قضايا القرآن وموقعها في نفوس الشباب

أنزل رب العباد عز وجل القرآن منهاجًا ونظام عيش يبني عليه المسلمون حياتهم، حيث إنه يتضمن من القضايا والأحكام ما يكون حديث العصر وما بعده من العصور. لكننا للأسف نشهد عكس ذلك في واقعنا، فكم من الشباب اليوم تجدهم يتغنون بالمواضيع الدنيوية ويبدعون فيها، وإذا سألت أحدهم عن قضية من قضايا القرآن تجدهم يتهربون وينفرون من الحديث عنها. فما هي أسباب هذه الموجة السلبية والنفور الواضح من قضايا القرآن؟ وكيف تؤثر هذه الأسباب على فكر الشباب؟ وما هي سبل وقاية شباب المسلمين من هذه الآفات الفكرية؟

ما هو واقعنا مع قضايا القرآن حاليًا؟

إذا ما أخذنا إطلالة على مجتمعاتنا الإسلامية العربية حاليًا، فلن تجد قضايا القرآن إلا في عدد قليل من المجالس ومن بينها المساجد. وفي المقابل تجد أغلب المجالس يملؤها الحديث عن القضايا السياسية والرياضية والاجتماعية والاقتصادية. لهذا فإن واقعنا مع قضايا القرآن هو واقع مؤرق للأسف، فقد انهالت علينا قضايا الدنيا كالمطر وجعلتنا غافلين عن قضايا الحق والطريق القويم. وحتى لو كانت هناك جهود ملموسة تبذَلُ لإعادة اعتبار قضايا القرآن، إلا أننا نجد أن أغلب شبابنا غارقون في غياهب العصرنة والإعلام. فما هي يا ترى العوامل التي أدت بأمتنا إلى هذا الاعوجاج الخطير في الثقافة والفكر؟

ما السبب وراء إهمال أغلبية الشباب لقضايا القرآن؟

هناك العديد من الأسباب التي أدت بالشباب اليوم إلى إهمال قضايا القرآن، وعلى رأسها الإعلام والقضايا الدنيوية خاصة السياسية منها. والتي بدورها جاءت إثر الغزو الفكري والثقافي على العالم الإسلامي من طرف الثقافات المعادية للإسلام، لا سيما وأن درجة الاهتمام بالقرآن وقضاياه صارت شبه نادرة في مجتمعاتنا للأسف.

كيف يؤثر الإعلام على قضايا القرآن؟

قضايا القرآن وموقعها في نفوس الشباب

الإعلام من أكثر السموم التي أثرت على عقول المسلمين بشكل عام وليس فقط الشباب، وهذا راجع إلى الاستعمال الخاطئ له مما يؤثر سلبًا على العقول. كما أننا في غالب الأحيان نقع أسرى لمن يطرح علينا الإشكاليات، وهذا ما يجعل الإعلام خطيرًا للغاية. وكما نعلم جميعًا فإن الإعلام هو سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه في الخير، ويمكن استخدامه أيضًا في الشر. وإذا التفتنا إلى الواقع فسنجد أن أغلب توجهات الإعلام اليوم صارت فاسدة ومضللة للناس عن قضايا القرآن وطريق السداد. بل إنه صار سلاحًا يستخدمه أعداء الإسلام في تصدير الرذائل والقيم الفاسدة وتلقين مختلف المفاهيم الغربية المغلوطة للمسلمين، الشيء الذي يجعل شباب المسلمين اليوم بعيدين كل البعد عن قضايا القرآن.

ما أثر الموضوعات السياسية على نفوس الشباب؟

قياسًا على الإعلام فإن السياسة ومواضيعها لا تقل خطورة، لا سيما وأن هذه الأخيرة نفسها مستمدة من الإعلام وتأتي نتيجةً له. وذلك لأنها تأتي كأحداث دورية تشغل الشباب وتلهيهم، بحيث تتم تغطية حادث سياسي معين زمنيًا ومكانيًا باستخدام الإعلام ويصير الشباب كأنهم مساقون. تجدهم يتحدثون عن جميع الموضوعات السياسية كيفما كانت بالتفصيل الممل، لكن ما إن تذكر قضية من قضايا القرآن حتى يبدأ النفور والكسل وعدم الرضا بارزًا على وجوههم. وبالتالي فإن السياسة تكاد تكون الشغل الشاغل لمختلف شرائح المجتمع الإسلامي عامةٌ، الأمر الذي يشكل خطورة على موقع قضايا القرآن في النفوس.

هل يمكن الربط بين القضايا المعاصرة وقضايا القرآن؟

من بين أهم خصائص القرآن أنه صالح لكل زمان ومكان، فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَاب اللهِ”. وهذا أبرز دليل على أن قضايا القرآن هي بمثابة دليل لكل مسلم ومسلمة في مواجهة وتدبير القضايا المعاصرة. ذلك أن قضايا القرآن مهما كانت القضايا المعاصرة التي تحيط بها، إلا أن مكانتها المرموقة تجعلها دائما قابلة للربط بأي نوع من القضايا المعاصرة.

ما هو التصور الذي يجب أن يبني عليه الشاب المسلم نفسه؟

في ظل كل هذه التحديات الكبيرة التي تحيط بقضايا القرآن من كل جانب، ينبغي على الشاب المسلم أن يبني تصورا ثابتا عن قضايا القرآن ويعتبرها دائما أساس حياته. كيف ذلك؟ المسألة مسألة أولويات، والأولوية طبعا لقضايا القرآن على غيره. لكن القول أسهل من الفعل، وإعطاء هذه الأولوية لقضايا القرآن يتطلب منا التحلي بصفات معينة لضمان تصور صحيح وسليم. وأهم هذه الصفات تحقيق طمأنينة القلب، وكيف نحقق الطمأنينة؟ لنتأمل معا قوله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. ذكر الله هو السبيل إلى تحقيق طمأنينة القلب، وهذه الأخيرة هي التي ستجعل قضايا القرآن ربيع قلوبنا ونورها.

كيف يحمي الشاب نفسه من سموم الإعلام والقضايا السياسية؟

لا بد للشاب المسلم أن يقف وقفة جادة أمام كل ما يتربص بدينه وصلاحه، إذ يستوجب منه ذلك أن يحصن نفسه ويغلق أي منفذ قد يعود عليه بالضرر. وتحصين النفس بقضايا القرآن لا يأتي بين ليلة وضحاها، بل على الشاب أن يجاهد نفسه بطلب العلم ومجالسة أهل العلم وملازمتهم لتلقي أكبر قدر من العلم حتى يستطيع دفع المفاسد عن نفسه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. هذا فيما يتعلق بالجانب النقلي، أما بالنسبة للجانب العقلي فإن الله وهبنا نعمة العقل والسمع والبصر حتى نتفكر في بديع الخلق وندرك عظمة الخالق مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}.

المصادر:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى