فشل المهام العسكرية في تحقيق أهدافها – القدرات العسكرية بعد أفغانستان

عندما يدرك أفراد الخدمة العسكرية حقيقة الفشل الحاصل في مهمة عسكرية ما مثل تلك التي حدثت في أفغانستان، يشرعون فوراً بمراجعة أنفسهم حول قيمة التضحيات الشخصية والعائلية التي قدموها لدعم هذه المهمة، وقد لا يكونون على استعداد لتقديم التضحيات ذاتها في أية مهام قتالية مستقبلية، وهذا ما يطلق عليه الكاتب اسم “Mission Failure” أي “فشل المهام العسكرية في تحقيق أهدافها المحتملة” وربما نسميه مجازاً بالتبعات المحتملة للمهام القتالية على نفسية الأفراد المنخرطين في مثل هذه المهام ونظرتهم السلبية حول جدوى تكرارها دون تحقيق أية أهداف معلنة. وقد يترتب على هذه الحالة لاحقاً قضايا متعددة متعلقة بالقدرة على استبقاء الجنود القدامى وتجنيد الآخرين بما يحط من القدرات العسكرية للبلاد ضد أية تهديدات مستقبلية، كما يطرح الكاتب رأيه حول تخفيف هذه المخاطر، إذ يتعين على الجيش الأميركي أن ينفذ تغييرات مؤسسية في هيكل الحياة العسكرية بما يخفف من وطأة التضحيات الشخصية والعائلية التي تتطلبها الخدمة العسكرية الأميركية.

لقد أتاح سقوط أفغانستان فترة من التأمل والاعتبار لأفراد الخدمة العسكرية الأميركية الذين شاركوا لمدة عقدين في الحرب العالمية على الإرهاب والعمليات العسكرية العالمية المستمرة ضد الإرهابيين بعد عام 2013، حيث أثار الانهيار المفاجئ للحكومة الأفغانية بعد انسحاب القوات الأميركية صدمة كبيرة بين جميع أفراد الخدمة العسكرية من الذين قضوا وقتًا معيناً في تلك البلاد أو دعموا العمليات القتالية عن بعد أو شاركوا في العمليات المؤسسية لوزارة الدفاع لدعم العمليات القتالية هناك. ويرى الأميركيون جلياً ردود أفعال العديد من أفراد الخدمة العسكرية على ما أظهرته المؤشرات المرئية لفشل الولايات المتحدة في أفغانستان عبر لقطات متلفزة أظهرت الأفغان المحليين يتجمعون حول السفارة الأميركية في كابول والفوضى الحاصلة في القواعد العسكرية الأميركية وهروب بعض اللاجئين على متن آخر طائرة تغادر البلاد. ومع ذلك، يجب على الأميركيين أيضًا أن يدركوا المآسي الخفية التي تثقل كاهل العديد من أفراد الخدمة العسكرية في أعقاب سقوط أفغانستان. حيث تسببت العمليات البنيوية والمؤسسية التي يمر بها جميع أفراد الخدمة منذ عام 2001 بمآسٍ خفية لا ترى في زخم الصراع والقتال، كما لا يبدو  أن الولايات المتحدة الأميركية في صدد التعاطي مع هذه المآسي مستقبلاً.

في السنوات الأخيرة، ركز الباحثون والعسكريون بشكل متزايد على الأذى المعنوي والأخلاقي الذي يلحق بالأفراد أثناء بذل الجهود في الحرب، ولكن لم يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام للأسباب التي قد تجعل الأفراد يشككون فجأة في الهدف النهائي من وجودهم في الجيش ومتطلباته المؤسسية، وعلى وجه التحديد، عندما يواجه أفراد الخدمة فشلاً محسوسًا في مهمة مثل تلك التي حدثت في أفغانستان، فقد يعيدون النظر فيما قدموه من تضحيات شخصية وعائلية ولا يشعرون بعد الآن بالرغبة في بذل التضحيات ذاتها في أية مهام مستقبلية. وعليه يجب على الجيش الأمريكي تقييم التأثير الذي قد يخلفه هذا الشعور بالفشل في تحقيق أهداف المهام القتالية على جاهزية القدرات العسكرية في المستقبل.

إن استكشاف هذه الديناميكيات يكشف عن الأعباء التي يتحملها أفراد الخدمة وأسرهم كعناصر أساسية في الخدمة العسكرية. وفي حين كون هذه الأعباء كامنةً لا تُرى، إلا أنها ظهرت وأثقلت من كاهل العديد من أفراد الخدمة في هذه الفترة المعاصرة من التأمل والاعتبار بعد سقوط أفغانستان. ونتيجة لهذا، يتساءل أفراد الخدمة الآن عن الجدوى من هذه المهام ومن العمليات العسكرية الأخرى في الحرب ضد الإرهاب. ويتطلب التأثير المحتمل لفشل هذه المهام على القدرة على الاحتفاظ بالأفراد العسكريين استجابة مؤسسية من وزارة الدفاع وقادة الولايات المتحدة. حيث يتعين على الجيش الأميركي إجراء تقييم شامل للتحديات البنيوية المصاحبة للحياة العسكرية من أجل الحفاظ على قوة مستعدة لمواجهة تهديدات الأمن القومي في المستقبل. ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تولي اهتماماً أكبر للأعباء الخفية التي تؤثر في الخدمة العسكرية، ويجب عليها إعادة تصميم المؤسسات العسكرية الأميركية لتخفيف هذه الأعباء. إذ إن الفشل في القيام بذلك من شأنه أن يؤدي إلى فقدان لب القوة العسكرية التي تشكل أهمية بالغة في دعم المصالح الوطنية الأميركية والدفاع عنها في العقود القادمة.

النظرة الفلسفية حول مفهوم فشل المهام القتالية في تحقيق أهدافها

تمر المؤسسة العسكرية في البلاد بفترة من المراجعة الذاتية بعد السقوط المدوي لأفغانستان، وتنشأ حالة “فشل المهام القتالية” من التشكيك في قيمة المهمة وجدواها في ضوء التضحيات الشخصية والعائلية المطلوبة لدعم هذه المهمة. وتعد الحالة بذاتها صدمة نفسية تحدث عندما يصل الفرد العسكري إلى نتيجة مفادها أن جميع التضحيات المبذولة لا تساوي أبداً قيمة النتيجة المتحققة للمهمة. ومن بين أولئك الذين يشعرون بالتأثير السلبي بانهيار أفغانستان، قد يدخل البعض في فترة من الاعتبار النفسي تتضمن الاعتراف بالأذى المعنوي أو الإحباط بسبب الفشل في تحقيق الأهداف المنشودة أو كلاهما، وفي كلا الحالتين، تؤثر هذه الصدمات النفسية سلبًا على قوة القدرات العسكرية المستقبلية للبلاد.

آلية فشل المهام القتالية في تحقيق جدواها

إن فشل تحقيق أهداف مهمة ما يختلف عن الفشل المعنوي أو الأخلاقي، فالأذى المعنوي “نوع معين من الصدمات التي تتسم بالشعور بالذنب والأزمة الوجودية وفقدان الثقة التي قد تتطور في أعقاب انتهاك أخلاقي مُدرك”. ومن ناحية أخرى، لا يرتبط مفهوم فشل المهام القتالية بأفعال فردية منفصلة، بل تنشأ من تقييم الفرد نفسه للغرض الاستراتيجي والمؤسسي للمسعى العسكري وراءه. فعندما ينظر أفراد الخدمة إلى المهمة على أنها مبررة وصالحة، فإنهم يميلون إلى النظر إلى التضحيات لدعم تلك المهمة على أنها ضرورية، في حين إذا أثيرت لديهم بعض الشكوك حول جدارة المهمة أو نجاحها المحتمل، كما هو الحال مع أفغانستان، فإنهم يترددون في تقديم التضحيات المطلوبة مؤسسيًا لدعم تلك المهمة. وإذا حدث هذا، فقد يتركون الخدمة العسكرية سعياً وراء بيئة مؤسسية لا تتطلب مثل هذه التضحيات الشخصية والعائلية مثل العمل في القطاع الخاص. وقد يتسبب هذا التحدي المتمثل في الاحتفاظ بالموظفين أيضًا في حدوث مشكلات في التجنيد والاستقطاب، إذا لاحظ أفراد الخدمة المحتملون هجرة الأفراد وقرروا عدم الانضمام إلى الجيش نتيجة لذلك. وباعتبار كون وزارة الدفاع مؤسسة، فإنها تستطيع التخفيف من مخاطر العجز في الاحتفاظ وصعوبة التجنيد الذي تسببه مثل هذا النوع من الإخفاقات في تحقيق أهداف المهام العسكرية من خلال إعادة هيكلة الديناميكيات المؤسسية للحياة العسكرية لضمان رفاهية أفراد الخدمة وأسرهم.

فيما يلي نص رسالة يكشف حجم وعمق التساؤلات التي يطرحها العديد من أفراد الخدمة في سياق ما بعد أفغانستان من أجل تقييم تضحياتهم الشخصية والعائلية في ضوء الفشل الملحوظ للجهود الأمريكية في أفغانستان.

رسالة إلى المحرر: “عندما تشكر محاربًا قديمًا، 2022”

     “لقد كان الاحتفال بيوم المحاربين القدامى مختلفًا هذا العام، إذ أننا عادة نقضي هذا اليوم في التفكير في جدوى خدمتنا وقضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء، لكن كان هذا العام كان مختلفًا. فمنذ سقوط أفغانستان، نشعر بألم عميق ومربك لم نختبره منذ الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001. اعلموا أننا نحاول التخلص من ذكريات وتجارب حية استمرت عقدين من الزمن وكانت خفية حتى الآن، وما زلنا نعاني. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، انخرطنا بأعمال قتالية وحروب في خدمة أمتنا، بل واقتحم بعضنا غمار النار وحفرنا التراب والصخر بأظافرنا وشممنا البارود وتذوقناه بأفواهنا أثناء قيادتنا الطويلة عبر الصحاري والقفار وعبر تحليقنا فوق أراضٍ أجنبية نائية، وآخرون منا خاضوا حروباً عن بعد وشاهدوا أكبر الشخصيات المطلوبة على الشاشات وهي تنفجر بضغطة زر من على بعد آلاف الأميال.”

     “عندما أدرك قادتنا أن الصدمة والتوتر تركا ندوباً عميقة فينا، رحبنا بعروض الكلاب المصاحبة (العلاجية) وتساءلنا دائما إذا كان ثم ما يمكنه محو ذكرى الأجساد الممزقة والحياة المدمرة من أنفسنا. لقد بنينا شبكات دعم لدرء التوتر والضيق، ثم تجاوزنا كل هذا – مرة بعد مرة –. ومجدداً، عادت لنا الذكريات الأليمة إذ تخلى أزواجنا عن حياتهم المهنية، وترك أطفالنا بعيون ملؤها الدموع جميع أصدقائهم. وبعد فترة أخرى من الاضطرابات والتقلبات، فقدنا شبكات معارفنا وجميع تواصلاتنا مع الآخرين بل وفقدنا عائلاتنا أيضاً. لطالما عنت السنوات التي قضيناها في الخدمة أو المهام القتالية وإرسال تعابير الحب والامتنان عبر الشاشات أننا سنعود إلى الوطن أشخاصاً مختلفين وإلى أشخاص مختلفين، ينتظرنا الانفصال أو الطلاق أو العيش بغربة وسط مجتمعاتنا.”

     “وحتى بعد عودتنا للديار، استمرت خسائرنا المتوالية إذ سقط زملاؤنا وأصدقاؤنا ضحايا للعبوات الناسفة والحوادث والهجمات هناك، ما جعل من خسائرنا هنا أكثر إيلاماً. هل فشلنا عندما عدنا للوطن لنجد ما لا يمكن تصوره؟ لا ينبغي لنا أن نتجاهل الأعراض حتى لو كنا نعلم أنه ليس في وسعنا المساهمة بإنقاذ الضحايا فالوقت ليس في صفنا. نحن نطالب ونسعى دائماً للحصول على الاستشارات وضمان خدمات الصحة العقلية، لكننا نصطدم بالوصمة المنتشرة ضد مثل هذه الخدمات في أواسط الجيش. رغم إيماننا بمهامنا وأمتنا إلا أن الصدمة والاضطراب كانا جزءًا من الصفقة، وبطريقة ما، كان الأمر يستحق ذلك لأن قضيتنا عادلة. أخبرنا قادتنا أننا نقوم بعمل الله، وصدقناهم. كان علينا أن نفعل ذلك. ولكننا نتساءل الآن. هل استحق الأمر كل هذه التضحيات الجسيمة؟ هل فاتنا حضور ولادة أطفالنا وتقديم العزاء عند وفاة والدينا بلا جدوى؟ هل كنا نحارب حقًا محور الشر، أم كنا نتسبب في انتشاره؟ لم نضطر قط إلى طرح مثل هذه الأسئلة على أنفسنا من قبل، عندما كنا ندافع عن وطننا ضد الإرهاب، لكننا نطرحها الآن، وليس لدينا إجابات لها.”

      “إن العبء التراكمي لخدمتنا يثقل كاهلنا جميعًا، وعلى الرغم من كل الاستعراضات الوطنية، فقد كانت حقيقة عقدين من الحرب بيننا نحن، وليس بينكم. ولا نتمنى لكم أن تتحملوا هذا العبء. لقد اخترنا هذه الحياة حتى لا تضطروا أنتم إليها. لم نكن نعرف التكلفة الكاملة عندما بدأنا هذه الرحلة منذ فترة طويلة، لذا نرجو أن تسامحونا إذا أبدينا حذراً زائداً في ردودنا عند شكركم لنا على خدمتنا. نعم، نحن متألمون ومتعبون، ونشعر بالحزن على كل ما رأيناه وفعلناه!”

وحظيت التحديات الجلية التي تواجه الخدمة العسكرية منذ فترة طويلة بدعم مؤسسي كبير، فعلى سبيل المثال أدى نمو استخدام عمليات الطائرات بدون طيار في الحرب ضد الإرهاب إلى زيادة الاهتمام بحقيقة مفادها أن “مشغلي المركبات الجوية التي تعمل بدون طاقم داخل المؤسسة العسكرية أصبحوا أيضاً من المتضررين بشكل متزايد بسبب الضغوط والصدمات الشديدة التي يتعرضون لها”. وبالإضافة إلى هذه الجوانب، يتعين على المؤسسة العسكرية الأميركية والمجتمع الأميركي الأوسع نطاقاً أن يدركا النتائج السلبية غير الملموسة التي تشكل الديناميكيات البنيوية المصاحبة للحياة العسكرية مثل التنقلات المتكررة، وتفويت المناسبات العائلية والشخصية بسبب الخدمة والمهام المؤقتة، وارتفاع معدلات الطلاق بين أفراد الجيش، والعقبات التي تحول دون تحقيق أزواج العسكريين للتقدم الوظيفي أو القيام بعلاقات اجتماعية، والصراعات النفسية المستمرة. تؤدي كل هذه التحديات غير المحسوسة في الحياة العسكرية إلى نتائج سلبية على الصحة العقلية والقدرة على الصمود في وجه مصاعب الحياة كما هو الحال مع التجارب العسكرية المحسوسة.

وعلاوة على ذلك، مع انهيار أفغانستان، قد يفكر بعض أفراد الخدمة في هذه التحديات غير الملموسة لأول مرة، ومع هذا التأمل يأتي التساؤل التالي: هل كانت التكاليف التي تتحملها الأسرة والاستقرار والصحة العقلية مبررة إذا انتهت المهمة بالهزيمة؟ في خضم العمليات القتالية، غالبًا ما يكون من الضروري إدراج المخاوف بشأن التوازن بين العمل والحياة واحتياجات الأسرة ضمن الطلب على تجسيد “أخلاقيات المحارب”. ومع ذلك، عندما تنتهي مهمة المحارب، تطفو هذه المخاوف على السطح، وتبدأ فترة التأمل والاعتبار بما مضى، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى ما أسميناه سابقاً بفشل تحقيق أهداف المهام القتالية وتأثيرها السلبي على نفسية المقاتل، حيث يتساءل أفراد الخدمة إذا كانت المهمة العسكرية الفاشلة لا تزال مبررة بالنظر إلى التكاليف التي تتحملها الصحة الشخصية والعائلية اللازمة لمواصلة هذه المهمة على مدى عقدين من الحرب. وقد تؤدي أيضاً إلى عدم رغبة أفراد الخدمة في تقديم المزيد من التضحيات الشخصية والعائلية من أجل هذه المهمة أو غيرها، الأمر الذي ينعكس سلباً على قضايا الاحتفاظ بالقدرات العسكرية مستقبلاً.

إن التفكير في الاستقرار الذي ضحى به في سبيل دعم المهمة العسكرية قد يؤدي إلى تقييم سلبي للمهمة الاستراتيجية للجيش نفسه وللمؤسسة التي تتطلب هذه التضحيات. فالفشل في تحقيق أهداف مهمة ما ينطوي أحياناً على فشل أخلاقي، ولكنه يتجاوز المستوى الفردي. حيث قد يفكر أفراد الخدمة المحبطين بسبب الفشل في تحقيق أهداف المهام العسكرية بشكل ناقد للمؤسسات التي أنشأها الجيش لدعم الحرب ضد الإرهاب واستدامتها: ما هي الهياكل التي بنتها وزارة الدفاع لدعم عشرين عاماً من القتال؟ وهل كانت هذه الأنظمة عادلة فيها؟ أثناء العمليات القتالية، قد لا ينظر أفراد الخدمة في هذه القضايا، وخاصة عندما يظل السبب الدافع للعمليات قائماً، ولكن عندما تفشل المهمة التي تدعمها كل هذه العمليات، فإن فترة التأمل والاعتبار تكشف عن مثل هذه المخاوف.

الحد من آثار الإحباط المترتب على الفشل في تحقيق أهداف المهام العسكرية

لطالما كانت ممارسات الاحتجاز غير المحدد في معتقل “غوانتانامو” وتجاوزات وكالة الأمن القومي في المراقبة والتجسس وصمة عار كبيرة في سجل العمليات الأميركية منذ عام 2001. وإذا لم يعترف القادة العسكريون بالضرر المحتمل الذي يفرضه الأثر الناجم عن أداء المهام على قوة مرونة القوات العسكرية اليوم، ولم يحاسبوا عليه، فإن الجيش يخاطر بإلحاق الضرر بهذه القوة العسكرية في أي صراع مستقبلي. وعند النظر في حالة الهزيمة في أفغانستان والاحباطات التي يواجهها أفراد الخدمة والناجمة عن فشل تحقيق أهداف المهام، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها ببساطة أن تحاول تغيير طبيعة الحرب لأجل التخلص من هذا العبء الثقيل.

إن دور الجيش يكمن في إدارة وتنفيذ العنف نيابة عن الدولة، وهذا ما لن يتوقف أبداً. وبدلاً من ذلك، يتعين على الجيش أن يخفف من التنازلات التي يواجهها أفراد الخدمة بين الحفاظ على الصحة الشخصية والعائلية وإكمال المهام العسكرية. وإذا كانت حالة الإحباط بسبب فشل تحقيق أهداف مهمة ما تنطوي على التفكير في التضحيات المقدمة على مذبح الحياة العسكرية، فإن العمل على تخفيف هذه الحالة يجب أن يشمل تقليل أو تجنب هذه التضحيات عندما لا تكون ضرورية تمامًا لإنجاز المهمة العسكرية. وقد بدأت وزارة الدفاع بالفعل في الاعتراف بمتطلبات الحياة العسكرية في محاولة لتخفيف بعض هذه التضحيات. حيث تضم بعض القوانين المرتبطة بالأمن القومي العام أحكاماً لدعم مهن أزواج العسكريين وزيادة إجازة الوالدين إلى 12 أسبوعًا لأفراد الخدمة. وأصبحت قيادة الوزارة الآن أكثر صراحة بشأن الدور الحاسم لدعم الصحة العقلية لأفراد الخدمة، والجهود المبذولة لدعم الآباء العسكريين في الموازنة بين العمل والأسرة هي خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات تمثل تعديلات سياسية مجزأة، وكثيراً ما تظهر كنتائج مكتسبة بشق الأنفس من خلال العمل التطوعي بدلاً من التغييرات النظامية التي تقودها المؤسسات، وخاصة منذ أن اختفت كل الجهود السابقة لمراجعة هيكل القوة العسكرية في خضم صراعات القوة البيروقراطية.

وللتخفيف من حدة هذه المشاعر السلبية خلال فترة التأمل والاعتبار، يتعين على الأمة ووزارة الدفاع إعادة تصميم شاملة لكيفية بناء الحياة العسكرية من أجل دعم واستدامة قدرات عسكرية قوية مستعدة لأية صراعات مستقبلية. وهنا التوقيت والتسلسل مهمان، ففي فترة ما بعد أفغانستان، يستطيع قادة وزارة الدفاع الاستفادة من هذه المرحلة الحرجة لإعادة تصميم المؤسسات لمعالجة التداعيات السلبية لهذه الهزيمة. وفيما يلي بعض التوصيات لدمج هذه التغييرات المؤسسية الحرجة. أولاً، يتعين على وزارة الدفاع أن تستمر في تحديث عملياتها المؤسسية لدعم خدمات الصحة العقلية واستقرار الأسرة لجميع أفراد الخدمة. وتعد جهود دعم الصحة العقلية ومبادرات دعم الأزواج والأسر العسكرية أمراً حاسماً فيما يتعلق بصحة أفراد الخدمة وعافيتهم في حياتهم العسكرية.

أخيراً، قد لا تشكل تبعات فشل تحقيق أهداف المهام بعد الانهيار المدوي في أفغانستان تحديات مستدامة للجاهزية العسكرية، إلا أنه ينبغي توخي الحذر من عواقبها المحتملة خصوصاً كونها أتت متزامنة مع فترة تفشي جائحة كورونا، إذ قد يرغب أفراد الجيش المحبطين من الفشل في تحقيق أهداف مهامهم القتالية ورؤية تضحياتهم تذهب سدىً بالبحث عن بيئة عمل أكثر دعمًا لتمكين الموازنة بين حياتهم الشخصية والعائلية. وفي نهاية المطاف، بالنظر إلى هذا السياق المعاصر يجب على القادة العسكريين تطبيق رؤية استراتيجية لقياس المخاطر طويلة الأمد المترتبة على فشل المهام العسكرية في تحقيق أهدافها وآثارها المتوقعة على القدرات العسكرية الأمريكية في المستقبل إذ لا يمكن تجاهل تكاليف انهيار أفغانستان على حساب رفاهية أفراد الخدمة العسكرية.

هذا المقال ترجمة لمقالة محكمة بعنوان: MISSION INJURY THE FORCE AFTER AFGHANISTAN لكاتبه: Kelly Atkinson (مقدم في القوات الجوية الأمريكية) في مجلة: AEther Journal (مجلة القوات الجوية والفضائية الاستراتيجية) الآراء الواردة أعلاه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى