الخوارج ..تاريخهم وعقيدتهم

تعدُّ فرقة الخوارج من أكثر الفرق جدلًا في تاريخ الإسلام، فقد شكل ظهورها حدثًا كبيرًا، أدى إلى إحداث فتنةٍ بين المسلمين وصلت حدَّ القتال والحرب، فما هي فرقة الخوارج، وما هو سبب وعلّة تسميتهم بهذا الاسم، وكيف استطاعوا جمع أنصارٍ كُثر لدرجةِ أنهم شكلوا دولةً وجيشًا خاصًا بهم، ونصَّبوا خليفةً عليهم.

أصل التسمية

إنَّ الباحث في أصل تسمية الخوارج بهذا الاسم يجد عددًا من الآراء التي حاولت تفسير أصلها، فقيل إنهم قومٌ خرجوا على الدين وعلى خيرة المسلمين، وهناك رأيٌ آخر يقول بأنهم من خرجوا على عليٍ بن أبي طالب رضي الله عنه، لرفضهم قبوله التحكيم بينه وبين معاوية، ونادوا بشعار أنَّ الحكم لله وحده، فعُرفوا بالخوارج، لكنهم سُمُّوا بتسميات أخرى مثل الحرورية والشراة والمحكّمة، إلا أنّ مصطلح وتسمية الخوارج الأكثر التصاقًا بهم.

نشأة الخوارج وجذورهم

ولا بدَّ من الإشارة في هذا الصدد إلى أنَّ التسمية كانت لاحقةً لوجود هذه الفئة، فقد ظهرت فرقة الخوارج على زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه، على يد مدَّعي الإسلام ذي الأصل اليهودي عبد الله بن سبأ، الذي استغلَّ قرار عثمان بن عفان بضرورة تعليم وتحفيظ المسلمين للقرآن الكريم، والتبحر بالفقه الإسلامي نتيجةَ استشهاد كثيرٍ من الصحابة وحفظة القرآن الكريم، فتعلم عبد الله بن سبأ القرآن والفقه، واتخذهما ستارًا له ولدعوته ضد الإسلام، فبادر إلى محاولة اتهام عثمان بأنه مُبتدع وأنّه خالف في عمله الشريعة والهدي النبوي وأسلافه من الخلفاء، فما كان من عثمان إلا أن نفاه خارج المدينة، إلا أنَّ عبد الله بن سبأ جمع حوله أنصارًا سيَّرهم لمكة في موسم الحج، جلُّهم من أهل الكوفة والعراق، فلحقوا بسيدنا عثمان إلى المدينة ليقتلوه فيها بعد محاصرتهم لداره، فكانوا نواةَ فرقة الخوارج بخروجهم عن طاعة ولي الأمر وخليفة المسلمين، وأوَّلَ من أحدث فتنة بين الناس في الإسلام.

فتن الخوارج

الخوارج ..تاريخهم و عقيدتهم

وقد تكثّف حضور فرقة الخوارج وبرزوا للعلن بمسماها المعروف عقب معركة صفين، وقبول عليٍ بن أبي طالب التحكيمَ مع معاوية بن أبي سفيان، فخرجوا عليه ورفضوا قراره، وطالبوا -لكي يعودوا لطاعته- بأن يعلن كفره لكونه قد قبل التحكيم وخذلهم، ومن ثمَّ يعلن توبته لله عزّ وجل، فكان شرطهم هذا تعجيزيًّا حتى لا يقبل به علي، وليتموا ما بدؤوه من نشر الفتنة.

وكان من أبرز رؤسائهم: الأشعث الكندي، ومسعر التميمي، وقادوا الناس إلى موضعٍ عُرف بالنهروان، وكانوا قرابة اثني عشر ألفًا، فقاتلهم علي، وشتَّتهم في البلاد، لكنهم عملوا في الخفاء ليعيدوا نشر دعوتهم، مع إصرارهم على أنَّ الخلافة لا ينبغي أن تكون حصرًا في قريش، فأخذوا يجمعون الأنصار، حتى خلافة عبد الله بن الزبير، إذ استغلوا ضعف الأمة، وانقسامها بين الأمويين والزبيريين، فخرج رجل يُدعى نافع بن الأزرق إلى الأهواز من البصرة معه ثلاثون ألف رجل بينهم أمراء الخوارج الذين فرُّوا من وقعة النهروان، فسيطروا عليها وغلبوا الجيوش التي أُرسلت للقضاء عليهم، وهاجموا البصرة غير مرة، واستباحوا دماء أهلها وأموالهم.

معتقدات الخوارج

آمن الخوارج بمعتقدات خاطئة، تصل إلى حد الكفر وارتكاب الكبائر، فقد أعلنوا كفر سيدنا علي، وأنَّ الله تعالى قد خصَّه بالآية الكريمة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204]. وأيضًا كفّروا عددا من الصحابة منهم عثمان وطلحة والزبير وابنه عبد الله،  وأمنا عائشة، وأقرُّوا بخلودهم في النار، إضافةً إلى أنهم كفَّروا كل من يقعُد عن القتال، وأباحوا قتل أطفال ونساءِ كل من لا يؤمن بأفكارهم وإن كانوا من المسلمين، ورأوا أنَّ أطفال المشركين خالدون أيضًا في النار، وأنَّ الأنبياء هم كفرةٌ قبل نبوَّتهم، وزادوا على هذا بأنهم أصروا على أنّ مرتكب الكبيرة خارج من ملة المسلمين، ومخلّدٌ في النار، وأخيرًا أسقطوا بعض الحدود مثل حد رجم الزناة.

الحرب مع الخوارج

الخوارج تاريخهم وعقيدتهم

بعد أن استفحل أمرُ الخوارج، وهددوا الدولة الإسلامية وأرواح المسلمين وأعراضهم شرع عبد الله بن الزبير في مقاتلتهم، فسيّر لهم المهلب بن أبي صفرة أحد أعظم وأذكى قادة المسلمين، ووجهه لأخذ الرجال من البصرة لحرب الخوارج، فاسْتطاع دحرهم عن البصرة وإلحاق هزائمَ بهم، لكن اضطراب الأحداث في العراق نتيجةَ الصراع بين الأمويين والزبيريين عليها أدَّى إلى ضعف الإمدادات، وانفضاض الناس عنه، وتفكُّك جيشه، فتوقف عن مقارعتهم ريْثما يسْتقر الأمر.

وكان وقتها قد اعْتلى الإمارة على الخوارج قطريُّ بن الفُجاءة أحد أبْرع وأشْجع فرسان العرب، فزاد خطر الخوارج، وبدؤوا يستعيدون ما فقدوه من أراضٍ، وقد تزامن ذلك مع الوقت الذي كان فيه أهل البصرة متخلفين عن نجدة المهلب، وعدم قدرة واليها الجديد بشر بن مروان على تسيير الناس إليه، إلى أن تولَّى الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية العراق، وأجبر الناس على اللحاق بالمهلب، فعاد إلى دحْرهم وضرب مواقعهم، لكنهم انقسموا على أنفسهم، إذ انفصل شبيبٌ الشيباني وزوجه غزالة والعديد من الخوارج عن قطري وقومه، وقرروا الإغارة على الكوفة، فزحفوا إليها، وهزموا جيوش الحجَّاج إلى أن دخلوها، وفيهم مائتا مقاتلةٍ ترأسهم غزالة، التي اقتحمت دار الإمارة وهاجمت الحجَّاج ودفعته للهرب من أمامها، إلا أنَّ هجومهم على الكوفة لم يكن أكثر من غارةٍ سريعة، إذ إنَّ قوتهم تلاشت بفضل هجمات المهلب، وإمدادات الخليفة عبد الملك لواليه الحجاج، إذ لاحقت الجيوش الأموية شبيبا وجماعته، فقتلوه وزوجه غزالة.

أما المهلب بن أبي صفرة فقد كان وقتها يُلحق الهزائم بقطري واستولى على قاعدة حكمه، ثمَّ التقى معه في معركةٍ أخيرة في شعاب طبرستان حيث قتل هو وأصحابه، لتنتهي بهم فتنة الخوارج، التي كانت أقدم وأخطر فتنةٍ عرفها الإسلام، وهددت وجوده، حتى إنَّ المهلب رأى فيهم أنهم أخطر من الروم على المسملين، وبالفعل لم تتحرك جيوش الفتح الإسلامي ويستقر حال الأمة إلا بعد أن قُضي عليهم، وطُهرت البلاد منهم.  

الرد على الخوارج

وبعد أن علمنا نهاية فتنة الخوارج وفرقتهم، لا بد من الإشارة إلى إنّ محربتهم لم تكن تقتصر على السيف والقتل، بل إنه رُدّ عليهم بالحجة والعقل لتفنيد مزاعمهم وإقامة الحجة الصريحة عليهم، وذلك لرد أتباع هذه الفرقة عن غيّها، فإن أصّروا على موقفهم جاز قتالهم والقضاء عليهم، فنرى كثيرًا من علماء المسلمين ردّوا على دعوة الخوارج وناقشوا معتقداتها.

وقد أجمعوا على أنها فرقةٌ ضالة كافرة، خرجت عن أهل السنة والجماعة، فرأى أبو أمامة الباهلي أنهم ما ينطبق عليهم قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}، أي أنهم كفروا بعد إيمانهم، وقتلوا خيار المسلمين، واستباحوا أعراض الناس وأموالهم، وكفّروا باقي الأمة، وأحدثوا الفتنة والفرقة، وقد استحضر أبو أمامة وغيره من العلماء الكثير من الشواهد والأدلة التي تقطع بكفر الخوارج، وأنهم فئة كافرة يجب قتالها والتخلص من شرها.

المصادر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى