كيف تقودنا الحياة المعاصرة إلى الشعور بالملل؟

هل شعرت يومًا بالملل من كل ما حولك وعدم الرغبة في فعل شيء؟ مزيج من المشاعر المختلطة؛ تعرف فقط أنك لست بخير.وأحيانًا يدفعك الشعور بالملل لشراء منتجات لا تحتاجها، أو حتى إضاعة المزيد من الوقت في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي بلا هدف.

لست وحدك يا صديقي إنه نمط الحياة الاستهلاكية المعاصرة التي نعيشها، وتدفعنا لها الشركات، تسببت لنا بالعديد من المشاكل النفسية فأصبحنا كل يوم نسمع عن اسم لمرض نفسي جديد، وسرعان ما يَِتسلَّل إلينا الملل.

كيف ذلك؟

في البداية ما هو تعريف الملل؟

 حسب موقع ويكبيديا هو: شعور ينتاب المرء عندما لا يوجد ما يجذب اهتمامه، وقد يسبب له شعورا بأنه محاصر، كمن عُزل في زنزانة انفرادية، أو قد كلف بعمل روتيني.

يفتقد فيه المرء الهدف الغريزي، ومن ثم يسعى إلى موضوع، لا ليستعمله في إشباع دوافعه الغريزية، ولكن طلبًا لمساعدته على أن يعثر له على الهدف الغريزي الذي ينقصه.

هو يعرف أنه يريد شيئًا، ولكنه لا يعرف مكانه، ومن ثم ينتابه القلق ويعتريه الغضب، والغضب والقلق مرادفان للسَّأَم، وهو ما يميز السأم عن اللامبالاة، لأن اللامبالاة لا تعرف القلق أو الغضب.

إذن ما الذي يدفعنا للشعور بالملل وكل هذه المشاعر؟

ما سبب الشعور بالملل؟

لا يوجد فعل بعينه إذا قمنا به نشعر بعده بالشعور بالملل، فلكل منا له شخصيته المختلفة عن الآخر، فبحسب ما ذَكر موقع “هيلث لاين” (Healthline) المتخصص في الصحة والطب.

أشار علماء الطب النفسي لـ6 أسباب أساسية نشعر بسببها بالملل، ألا وهي:

  • عدم حصولنا على قسط كافٍ من الراحة أو العناصر الغذائية السليمة التي يحتاجها الجسم يوميا.
  • المعاناة من انخفاض مستوى التحفيز الذهني.
  • الألعاب الإلكترونية والرفاهيات.
  • عدم القدرة على التحكم في أنشطتك اليومية، أو قلة الاختيارات.
  • قلة الاهتمامات الترفيهية المتنوعة.
  • الخوف من ارتكاب الأخطاء.
  • عدم القدرة على تقدير وتنظيم الوقت تنظيمًا جيدًا.

يمكن أن يكون للشخص هدف واضح يسعى إلى تحقيقه ولكن بسبب عدم قدرته على تنظيم الوقت تنظيمًا جيدًا يشعر أن كثرة المهام تُثقل كاهله، وكأنه كل يوم يمر يبتعد عن تحقيق هدفه فيشعر بالملل.

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة؛ فالملل في بعض الأحيان شعور طبيعي وشائع بيننا، لكنه يصبح مشكلة حقيقية حين يمنعك من إنجاز مهامك الضرورية وإضاعة الوقت في أمور لا تُثمر ولا تغني من جوع، ويمنحك شعورًا زائفًا بالرضي حين تشتري أشياء لا تحتاجها لكن بدافع الملل.

 كل هذه الأسباب والمشاعر المتضاربة فرصة جيدة للشركات لتكسب من ورائها أرباحا طائلة وتكون سببًا في رفع اقتصاد دول.

يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابِ (الشيطان يحكم): 

“أفيشات السينيمات، إعلانات الصيدليات، عناوين الكتب، مانشيتات الجرائد، صور الكاباريهات، تصرخ: نحن في عصر الملل”.

هل يبدو لك الأمر غريبًا؟ فلتتابع.

طبيعة الحياة الاستهلاكية تصيبنا بالملل

الطريقة التي نقضي بها يومنا منذ الاستيقاظ من النوم إلى العودة إلى السرير مرة أخرى لها تأثير كبير على أفعالنا ومستقبلنا، وشعورنا بالملل.

كثير منا يقضي يومه في استهلاك ما تنتجه الشركات بدلًا من محاولة الإنتاج، لتتحول حياتنا لحالة انتظارٍ وترقُّب لكل جديد تنتجه الشركات من ألعاب ووسائل التقنية الحديثة ومواد للترفيه عن النفس.

والرغبة في شراء وتجربة المنتجات المختلفة، والتلذذ بالمكوِّن السري الذي أضافه المطعم إلى الطبق ليميزه عن المطاعم الأخرى.

 لتضيف إلينا طبيعةُ الحياة الاستهلاكية عاداتٍ جديدة نلجأُ إليها للهروب من الملل، منها ما يصيبنا بالملل على سبيل المثال: 

 الرغبة في الشراء باستمرار

الشراء هنا لا يتوقف على شراء احتياجاتنا الأساسية من مأكل ومشرب فقط، فالإعلانات في كل مكان من حولنا حين نسير في الشارع وعند تصفح الإنترنت. كل شركة تعمل جاهدة لجذب حواسنا واللعب على عواطفنا لتقنعنا بأي طريقة بشراء منتجها، فهناك مقولة تشير إلى أن 80% من دوافعنا للشراء عاطفية، في حين أن 20% من دوافعنا فقط منطقية، لأننا نشتري بعواطفنا ونبرر لأنفسنا بعقولنا.

ما رأيك في هذا القول!

كيف تتلاعب بنا الشركات

 يُخبرنا الكاتب مارتن يندستروم في كتابه الأكثر مبيعًا: Buyology: Truth and Lies About Why We Buy-علم الشراء: كيف تتلاعب بنا الشركات لتبيع منتجاتها.

قسمها الكاتب إلى 4 طرق أساسية:

التقليد

طبقاً لمبدأ الخلايا العصبية المرآتية، فالإنسان بطبيعته يحب تقليد الآخرين فلذلك تستخدم الشركات النجوم ومشاهير السوشيال ميديا للإعلان عن منتجاتها، وبالتالي تحفز الخلايا العصبية المرآتية، ويزيد هرمون الدوبامين في جسم الإنسان وهو المسؤول عن الشعور بالسعادة وبالتالي يرغب في شراء المنتج نفسه.

الرسائل اللاشعورية

عن طريق اللعب بالحواس الخمسة كما في هذه الحالات:

  • يتم تشغيل موسيقى كلاسيكية في بعض المطاعم ومراكز التسوق الكبرى لتجعلنا نشعر بالاسترخاء ونفكر في الأشياء الثمينة.
  • صوت مشروب كوكاكولا وغيرها.
  • صورة الهامبورغر المثالية وقطعة الجبنة تذوب على قطعة اللحم وفي كل مرة نقوم بشرائها نعرف جيدًا أننا لن نتناول نفس الشكل الموجود في الإعلان.

استخدام غريزة الخوف

الخوف من ارتكاب الأخطاء من أحد مسببات الملل، فتستخدم الشركات في الإعلانات الخوف بصورة محاكاة لما يحدث لنا في الحياة اليومية وتحذر ما قد يحدث في حالة عدم استخدامك للمنتج مثل:

  • عدم استخدام نوع معين من معجون أسنان سيجعلك تصاب بالتسوس.
  • عدم استخدام الشامبو سيصيب الشعر بالتلف وتتعرض لمواقف محرجة.
  • إعلانات ديتول التي تحميك من الجراثيم وتحافظ على صحتك وغيرها من الإعلانات التي تعمل على تحذيرك من شيء معين فقط لتشتري المنتج.

فكرة الانتماء

تستخدم هذه الطريقة من قبل الشركات العملاقة وأكبر مثال على ذلك: شركة أبل، النادي الأهلي، نادي الزمالك.

يقول إن الشركات التي تستخدم تلك الطريقة تستطيع أن تُسوِّق لنفسها على المدى الطويل لأنها استطاعت أن تخلق لنفسها مكانة مختلفة لدى الشخص وتشعرك بأنها ليست مجرد منتج تستخدمه في حياتك اليومية بل أصبحت أسلوب حياة وجزءا من معتقداتك تنتمي إليه وتدافع عنه.

فدراسة سلوك المستهلك وما الذي يدفعه لىشراء سيظل دائمًا مجالا للبحث والدراسة لعلماء النفس.

الملل يساعد على الشراء

في دراسة أجراها عدد من الباحثين في جامعة بوراس السودية بمعهد Institute for Innovative Retailing، بعنوان:

Clicking the boredom away – Exploring impulse fashion buying behavior online” – النقر فوق الملل.

حيث تُلقي الورقة البحثية الضوء على أهمية الشعور بالملل في التسويق الاندفاعي، وتفتح الباب لمزيد من دراسات على نطاق أكبر. 

فتكشف الدراسة أن الدافع لعمليات الشراء للمستهلكين الشباب في قسم الموضة عبر الإنترنت غالبًا هو الملل، موضحة أن ذلك يعود سببين:

الأول: في الغالب يستجيب المستهلك للمحفزات ويكون ذلك بسبب الرغبة في كسر الروتين.

الثاني: أن الشخص يشعر بالملل فيستجيب بسهولة للمحفزات الخارجية مثل:

  • السعر.
  • التوصيل المجاني.
  • سهولة الوصول.

فينظر إليها على أنها وسيلة للتخلص من الملل، وتقترح أن يختار تجار التجزئة استراتيجية تعتمد على قيمة العملاء ورضاهم. 

ومن العادات الأخرى التي اكتسبوها بطبيعة الحياة.

إدمان التكنولوجيا ووسائل الترفيه 

استخدام التكنولوجيا والترويح على النفس بين الحين والأخر بوسائل الترفيه المختلفة أمر لا بأس به ويعود بالنفع، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الاستخدام المفرط الذي يصل إلى حد الإدمان.

في حين يعتقد البعض أنها وسيلة جيدة لكسر الشعور بالملل الذي يُصيبنا من رَتابة الحياة التي نعيشها، فيتنقل بين قنوات التليفزيون ومنصات الترفيه المختلفة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات فيخرج من قصة إلى أخرى، وغير ذلك من وسائل الترفيه مثل إدمان وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن أن نصنف إدمان وسائل التواصل الاجتماعي على أنه الإفراط الشديد والحاجة الملحة لاستخدام شبكات التواصل المختلفة دون وجود حاجة فعلية، فتصبح جزءا من يومه ولا يتصور كيف يمضي الوقت بدونها، فتؤثر سلبيا على حياته اليومية.

ففي كل مرة يتلقى فيها الشخص إعجابًا أو تعليقا أو متابعة يُطلق المخ ناقلات عصبية فيشعر الشخص بالرضا، ويرغب في المزيد من المشاركات.

لكن الحقيقة وسائل التواصل الاجتماعي تسرق منك الوقت دون أن تشعر، وتعطيك شعورًا زائفا بمشاعر مختلطة مثل:

  • التواصل الاجتماعي.
  • كسر الملل.
  • الرضا والشعور بالإنجاز.

والعديد من المشاكل النفسية الأخرى لسنا بصدد ذكرها هنا ربما في مقال آخر.

كما ذكر دكتور مصطفى محمود- عصر التكنولوجيا

إدمان الألعاب الإلكترونية

في الوقت الحالي انتشرت الألعاب الإلكترونية فحازت على شعبية كبيرة، أصبح يُقام لها المؤتمرات، وينتظرها الآلاف، فجذبت الصغير والكبير.

فحين تبدأ باللعب وتبدأ بالتقدم فتهزم الوحش أو تنتقل إلى مستوى، الشعور في هذه الحالة أقرب إلى الإثارة منه إلى السعادة.

الأدرينالين هو المسيطر هنا.

حيث تقوم الخلايا العصبية في الدماغ بإفراز هرمون الأدرنالين المسؤول عن الشعور بالإثارة.

لكن حين يقضي الشخص ساعات يومه بين ألعاب مليئة بالأكشن والحماس، تحتاج منه إلى انتباه وتركيز شديد، يصعب عليه التركيز في أي شيء آخر من الأعمال المهمة، وسرعان ما يصاب بالملل، ويرغب في تحفيز جديد.

دراسة عن تأثير ألعاب الفيديو للهاربين من الملل

في دراسة أجرها عدد من الباحثين في قسم علم النفس جامعة واترلو بكندا، أن تأثير ألعاب الفيديو يمكن أن يكون ضارًا على الذين يلعبون بدافع الهروب من الملل والمشاعر السلبية، كانت النتائج كالآتي:

حالة التدفق – flow state

وجدوا أن الأشخاص يميلون إلى الدخول في حالة التدفق وهي حالة تركيز عميق دون الحاجة إلى بذل مجهود في نشاط عقلي يُذكر، فقط التركيز على الهروب من الزمان والمكان، لكن اللعب لا يقلل من الشعور بالملل، إنما وسيلة جيدة للهروب.

الحماس الشديد

يمكن الشعور أثناء اللعب بالحماس الشديد والإثارة والتركيز وتقليل الشعور بالملل والرتابة، لكن الرغبة المتزايدة في التخلص من الملل يمكن أن تؤدي إلى السلب.

فحين يزداد وقت اللعب يتسلل إلى البعض الشعور بالملل من جديد، بينما الآخرون يشعرون دائمًا بالحماس الزائد لمواصلة اللعب ليصل إلى حد الإدمان ويمكن أن يُصابوا بمشاكل أخرى كالاكتئاب.

الفرق بين اللاعبين العاديين والهاربين من الملل.

وفي اختبار تم إجراؤه على أشخاص يلعبون للهروب من الملل وبين آخرين يُخصصون وقتا محددا للعب، ما إذا سيختارون لعب لعبة تتوازن بين التحدي والمهارة التي تساعدهم للوصول إلى حالة التدفق، أم لعبة أسهل تُولد حالة تدفق أقل، كانت النتيجة أن الأشخاص الذين يلعبون بدافع الهروب يُفضلون اللعب بشكل متكرر ولساعات أطول.

ولذلك يشجع الباحثون مصممي الألعاب على التفكير في تصميم ألعاب أكثر مسؤولية وتساعد اللاعبين مثل وجود خيار مسبق يسمع بتحديد مدة اللعب.

إذًا كيف يمكن أن نتخطى الشعور بالملل..؟

علاج الشعور بالملل

هل فكرت يومًا في لغز، كيف يمكن إخراج دجاجة من داخل الزجاجة؟

ببساطة، مَن أدخلها أول مرة يعرف كيف يخرجها، هكذا الأمر في التخلص من الملل إذا عرفت الأمور التي تُصيبك بالملل فتجنبها وإليك بعض النصائح:

  • تغيير المكان والسفر إلى أماكن لم تزرها من قبل.
  • البحث عن وظيفة جديدة.
  • الانضمام إلى العمل التطوعي.
  • الاستمرارية ومكافحة الشعور بالملل.
  • ممارسة الرياضة.
  • الابتعاد عن الأنشطة التي تُصيبك بالرتابة.
  • قضاء المزيد من الوقت في الأنشطة الاجتماعية كزيارة الأهل والأصدقاء.
  • تعلم مهارة جديدة.

لكن في بعض الأحيان إذا اشتد الأمر فأنت بحاجة إلى يد للمساعدة وزيارة الطبيب لا تقسُ على نفسك.

وكان العرب يقولون قديمًا: «عالج آفة الملل بكثرة العمل».

المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى