ماذا تعرف عن تاريخ الإسلام في دول وسط إفريقيا؟
نواصل مع تاريخ وحاضر المسلمين في دول وسط القارة الأفريقية، وقد عرضنا تاريخهم وحاضرهم في تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو والكونغو الديمقراطية، ثم الكاميرون والغابون لنختم بتاريخ وحاضر المسلمين في بوروندي وغينيا الاستوائية وأنغولا وساو تومي وبرينسيب.
بوروندي
تقع بوروندي في وسط أفريقيا يحدها من الشمال رواندا، ومن الغـرب الكونغـو، ومن الشرق والجنـوب تنزانيـا، وعاصمتها بوجمبورا. تنحدر أصول البورونديين من 3 مجموعات عرقية:
- الأولى هي الجماعات الزنجية من قبائل الهوتو بنسبة أكثر من 85% من مجموع السكان.
- الثانية هي قبائل التوتسي، وتشكل حوالي 14% من جملة السكان.
- والثالثة من الأقزام ونسبتها ضئيلة 1%.
كما يعيش في البلاد جاليات مهاجرة من عدة بلدان أفريقية؛ كمالي والسنغال وغينيا وحتى من خارج القارة كالهند وباكستان والدول العربية.
ويتحدث أغلب البورونديين باللغة السواحيلية لكن الفرنسية هي اللغة الرسمية. ولبوروندي ملك يطلق عليه اسم الموامي لكنه ملك رمزي لا سلطان له.
بوروندي والاحتلال
لم تنج بوروندي من الاحتلال الأوروبي كما بقية دول أفريقيا حيث وقعت مع رواندا في عام 1315هـ (1897م) في قبضة الاحتلال الألماني. وفي عام 1342هـ (1923م) اجتمعت بوروندي ورواندا كإقليم واحد تحت الانتداب البلجيكي. وفي عام 1365هـ (1946م) استقلت بوروندي بشكل مملكة ورواندا بشكل جمهورية ثم استقلت كل منهما بشكل معلن في عام 1382هـ (1962م).
وحينها سيطر التوتسي على بوروندي. لكن الأحقاد التي نمت بينهم وبين الهوتو أدت إلى اضطراب المنطقة برمتها، حيث عارض الهوتو حكم التوتسي. وانعكست هذه المعارضة باشتباكات وعمليات اغتيال، ثم تسلم قيادة الجيش مايكل مايكامبيرو والذي انقلب على الملك البوروندي في عام 1386هـ (1966م) وأعلن نفسه رئيسًا لما أصبح جمهورية بوروندي.
وثار الهوتو على التوتسي في عام 1392هـ (1972م) لكن الثورة الفاشلة انتهت بمقتل نحو مئة ألف شخص، معظمهم من الهوتو. واستلم حكم البلاد العقيد جان باتيستا باجازا في عام 1396هـ (1976م) على إثر انقلاب عسكري.
وأطيح بباجازا في عام 1408هـ (1987م) بسبب تدهور علاقاته مع الكنيسة الكاثوليكية ذات النفوذ؛ ليخلفه في الرئاسة الرائد بيير بيويوا باجازا حيث أعلن النظام الديمقراطي في عام 1413هـ (1992م). وسمح لمرشح الهوتو ملتشور نداداي أن يصبح رئيس بوروندي في عام 1414هـ (1993م)، لكنه لم يلبث أن اغتيل على يد جنود من التوتسي في محاولة انقلابية على الحكم أشعلت فتيل الحرب الأهلية التي قتل فيها أكثر من نصف مليون شخص وألقيت جثثهم في النيل، مما أدى إلى تلوث مياهه.
تاريخ الإسلام في بوروندي
دخول الإسلام إلى بوروندي كان من شرقي أفريقيا عن طريق قوافل الدعاة والتجار، وازدهر بشكل لافت خلال عهد سلاطين زنجبار. وقد ورد ذكر هذه البلاد على لسان الرحالة العبودي حيث قال: “العرب في بوروندي كثيرون وأغلبهم من العمانيين”. [1]
وأشار الرحالة إلى المدارس والكتاتيب الإسلامية في منطقة فابوروا، قرب بوجنبورا العاصمة، لكن على همة العاملين فيها لا يزالون يفتقدون الكثير لأجل ترقيتها وتحسين ظروف التدريس.
ويبلغ عدد سكان بوروندي أكثر من 53 مليون نسمة حسب إحصاء 1441هـ (2019م)، تصل نسبة المسلمين في بوروندي إلى 20%، والغالبية من النصارى الكاثوليك فضلًا عن نسبة من الوثنيين.
تعتبر مدينة بوجمبورا العاصمة أكبر نقطة تجمع للمسلمين الذين ترجع أغلب أصولهم إلى الأفارقة ثم العرب العمانيون الذين يعتنقون المذهب الإباضي، ثم يليهم المسلمون الهنود، وهم أعلى مستوى من الناحية المادية؛ فمعظمهم من التجار أو أصحاب الأموال. ولدى المسلمين في بوروندي عدد محدود من الجمعيات الإسلامية وينقصهم التعليم الإسلامي مقابل حركة تنصير قوية.
أحوال المسلمين في بوروندي
يعيش المسلمون في بوروندي في حالة فقر وجهل وانتشار للأمراض تحت ظروف عناية سيئة، فضلًا عن التبشير الذي يتربص بهم. ويفتقد المسلمون للمدارس والدعم الخارجي بتوفير الكتب التعليمية والمصاحف بلغتهم السواحيلية أو الفرنسية، فضلًا عن تشييد المساجد وتقديم الدعم الدعوي للتصدي لحملات التنصير الذي تدعمه دول أمريكا وأوروبا.
غينيا الاستوائية
غينيا الاستوائية كانت تُعرف بـ “غينيا الإسبانية”؛ نسبة للاحتلال الإسباني الذي بقي فيها قرابة قرنين كاملين (193 عامًا). إلى أن استقلت في عام 1388هـ (1968م) فسميت بغينيا الاستوائية لقربها من الدائرة الاستوائية ولوجود دول أخرى تحمل نفس الاسم في القارة لتمييزها.
تحدها الكاميرون من الشمال، والغابون من الشرق والجنوب، ويحدها من الغرب خليج غينيا. وعاصمتها “مالابو”. أما اللغة الرسمية فهي الإسبانية، ويتكلَّم السكان لغة البانتو.
تاريخ الإسلام في غينيا الاستوائية
يبلغ عدد سكانها وفقًا لأحدث إحصائية لعام 1441هـ (2019م) حوالي 1.4 مليون نسمة أغلبهم نصارى كاثوليك مع أقلية مسلمة وديانات محلية أخرى.
يتساءل البعض عن كم عدد المسلمين في غينيا؟ فنرد: بلغت نسبة المسلمين في غينيا الاستوائية 3.5% من السكان، بينما أشارت تقارير إلى أن أعدادهم تصل إلى نسبة 25% من السكان بسبب هجرة عدد كبير من المسلمين في الآونة الأخيرة؛ من النيجيريين والهنود المسلمين.
دخول الإسلام في غينيا الاستوائية كان عن طريق الكاميرون والغابون، حين ازدهرت دعوة المرابطين عام 492هـ (1098م). وبشكل أخص بعدما وصل الإسلام إلى جماعات “الفانج” الذين كانوا يشكلون حصة كبيرة من سكان جنوبي الكاميرون، فانتقل الإسلام إلى جماعات الفانج في غينيا الاستوائية.
وازدهرت الدعوة الإسلامية في البلاد إلى أن دخلها الاحتلال الإسباني عام 1192هـ (1778م)، فأصبح يتصدى لنشاط المسلمين. ويتمركز المسلمون بشكل كبير في إقليم “ريوموني”، ولديهم مساجد في مدن البلاد. في حين يسكن أكثر النصارى الكاثوليك في إقليم فيرناندوبو.
أشهر مسجد في غينيا الاستوائية مسجد “كونتراتورس” الذي تم تشييده منذ قرن على يد المسلمين الهوسا، وبسبب إهماله، ساءت حالته اليوم ولم يعد له حضور.
وأبرز المساجد في العاصمة مالابو وفي البلاد هو مسجد “مالابو”، وهو حديث منذ عام 1436هـ (2015م). ولا يعاني المسلمون الاضطهاد في البلاد لكن يبقى من أبرز التحديات التي تُواجههم هناك نشاط البعثات التنصيرية والعلمانية.
أنغولا
تقع أنغولا على الساحل الغربي من جنوب وسط أفريقيا. تحدها ناميبيا إلى الجنوب، وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الشمال، وزامبيا من الشرق، والمحيط الأطلسي إلى الغرب. عاصمتها لواندا. يعيش فيها قرابة 32 مليون نسمة بحسب إحصاء 1441هـ (2019م)، أغلبهم كاثوليك. وهي الدولة التي عاشت قرابة 30 سنة في الحروب الأهلية.
ومع نسبة قليلة للمسلمين -لا تزيد عن 2% ينحدرون من أصول عربية- تبقى أعدادهم مرشحة للارتفاع نتيجة هجرة المسلمين من بعض دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا والسنغال والنيجر واعتناق الأنغوليين الإسلام. لكنهم في الواقع يعيشون في اضطهاد وتضييق؛ حيث أغلقت مساجدهم وتمت مطاردتهم باسم الإرهاب فضلًا عن التشويه الإعلامي الذي يستهدفهم. وأكدت السلطات الأنغولية أنها اتخذت الإجراءات التي تحظر الإسلام وطوائف دينية أخرى في البلاد لأنها “تتعارض مع عادات وتقاليد الثقافة الأنغولية”. [2]
وكغيرها من الدول الأفريقية قبعت أنغولا تحت قبضة الاحتلال، فقد عاشت البلاد تحت الاحتلال البرتغالي لمدة خمسة قرون (500 عام) لتستقل في عام 1395هـ (1975م)، ثم انحدرت إلى الحرب الأهلية التي خلفها الأطماع الدولية والتنافس على الثروات الطبيعية التي تزخر بها أنغولا كالنفط والماس والذهب وغيرها، واستمرت الحروب إلى سنة 1395هـ (2003م) بموت زعيم المعارضة جوناس سافيمبي.
وارتبطت أنغولا بالنظام الشيوعي فأقامت علاقات وطيدة مع روسيا والصين وكوبا. وانعكست هذه العلاقات باضطهاد للمسلمين شديد، ولأجل المصالح الدولية امتدت العلاقات إلى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وهذه العلاقة هي التي تفسر اشتداد حملات التشويه الحالية على المسلمين. فهي من هندسة الصهاينة.
تاريخ الإسلام في أنغولا
تأخر دخول الإسلام لهذه البلاد، حيث تم رصده بعد عام الاستقلال 1395هـ (1975م)؛ حمله اللاجئون الأنغوليون الذين فرّوا من الاحتلال البرتغالي أثناء مقاومتهم له. لكنه بقي ضعيفًا بسبب أمية من يحمله، وعدم امتلاكهم الدعاة المتمكنين فضلًا عن اضطهاد النظام الشيوعي الذي منع كل نشاط في الدعوة لله.
لكن مع إقبال الجاليات المسلمة من بلدان غرب أفريقيا الإسلامية والجاليات العربية من لبنان ومصر وفلسطين، والمسلمين الأعاجم من الباكستانيين والهنود شهدت الحركة الإسلامية انتعاشًا حيث تم بناء أول مسجد في عام 1412هـ (1991م) في حي بلانكا، ونشط الشباب المسلم في الدعوة لله في التجارة، وقد أسلم على أيديهم مجموعات من السكان الأصليين، ومع ذلك لم تسلم الحركة الإسلامية من دخول البدع، كالشيعة الذين تدعمهم إيران وتربطهم مصالح تجارية. وإن كانت حركتهم ضعيفة. إضافة إلى الطرق الصوفية كالتجانية.
ويفتقد المسلمون مؤسسات تمثلهم وترعى شؤونهم بسبب مضايقات الحكومة ويذكر من مؤسساتهم القليلة “المؤسسة الإسلامية الأنغولية” ونشاطها محدود للغاية يقتصر على إدارة المسجد الرئيسي في أنغولا، واستقبال المسلمين الجدد وتنظيم رحلة الحج فضلًا عن مؤسسة “أَيْدَا”.
كما لديهم بعض المساجد التي تنتظر الدعم بإيجاد الخطباء وتوفير مساجد أخرى في مناطق البلاد المختلفة.
ساو تومي وبرينسيب
جمهورية ساو تومي وبرينسيب “الديمقراطية” تقع على منطقة جزر في خليج غينيا على الساحل الغربي الاستوائي من منطقة وسط أفريقيا. تتألف من أرخبيلين يقعان حول الجزيرتين الرئيسيتين؛ وهما جزيرة ساو تومي وجزيرة برينسيب.
اكتشفهما البرتغاليون في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). وحولها الاحتلال بشكل تدريجي لمركز رئيسي لتجارة العبيد عبر الأطلنطي، ونشر فيها الكاثوليكية. عرفت البلاد سلسلة اضطرابات انتهت باستقلالها عام 1395هـ (1975م) واستقر وضعها بعد ذلك.
وساو تومي وبرينسيب هي ثاني أصغر بلدان أفريقيا من حيث عدد السكان بعد سيشل، إذ يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 1441هـ (2019م) 215 ألف نسمة، لغتهم البرتغالية، في حين أن نسبة المسلمين تصل إلى 3% من مجموع عدد السكان.
لا توجد للأسف مساجد أو مدارس أو منظمات إسلامية في البلاد. ما يكشف ضعف النفوذ الإسلامي فيها وضعف الحركة الدعوية.
الخاتمة
لا يخفى على متابع ضعف المسلمين في وسط أفريقيا، وحجم التحديات التي تواجههم، أمام افتقادهم للنفوذ والقوة التي تحفظ حقوقهم، وأمام خطط القوى المحتلة التي من أولوياتها اضطهاد المسلمين وإجهاض فرص صعودهم، فضلًا عن الجهل والبدع التي تتربص بالحركة الدعوية، مع قلة الكفاءات العلمية. يبقى واجب نصرة المسلمين في هذه القارة من أولويات الدعاة والمؤسسات والجماعات الإسلامية.
وهذا يستوجب مد الجسور وإنشاء المراكز الإسلامية التي تلبي حاجات المسلمين في وسط القارة، ماديًا ومعنويًا، إضافة إلى إقامة المدارس والنشاطات الإسلامية واستقبال الطلبة والاعتناء بتقوية لغتهم العربية وتلقينهم علوم الشريعة كما يحب الله ويرضى.
أيضًا يتطلب هذا الواجب إقامة الدورات لإخراج الكفاءات التي يمكنها أن تستمر في العمل في نفس المجتمعات التي خرجت منها، مع تقديم خدمات المستشفيات والطب وحفر الآبار ورعاية الأيتام والأسر الفقيرة قبل أن تلتهمهم آلة التنصير الماكرة. وهذا يعني مزيدًا من التطوع والبذل في سبيل اجتماع المسلمين على أهدافهم في الوحدة وتحصيل أسباب القوة. نعم لابد من أن يتحرك الدعاة بأنفسهم في القوافل الدعوية إلى وسط أفريقيا مع تغطية إعلامية حثيثة خاصة في مناطق الإبادة كجمهورية أفريقيا الوسطى؛ لتفعيل قضايا المسلمين المضطهدين إعلاميًا وحشد المساعدات.
ورحم الله رجلًا بأمة؛ الشيخ عبد الرحمن السميط الذي أدرك حاجة الأفارقة فنذر نفسه في خدمة الإسلام في بلادهم، فكان لإقباله بركات لا تزال، وقدّم بعلو همته أفضل مثال وقدوة.
وإن المتأمل في حال المسلمين وهم يشغلون ثلثي مساحة أفريقيا، يدرك الحاجة الملحة للنظر في حالهم ومتابعة أخبارهم وربط الجسور معهم وبينهم، في سبيل إقامة وحدة إسلامية جديدة تمهّد لخلافة إسلامية على منهاج النبوة.
فرباط العقيدة أقوى عامل لقيام الوحدة، والعناية به حق وواجب.
الله المستعان