الإسلام في جنوب آسيا

منذ انطلاق الدعوة الإسلامية الشريفة من مكة المكرمة، وانطلاق جيوش الفتح من المدينة المنورة لتحمل رسالة الهدى للناس، عمّ نور الإسلام العالم بأسره بهديه وحسن شرائعه، وضم في كنفه الكثير من الأمم والشعوب، التي دخلت في الدين الحنيف طوعًا بعد أن عرفت كنهه وجوهره السمح.

وقد وصل الإسلام إلى تلك الشعوب والبلدان في أكثر من طريقة لعل أهمها هي الفتح الإسلامي إذ سُيِّرت جيوش الفتح من الجزيرة العربية لتنشر دين الحق، ففتحت الشام والعراق وفارس ومصر، وأراضٍ واسعة في إفريقيا وأوروبا وغيرها، وفي العصر الأموي استُئنِفَت حركة الفتح الإسلامي لتُفتح أراضٍ جديدة مثل الأندلس والهند، حتى حدود الصين، وكان نتيجة هذه الفتوحات دخول أمم كثيرة في الإسلام بعد أن صارت جزءًا من الدولة، وتعرفت على أخلاق الفاتحين المقتدين بالقرآن الكريم وسنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

الإسلام في الهند

مسجد جامع دلهي القديم – الهند

كانت الهند قديمًا تضم ما يعرف اليوم ببنغلاديش وباكستان اللتين فُصِلَتا عن شبه القارة الهندية بفعل الاستعمار البريطاني، وكانت قبل الإسلام تمثل سوقًا تجاريًا يقصدها تجار العالم القديم من كل حدبٍ وصوب، واستمرت على هذا النحو حتى بعد مجيء الإسلام وقيام الخلافة الراشدة إلى زمن بني أمية، الذين قرروا إعادة استئناف حركة الفتوحات الإسلامية، فسيَّر الحجاج بن يوسف الثقفي والي بني أمية على العراق وخراسان حملةً عسكرية يقودها القائد محمد بن القاسم الثقفي الذي ضم الهند إلى الدولة الإسلامية، وعمد إلى بناء المساجد فيها، وصوامع العلم، ليدخل بفضله الكثير من الناس في الإسلام، وقد بقي الدين الإسلامي حاضرًا في الهند، التي توالى على حكمها العديد من السلاطين المسلمين، الذين أعلنوا ولاءهم للخلافة الإسلامية في بغداد، ومن بعدهم سلاطين آل عثمان بوصفهم ورثة الخلافة الإسلامية.

وللهند رغم تنوع العقائد فيها أهمية إسلامية، فقد كانت السلطة بيد المسلمين، وبالتالي وُفِّرت الحماية لهم من أتباع العقائد الشركية المنتشرة في الهند، لكن في العصر الحديث، ومع ظهور الأطماع الاستعمارية، وجدت بريطانيا نفسها في سباق استعماري مع إسبانيا وفرنسا، فنظرت إلى الهند الإسلامية على كونها فريسةً سهلة بسبب بدائية أسلحة جيوشها مقارنةً بالجيش البريطاني المتطور، فهاجمت الهندَ قوةٌ عسكرية بريطانية، واحتُلَّت بعد أن تمت السيطرة عليها اقتصاديًا من قبل شركة الهند البريطانية التابعة للتاج البريطاني، وهي التي مارست مختلف أنواع الظلم والاضطهاد بحق سكانها لا سيما المسلمين منهم، فقد أطلقت سلسلةً من المذابح بحقهم، ودعمت أصحاب العقائد الشركية بالسلاح والمال ليضطهدوا بقية المسلمين، فكانت السياسة البريطانية ترى في الإسلام خطرًا إن انتشر في كافة أنحاء الهند، بالإضافة إلى أنها بهذه السياسة ضمنت تفرق الشعب الهندي، وموالاة قسمٍ منهم للتاج البريطاني، الأمر الذي أدى إلى نزوح المسلمين من مناطق الأكثرية الهندوسية والسيخية وانتقالهم قسريًا نحو مناطق تتركز فيه الغالبية المسلمة.

الإسلام في باكستان وبنغلاديش

مسجد بادشاهي – باكستان

كانت باكستان وبنغلاديش جزءًا من القارة الهندية، لكن بسبب حركة النضال التي تبنَّاها الشعب الباكستاني التي قادها محمد علي نجاح، وبتأثير من الأدميرال البحري البريطاني لويس مونتباتن الذي كان يترأس شركة الهند البريطانية تم فصل باكستان ذات الغالبية المسلمة عن الهند، وكانت آنذاك تضم بنغلاديش معها والتي عرفت وقتها بباكستان الشرقية، وكانت باكستان وقتها في حالة عداءٍ مع الهند، بسبب قيام الأخيرة بحملات اعتداءٍ وحشية على المسلمين، وعدم تقبلها انفصال جزءٍ منها ليتم تشكيل دولة ذات طابع إسلامي فيها، لذلك دخلت الدولتان في ثلاثة حروب متتالية، إذ أرادت الهند ذات الغالبية الهندوسية إعادة ضم باكستان إليها وضمان عدم قيام دولة إسلامية بجوارها، ومن ثم ساهمت الهند في بداية السبعينيات في إشعال فتيل الحرب الأهلية في باكستان المسلمة بحجة حماية الأقلية الهندوسية، والتي أسفرت عن انفصال الجزء الشرقي منها وتأسيس دولة بنغلاديش على يد الرئيس مجيب الرحمن.

وعلى الرغم من ذلك حافظت باكستان رغم تعاقب الانقلابات العسكرية عليها ومحاولات علمنتها على طابعها الإسلامي، فلم تتخل عن كونها دولة حاميةً للإسلام والمسلمين من بطش الهندوس وطائفة السيخ اللتين رغبتا دومًا في إبادة المسلمين وتوحيد الهند القديمة مجددًا تحت حكمهم، فنجد باكستان اليوم من الدول القوية والمتقدمة عسكريًا واستخباريًا، وتحتضن في كنفها آلاف المساجد العامرة بذكر الله.

الإسلام في أفغانستان

دخل الإسلام أفغانستان بعد سقوط الدولة الفارسية الأخمينية، واتسعت الفتوحات فيها لتشمل كافة أراضيها، ونتيجةً لذلك بدأ قاطنوها بالتحول إلى الإسلام تدريجيًا، لتصبح أفغانستان بلدًا إسلاميًا خرَّج مئات العلماء لعل أهمهم الإمام البخاري جامع الحديث الشريف، لكن مع قيام الدولة الصفوية في إيران ضمَّت أفغانستان لها ونشر المذهب الشيعي فيها، وبقيت تحت الحكم الصفوي حتى جاء الاستعمار البريطاني، وحاول احتلالها وضمها لمستعمراته، لكنه فشل في ذلك، ثم حاول الاتحاد السوفيتي أيضًا احتلالها ومن بعده الأمريكي وذلك لاستغلال ثروات هذا البلد، وللقضاء على الوجود الإسلامي فيه، لكن المقاومة الإسلامية استطاعت إفشال كل هذه الغزوات، وتحرير أرضها، وإقامة إمارة إسلامية فيها بعد محاولة الدول الغربية ترسيخ العلمانية فيها، ونبذ الدين الإسلامي، لكن تمسك الأفغان بدينهم أفشل مخططاتهم، وبقي يمثل ما نسبته 99% من سكان أفغانستان.

الإسلام في سريلانكا 

أحدمساجد كولومبو-سيريلانكا

دخل الإسلام سريلانكا مبكرًا بعد الفتوحات الإسلامية لبلدان آسيا، إذ إنَّ سكان جزيرة سيلان التي هي سريلانكا اليوم أرسلوا رسولًا إلى المدينة المنورة للتعرف على الدين الإسلامي الذي ظهر حديثًا في البلاد، وكان الحاكم وقتها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي عمد إلى تعليم الرسول مبادئ الإسلام وشرائعه الحسنة، ليعود الرسول إلى قومه بما حمل، لكنه توفي في الطريق فأكمل خادمه مهمة سيده بأن نقل التعاليم الإسلامية لقومه، فبدأ الناس يشهرون إسلامهم، شيئًا فشيئا، وازدادت نسبة الداخلين في الإسلام بعد احتكاك مسلمي الهند  بهم، مما أدى إلى دخول أغلب سكان سيلان في الإسلام، وبقوا على دينهم حتى جاء الاحتلال البرتغالي وأخذ ينكل بالمسلمين، ويناصر الفئة الهندوسية، ويفتتح المدارس التبشيرية، وقد سار الهولنديون على نفس الوتيرة من قمع واضطهاد للمسلمين وتبشير بالدين المسيحي، وافتتاح المدارس العلمية التي تهدف لتنصير المسلمين من خلال تعليمهم المسيحية في المدارس، وحتى عندما جاء الاحتلال البريطاني استمر على نفس النهج حتى تحول المسلمون في سريلانكا من غالبية إلى أقلية مضطهدة تشكل ما نسبته 10٪ فقط، وقد حافظت هذه الفئة على دينها رغم الكثير من المغريات، إذ ضحت هذه الأقلية بحقها في التعليم في المدارس الاستعمارية خوفًا على أطفالها من تنصيرهم، واكتفوا بالمدارس الإسلامية التي كانت ملحقة بالجوامع.

الإسلام في نيبال وبوتان وجزر المالديف 

المركز الإسلامي -جزر لمالديف

تعد جزر المالديف واحدةً من أكثر دول العالم احتضانًا للإسلام، إذ تبلغ نسبة المسلمين فيها 100%، وينص قانونها على إلزامية الإسلام لجميع مواطنيها، فقد دخل الإسلام إلى هذه الجزر عن طريق الداعية الأمازيغي أبي البركات يوسف البربري، الذي استطاع أن يدعو سكان هذه الجزر للإسلام، بعد أن كانوا يعيشون ضمن عادات متوحشة متخلفة تتمثل بتقديم قرابين وأضاحي بشرية لشيطان البحر، فكان الإسلام بالنسبة إليهم منقذًا لبناتهم اللواتي كان يُضحَّى بهن، فتمسكوا بهذا الدين وحافظوا عليه إلى درجة أنهم لا يقبلون في بلادهم من كان غير مسلم.

أما باقي دول جنوب آسيا مثل نيبال وبوتان، فتشهد حضورًا طفيفًا للإسلام فيها، إذ نشكل نسبة المسلمون في نيبال 2%، على الرغم من كونه قد دخلها قديمًا في عهد المغول، لكن المعتقد السائد فيها الهندوسية والبوذية، أما في بوتان فيشكل معتنقو الإسلام نسبة ضئيلة أيضًا إذ إنّ غالبية سكان تلك البلاد يتبعون البوذية، لكن ما يجعل بوتان مميزة عن غيرها هي احترام المسلمين وعدم المساس بهم وقمعهم، الأمر الذي أدى لنشاط حركة الدعوة الإسلامية فيها ليصل عدد المسلمين فيها اليوم 5%.

المصادر:

  • محمود، حسن أحمد: الإسلام في آسيا الوسطى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1972.
  • الهمشري، محمد علي وآخرون: انتشار الإسلام في آسيا، دار أراكان، الرياض، ط1، 1997.
  • أبو شوك، محمد إبراهيم: العرب والإسلام في جنوب شرقي آسيا : قراءة تاريخية في مصادر التراث الإسلامي والأدبيات المعاصرة، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، الكويت، مجلد 21، عدد81، 2003.
  • هيئة التحرير: المسلمون في نيبال، مجلة البيان، عدد 291، 2011.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى