة.
5- ويرى 4% آخرون أن النصر لن يتحقق في قطاع غزة إلا بعد عودة سكان المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة إلى منازلهم. ومن الجدير بالذكر أن هذه النتائج جاءت بعد أن اتضح في الخطاب العام أن الاتفاق على إعادة جميع الأسرى الأحياء والأموات يستلزم أيضًا إنهاء الحرب.
6- ومن بين الخيارات المختلفة بعد القضاء على حكومة حماس في قطاع غزة، يعتقد 32.5% من الجمهور الإسرائيلي أن المسؤولية الدولية أو الإقليمية عن قطاع غزة هي الخيار الأفضل. ويعتقد 19.5% من الجمهور الإسرائيلي أن حكم مجموعة فلسطينية معتدلة تستبعد حماس هو الخيار الأفضل. ويؤيد 18% آخرون الضم وتطبيق السيادة الإسرائيلية وإعادة المستوطنات اليهودية إلى قطاع غزة، في حين يؤيد 15% الاحتلال والحكم العسكري في قطاع غزة.
رابعًا: وفيما يتعلق بالحلول المتوقعة والمقترحة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني

1- أغلبية الجمهور الإسرائيلي (54%) تعارض إقامة دولة فلسطينية.
2- ويؤيد 30% آخرون إقامة دولة فلسطينية في ظل ظروف معينة. ومن بين الإسرائيليين الذين يعربون عن تأييدهم للدولة الفلسطينية، يعتقد 25% أن الشرط الأكثر أهمية هو التوصل إلى تسوية إقليمية تتضمن تحالفًا دفاعيًا مع إسرائيل والدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة. ويعتقد 10% آخرون أن الشرط الأكثر أهمية هو توفير الضمانات بأن إسرائيل ستحتفظ بحريتها في العمل لمنع الإرهاب. ويعتقد 5% آخرون أن الإصلاحات وإزالة التطرف في السلطة الفلسطينية أمر بالغ الأهمية، في حين يؤيد 3% توفير الضمانات لإسرائيل بأن حماس لن تكون جزءًا من الحكومة الفلسطينية.
3- وفي سؤال تناول تصريح وزير المالية سموتريتش بأن عام 2025م سيكون العام الذي ستتولى فيه إسرائيل السيادة على يهودا والسامرة (الضفة الغربية). أوضحت نتائج الاستطلاع أن حوالي 34% من الجمهور الإسرائيلي يعارضون أي ضم للأراضي في يهودا والسامرة. بينما أكد 21% آخرون تأييدهم ضم الأراضي بالكامل، بما في ذلك أراضي السلطة الفلسطينية، بينما يؤيد 21% ضم المستوطنات اليهودية فقط في يهودا والسامرة.
خامسًا: وبالنسبة للعلاقة بين الحرب والأخلاق
1- حوالي 35% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن جيش الدفاع الإسرائيلي يجري تحقيقات مناسبة في الأحداث التي يشتبه في ارتكاب الجنود فيها انتهاكات قانونية.
2- بينما يعتقد 22% أن جيش الدفاع الإسرائيلي ليس صارمًا بما فيه الكفاية بشأن التحقيقات.
3- ويرى 22% آخرون أن تحقيقات جيش الدفاع الإسرائيلي في الانتهاكات المشتبه بها مفرطة.
سادسًا: وفيما يتعلق بالخدمة الاحتياطية في جيش الدفاع الإسرائيلي
أظهرت النتائج الرئيسية للاستطلاع أن الدافع لأداء الخدمة الاحتياطية أعلى بنسبة 6% مقارنة بالشهر السابق. ووفقًا للنتائج، حيث يقول 56% من الجمهور اليهودي إنهم سيشجعون أحد أفراد أسرهم للقيام بالخدمة الاحتياطية.
سابعًا: أما بالنسبة لقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود
1- فقد أوضحت النتائج الرئيسية أن حوالي 35% من الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن الشعور بالتضامن في المجتمع الإسرائيلي أصبح أقوى أو أقوى بكثير.
2- في حين يشعر 32% أن التضامن قد تضاءل أو تضاءل بشكل كبير.
3- ولا يرى 19% آخرون أي تغيير في مستوى التضامن. في حين أن الشعور بالتضامن أعلى قليلاً مما كان عليه في الشهر السابق، إلا أنه يظل أقل مما كان عليه في بداية حرب سيوف من حديد.
5- كما كشف الاستطلاع أن غالبية الجمهور الإسرائيلي (62%) منزعجون بشدة أو منزعجون تمامًا بشأن الوضع الاجتماعي في إسرائيل عندما تنتهي الحرب.
6- وفي الوقت نفسه، يشعر 59% من الجمهور الإسرائيلي بالتفاؤل بشأن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التعافي من الأزمة والنمو، كما يشعر ثلث الجمهور (32%) بالتشاؤم.
7- كذلك فقد أفاد حوالي 29% من الجمهور الإسرائيلي بإحساس عالٍ أو عالٍ جدًا بالأمن، وأفاد 46% بإحساس متوسط بالأمن، وأفاد 21% بإحساس منخفض أو منخفض جدًا بالأمن.
نظرة على نتائج الاستطلاع

أولًا: الآثار السلبية لغزوة الطوفان على الكيان
تدلنا نتائج الاستطلاع في مجملها على قدرة غزوة طوفان الأقصى على تمثيل مستوى عالٍ من التحدي الوجودي للكيان الصهيوني أثّرت في عمق مجتمعه بشكل كبير وأحدثت فيه آثارًا بالسلب. وأنه بعد 470 يومًا من الحرب، فالمناعة/المرونة الوطنية الصهيونية ما زالت تعاني بشكل واضح من نقاط ضعف عديدة، فمثلا:
1- أظهر الاستطلاع انخفاضًا مستمرًا في مستوى الثقة في أداء الحكومة. وهو مؤشر على ضعف المرونة الوطنية. وإذا أضفنا إلى ذلك تراجع الثقة في التعاون الفعال بين القيادتين السياسية والعسكرية بالمقارنة بالاستطلاع السابق فإن هذا يعني الفشل في توفير حكومة مترابطة قادرة على دمج قدرات الكيان واستخدامها بشكل فعالٍ في مواجهة تحدي الطوفان. وكذلك قدرتها على التخطيط للمستقبل.
2- هناك تراجع مستمر في التضامن والتفاؤل والأمل والأمن داخل مجتمع الكيان. ويظهر ذلك أن غالبية المستطلعين أبدوا تشاؤمهم من استمرار الاتفاق مع حزب الله كما رفض سكان المستوطنات على الحدود اللبنانية العودة إليها لعدم الأمن وكذلك في الشمال مع غزة. كما يعتقد ما يقارب نصف العينة ضرورة استمرار احتلال الأراضي السورية التي تضمن لهم الأمن. كما أن الغالبية أبدت تشاؤمًا من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وتُبين نتائج الاستطلاع في المجمل تراجع مستوى التضامن داخل المجتمع الصهيوني بالمقارنة ببدايات الحرب على غزة. كما تظهر نتائج الاستطلاع التشاؤم الكبير حيال حالة الاقتصاد وتعافيه.
ثانيًا: بالنسبة للآثار الإيجابية
1- نلاحظ أن الثقة في المؤسسات السياسية بدأت في التعافي، وهو مؤشر على قدرة تلك المؤسسات على القيام بوظائفها بشكل أفضل في الفترة الأخيرة رفعت ثقة المجتمع الصهيوني في أدائها.
2- نلاحظ كذلك تراجع مشاعر الخوف التي صاحبت غزوة الطوفان بعد الحرب الشاملة التي دمرت غزة وقدرات حزب الله، وهي نتيجة طبيعية لارتفاع أداء مؤسسات الكيان لوظائفها المطلوبة منها. وهو مؤشر على وجود مرونة وتجدد دائم في تلك المؤسسات مكّنها من استعادة عافيتها بعد الاضطراب الذي سادها مع بدايات الطوفان.
3- يُظهر الاستطلاع أن الإقبال على الخدمة في الجيش والانضمام للاحتياط قد تزايد بالمقارنة بالشهر السابق، وهذا يعكس قوة في معدل التضامن داخل المجتمع الصهيوني، كأحد أهم مكونات المرونة المجتمعية في الكيان. وتكشف النتائج في مجملها أيضًا عن ارتفاع نسبي في المرونة المجتمعية للمجتمع الصهيوني ككل بمرور الوقت مما قد يفيد قدرته على التعامل مع الكوارث المستقبلية المشابهة.
4- كما تظهر رؤية أعضاء الكيان لمستقبل غزة والضفة بعد انتهاء الحرب عن تذبذب بين الثقة والخوف، فمن جهة نجدهم يتحدثون عن حلول تضمن لهم الأمن وفي نفس الوقت تسلب الفلسطينين غالب حقوقهم في الأمن والأرض، كما نلاحظ تجرد غالبية المستطلعين من أي حس أخلاقي تجاه ما يفعله جيش الاحتلال في غزة حيث يرون أنه يقوم بواجباته في التصدي لأي انتهاكات من جنوده، وكذلك تأكيدهم على أدوار خارجية ضرورية لأي حلول سياسية أو اقتصادية مطروحة للوضع في غزة والضفة. كما تبين الآراء المطروحة أعلاه عن توجهات توسعية في الأرض وتشددية في إجراءات الأمن تطلق يد الكيان في الحرب على المقاومة، وهي تعطي مؤشرات لصانع القرار الصهيوني بالتشدد في طلباته وصنع سياسات تعكس تلك الآراء من شأنها تحقيق الأمن للكيان والظلم الفادح للفلسطينيين.
وماذا بعد؟

هذه حالة الكيان كما يقدمها أحدث استطلاع رأي، وهي تبين حجم الزلزال الذي أحدثته غزوة طوفان الأقصى في نفوس قادة وأفراد المجتمع الصهيوني وكيف استجاب له على مدى ما يقارب من عام ونصف العام، والتي استدعت صرخة هذا المركز وغيره لقادة الكيان ومؤسساته للتداعي؛ لإنقاذ حالة التماسك فيما بينهم.
لقد حدد العدو الصهيوني لنفسه أهدافًا لا يحيد عنها، وتحاول مؤسساته السياسية والاجتماعية والبحثية بجهودها تحقيقها بكل ما أوتيت من قوة معنوية ومادية، ويأتي في مقدمة تلك الجهود تلك الاستطلاعات التي تقيس مدى مرونة المجتمع الصهيوني ومناعته في مواجهة التحديات، ومن ثم فإننا نحتاج إلى دراسة وتحليل الإنتاج الفكري الذي يصدر عن مراكز الدراسات والبحوث في الكيان فيما يتعلق بمناعته الوطنية، لمعرفة مجتمع الكيان من الداخل؛ في قوته وضعفه دون مبالغة أو تهوين، وكيف يفكر وإلى أين يتجه؟
فمتى تقوم مؤسساتنا العلمية والبحثية بتلك الأدوار؛ لتمد صناع القرار بحقيقة أوضاع مجتمعاتنا ومدى قدرتها على مواجهة التحديات بشكل مستمر، فتضع خططها وتنفذ مشروعاتها وتحدد علاقاتها على ضوئها، كما تقوم بدورها تجاه الشعب العربي عمومًا باعتبارها مصدرًا للمعرفة مؤتمن يُخبره بحقيقة أوضاعه ونقاط قوته وضعفه. كما تقوم بأدوارها في بناء وتأهيل الأجيال الجديدة من الباحثين المؤهلين في مختلف التخصصات القادرين على إنتاج معرفة علمية واجتماعية تضيء المناطق المعتمة في مجتمعاتنا حتى نكشف عوارها ونستعيد لها عافيتها ومناطق القوة فنزيدها.
هوامش
- يُعد معهد دراسات الأمن القومي INSS من أهم معاهد الدراسات في الكيان الصهيوني. ويُعرّف المعهد مهمته بأنها “إجراء أبحاث مبتكرة وذات صلة وعالية الجودة متعلقة بالقضايا المدرجة على أجندة الأمن القومي الإسرائيلي، كما يُقدم تحليل السياسات والتوصيات لصناع القرار والقادة والمجتمع، وتشجيع طرق جديدة للتفكير. واستكشاف القضايا الأكثر إلحاحًا المتعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي، والمساهمة من خلال التفكير الإبداعي والمبتكر في صنع سياسات الأمن القومي للكيان الصهيوني”. ↩︎
- انظر مقال: من تجليات غزوة طوفان الأقصى “تراجع الثقة في مؤسسات الكيان الصهيوني بعد سبعة أشهر”. ↩︎
- أُجري استطلاع سيوف الحديد لشهر ديسمبر في الفترة من 12 إلى 16 ديسمبر 2024، بقيادة مركز تحليل البيانات في معهد دراسات الأمن القومي (INSS). وأجرى معهد iPanel العمل الميداني، حيث أجريت مقابلات مع 804 رجل وامرأة باللغة العبرية و205 رجل وامرأة باللغة العربية عبر الإنترنت – وهي عينة تمثيلية للسكان الإسرائيليين البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا وما فوق في إسرائيل. وكان الحد الأقصى لخطأ العينة للعينة بأكملها ±3.5% عند مستوى ثقة 95%. ↩︎