أفغانستان والأمة .. رؤية اجتماعية

يُعرّف ابن خلدون علم الاجتماع بأنّه “العلم الذي يعرض لطبيعة العمران البشري من الأحوال مثل: التوحش، والتأنس، والعصبيات، وأصناف التغلبات، للبشر على بعضهم البعض، وما ينشأ عن ذلك من الْمُلْك، والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم، ومساعيهم من الكسب، والمعاش، والعلوم، والصنائع، وأثر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال، وما لذلك من العلل، والأسباب”.

للمجتمعات خصائص تميز كل مجتمع عن الآخر، بما يكتسبه كل تجمع بشري في تفاعله مع القوانين والأعراف السارية فيه بين أفراده، وبطبيعة العلاقات التي تربط بين مجموع الأفراد بعضهم ببعض، وطبيعة العلاقات التي تربط الفرد بالمجتمع، وتنشئ هذه الخصائص أثناء وجودها في واقع المجتمع شبكة اجتماعية ونسيجًا يعطي الصورة التي تميز هذا التجمع البشري عن تجمع آخر.

يدخل في خصائص المجتمعات العوامل التاريخية التي شكلتها، والقيم التي زرعت بين أفرادها، ومدى صمود هذه القيم مع المتغيرات الداخلية والخارجية.

وإذا كنا في هذا المقال نتناول المجتمع الأفغاني كنموذج، فإننا سنحاول رؤيته من الزاوية التي تميز تفاعله مع الأحداث والنوازل، خاصة مع قضية الاحتلال، وأثر خصائص شبكته الاجتماعية على مقاومة الغزاة واستدامة هذه المقاومة حتى أصبحت سمة أساسية مستقرة لهذا المجتمع.

وقبل هذا، ولكي تكون الصورة أكثر عمقًا، سنبحث في طبيعة الروابط التي ينتجها الإسلام في المجتمع، وعلاقة هذه الروابط بقضية الغزو الخارجي أو الاحتلال، ونقارن ذلك بطبيعة الروابط التي أنتجتها الدولة الإله –الدولة القومية الحديثة– في مجتمعاتنا المعاصرة، وانعكاس هذه الروابط المستحدثة على قضية الاستعمار، ثم الطريقة التي انتقلت بها مجتمعاتنا من وضعها الطبيعي إلى الوضع الهجين، انتهاءً بخصائص المجتمع الأفغاني وأثر تلك الخصائص على قضية الاحتلال.

الروابط التي ينتجها الإسلام في المجتمع

عندما تعمل “لا إله إلا الله” في مجتمع بشري، فإنها تنعكس عليه في كامل نشاطاته الحياتية، وتصبح لـ ِ”لا إله إلا الله” المركزية التي حولها تنبني حركة ونبض الحياة، فلا إله إلا الله تتجلى على المجتمع في مستواها العقدي والفكري، وفي المستوى السياسي، وفي المستوى الأخلاقي والسلوكي، وتنعكس على المستوى الاجتماعي، والمستوى الاجتماعي لـ ِلا إله إلا الله يؤسس علاقة الفرد بالفرد، وعلاقة الفرد بالمجتمع، وعلاقة المجتمع بالفرد، وعلاقة المجتمع المسلم بغيره من المجتمعات، ما يحدد حقوق الفرد وواجباته ورسالة المجتمع، داخل منظومة من القيم المنبثقة من التصور الإسلامي.

ويتوجه المجتمع في رسالته لتحقيق مقتضيات لا إله إلا الله في واقع الحياة، مشدود لبعضه بالعلاقات والروابط التي يرتبها وينشئها الإسلام ما بين أفراده، ما ينتج في الأخير شبكة من العلاقات الاجتماعية المتلاحمة تلاحمًا وثيقًا كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.

ولاحظ قوله صلى الله عليه وسلم “كالبنيان”، الذي تلتحم فيه مركبات بنائه فتنشأ ذلك الصرح المنيع، ولاحظ قوله صلى الله عليه وسلم “يشد”، يشد بعضه بعضًا؛ أي أنها روابط وثيقة ومتينة، فكأنما أصبح مجموع الأفراد المشدود بعضهم لبعض بمنظومة القيم نسيجًا اجتماعيًا تكون حركته وتفاعله مع واقع الحياة شبكة علاقات اجتماعية بنيانها مشيدًا شديد التماسك.

تجليات روابط الإسلام على القابلية للاحتلال

وتعمل الروابط الاجتماعية التي ينتجها الإسلام في واقع المجتمع على ترتيب علاقات الأفراد والجماعات، بناء على مركزية لا إله إلا الله، ومنها يتميز المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات، وتتميز علاقة أفراده ببعضهم وبرسالتهم، يقول الله سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، ومما تقتضيه هذه الأخوة أن يربط بين المؤمنين رباط الحب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”، وتقتضي هذه الأخوة الموالاة، يقول الله سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ).

وتقتضي هذه الأخوة النصرة، قال الله سبحانه: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”، ونصرته دفع الظلم عنه إن كان مظلومًا ورده إلى الحق إن كان ظالمًا، وتقتضي هذه الأخوة عدم تسليم المسلم للأعداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”.

كما تقتضي هذه الأخوة توحيد شعور المسلمين تجاه أعدائهم ومن يهدد رسالة دينهم، قال تعالى: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)، وقال صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وتتوطد هذه الروابط بطريقة يصبح معها الاعتداء على فرد من أفراد المسلمين اعتداء على المجتمع، والتخاذل عن نصرة مسلم واحد قد يؤدي إلى إحلال العقوبة بكامل المجتمع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يقفن أحدكم موقفًا يقتل فيه رجل ظلمًا، فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا عنه، ولا يقفن أحد منكم موقفًا يضرب فيه أحد ظلمًا، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه”.

ينتج عن هذه الروابط التي ربط بها الإسلام بين المسلمين بعضهم البعض وبينهم وبين دينهم ورسالته، ينتج نوع من المناعة ضد الاحتلال الخارجي بكافة أشكاله، بغزوه العسكري وغزوه الفكري، ويرسخ لدى المسلمين استعلاءهم بدينهم مهما كان ضعفهم المادي، ويوحد شعورهم الذي سيكون دافع لتأدية الرسالة التي وكلها الله سبحانه بهم، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، وشهادة المسلمين في كل عصر هي تبليغ هذا الدين للناس، كل الناس، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وبهذا تصبح للأمة مناعة مضادة للاحتلال، ورفضًا تلقائيًا بديهيًا لوجوده، ودافعية قصوى لمحاربة.

تجليات روابط الدولة الإله على القابلية للاحتلال

ومع دخول الحملات الاستعمارية إلى أمتنا، بعد غفوتها عن رسالتها، وبعد سقوط كيانها السياسي الجامع المتمثل في الإمبراطورية العثمانية، وما حدث من تقسيم لجسد الأمة إلى دويلات تفصلها حدود، عمل الاستعمار على إعادة ترتيب الروابط التي تربط بين المسلمين، داخل نموذج الدولة القومية الحديثة.

داخل الدولة القومية الحديثة التي تحكمها القوانين الوضعية، يتساوى -نظريًا- بين كل الأفراد على اعتبارهم مواطنين، أمام القانون الوضعي، مع عدم اعتبار دين الفرد – المواطن، ويفرض على كل مواطن الولاء للرقعة الجغرافية مرسومة الحدود، وإن كان الأعداء هم من رسموا هذه الحدود، وإن فصلت هذه الحدود بين نفس العائلة، وتصبح الدولة التي تستأثر بكل السلط هي الإله الذي يتمركز حولها كل شيء والذي على كل فرد – مواطن احترام قوانينها، وتعظيم ما تشرعه من تشريعات، فالقوانين الوضعية هي التي تحدد ما هو المحرم قانونًا وما هو الحلال قانونًا، وإن خالفت تلك القوانين ما أحله الله وما حرمه.

وتفرض الدولة الإله على المواطنين احترام قرارات حكام الوطن ومؤسساته، حتى وإن كانت قراراتهم تغوص في مستنقعات الولاء لأعداء الدين وأعداء الشعوب، كما تفرض على المواطنين احترام العقود المبرمة بين الدولة وبين الاستعمار، من ذلك عقود نهب ثروات الشعوب، التي تعود بالفائدة على دول الاحتلال وتعود بالفقر وفقدان مقومات الحياة كالصحة والتعليم وغيرها على الدول تحت الاحتلال المباشر أو تحت الاحتلال غير المباشر.

بالتالي فالدولة القومية الحديثة باعتبارها دولة إله، تفرض على الناس روابطها بسلطة القانون الوضعي، وسلطة احتكار القوة، وبهذا يتحول هذا النموذج في بلداننا إلى ممهد ومسهل لدور الاحتلال، دوره في نهب حقوقنا من ثروات وهبها الله لنا، ودوره في غزوه الفكري الذي يستهدف ديننا ويراد لنا معه أن نتحول إلى أمساخ قابلين لكل الشذوذ الذي ينتجه الغرب.

كما تبسط الدولة الإله البساط أمام دول الاحتلال لزرع قواعدهم العسكرية، ومراكزهم الاستخباراتية، عبر ما يسمى اتفاقات أمنية وعسكرية متبادلة، وتحويل شعوب بأكملها إلى ساحات تجارب على مستويات مختلفة.

جدلية التحديث / التغريب

بعد مرحلة الاستعمار المباشر، والتي مكث فيها الاحتلال بين ظهراني المسلمين لسنين، أعاد خلالها ترتيب سلم أولويات المسلم، ووجهة المجتمعات، ثم خرج الاستعمار عسكريًا ليبقى عن طريق ممثليه من النخب التي تربت على التبعية للغرب، في هذه المرحلة حدثت استقلالات صورية خالية من المضامين التحررية الحقيقية، وعرض على هذه البلدان موضوع التحديث؛ أي نقل الخبرات التي بلغ إليها الغرب في مجال عالم الأشياء، من تقنية وآلات واكتشافات مادية.

لكن التحديث عرض في قالب التغريب، أي بضرورة انتقال التحديث عبر استبدال عالم أفكار المسلمين وعقائدهم ونموذجهم الاجتماعي، بما هو عليه في الغرب، والتقط عدد من النخب والمفكرين في العالم العربي الطعم، ليتحولوا إلى محامين عن ضرورة التغريب، مع تجاوز قضية التحديث في كثير من البلدان، ما سهل من توغل التيارات الفكرية الغربية إلى شعوبنا، لتحل هذه الأفكار في عالم أفكار المسلمين، وتزاحم رصيدهم الحضاري التاريخي.

أدى هذا إلى إعلان الجانب المادي في الحضارة الغربية وجعله هو مقياس التقدم والتخلف، وانحسار الجانب القيمي الموروث من الحضارة الإسلامية، واستبداله بالنماذج الغربية التي تحولت فيما بعد إلى أحد أدوات الاحتلال في بلادنا.

وكان لعملية التغريب الدور الكبير في صناعة القابلية للاحتلال وفي تفكيك النسيج الاجتماعي في بلداننا، وتهيئة الشعوب لقبول نموذج المحتل والتطبيع معه بتصويره ضرورة من ضرورات التقدم، بينما منعت الأمة من امتلاك مقومات الإنتاج حتى الضرورية؛ لتبقى في تبعية استهلاكية لمنتجات الغرب، فأصبحنا نستهلك منتجات المحتل الغربي فكريًا، ونستهلك منتجات المحتل ماديًا.

ونقل تقنيات ووسائل الإنتاج لغاية تحقيق كفايات أمتنا، والعمل على البحث العلمي والتطوير التقني لسد حاجتنا، والاستعانة بذلك لتحقيق رسالة الإسلام، شيء، ونقل علمانية وقومية ومادية الغرب شيء آخر.. إننا مأمورون بتحقيق فروض الكفاية للمسلمين، وباستعمال الوسائل المادية المباحة والممكنة لذلك، ولكننا مأمورون بذلك داخل إطار منظومتنا القيمية النابعة من مصادر التشريع في الإسلام، إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكنه رعاية وحفظ ما بلغت إليه البحوث المادية العالمية من اكتشافات وتطوير، رعايتها لتحقيق رسالة الإنسان في الأرض بما يضمن كرامته لكيلا تمتهنها المادة، وإنسانيته لكيلا تستعبدها الآلة، مع بقاء استحضاره للغاية التي خلق لتحقيقها على هذه الأرض.

طبيعة الروابط الاجتماعية في المجتمع الأفغاني

أفغان

مثلت الطبيعة الاجتماعية الموجودة في أفغانستان، والتي يلتف فيها الأفراد على عصبية القبيلة وتنتشر فيها العشائر، ويربط بين الأفراد انتماؤهم القبلي ويتطور ذلك الانتماء مع مقتضيات التهديدات التي تمر بها البلاد، مع استقرار رابطة الانتماء الديني في غالبية سكان أفغانستان وهم من السنة الأحناف مقابل وجود أقلية شيعية، واتخاذ مذهب الإمام أبي حنيفة كمذهب فقهي رسمي في البلاد، ومع حفاظ السكان على التفافهم حول تلك التكتلات السكانية المتلاحمة، كان هذا من أهم أسباب عفوية حركة المقاومة تجاه مختلف الغزاة، أضف إلى ذلك الطبيعة الجبلية التي تتميز بها أفغانستان، وما تعكسه على صلابة العامل البشري فيها، وقدرة ساكنيها على تحمل الظروف الطبيعية القاسية، ما برز في طول نفسهم في الحرب، خاصة إذا كان المحرك الأبرز في هذه الحرب هو الدين.

وقد مثلت أفغانستان منذ حملات الغزو الأولى أرض لصدام الحضارات، يساهم فيها العامل القبلي في استدامة المقاومة، وتزويدها بالإمداد الذي يمكنها من المواصلة، يقول ابن خلدون في مقدمته والسّبب في ذلك كما قدّمناه أنّ الصّبغة الدّينيّة تذهب بالتنافس والتّحاسد الّذي في أهل العصبيّة وتفرد الوجهة إلى الحقّ فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء؛ لأنّ الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهم مستميتون.

وقد يكون للتنافس القبلي سلبياته على الاستقرار الداخلي بوجود التناوش بين القبائل، لكنه كان في أفغانستان خلفية اجتماعية عملت مع غيرها من العوامل على تزويد الجهاد واستدامته.

تجليات الروابط الاجتماعية في أفغانستان على المقاومة

كجزء من الأمة، عاشت أفغانستان الغزو في مختلف الحقب التاريخية، لكن ما يميز التركيبة الاجتماعية الأفغانية هو أنها من المجتمعات القليلة التي لم تقدر عملية التغريب على إعادة صياغة شبكة العلاقات فيها، ولم يتمكن الاحتلال من مد يديه إلى عالم أفكارها وإعادة صياغته بمخرجات غربية، مما أبقى قابلية الاحتلال عند الشعب الأفغاني ضعيفة، والقابلية للمقاومة والمدافعة أكبر، ولم تتدخل اليد الاستعمارية لإعادة ترتيب ولاء الأفراد بطريقة يسهل معها بقاء المحتل الغازي لفترة طويلة في البلد دون حرب ودون تكبده للخسائر، بل كانت أفغانستان عصية على مختلف أشكال ومصادر الغزو، وقفت عصية على بريطانيا أيام الهيمنة الإنجليزية، ثم قاومت المحتل السوفياتي الخارجي، ثم المحتل الشيوعي الداخلي المتمثل في الحاكم الشيوعي، لتتحقق إرادة الله على أيدي الأفغان بإسقاط ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم حينها، وهو أمر في المنطق العسكري المادي غير مفهوم لولا العقيدة التي كانت تقف خلف الأسلحة البسيطة التي حملها المجاهدون.

ثم قاوم الأفغان الغزو الأمريكي وأمريكا اليوم تتربع عسكريًا بنظامها العالمي على عرش القوة والطغيان، ثم انسحبت أمريكا من أفغانستان مقابل أن يظهر الأمر كأنه خروج سلمي، بينما ما تكبدته من خسائر لا يكاد يحصى..

لقد بقي نسيج العلاقات الاجتماعية في هذه البلاد محافظ على ولائه لزعاماته التقليدية، والتي يمثل جزءًا كبيرًا منها زعامات دينية، وبقي الاحتلال الأجنبي مرفوضًا وواجب الدفع عمليًا عند أجيال متتالية من الأفغان، لقد بقيت صخرة المقاومة التي واجهت صنوف الاحتلالات صامدة عصية عن الكسر أو التفتيت، بل كسرت على أبواب تلك التركيبة الاجتماعية إمبراطوريات ضخمة، وخرجت ذليلة صاغرة.

خاتمة

لا تملك البندقية قيمتها من كونها بندقية، ولكن من عقلية ونفسية حاملها، ولأن الصفات النفسية والروحية التي يتميز بها أفراد مجتمع ما، وارتباطهم بقضيتهم والتفافهم حولها، وحرارتها في قلوبهم، من أبرز العوامل التي تدفع أفراد هذا المجتمع للإقدام على طرد المحتلين من بلدانهم ومن أكبر ما يزود المقاومة المجتمعية بالرصيد الذي يمكنها به من استدامة فعل المقاومة ومواصلته والصمود عليه حتى يصبح صفة بارزة للمجتمع، فإن قوة المجتمعات في عدم انحلالها في نموذج عدوها، وعدم تسليمها للفارق المادي بين قوتها وقوة عدوها، فالعتاد المادي لم يكن يومًا هو عنصر الانتصارات الوحيد، بل كانت العقيدة التي تنبثق منها الإرادة.

(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

مؤمن سحنون

أرجو أن أكون من الساعين لأن ننال يوما الحرية، الحرية بمعناها الشامل لأمة تعرف رسالتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى