اختيارات المحرر

الهيمنة الأمريكية: الاغتيال الاقتصادي للأمم.. من خلال اعترافات قرصان اقتصادي

هل تبادر لك في يوم هذا السؤال: كيف تمتلك بلادنا هذه الثورات العميمة، ثم هي نفسها التي يعيش فيها أفقر الشعوب؟! في هذا الكتاب جزء كبير من جواب تلك المعادلة النكدة.

ففي طريقها في محاولة إخضاع الدول ونهب ثرواتها، عملت أمريكا على تنويع الوسائل التي تستهدف بها بلدان العالم، ولكي لا تتحمل مسؤولية سياسية، صنعت فِرَق من المخادعين، ودربتهم على فنون الإغواء الاقتصادي وطرق الإقناع لإيهام الدول والمؤسسات المستهدفة بضرورة قبول العرض الأمريكي، وبمجرد قبول هذا العرض تبدأ أمريكا بسحب الدماء من جسد تلك البلدان في مقابل منشآت يبنيها ويقبض ثمنها الأمريكيون.. إنها حرب شيطانية تكتسي رداء الإنماء الاقتصادي والإعمار.

لقد تسللت كلمات هذا الكتاب من عالَم سري ومغلق على العاملين فيه، عالم من مراكز هندسة الفقر وإمبراطوريات البترول، تسللت من وراء حيتان المال والسياسة، تسللت في صحوة ضمير كاتبها “جون بيركنز” الذي كان أحد الفاعلين المهمين في تشغيل ماكينة النهب الأمريكية.

مفهوم الكوربوقراطية ووظيفتها

الهيمنة الأمريكية: الاغتيال الاقتصادي للأمم.. من خلال اعترافات قرصان اقتصادي

ولد مفهوم الكوربوقراطية (أو حُكم الشركات) من رحم النوايا الأمريكية لإيجاد وسيلة لنهب الثروات العالمية باستعمال مختصين اقتصاديين أو قراصنة الاقتصاد “Economic Hit Man”، أو ما عرف فيما بينهم بـ”EHM”، قراصنة يقف بعدهم ثعالب الـCIA، ويقف بعد هؤلاء الجيش الأمريكي، فإذا فشل أي صف يتدخل الصف الذي يليه لإنفاذ الغرض، أرادت أمريكا إذن صناعة وسيلة إخضاع مغلفة بفن الإقناع باستعمال الإحصائيات والأرقام، وكان جون بيركنز أحد أعضاء الصف الأول، صف قراصنة الاقتصاد.

والكوربوقراطية هي منظومة حكم كل من الشركات والبنوك والحكومات، والتي تسعى لترسيخ فكرة الإمبراطورية العالمية، في تشابك مصالح مع السياسيين، بل قد يكون السياسيون أصحاب أو مساهمين ومسؤولين في تلك الشركات والبنوك، بالتالي تتوحد المصالح السياسية مع مصالح رؤوس الأموال، وتتحكم الشركات العملاقة في التوجهات السياسية، وما يتفرع عنها من قرارات السلم والحرب، وترهن البنوك الدول المستهدفة بالإقراض.

بدأ الموضوع عندما صعد مُصدّق إلى رئاسة الوزراء في إيران في بداية الخمسينات، وانطلق بخطوات حثيثة في اتجاه تأميم الاقتصاد المحلي، وأجرى محادثات شديدة اللهجة مع أكبر شركات النفط البريطانية الإيرانية “بريتش بتروليوم British Petroleum”، وخيّر الشركة بين دفع نصيب أكبر من عائدات البترول إلى الشعب وبين مغادرتها للسوق الإيرانية، وخَشِيَ الرئيس الأمريكي “أيزنهاور” من أن تُقرّب هذه العملية بين إيران والاتحاد السوفياتي، فقررت المخابرات الأمريكية إرسال عميل استخبارات للإطاحة بمُصدّق، وكان هذا العميل هو “كرميت روزفلت” حفيد الرئيس الأمريكي الأسبق “تيودور روزفلت”.

بدأ روزفلت في عملية تنظيم مظاهرات تبدو أنها شعبية ضد مُصدّق، واستعان بملايين الدولارات التي اصطحبها معه، وتمكنت المجموعات الصغيرة التي تسلمت مبالغ كبيرة من إثارة القلاقل، وتم الاطاحة بمُصدّق ووضعه قيد الإقامة الجبرية إلى آخر أيام حياته، فيما أعاد روزفلت الشاه لحكم إيران.

كان درس إيران هو الذي أنشأ فكرة صناعة جهاز من قراصنة الاقتصاد، الذين يمكنهم العمل على تركيع الاقتصادات العالمية، دون استعمال وسائل مكلفة كالحرب، وكانت الحاجة بأن يكون قراصنة الاقتصاد جيش من المحترفين الذين يعملون بطريقة غير رسمية؛ لكي لا تلتزم أمريكا بتبعات عملهم.

وكما حدث مع جون بيركنز، يبدأ الأمر بتدريب القراصنة “EHM” تدريبًا خاص بدون إشراف جهات رسمية على التدريب، بل تكون جهات وسيطة، ويُنتقى الأشخاص لا باعتبار مؤهلاتهم فقط، بل يقع التركيز على وجود نقاط إحباط في جانب من حياتهم؛ ليقع سد ذلك الجانب المُحبَط بالعمل الجديد، واستثماره في شحن شعور التعويض بالنشاط الجديد، ما يؤجل صحوة الضمير إن لم يقتلها عند القرصان، ثم يبدأ العمل مع المبعوثين الاقتصاديين (القراصنة) في تطوير تقارير لمؤسسات استشارية والتي هي في الحقيقة مؤسسات قرصة اقتصادية غاياتها تركيع البلدان والاستيلاء على ثرواتها، وكانت قصة جون بيركنز في أحد هذه الشركات، وهي شركة “Main” للاستشارات الدولية.

مسارات الهيمنة الاقتصادية

تعمل الكوربوقراطية على إرسال مبعوثين اقتصاديين للبلاد المستهدفة، والتي في الغالب تملك ثروة طبيعية من البترول خاصة، يطرح قراصنة الاقتصاد هؤلاء على الحكومات رؤية إحصائية عن تطوير قطاعات معينة كالإمداد بالمحولات الكهربائية وتطوير البنية التحتية والمنشآت الحيوية، مع تقديم تنبؤات اقتصادية عن عوائد تلك المشاريع في العقود المقبلة، لتمويل هذه المشاريع يقع اقتراح الاقتراض من البنوك الدولية الأمريكية، وبطبيعة الحال ستفوز شركات أمريكية بعقود المشاريع الجديدة المتفق عليها، وبهذا يقع تدوير مال القروض من بنوك أمريكية لشركات أمريكية.

وبما أن أمريكا ليس لها سقف في طباعة العملة بما يوازي قيمة محددة، على عكس ما هو مفروض على بقية دول العالم، تكون الخطة إذن من البداية إعطاء البلد المستهدف قروض يستحيل عليه سدادها، فغاية البنوك وأمريكا لا سداد الدين، بل بقاء الارتهان، ما يعني الوصول إلى منابع ثروات أكثر والحق في التصرف فيها، بالتالي الهيمنة الكاملة على اقتصاد البلدان الأخرى، وضمها للإمبراطورية الأمريكية.

هذا بالنسبة للدول الفقيرة، أما الدول التي تملك ثروات باطنية كبيرة، تلك التي لا يمكن رهنها بالقروض، فقد استطاع قراصنة الاقتصاد تطوير نموذج آخر لإخضاعها للسيطرة الاقتصادية الأمريكية، وهو نموذج ضخ الأموال المتأتية من ثرواتها الطبيعية داخل شركات الإعمار والبناء الأمريكية في مشاريع تنموية جاءت نتيجة لتقارير عملت عليها شركات كشركة “MAIN” وأقنع قراصنة الاقتصاد مسؤولي تلك البلاد بذلك النموذج، وأنه السبيل الأمثل للنمو الاقتصادي.

بنما وعمر توريخوس

عمر توريخوس
عمر توريخوس

في بنما انتشرت على الجدران العبارات المعادية للولايات المتحدة، والذي يعبر فيها الشعب عن كرهه لهذه البلاد وسياستها الاستعمارية، خاصة وقد امتدت المطامع الأمريكية لقناة بنما، شريان الحياة الطبيعي والاقتصادي للفقراء، وقد حمل “عمر توريخوس” زعيم بنما آمال بلاده؛ فلم يتعامل كما يريد الأمريكيون أن يروا من قادة الدول كعبيد لهم، هذا المعنى الذي عبر عنه أحد الشعارات على جدار في الأحياء الفقيرة بـ«أيها العم سام يا سيد العبيد».

لكن عمر توريخوس المدافع الشرس عن حقوق شعبه، لم يلعب اللعبة التي يفضلها الأمريكيون بانضمامه للمعسكر الشيوعي، فتنطلق الدعاية الأمريكية محذرة منه والساسة في البيت الأبيض بالتهويل من خطورته على العالم الحر.. لا لم يلعب عمر هذه اللعبة، بل كان موقفه بوضوح أنه لا ينتمي لأي معسكر، ولا يعارض أمريكا من باب التوجه الشيوعي، هو بكل بساطة ووضوح يدافع عن مصالح شعبه ضد الهيمنة الأمريكية، يريد لشعبه ألا يعيش في فقره ومرضه في سبيل شره الشركات الأمريكية لمص دماء المساكين، هكذا كانت قضيته ووجهته.

لذلك التف الناس حول توريخوس، وكانت صوره ملاصقة للشعارات المعادية لأمريكا في الشوارع، كأن صورته بذاتها تعبير عن رفض الغطرسة الأمريكية.

ديمقراطية الثعالب الأمريكية

أغرقت الدعاية الأمريكية العالم بالتبشير الديمقراطي الذي تمارسه أمريكا والذي تسعى من خلاله لنشر قيم الحرية، وقد استخدمت مبدأ “مونرو” في البداية لادعاء الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ثم تعلن حماية البلدان الأخرى من الشيوعية، إلى الحق في غزو الآخرين لنشر النموذج الديمقراطي الأمريكي، وقد التقط هذا الطُعم نخب في أماكن كثيرة، وانتقلوا من تصديق النوايا الأمريكية المعلنة، إلى الالتحام في المشروع الأمريكي والانسحاق تحته، ليتحولوا إلى عبيد تملك أمريكا الحبال التي توجههم أينما شاءت، وكانت شعوب هؤلاء المنسحقين دائمًا هي الضحية، فقد جاءهم المشروع الأمريكي والهيمنة لا من طريق البيت الأبيض، بل من طريق أبواقهم المحليين.

فهل أرادت أمريكا فعلًا نشر مبادئ الخير في أي بلد في هذا العالم؟

إذا عدنا للتاريخ الواقعي، لا لتاريخ هوليود وخطابات السياسة الشعبية الأمريكية، سنرى أن أمريكا لم تدعم يومًا، ولم يكن في مصلحتها في أي يوم، أن ترى شعبًا حر الاختيار، أو أن يصل إلى السلطة في أي بلاد العالم رئيس صادق مع شعبه، وصادق شعبه في اختياره، والأمثلة عديدة، فإذا ذهبنا نعدد قصص الرؤساء الذين قامت ثعالب الـCIA بتصفيتهم أو بتنظيم انقلاب عسكري عليهم أو حاربتهم أمريكا مباشرة، فسيطول الأمر.

فقد كان رئيس بنما عمر توريخوس في وجدان شعبه بمثابة الفارس المحبوب، الذي يشبههم ويفكر مثلهم، لكن الديمقراطية الأمريكية رأت ضرورة اغتياله في حادث طائرة نفذه الثعالب في 31 يوليو 1981م، وقد سبب حادث اغتياله موجة من الحزن الشديد في أمريكا اللاتينية وفي بقية العالم، طبعا ما عدا أمريكا، نعم وقع تصفية توريخوس الذي لم تطب سياساته لمسؤولي شركات البترول كشركة “بكتل Bechtel”، والذين كانوا يكرهونه لا لشيء؛ إلا لأنه يعمل لمصلحة شعبه، ولأنه أثنى على خطة يابانية لاستبدال قناة بنما بأخرى أكثر كفاءة، هذه الخطوة تنقل ملكية القناة من الولايات المتحدة إلى صاحبتها بنما، وتقصي شركة بكتل في الهيمنة على هذا المشروع المربح.1

لكن قبل اغتيال توريخوس بشهرين، كان ثعالب الـCIA على موعد آخر مع الجريمة في الإكوادور.

أما خايمي رولدوس والذي سعى جاهدًا لاستقلال دولته الإكوادور من هيمنة الشركات الأمريكية، وقدمت إدارته رسميًا في بداية سنة 1981م مشروع الهيدروكربون إلى مجلس التشريع في الإكوادور، والذي رأت فيه أمريكا خطرًا؛ لثوريته التي قد تمتد إلى بقية أمريكا اللاتينية، والعالم المتعطش لرجوع حقوقه في الثروات، ثم قام بطرد الـ”SIL” وهم مجموعة تبشيرية إنجيلية أمريكية متواطئة مع شركات البترول، وهي منظمة دخلت الإكوادور تحت ستار دراسة اللغات المحلية وتسجيلها وترجمتها.2

لقي رولدوس مصرعه في مايو 1981م في حادث تحطم طائرة، كتبت الصحافة في نصف الكرة الأرضية عنه أنه «اغتيال على يد المخابرات الأمريكية»، وبعد اغتياله تولى “أوزفالدو أورتادو” رئاسة الإكوادور، فأعاد المعهد اللغات الصيفي ومنح أعضاءه فيزا خاصة، وبنهاية السنة أطلق برنامجًا طموحًا لزيادة التنقيب عن البترول لشركة تكساكو وغيرها من الشركات الأجنبية في خليج “جواياكيل Guayaquil” وحوض الأمازون.3

وقد حدث أن فشل قراصنة الاقتصاد في عملهم باستخدام الترغيب والترهيب، ثم فشل ثعالب الـ”CIA”، فتدخل الجيش الأمريكي مباشرة، كما حدث مع صدام في العراق، الذي حاولت المخابرات الأمريكية الوصول إليه بداية عن طريق بعثات الأمم المتحدة التي جاءت للعراق تحت شعار التفتيش عن السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، لكنهم عادوا خائبين، فكانت الخطوة المالية هي الحرب على العراق التي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، ولم تكن هذه الحرب لطغيان صدام الذي مارسه ومارسته عائلته وحكومته على الشعب العراقي، بل كانت لأنه لم يعد يمشي على الخط المرسوم من أمريكا.

ولقد غزت الجيوش الأمريكية عديد من الدول في العالم، لكنها بعد اغتيال توريخوس أرادوا اعتقال رئيس بنما الجديد “مانويل نورييغا” (الذي لم يكن في مستوى توريخوس، بل حامت حوله تهم ترويج مخدرات وفساد سياسي)، رفض نورييغا عودة مدرسة الأمريكيتين التي كان الأمريكيون يُعلّمون فيها تقنيات التعذيب والبطش ويخرجون ضباطًا مختصين في القمع والترهيب (وقد كان هو من الذين تخرجوا منها).. غزت أمريكا بنما إذن، وقصفت الجزء الذي خَزّنت فيه أرشيفات الملفات السرية والاستخبارية، واعتقلت نورييغا، وخطفته ورحّلته إلى أمريكا ثم حاكمته بتهمة مخالفة القانون الأمريكي على أرض بنما!

لكن قد يكون لهذا الغزو الأمريكي أسباب أخرى، منه أن نورييغا منذ توليه زرع أجهزة تنصت ومراقبة في جزر “ماتادورا” وغيرها من التي كان يأتيها شخصيات سياسية بارزة قصد الاستجمام والمخدرات والجنس، ويمارسون فيها الممارسات الشنيعة، وقد كانت الجزر تحت حراسة شديدة وتغطي السرية كل ما يحدث فيها، وقد حصل نورييغا عن طريق جهازه السري على صور فاضحة عن جورج بوش الابن -الذي كان كثير التردد على الجزيرة- ومسؤولين آخرين في أمريكا، وقد كانت الحرب على بنما هي وسيلة إنقاذ عائلة بوش من الفضيحة، مهما كلف ذلك من أرواح آلاف الأبرياء!4

سالي وغسيل أموال السعودية

الهيمنة الأمريكية: الاغتيال الاقتصادي للأمم.. من خلال اعترافات قرصان اقتصادي

أدركت الولايات المتحدة أنه لا يمكن أن يستتب أمر الهيمنة دون السيطرة التامة على منابع البترول خاصة في دول الخليج، وخاصة بعد أزمة حظر بيع البترول الذي انتهى في 18 مارس 1974م، والذي مارسته الدول العربية اعتراضًا على دعم أمريكا للكيان الصهيوني حينها، وقد مثّل هذا الخطر هزة لمنظومة الكوربوقراطية.

لكننا أمام دول لا يمكن إغواؤهم لهدف الاستقراض، لتوفر الفائض البترولي، بالتالي كانت الخطة هي العمل بنموذج إعادة تدوير أموال النفط في مخططات تنموية بهدف إعادة بناء المملكة وأمركتها عمرانيًا، على أن تقوم الشركات الأمريكية بهذه المهمة، وبهذه الطريقة تخرج أموال البترول بالدولار من السعودية لتدخل في بنوك أمريكا وتتحول فيما بعد إلى شركات البناء والتشييد الأمريكية، في أكبر عملية غسيل للأموال تحدث على هذه الأرض.

لكنه بقي في ذلك الوقت بعض العقبات، وهو كيفية إقناع بعض الملوك غير الموافقين على هذه الخطة، هنا بحث بيركنز عن نقاط ضعف الملك (و. w)، ووجده في الإغواء الجنسي، لتدخل سالي (وهي أمريكية عرض عليها بيركنز بيع خدماتها لصاحب السمو) إلى دائرة التأثير في القرار السعودي، ثم تحولت تجربة سالي إلى ثغرة ومنهج تجاري متبع بين قراصنة الاقتصاد وزبائن الأسرة الحاكمة، وعن طريق سالي ومثيلاتها جُعلت أموال المسلمين في السعودية محركًا للاقتصاد الإمبراطوري الأمريكي.

وقد حدثت بعملية غسل الأموال هذه حركة كبيرة من الإنشاء المعماري وتغيير جذري للطابع السكني ثم تسلل إلى أسلوب الحياة داخل السعودية، والناظر إلى الساعة المطلة على الكعبة الشريفة، يتأمل أين بلغت الأمركة، حين ينافس بناء ساعة ال Big Ben هيبة الحرم وكعبة إبراهيم، وتخنق المكان بالمزاج الغريب الذي أحله الأمريكان حول البناء المقدس.

آلهة البترول في غابات الإكوادور

الهيمنة الأمريكية: الاغتيال الاقتصادي للأمم.. من خلال اعترافات قرصان اقتصادي

معهد اللغات الصيفي ظهر في البداية كإرسالية تبشيرية تقوم برحلات لنشر التعاليم الإنجيلية في بلدان حوض الأمازون، وقد طردهم “خايمي رولدوس” باعتبارهم بعثة لا تقوم بنشاط ديني بل تقوم بمهام تجسسية، ثم عادوا للإكوادور تحت مسمى معهد اللغات الصيفي لدراسة اللهجات المحلية بغية إيجاد لغة مكتوبة للقبائل النائية، لكنهم أصدروا الكتاب الذي أرادت أمريكا ترجمته وهو الإنجيل.

اكتشفت الشركات النفطية أنها تواجه عوائق كمقاومة السكان الأصليين من الهنود الحمر لنشاطاتهم التنقيبية، وفي تلك الأماكن تحديدًا كان المبشرون من معهد اللغات الأصلي يظهرون وينشطون، لقد كانوا أحد أدوات الشركات النفطية في اغتصاب الأراضي التي يحدث فيها التنقيب، فقد كانت تلك الإرساليات تدعوهم لا للتعميد على الصليب الأمريكي فقط، بل تدعوهم إلى الهجرة من المناطق التي اكتشف فيها النفط مقابل توفير الأكل واللباس والخدمات.

لكن عملية (عيون وآذان) كانت نقلة نوعية في أساليب التعميد والدعوة التي يمارسها قساوسة البترول الأمريكيين، فقد قام خبراء يعملون لصالح شركة بترول أمريكية يقيمون في قاعدة عسكرية، في بلدة تابعة لشركة “شل Shell” على مقربة من الحدود في الإكوادور، قاموا بصناعة جهاز تنصت أطلق على عملية زرعه اسم حركي هو عيون وآذان، وكان يوفر لهم سماع ورؤية كل ما يدور في القرى الهندية من خلال الحوامات والأقمار الصناعية، وقد عمل المبشرون في المعهد الصيفي على زرع أجهزة التنصت التي كانت تلقى على السكان مخبأة داخل أكياس فيها مواد غذائية، والتي كانت ترسل إشاراتها للقاعدة العسكرية في البلدة التي توجد فيها شركة شل.

وكان كلما مرض أحد أفراد القبيلة طارت إليه حوامة أمريكية ومعها طبيب ليسعفونه، فإذا سأل السكان عن الطريقة التي عرف بها هؤلاء بأن في القرية شخص مريض، كانو يجيبونهم بـ«الرب أخبرنا»، وهكذا في كل حادثة مشابهة تسرع الحوامات الأمريكية لموقعها، حتى وقع في روع أهل القرية أن هؤلاء لديهم رب يخبرهم بكل صغيرة وكبيرة تحدث في القرية، إذن هم على حق، ودعوتهم التبشيرية على حق؛ فبالتالي يسهل توجيههم بما كانت الإرساليات تحدثهم به من ضرورة مغادرة الأماكن التي اكتشف فيها البترول.

وكان للتنصت دور آخر، وهو رصد حركات التمرد والثورة التي تظهر بين السكان المعادين للشركات البترولية، ورصد حركة المتمردين ومخططاتهم.5

الفكرة في مواجهة الهيمنة

لقد كانت المخططات الأمريكية وما زالت، آخذةً في الحسبان أنه لا يمكن إخضاع الدول اقتصادية أو بأي نوع من الإخضاع، إلا بمحاربة الوعي ومحركات اليقظة في البلدان المستهدفة، إذ إنه ومع كل تجربة في الهيمنة على بلد ما، إلا وتبرز محركات الوعي كخط دافع لمقاومة المخططات الأمريكية والغربية عمومًا، بدا ذلك واضحًا في أحراش غابات الأمازون التي كان سكانها محيطين بحقيقة السياسية الأمريكية في العالم، أو في موقف توريخوس الذي أدرك الخطط الأمريكية من وراء مشاريع قراصنة الاقتصاد، أو من عداوة الشعب البنمي للوجود الأمريكي على أرضه، أو من تعامل السكان الأصليين الهنود بحمل السلاح أمام الشركات البترولية وممثليها.

هذا الوعي المنطلق من رفض الشعب التلقائي لاغتصاب بلده والهيمنة عليها وسرقة ثرواته، وتحوله إلى مقاومة منظمة تستهدف بكل طريقة المصالح الاقتصادية والتشكيلات العسكرية للاحتلال، بل قد يبلغ الوعي بأن يقع استهداف تشكيلات تبشيرية كمعهد اللغات الصيفي، كونه غطاء تجسسيًا لصالح الشركات الاستعمارية.

هامش

  1. جون بيركنز، كتاب: الاغتيال الاقتصادي للأمم – اعترافات قرصان اقتصادي، ص183. ↩︎
  2. المصدر السابق، ص166. ↩︎
  3. المصدر السابق، ص179. ↩︎
  4. ذكر جون بيركنز هذه القصة في كلامه عن كتاب اعترافات قرصان اقتصاد مع قناة روسيا اليوم. ↩︎
  5. المصدر السابق. ↩︎

مؤمن سحنون

أرجو أن أكون من الساعين لأن ننال يوما الحرية، الحرية بمعناها الشامل لأمة تعرف رسالتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى