الإمبراطور المغولي أورنكزيب سادس الخلفاء الراشدين.. نشأته وحياته وفترة حكمه
“أورنكزيب” هو الإمبراطور الهندي، السلطان أبو المظفر محمد أورنكزيب. هو آخر حكام الإمبراطورية المغولية في الهند، ويعتبر من أكثر الحكام عدلًا وأعظمهم؛ من حيث اتخاذ القرارات وحكم البلاد، ولُقّب بسادس الخلفاء الراشدين. وهو الابن الثالث في ترتيب أبناء الشاه جيهان. تولى أورنكزيب الحكم عندما مرض والده في عام 1657، حيث قام أورنكزيب بالسيطرة على الحكم وعزل إخوته الأكبر والأصغر منه سنًا. وعلى الرغم من قوته وسيطرته على الحكم رغمًا عن الجميع؛ إلا أن فترة حكمه كانت مليئة بالازدهار والتطور، وأطلق عليه العديد من الألقاب بسبب افتقاره إلى العاطفة وحزنه الدائم.
ولادته ونشأته
ولد الإمبراطور الهندي أورنكزيب في 24 من شهر أكتوبر عام 1619م، الموافق يوم 15 من ذي القعدة عام 1028 هجريًا. وقد نشأ في ولاية “دودج كجرات” أو “كجرات” بشمال غرب الهند، وترعرع في ترف وعز ودلال، لأن والده هو الشاه جيهان؛ الذي كان يعتبر في ذلك الوقت من أهم وأعظم سلاطين المغول، فقد قام ببناء “تاج محل” الذي تم اعتباره من عجائب الدنيا السبع في عام 1983م، وجدير بالذكر أنه قد تم بناؤه بواسطة 21 ألف شخص لمدة استمرت 20 عامًا.
وبسبب انشغاله بهذا الأمر انتشرت الفتن والسرقة والفوضى، لهذا اضطر الإمبراطور أورنكزيب إلى السيطرة على الحكم؛ فقد كان يكره الملذات والابتعاد عن الدين وانتشار الظلم. وقد حاول جاهدًا أثناء مرض أبيه أن يتصدى للتمرد الذي قام به “البراهتا” (وهم مجموعة من الأشخاص الذين يتبعون ديانة غير الإسلام). وفي نفس الوقت كان يحاول أن يتصدى للشيعة في حيدر أباد عاصمة تيلانغانا، وأثناء هذه الجهود كان يحاول الابن الأكبر للملك شاه السيطرة على الحكم، حيث كان يقوم بتزوير خطابات باسم الملك شاه ويرسلها للمملكة حتى يتمكن من السيطرة على الحكم.
شجاعة الإمبراطور أورنكزيب
كان الإمبراطور أورنكزيب شجاعًا منذ أن كان طفلًا؛ ففي إحدى المرات ذهب الإمبراطور شاه جيهان مع أولاده إلى حفل وكان هناك حلبة أفيال، وأثناء الحفل شرد أحد الأفيال وذهب راكضًا بسرعة جنونية نحو الأمير أورنكزيب، الذي كان عمره حينها 14 عامًا فقط، ثم ضرب الفيل الفرس الذي كان فوقه الأمير وأطاح به أرضًا، وظهر ذعر أبيه ومن في الحفل جميعًا في ذلك الوقت. فما كان من الأمير إلا أن قام بسحب سيفه ودافع عن نفسه وسط ذهول الآخرين بسبب قوته وعدم خوفه رغم صغر سنه حينها.
جدير بالذكر أن الإمبراطور أورنكزيب كان محبًا للدين الإسلامي والمذهب السني، وكان يتميز بالابتعاد عن الملذات والأشياء المحرمة الكريهة؛ عكس إخوته ومن هم في عمره تقريبًا. وقد تعلم أورنكزيب الدين الإسلامي على المذهب الحنفي، إذ إنه ترعرع ونشأ على أصول الفقه والدين الإسلامي بشكل لا يشوبه شائبة.
فترة حكم أورنكزيب كأمير
تولى الأمير أورنكزيب حكم الدكن الواقعة في وسط الهند، بينما تولى أخوه الأكبر “شجاع” حكم سلطنة البنغال، وتولى أخوه الأوسط حكم سلطنة الكجرات. وعلى الرغم من أن الأمير أورنكزيب كان الأصغر بين إخوته؛ إلا أنه كان الأمهر والأكثر سرعةً في إتقان الحكم وإدارة البلاد. وقد قاد الكثير من الجيوش في عهد أبيه الشاه جيهان، كما قام بالتصدي إلى الثورات وقمع الظلم ونشر العدل وحقق ذلك بشكل كبير.
تميز الأمير أورنكزيب في هذا الوقت بسمات عديدة لا يملكها سوى النبلاء من الناس. وبعد مرض أبيه أراد أخوه الأكبر شجاع تولي الحكم، وظهرت بوادر الفساد بسبب حبه للدنيا وصرف الكثير من الأموال الطائلة ببذخ، ورغبته في عودة البلاد كما كانت في عهد الإمبراطور جلال الدين الأكبر، ولكن قام أورنكزيب بالتصدى له ورفض هذا الفساد. وقام بالاستيلاء على الحكم منه، واستطاع أن يقمع جميع الثورات والانقلابات التي قام بها إخوته ضده، وقام أيضًا بحبس والده في غرفة تطل على تاج محل “ضريح زوجته” حتى وفاته. وحينها قام أورنكزيب بإعلان نفسه إمبراطورًا للبلاد، وكان يبلغ حينها الأربعين من العمر، وحكم البلاد بالعدل والدين كما كانت في عهد الخلفاء الراشدين.
فترة حكم أورنكزيب إمبراطورًا
حكم أورنكزيب البلاد حوالي 49 إلى 51 عام تقريبًا. وبسبب جهوده في نشر الدين الإسلامي وحكمه بالعدل؛ خضع له الكثير من الملوك والحكام، خاصة في شبه القارة الهندية. وتميزت الإمبراطورية المغولية في ذلك الوقت بالقوة؛ حيث خضعت جميع جيوش الهند إلى حكم الإمبراطور، واستطاع بقوته وعدله توحيد الهند من شرقها إلى غربها تحت قيادته الإسلامية، وقد خاض العديد من الحروب؛ حيث تمكن من خوض 12 معركة بنفسه، و 18 معركة أخرى خاضها قواد المسلمين التابعون له.
وقام الإمبراطور كذلك بإبطال العديد من القرارات التي اتخذها أبوه وأجداده، كبعض أنواع الضرائب. وعاود فرض الجزية على غير المسلمين كما كان في عهد الخلفاء الراشدين، كما شيد وأنشأ العديد من المدارس والمساجد والحمامات، ولم يكتفِ بذلك بل قام ببناء العديد من الحدائق وترميم وتعديل الطرق. وقام بتعيين نائب عنه في جميع ولايات الهند، وأخبر الجميع أن يذهبوا للنائب في حالة وجود شكوى أو طلب حق من الحقوق، والنائب سيقوم بإبلاغه على الفور.
أعمال الإمبراطور أورنكزيب وإنجازاته
حاول الإمبراطور أورنكزيب جاهدًا التمسك بشرائع الدين الإسلامي. فقام باتخاذ العديد من القرارات المهمة مثل:
- محاربة البدع وإلغاء العديد من الأشياء؛ مثل الاحتفال بالأعياد الخاصة بالديانة الوثنية “عيد النيروز”.
- منع الانحناء له أو تقبيل الأرض أمامه، كما كان يفعل الآخرون في عهد أبيه وأجداده.
- أمر الناس أن يقوموا بإلغاء الخطابات الطويلة التي يقدمون فيها العديد من المجاملات والكلمات له، واكتفى بتحية الإسلام وهي “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
- منع الخمور والرقص والاستماع إلى الأغاني وإقامة الحفلات الموسيقية.
- أمر بتأليف كتاب على المذهب الحنفي للقضاة تحت إشرافه. وأطلق على هذا الكتاب اسم “الفتاوى الهندية”.
- كان يصوم شهر رمضان بالكامل كما كان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- قام ببناء مسجد في باكستان يطلق عليه “بادشاهي”.
- كتب مصحفين بخط يده. ولعدم قدرته على الذهاب إلى العمرة أو الحج؛ قام بإرسال مصحف إلى مكة المكرمة ومصحف إلى المدينة المنورة.
- قام بإلغاء تقديم الهدايا له. وكان يصرف الأموال على شعبه ولنشر الإسلام في البلاد.
- قام بإلغاء العطية أو الراتب بدون مقابل، فكان يطلب من العالم أو الشخص الذي يقدم له المال القيام بعمل ما ينفع الناس؛ كتأليف كتاب أو ترجمة أو تدريس أو علم.
وفاة الإمبراطور أورنكزيب
توفي الإمبراطور أورنكزيب في الركن، بعدما حكم البلاد نصف قرن تقريبًا. وكان ذلك في يوم 20 فبراير عام 1707م، وكان يبلغ من العمر حينها 90 عامًا. وعند احتضاره قد أوصى بألا يتعدى ثمن كفنه 5 روبيات فقط وأن يدفن في مقابر المسلمين. وتم دفن أورنكزيب في جلال أباد التي تقع في جنوب الهند، وبعد وفاته أصبحت الإمبراطورية المغولية ضعيفة؛ مما أدى إلى سقوط الحكم الإسلامي على يد الإنجليز عام 1857م.
المصادر