الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج الثقفي أحد الشخصيات الجدلية في التاريخ الإسلامي، فكان له وكان عليه، فمن هو الحجاج؟ وعلى ماذا ولي؟ وما هي قصته مع الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-؟ 

مولده ونشأته

نسبه

هو الحجاج بن يوسف، بن حكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، وإليه تُنسَب القبيلة، وكُنّي بأبي محمد الحجاج، أما أمه فهي الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي، وقبل زواجها من والد الحجاج يوسف كانت متزوجة بالمغيرة بن شعبة.

مولده

اختلف في تحديد مولد الحجاج، وقيل إنه في سنة 41 هـ، في قرية الكوثر في الطائف، وهي مدينة تقع جنوبي شرق مكة المكرمة، حيث تقع على طرف مرتفعات نجد الوسطى.

نشأة الحجاج

نشأ الحجاج حافظًا للقرآن الكريم في كنف أبيه، وقد عُرف أنه عالم بالتفسير وعلم بالحديث، كما عرف بفصاحته اللغوية الدقيقة وبلاغته في الخطابة، وكان قد حفظ من الشعر الكثير، فكان طيلة حياته يستشهد به، ويروى أنه قيل في رجاحة عقله:«إن عقول الناس كانت تقرب من بعضها البعض، إلا ما كان من عقل الحجاج وإياس بن معاوية، فإن عقولهما كانت ترجح عقول الناس» .

نشأ الحجاج في بيئة بدوية، ومنها تربى على الفصاحة العربية، قال عنه عمرو بن العلاء: «لم أر أفصح من الحجاج والحسن البصري»، وقد قضى الحجاج جزءًا كبيرًا من شبابه حتى الرابعة والعشرين في بلاد العرب، ثم بدأ بخدمة الدولة الأموية، الأمر الذي جعل بعض المؤرخين يرجح أن نشأة الحجاج كانت بالشام.

صفات الحجاج

صفاته الخَلقية

ولد الحجاج مشوَّه الخلقة، وكان صغير الجسم ذا رأس مفلطحة غارقة بين كتفيه، صغيرَ العينين ضعيفَ البصر، وقد قيل إن ضعف بصره كان بسبب كثرة القراءة، له ساقان صغيرتان ضعيفتان إذا ما مشى اصطكَّت قدماه ببعضهما، وكان دقيقَ الصوت، ويرجِّل شعره ويخضب أطرافه.

صفاته الخُلُقية

كانت الشجاعة أبرز ما يميِّز الحجاج، والأدلة في ذلك كثيرة، وكان موهوبًا في ذكائه، ذا سعة في حيلته، كما عرف بكرمه حيث إنه عند ولايته على العراق، كان يطعم الناس كل يوم على ألف مائدة عليها عشرة أصناف، وعلى الرغم من كرمه ذاك لم يُكِنَّ له أهل العراق إلا الكراهية والبغض والخوف من بطشه وظلمه، كما كان صريحًا لا يهاب في كلامه أحدًا، كان محبًّا للجواب السديد والنكتة البارعة، ولكنه عُرف بقسوته وقهره، وكان يتوعد كل من يتولى من الناس.

أبرز محطات حياة الحجاج

بداية علاقته مع الخلفاء والأمراء 

انتقل الحجاج إلى مصر بعد انتسابه إلى سلك الجندية، وذهب في حملة لتحرير مصر من يد عبد الرحمن بن جحدم الفهري، ثم بعدها بعام أرسل مروان بن الحكم جيشًا إلى المدينة بقيادة حبيش بن دلجة القيني لمحاربة عبد الله بن الزبير، وكان والد الحجاج موجودًا في هذا الجيش يحمل بعض الألوية، وقد نجا الحجاج ووالده في ذاك اليوم من كمين جيش ابن الزبير بقيادة الحنتف بن السجف من البصرة الذي قاد الكمين وتمكن من قتل حبيش.

وبعدها اتصل الحجاج بروح بن زنباع وأصبح من شرطته، وكان عندها روح بمثابة وزير لعبد الملك بن مروان يستشيره في جميع أموره، فذهب روح إلى عبد الملك شاكيًا الحجاج بعد جلْده عددًا من غلمان روْح، فاستدعى الخليفة الحجاج وسأله عن سبب فعله ذلك، فقال له الحجاج: «أنت يا أمير المؤمنين أمرتنا بالاجتهاد فيما ولَّيتنا، ففعلنا ما أمرت، وبهذه الفعلة يرتدع من بقي من العسكر، وما على أمير المؤمنين أن يعوِّض عليهم ما ذهب، وقد قامت الحرمة وتم المراد»، فأُعجب به عبد الملك وقال: «إن شرطيَّكم لجلْد» وزاد في مرتبته.

ولى عبدُ الملك الحجَّاجَ على تبالة، فكانت أول ما تولى الحجاج، غير أنه اعتذر عنها وطلب من الخليفة عملًا آخر فولَّاه على شرطة فلسطين، وبعد استقرار الأوضاع في الشام طلب الحجاج من عبد الملك المساعدة في التخلص من مصعب بن الزبير في العراق، وعندها تخلص عبد الملك من مصعب، وصفا للحجاج الجو في العراق.

الحجاج وابن الزبير

الحجاج

لا بد من لفت نظر القارئ إلى اقتصار دورنا على نقل ما ورد في كتب التاريخ، دون إعطاء حكم على أحد أو اتهام لأحد، فالله تعالى أعلم بما حدث، وهو القاضي سبحانه وتعالى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.

لم يجد عبد الملك بن مروان مفرًّا من محاربة عبد الله بن الزبير الخارج عنه والمعتصم بالحجاز، ولذا أعدَّ عبد الملك حملة عسكرية بقيادة الحجاج تخرج من العراق تجاه الحجاز، وكان أفراد الجيش من الشام، وهم الذين حاربوا مصعب بن الزبير في العراق.

وقد خرج الحجاج من العراق قائدًا لجيشٍ عداده ثلاثة آلاف مقاتل، في جمادى سنة 72 هـ، متوجهًا للطائف، حيث عسكر الحجاج في الطائف جاعلًا منها مركزًا عسكريًا، فأصبح يرسل منها سرايا إلى عرفات تصطدم ببعض رجال الزبير سبرًا لغَورهم والتماسًا لمدى قوتهم.

ولما طالت المناوشات بين الطرفين وتبين للحجاج أن كفَّته أرجح من كفة ابن الزبير، أرسل إلى الخليفة ينبئه بنيته لدخول الحرم قبل أن يستجمع ابن الزبير أفكاره ورجاله من جديد، فكتب عبد الملك إلى الحجاج: «أن سر إلى ابن الزبير فسِر معه واشغله».

وفي أثناء هذه الأحداث، كانت المدينة قد آلت إلى عبد الملك بن مروان بعد أن كانت في يد ابن الزبير، وولى عليها طارق بن عمرو، وطلب منه أن يجمع رجالًا، ويلتحق بالحجاج، فسار إليه بخمسة آلاف من الجنود، وأُذِن للحجاج بالحصار، ولم يكن الحجاج ممن يقِفون عند حدٍّ من الحدود، محتجًّا أن الغاية تبرر الوسيلة.

وقد نزل الحجاج وبعض مَن معه في جبل أبي قبيس، ونصب عليه المنجنيق، وكان ذلك الحصار في ذي القعدة سنة 72 للهجرة، وبعد حصار منع فيه الحجاج الطعام والشراب عن ابن الزبير ومن بقي معه، اضطروا إلى اللجوء للحرم، وقد بلغ حينها الثالثة والسبعين وكان ابن الزبير شديدًا قويًا رضي الله عنه، وروي أن سبب قوته شربه من دم النبي صلى الله عليه وسلم. 

وقد بدأ الحجاج بضرب الكعبة بالمنجنيق، وقد عطل موسم الحج ومنع الوفود القادمة من الطواف، وحينها أرسل له ابن عمر رضي الله عنه: «اتقِ الله فإنك في شهر حرام وبلد حرام، وقد أتت الوفود من أقطار الأرض ليؤدوا الفريضة ويزدادوا خيرًا».

فأرسل الحجاج إلى طارق بن عمرو أن يتوقف عن الضرب بالمنجنيق حتى تنتهي الناس من الحج، وقال: «والله إني لكاره لما ترون ولكن ابن الزبير لجأ إلى البيت».

وبعد انتهاء موسم الحج أمر الحجاج الناس بالعودة إلى بلادهم، وأكمل الحجاج الضرب بالمنجنيق وكان معه خمسة مجانيق، فمات الكثير نتيجة ضرب مكة والكعبة بالحجارة. 

عندها جمع عبد الله بن الزبير جيشه فصلى الفجر في المسجد الحرام، وحثَّ أصحابه على القتال والصبر، وبعدها بدأ القتال، وقد سقطت على رأسه رضي الله عنه آجرة فسالت دماؤه على وجهه، وتقاذف عليه جيش الحجاج فقتلوه، وذهبوا به إلى الحجاج الذي سجد لله شاكرًا.

ولما اجتمع الحجاج مع طارق بن عمرو، قال طارق:«أما ولدت النساء أذكر من هذا» ، فقال الحجاج: «أتمدح مخالف أمير المؤمنين»، وصلب الحجاج جسد ابن الزبير الشريف على الكعبة، وقد سال من جسده الشريف دم معطر بالمسك، ولما وصل عبد الله بن عمر إلى الكعبة أمر أصحابه فأنزلوا جسد الصحابي الشريف، وصلوا عليه ودفنوه رحمه الله.

وبعدها خرجت أم عبد الله بن الزبير، فقال لها الحجاج:«كيف رأيتِ نصر الله؟» ، فقالت رضي الله عنها: «ربما أُدِيل الباطل على الحق””، فقال: «إن ابنك ألحد في هذا البيت وأذاقه الله العذاب الأليم»، فقالت: «كذبت كان أول مولود في الإسلام بالمدينة، وسرَّ به رسول الله، وحنكه بيده، وكبَّر المسلمون حتى ارتجت المدينة فرحًا به، وقد فرحتَ أنت وأصحابك بمقتله، ووالله من فرح يومئذٍ خير منك ومن أصحابك، وكان صوامًا قوامًا بالقرآن، برًا بوالديه معظمًا لحرم الله».

 فانكسر الحجاج وانصرف، وصل ذلك إلى عبد الملك فأرسل للحجاج: «ما لَك ولابنة الرجل الصالح»، قاصدًا أبا بكر الصديق رضي الله عنه.

وقد ارتجَّت مكة من البكاء حزنًا على ابن الزبير، فقام الحجاج خطيبًا في الناس، وقال:

«يا أيها الناس إن عبد الله بن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الدنيا ونازع الخلافة أهلها وألحد في الحرم، حتى أذاقه الله من عذابه، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله».

فقال له عبد الله بن عمر: «لو شئت أن أقول كذبتَ لقلتُ، والله إن ابن الزبير لم يغيِّر كتاب الله، بل كان قوامًا به صوامًا عاملًا للحق».

ولاية الحجاج على العراق

خرج الحجاج من المدينة عندما أتاه كتاب ولايته على العراق في منتصف سنة 75 للهجرة، وعند وصوله الكوفة نزل عند قصر الإمارة ودخل المسجد مباشرة واعتلى المنبر وقال عليَّ بالناس، فلما حضر الناس إذا به يسكت سكوتًا طويلًا أهمَّ به الناس، وعلت الضوضاء بينهم يتناقشون في أمره، فنهض في ضوضائهم، وقال: 

«أنا ابنُ جَلا وطلَّاعُ الثَّنايا                             متَى أضعِ العمَامة تعرِفوني.

يا أهل الكوفة إني أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. 

إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان ولا يغمز جانبي كتغماز التين، ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة، وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه نثر كنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرَّها عودًا وأصلبها مكسرًا، فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضجعتم في مراقد الضلال، والله لأحزمنكم حزم السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، فإنكم كأهل قرية {كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}.

وإني والله ما أقول إلا وفيت، ولا أهم إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلًا تخلف بعد أخد عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه».

  • يقعقع:أي تحريك الشيء اليابس الصلب، مثل: صوت السلاح.
  •  الشنان: هي قربة بالية يحركونها إذا أرادوا أن يحثوا الإبل على المشي.
  •  عجم: أي عضها ليعرف صلابتها وتحملها.
  • السلمة: هو الشجر كثير الشوك.
  •  سورة النحل.
  • الخلق: أي التقدير.
  • فريت: أي قضيت.

وبعدما دخل الحجاج المسجد بهذه الطريقة الحادة فرض سيطرته على أهل العراق، وكان موفقًا في سياسته؛ خاصة بعد أن عمد إلى التأثير النفسي في جذب انتباه القوم، وأرهف سماعهم بنغمته القوية التي جهزها لمثل هذا الموقف.

تمثلت سياسة الحجاج في العراق فيما يلي:

  • إبراز شخصيته القوية وتعريفهم بوصوله لمبتغاه مهما صعب.
  • تبيينه لأهل العراق بأنه يعلم أنهم مغمورون في الشر. 
  • توضيح خطورة الموقف وحثهم على الجد والاجتهاد. 
  • توضيح الغاية من معاملته القاسية، والتي تتمثل بأنه سيعطيهم أعطياتهم وسيعاقب كل من يتغيب عن قتال العدو بقتله. 

كانت سياسات الحجاج غريبة على الناس في ذاك الزمان حيث كانت عقوبة المتخلف عن القتال في عهد عمر وعثمان وعلي هي خلع عمامته وتشهيره بين الناس، ثم أصبحت في عهد مصعب بن الزبير حلق الرأس واللحى، فبدت قسوة الحجاج مقارنة بمن سبقوه، وقد سار الحجاج على السياسة التي رسمها وأحدثت أثرها المطلوب.

ولي الحجاج العراق كما ذكرنا سنة 75 للهجرة واستمرت ولايته عليها حتى وفاته سنة 95 هـ، وقد ملأ فترة توليه بالكثير من الثورات والانقلابات ضده.

أبرز ما تولى الحجاج:

  • الحجاز: تولاها الحجاج بعد قتله ابن الزبير وحده بعد عزل عبد الملك لطارق وجعل الحجاج واليًا على الحجاز.
  • العراق: وبعد أن اطمئن عبد الملك على الحجاز، ورأى حركة الخوارج المستمرة في العراق، والدعوة الشيعية في الكوفة لم يتردد في تنصيب الحجاج واليًا على العراق.

وفاته

علم الحجاج بقرب وفاته لما عاناه قبيل موته، فقد عانى من آفةٍ المعدة، وأشرف عليه طبيبه «تياذوق»، فلما علم بعدم وجود دواء ومن قرب هلاكه جمع الناس حوله وأذن لهم بالدخول عليه، فتحدث عن الموت وكرباته وعن الدار الآخرة، وقال:

إن ذنبي وزن السماوات والأر                        ض وظني بخالقي أن يحابي 

فلئن منَّ بالرضا فهو ظني                            ولئن مر بالكتاب عذابي

لم ذاك منه ظلم وهل يظلم                             رب يرجى لحسن الحساب؟!

وقد فرح أهل العراق بمرضه وموته وشمتوا به ولم يروه إلا بصورة شنيعة.

خاتمة

وفي الختام أقول كما قال علماء العصر عن الحجاج، «الحجاج كان له وكان عليه»، وأسأل الله أن يكون قد وقفني أن أكتب ما يغني القارئ عن حياة الحجاج ويشبع رغبته في الاطلاع.

المصادر:

  • البداية والنهاية لابن كثير.
  • الحجاج بن يوسف الثقفي / د.محمود زيادة.
  • الحجاج بن يوسف الثقفي / منصور عبد الحكيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى