هل نجحت الأمم المتحدة في تحقيق الأهداف التي أعلنتها منذ التأسيس؟

بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء على دول المحور، شهد العالم فراغًا دوليًا بسبب سقوط عصبة الأمم المتحدة بفعل الغزو الألماني لكثيرٍ من الدول الأوروبية، وعجزها عن منع حدوث حربٍ عظمى على غرار الحرب العالمية الأولى، لذلك تم إنشاء الأمم المتحدة لتحل محل عصبة الأمم عام 1945م بموافقة 51 بلدًا، ولتضمَّ كافة دول العالم المستقلة، ولتحقق عددًا من الأهداف أهمها الحفاظ على السلم العالمي، والتدخل لحماية الشعوب والأمم المضطهدة، ومنع عدد من الجرائم الدولية، مثل الاتجار بالبشر، والإرهاب، ومكافحة الفقر، ومساعدة اللاجئين وإعادتهم لأرضهم.

نظام الأمم المتحدة

تتكون الأمم المتحدة من دول العالم المستقلة الراغبة بالانضمام لها، والتي يبلغ عددها اليوم 193 دولة، وتتألف الأمم المتحدة من مجموعة من المؤسسات مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين الدولية، ومنظمة العدل الدولية، ومجلس الأمن الذي يختص بفصل النزاعات بين الدول، وإصدار القرارات للفصل بين الدول المتخاصمة، ويضم مجلس الأمن خمسة دول دائمة العضوية تعرف بالدول الخمس الكبرى هي: أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وتمتلك هذه الدول حق النقض (الفيتو) الذي يتيح لأي واحدةٍ منها منع مرور أي قرار في حال التصويت عليه.

الأمم المتحدة والقضية الفلسطينية

واجهت الأمم المتحدة منذ تأسيسها اختبارات مفصلية مسَّت مدى مصداقيتها في تنفيذ أهدافها التي أُنشِئت لأجلها، ولعل من أهم هذه الاختبارات هي القضية الفلسطينية التي بدأت بالظهور على الساحة الدولية عقب الحرب العالمية الثانية، ونشاط الهجرة اليهودية إليها، وتسليح عصابات اليهود الذين شاركوا في الحرب العالمية بسلاح الجيش البريطاني الحديث، وقيام هذه العصابات بالإغارة على القرى والبلدات الفلسطينية، فلجأ العرب إلى الأمم المتحدة لإيجادِ حلٍّ لهم أمام الإرادة البريطانية التي تصر على تنفيذ وعد بلفور، ومنح فلسطين لليهود لإنشاء وطنٍ قوميٍ لهم.

وقد كان قرار الأمم المتحدة الذي جاء بدعمٍ غربيٍّ مخيِّبا لآمال العرب، وبشرى سعيدة للعصابات اليهودية والحكومة البريطانية التي عدَّت قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 نافذًا وسيتم تنفيذه، وقد شمل منح اليهود ما مساحته 55% من أراضي فلسطين، الأمر الذي رفضه الفلسطينيون والعرب، ولم يجد قبولًا إلا عند الملك عبد الله الأول الذي فضل التقسيم على الحرب التي كان يعلم أنها لن تكون في صالح العرب، لكنه على الرغم من ذلك تخلى عن تأييده، وأمر بإرسال الجيش الأردني لفلسطين عند انسحاب القوات البريطانية منها لقتال اليهود.

وقد كان لقرار الأمم المتحدة أن جعل لليهود قاعدة دولية شرعية تبيح لهم الأعمال العسكرية ضد الفلسطينيين، وتهجيرهم، وطردهم من ديارهم بحجة تنفيذ قرار التقسيم، الذي دعمته دول العالم لا سيما بريطانيا وأمريكا، ونتج عنه احتلال مساحاتٍ واسعة من فلسطين، وطرد الآلاف من أهلها، الذين لم يجدوا دعمًا من الأمم المتحدة سوى الخيام وبعض المساعدات الغذائية التي لم تعوضهم عن نكبتهم في أرضهم.

وقد أعقب تهجير أبناء فلسطين واحتلالها أزمةً إنسانيةً ودوليةً في العالم أجمع، إذ بدأ العالم يعاني من أزمة لجوءٍ كبيرة لم يشهد مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، إضافةً لوقوع جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين، والتي أخذت تتكرر من قبل الاحتلال حتى يومنا هذا، وقد قدمت الأمم المتحدة خدمةً جليلة للاحتلال بمنع أي إجراءاتٍ دولية عقابية بحقه، إذ إنَّ الولايات المتحدة استعملت حقها في استخدام قرار النقض الفيتو حوالي 43 مرةً لمنع أي إدانةٍ أو تدابير عقابية لجرائم الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين والعرب، الأمر الذي جعل  الوسط الإسلامي منذ عام 1948م في حالة عدم استقرار تتحمل الأمم المتحدة مسؤولية كبيرة تجاهها.

أزمة حرب الخليج وموقف الأمم المتحدة منها

شهد العالم بعد القضية الفلسطينية العديد من الصراعات والمآسي التي وقفت الأمم المتحدة عاجزةً أمام حلها بسبب هيمنة الدول الخمس دائمة العضوية عليها، إذ مارست هذه الدول حريةً في ارتكاب الجرائم وافتعال الحروب مع دول العالم لا سيما الدول النامية الضعيفة التي لم تجد من يناصرها أمام طغيان تلك الدول، فنجد تغول الولايات المتحدة في أكثر من مكان في العالم، وإطلاقها أكثر من غزو عسكري في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، الذي تمت محاصرته لأكثر من 12 عاما بحجة وجودِ أسلحة دمارٍ شامل فيها، واتهام النظام العراقي بدعمه للإرهاب، فتم تشكيل تحالفٍ دولي من أربعين دولةً تحت مظلة الأمم المتحدة لغزو العراق، وكان ذلك في العام 2003، إذ تمت مهاجمة العراق واحتلاله وتفتيشه دون جدوى للعثور على أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها أصلًا، وظهرت فيما بعد حقيقة الغزو الأمريكي الرامي للسيطرة على الموارد النفطية العراقية، مما أوقع الأمم المتحدة في أزمةٍ أمام دول العالم وذلك بسبب دعمها للغزو الأمريكي الذي لم يكن له حاجةٌ في الأساس ومساعدتها في تشكيل حلف كبير لإتمام ذلك، مما أدى إلى تدمير العراق وتشريد أهله، وزعزعة استقرار الوسط الأسلامي حتى يومنا هذا.

موقف الأمم المتحدة من البرنامج النووي الإيراني

الأمم المتحدة

ظهر البرنامج النووي الإيراني للعلن منذ عهد الشاه في بداية السبعينيات من القرن الماضي، لكنه توقف بعد الثورة الإسلامية في إيران، ثم استُئنف العمل فيه في مطلع الثمانينات لكنه عاد للتوقف بعد تدمير العراق للمنشآت النووية الإيرانية خلال الحرب بينهما، ليعود أخيرًا للظهور في العام 2006 بعد إعلان إيران رفع قدرتها في تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي أدى إلى إحداث قلق في الساحة الدولية يتمثل في الخوف من امتلاك إيران لأسلحة الدمار الشامل، بسبب تشدد نظامها وعدم اتزانه، وخوفًا على الكيان الصهيوني من أي هجومٍ نووي، لذلك تم تحويل ملف إيران النووي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمجلس الأمن الدولي، بعد رفض إيران تخصيب اليورانيوم خارج أراضيها، أو السماح لأعضاء الوكالة الذرية بمراقبة المحطات النووية الإيرانية، وقد أدى هذا التحويل إلى فرض عقوباتٍ عسكرية واقتصادية شديدة على إيران وعلى أي جهة أو شركة تقوم بالتعامل معها، لكن إيران كانت قد وجدت لنفسها حليفًا قويًا وهو روسيا، إذ استوردت إيران العديد من أنظمة الدفاع الجوي لحماية سمائها من أي هجوم أمريكي محتمل، لا سيما بعد تهديد الولايات المتحدة بتدمير منشآت إيران النووية، وهنا ظهر ضعف الأمم المتحدة وعدم قدرتها على معاقبة الدول القوية والدول التي تتلقى الدعم منها، في حين أنها تمارس إجراءات قاسية بحق الشعوب والدول الضعيفة، بل وتغض الطرف عما تعانيه من مآسٍ ومصاعب، فلا زالت القضية الفلسطينية معلقةً إلى يومنا هذا دون تجريم أو معاقبة المجرمين من الاحتلال الإسرائيلي، وأيضا تدمر العراق وتهدمت بنيته التحتية بسبب الغزو الأمريكي دون أن يتم محاسبة مفتعلي هذا الغزو الذي كان خطأً منذ البداية، ولا زالت إيران تسعى لامتلاك سلاحٍ نووي يثير الرعب في منطقة  الوسط الإسلامي، لكون إيران تسعى إلى فرض المذهب الشيعي في البلاد العربية، واحتلال عواصمها ومحاربة أهل السنة والجماعة، فمنذ أن أسقط شاه إيران، وحلّ فيها نظام الولي الذي اكتسب طابعًا دينيًا شيعيًا يتحكم به المرجع الشيعي، بدأت إيران تحاول تصدير ثورتها للعالم العربي لإنشاء ما يعرف بالهلال الشيعي، فاندلعت الحرب العراقبة الإيرانية لمدة ثماني سنوات، تأخر بسببها المد الشيعي للمنطقة، لكنه عاد بقوة بعد عام 2003، وأخذ يتمدد في العالم العربي مما جعل منطقة الوسط الإسلامي منطقة صراعات لا تنتهي بين أقطاب العالم ودوَله، ولتبقى الأمم المتحدة عاجزة ومسيَّرة حسب إرادة الدول الخمس الكبرى، إذ تتضاءل كل يوم نسبة ثقة شعوب العالم بمصادقية وفاعلية الأمم المتحدة، فهي منظمة مهزوزة بالأساس، وتتخللها الازدواجية في كافة مناحيها.

المصادر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى