واقع الأمة وما يجري في معركة الموصل
استكمالًا لمقالنا السابق في قراءة للأحداث التي تمر بها الأُمة، الأمة التي لا تعرف الهزيمة لقوة عدوها بل لضعف أبنائها.
قد عجز النظام الدولي عن إسقاط معاقل السنة ومدنهم في العراق وانكسر أمام بعضها كالفلوجة طيلة ثلاثة عشر عام، رغم استخدامه لكافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض هذا غير الغارات الجوية، لكن ذلك كله لم يمكنه من دخولها وهي المدينة التي تسلح أطفالها وشيوخها ونسائها قبل مجاهديها ،فلما عجز عن التقدم البري عليهم لم تسعفه كل أسلحته، وزاد من قوتهم ذلك الإيمان في قلوبهم واجتماع صفهم .
لكن لنفهم وضع العراق اليوم بعد تلك السنين الثلاثة عشر علينا أن نرجع لقول ابن الأثير في تاريخ الدولة الخوارزمية:
وكان محمد بن خُوارِزم شاه قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها، وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلمَّا انهزم من التتار لم يبقَ في البلاد مَنْ يمنعهم ولا مَنْ يحميها
كما ذكر في مواضع أخرى تعظيم محمد بن خوارزم للعلم وللعلماء و تقواه ودهائه وحسن قيادته وخدمته لعامة المسلمين، وربما تلك المنقبة له هي التي منَّ الله عليه بها بجعل قطز من ذريته، لكن طمع محمد بن خوارزم القيادي وخطأه الفادح الذي ارتكبه أدى إلى ضياع بلاد المسلمين وليس ملكه فقط بل وأشراف الأمة كلها على الهلاك.
فكيف بمن ارتكب أعظم من ذلك الخطأ مضاعفا له على مستواه العسكري والشرعي حتى أصبح جرما بحق الأمة، بأن يسحب من عموم المسلمين -لا قادتهم فقط- سلاحهم وهم في جهاد دفع وأرض نزل بها العدو، ثم هو يقاتل ويحارب كل المجاهدين الذين لا ينتمون له فإن رفضوا قتاله ورفضوا الانتماء له فليس لهم خيار إلا أن يلقوا سلاحهم ويلزموا بيوتهم والعدو في أراضي المسلمين!
ثم انحرف في معتقده ليُحلل لنفسه كل ذلك فاعتقد عقائد الخوارج فخرج يكفر المسلمين بغير المكفرات ويتساهل في حرمات الله ويسفك دمائهم، وكأن سيف العدو على الأمة لا يكفيه، في صورة هي أقرب للحول العقائدي والسياسي والعسكري.
فعاد النظام الدولي لحصار المدن العراقية السنية والفلوجة من جديد، لكنها لم تكن هذا العام كحالها طيلة الثلاثة عشر عام السابقة، فلم يسمح تنظيم الدولة -داعش- لعامة أهل العراق ممن لا ينتمون للتنظيم بالتسلح ولم يبقي في العراق مجاهد ليدفع عن أهلها، وعندما حوصرت الفلوجة لم يسمح لعموم أهلها بالخروج منها ولم يغير سياسته بشأن التسليح فلم يسمح لأهلها ممن لا ينتمون لتنظيمها بالتسلح رغم توقع الاقتحام للمدينة، ثم لم يصمد التنظيم طويلا وسرعان ما انسحب لغيرها من المدن واجتيحت الفلوجة بسهوله فأهلها اليوم ليسوا كالأمس فهم لا يملكون أدنى ما يدفعون به عن أنفسهم، وليسوا من أتباع التنظيم ليسمح لهم بالانسحاب معه.
وبعيدا عن الوضع العقائدي للتنظيم فذلك الجرم الذي وقع فيه هو عين ما فعله محمد بن خوارزم شاه من قبل مع فارق أن الخوارزمي فعله قبل هجوم التتر على الأمة لا وهم مجتاحين لها كما فعل التنظيم، أما إذا اقتربنا من الوضع العقدي لها لأدركنا أنه مرحلة من مراحل صناعة الوعي العقائدي لدى الأمة والتي مرت بمثيلتها من قبل عقب ثورة خامنئي بإيران ،والتي هي من تمام سنة الله في تبيان وصناعة صف الحق لتحيي به الأمة من جديد.
وربما كانت انجلترا وفرنسا أكثر تعلما من تجارب وتاريخ حروبهم مع الأمة المسلمة عندما وضعوا سايكس بيكو على أساس قومي لتظل الأمة في صراع عرقي تتهالك فيه بعيدا عن استحضار العقيدة، وهو ما لم تدركه أمريكا بعجرفتها عندما جعلت خطتها إعادة ذلك التقسيم للأمة لكن على أساس عقدي، ظنا منها أن ذلك يبقي المنطقة في صراع أطول يمكنها معه سرقتها بشكل أيسر، لكنها لم تعلم أن هذا الصراع العقائدي ينتج معه عودة لقوة تلك الأمة المسلمة أو كما صرحوا من قبل إيقاظا للمارد من نومه.
وبين تلك الصراعات التي عززها النظام الدولي فجاءت قومية تارة وعقدية تارة أخرى يتجلى عرق الكرد، وهم من أشد أعراق الأمة بأسا طيلة تاريخهم، وتعمد النظام الدولي منذ سايكس بيكو تفريقهم بين الدول مع إنشاء القوميات العربية من حولهم لتزكى فيهم قوميتهم الكردية فينشغلون بذلك عن قضية الإسلام، فمن الجور أن يحكم على الأكراد من خلال ملاحدة المشاريع الأمريكية، ولا يحكم عليهم من خلال جماعة أنصار الإسلام وأنصار السنة في الجهاد العراقي قبل قتال تنظيم الدولة -داعش- لهم، بل و إثخانهم في الجهاد الشامي أيضا لا ينكره أحد، فلابد على الأمة المسلمة أن تحشد الأكراد مرة أخرى لصف الأمة وتهدم بهم وبوجودهم بينها المشروع الأمريكي لملاحدة الكرد، مستغلة معاناة الأكراد أنفسهم من ظلم تلك الأحزاب الملحدة، فنسبة السنة في العرق الكردي تتجاوز ال 96%،وعدم سعي الأمة في ذلك سيكون عامل إنجاح للمشروع الأمريكي ضد الأمة المسلمة.
وبالنظر في وضع الموصل اليوم نجد أنها تمر بنفس ما مرت به الفلوجة والرمادي وغيرهم من مدن السنة بالعراق إلا أنها آخر معقل للسنة بالعراق، وإن سقطت فعلى الأمة بالعراق السلام ،غير أنها تميزت بموقعها الذي زاد من عدد المشاريع الطامعة فيها ولم يحصرها في المشروع الصفوي فقط كغيرها من مدن العراق، فقوات البشمرجة التي تنتمي لملاحدة الكرد أحد الطامعين لقربها من كردستان العراق، وقوات تركيا وأتباعها _كالحشد الوطني وقوات حرس نينوى والنقشبندية _لهم أيضا أطماعهم بها لحماية الحدود التركية من مشروع ملاحدة الكرد وحماية الأغلبية التركمانية بالمناطق القريبة من الموصل كتلعفر، هذا بالطبع مضافًا للقوات الصفوية المتمثلة في قوات الحكومة العراقية والحشد الشعبي وميليشيا بدر ومعهم الحزب الإسلامي التابع لجماعة الإخوان في أكبر خيانة وأعظم عار على جماعة الإخوان بل وعلى العراق نفسه.
تنوع تلك المشاريع واختلافها فيما بينها وعدم حسمها أمر الموصل بينهم رغم تكالبهم عليها، يمنح الموصل وقتا أطول لتأخر مصيرها التي تنتظره، ولكن للأسف لا يوجد للأمة أي استثمار لهذا الوقت وإنما باتت كالتي تنتظر مصيرها بانقضائه أو كالذين يساقون إلى الموت وهم ينظرون .
وإن تأملنا في وضع تلك المشاريع المتصارعة مع وضع الموصل وتوقع انسحاب تنظيم الدولة -داعش- منها في أي لحظه كسائر انسحاباتها، فيكون أقل المشاريع ضررًا بعوام أهل السنة في الموصل هو مشروع الأتراك وحلفائهم لأنه لا يملك الحقد الذي يملكه المشروعان الآخران على عوام السنة فستحفظ به على الأقل الأعراض والدماء التي استبيحت في الفلوجة من قبل، لكنه كمشروع لا يحقق شيء على مستوى الأمة المسلمة لأنه جزء من النظام الدولي، في النهاية فتركيا دولة من دول الناتو، وأصبح هذا غاية ما يمكن أن تطمح له الأمة بالموصل اليوم أن تحفظ فقط أعراض عامة المسلمين ودمائهم -ما لم يجد جديد-، لكن هذا الأمل أيضا ضعيف التحقق، فمن الممكن أن تحصل تركيا على ضمانات لأهدافها الحدودية من النظام الدولي خصوصا مع دورها بصراع الشام الحالي ومع تجدد علاقتها الأخيرة مع إيران وروسيا وإحياء مشاريع خطوط الغاز لأوروبا، ويبقى الصراع بالموصل حينها للمشروعين الصفوي وملاحدة الكرد.
أما من يعولون على تنظيم الدولة _داعش_ لحفظ وجود الأمة بالموصل فهم لم يستوعبوا أصلا درس الوعي العقدي الذي أوجده نموذجهم، مَثَلهم في ذلك كمَثلِ الذين ما زالوا حتى الآن يرددون شعارات المقاومة والممانعة خلف حزب اللات اللبناني، بل ولم يفهموا حتى اللحظة أصلا فكر التنظيم العسكري والسياسي بعيدًا عن عقيدته، فضلا أن يدركوا سنن الله الكونية متجاوزين بها حدود عواطفهم، ويكفيهم هنا فقط أن يتدبروا في قراءة التنظيم لمعركة الموصل فهي لم تستغل وجود مصالح لتركيا في تلك المعركة كي تسعى بذلك لحفظ أعراض عامة المسلمين إن كانت تعنيها، بل لم يصب البغدادي تحريضاته لجنوده في كلمته المعنية بتلك المعركة إلا على تركيا في المقام الأول في كلمات أقرب لعبارات العبادي، عند حديثه لتركيا بشأن المعركة نفسها .
وهنا علينا أن نستحضر قول جوزيف دنفورد أمام الكونجرس بتاريخ 30 يوليو 2015 في جلسة تعيين رئيس أركان الجيش الأمريكي: (يمكن تقسيم العراق لدولتين واحدة للشيعة وأخرى للأكراد ولا أتصور وجود دولة للسنة بل لا أراهم)، كما أضاف موضحا مدى دعم أمريكا لمشروع ملاحدة الأكراد ،وهذا التصريح مخالف لمخطط أمريكا الأول الذي أطلقته كونداليزا رايس عند حديثها عن إعادة تقسيم المنطقة فلقد كان في هذا المخطط الأمريكي الأول وجود لدولة سنية بالعراق وربما ما جعل أمريكا تغير تصورها هو ما طرأ على معادلات القوى خلال تلك السنين فالسنة ما عادوا يملكون أي قوة تذكر بالعراق فضلا عن تملكهم مصادر تتيح لهم إقامة دولة وإدارتها على حد تعبير دنفورد .
كما يظهر استغلال روسيا لذلك الوضع بالعراق من خلال حلفها الإيراني فهي أدركت تماما أسباب القوى التي أخذت بها أمريكا من قبل للهيمنة على العالم من خلال السيطرة على مصادر الطاقة ومضائق المياه ،فالعراق محطة أساسية يمر بها الغاز لأوروبا بغض النظر عن كنوزه الذاتية، وكما يسعى الحزب الديموقراطي لحسم معركة الموصل قبل الانتخابات، فروسيا قطعا تسعى هي الأخرى لاستغلال المدة الزمنية المتبقية بل و محاولة استغلال نتائج الانتخابات الأمريكية ذاتها لتحقيق أكبر ربح لها في الشام والعراق واليمن قبل الاستقرار السياسي الأمريكي.
* كتب المقال بتاريخ 30 أكتوبر 2016 .
ومن قال ان الدولة الاسلامية لم تسمح للمسلمين بالتسلح … بل ان محلات الاسلحة مفتوحة للعامة للبيع و الشراء و الصيانة … ومن مجاهدين اصلا غير مجاهدى الدولة كانوا يحاربون الامريكان منذ 2004 … ولكن الدولة الاسلامية تركت ساحة الجهاد اختيارية ليست بالاجبار وانما ليكون الجهاد عن عقيدة وليس عن قومية …. ولو كنت ايها الكاتب صادقا فاتى بدليل او شهادة ان هناك من تقدم للجهاد وردته الدولة الاسلامية … لن تستطيع ولكنه حقدك دفعك للكتابة والقذف بالباطل دون دليل او عن جهل وحزلقة منك فضحتك
يا اخ كريم محمد
يبدو أن كاتب المقال جاهل بالواقع…