هل تقوض العقلانية الإيمان؟

هذا المقال ترجمة لمقالة بعنوان: The treasured atheist idea that reason undercuts faith just doesn’t hold up لكاتبه: WILL GERVAIS في موقع: onlysky. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

ترجمة: أحمد زايد

تحرير: عبد المنعم أديب

هل الإلحاد متجذر في العقلانية؟ بالنسبة لمُلحدين مثل سام هاريس؛ الجواب بلا شك: نعم. لطالما جادل هاريس -إلى جانب أصوات ملحدين جدد بارزة أخرى- أن الناس يصبحون ملحدين؛ لأنهم يستخدمون قدراتهم ككائنات عقلانية للخروج من أسر التلقين الديني.

إن الفكرة القائلة بأن الإلحاد عقلاني في النهاية هي فكرة مركزية للتفكير الإلحادي الجديد. بعد كل شيء، فإن استخدام العلم والعقلانية كأوتاد لإبعاد الناس عن الإيمان لا ينجح؛ إلا إذا كانت هناك علاقة وطيدة بين الإلحاد والعقلانية.

حتى في أوساط الملحدين العاديين، فإن فكرة أن الإلحاد يدور حول العقلانية تثبت شعبيتها بشكل لا يصدق. أحيانًا ألقي محاضرات لملحدين، وأتحدث معهم حول كيف أصبحوا ملحدين. تتضمن الرواية الأكثر شيوعًا -حتى الآن- الأشخاص الذين يطبقون قدراتهم العقلانية للخروج من أسر التنشئة الدينية. مرة بعد مرة، يخبرني الناس أنهم خرجوا من الدين من خلال التفكير بوضوح وعقلانية في الادعاءات الدينية التي لا تتوافق مع العلم.

ولكن هل العقلانية هي التي تقوض الإيمان في النهاية؟ 

أولئك الذين يدعون هذا الادعاء يميلون إلى تصديق العلم بشكل حازم. لذلك دعونا نرى ما يقوله العلم في هذا الشأن.

أنا عالم، أدرس علم نفس الإلحاد منذ أكثر من 15 عامًا، وأعتقد أن الملحدين الجدد وغيرهم، ممن يقترحون علاقة سببية قوية ومباشرة بين العقلانية والإلحاد؛ قد أساءوا فهم العلم. العقلانية لا تفسد الإيمان بشكل عام، والأدلة العلمية التي يصرح بها أولئك الذين يربطون بين الإلحاد والعقلانية -هي في نفسها- غير مؤكدة تمامًا. نظرًا لأننا -نحن العلماء- قد توصلنا إلى فهم أفضل للإلحاد على مر السنين؛ فقد تعلمنا أن العلاقة بين العقلانية والإلحاد أكثر تعقيدًا بكثير مما كنا نفترض في السابق.

اربط حزام الأمان أثناء تفكيك قصة علمية ملتوية.

الدين الحدسي والإلحاد العقلاني؟

العقلانية

إن الفكرة القائلة بأن العقلانية(1) تكمن في قلب الإلحاد؛ ليست بعيدة الاحتمال تمامًا. تشير التجربة الحية للعديد من الملحدين إلى وجود صلة بين العقلانية والإلحاد، كما أن للفكرة بعض المعقولية النظرية أيضًا. منذ أواخر التسعينيات، كان هناك جهد كبير لعلماء من مختلف التخصصات لفهم الدين، باستخدام الأدوات العلمية. حاولتْ هذه الحركة -التي يطلق عليها غالبًا علم الدين المعرفي- أن تضع الدافع الديني البشري في سياق تطوري ومعرفي أوسع. ما الذي أدى في التاريخ التطوري لجنسنا البشري -وفي جنسنا البشري فقط- إلى وجود أديان؟

كان محور هذا الجهد هو الفكرة القائلة بأننا لم نتطور ليكون لدينا الدين كتكيُّف بحد ذاته، ولكن قد تظهر الأديان كمنتج ثانوي معرفي. لدينا تكيفات معرفية ساعدت أسلافنا في حل الكثير من التحديات المتكررة. غالبًا ما تعمل هذه التكيفات العقلية في اللاوعي. وربما، كما يقول علماء الدين المعرفي، تعمل جميع هذه التكيفات العقلية معًا بطريقة تجعل بعض المفاهيم الدينية “لزجة”.

تعمل أدمغتنا بطريقة تجعل المفاهيم الدينية مقنعة بشكل حدسي، على الرغم من أننا لم نتطور على وجه التحديد لنكون متدينين.

في هذا الإطار، تعتمد الأديان على حدسنا. يبدو أننا نجد من البديهي تمامًا؛ التفكير في العقول الموجودة بعيدًا عن الأجساد (الأرواح)؛ وأن نعتقد أن الأشياء والحيوانات موجودة لغاية ما؛ فلا نواجه صعوبة على الإطلاق في تخيل الآلهة والأشباح والجن وغيرهم من الكيانات الخارقة للطبيعة. تعمل أدمغتنا بطريقة تجعل من السهل التفكير في المفاهيم الدينية.

لكن علم النفس البشري لا يتعلق فقط بالحدس. منذ ويليام جيمس على الأقل، أدرك علماء النفس أن لدينا طُرقًا مختلفة لمعالجة المعلومات. يلخص كتاب ”التفكير السريع والبطيء“ للحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان عقودًا من العمل؛ حيث اكتشفنا أن الناس يتنقلون ذهابًا وإيابًا بين الاعتماد على الحدس الداخلي والاعتماد على تفكير عقلاني يتطلب مجهودًا أكبر. هذان النظامان -نظام حدسي سريع ونظام عقلاني أبطأ- غالبًا ما يعملان بالتوازي، لكنهما يتعارضان أحيانًا. لذلك إذا كانت الأديان مدعومة من قبل حدسنا الطبيعي، فربما يكون الإلحاد ناتجًا عن سيطرة النظام العقلاني(2). وكما قال باسكال بوير، وهو شخصية بارزة في العلوم المعرفية للدين، في ملخص بارز، “يبدو أن بعض أشكال التفكير الديني حدسية. على النقيض من ذلك، فإن عدم الإيمان يكون عمومًا نتيجة بذل جهد عقلي متعمد ضد حدسنا الطبيعي، وبالتالي فمن الصعب الترويج له“.

وضع فرضية الإلحاد العقلاني تحت الاختبار

العقلانية

في عام 2010 تقريبًا، قرب نهاية مسيرتي في الدراسات العليا، قررت أنا وآرا نورينزايان أن نختبر علميًا؛ ما إذا كان التفكير العقلاني أحد أعمدة الإلحاد. على وجه التحديد، أردنا اختبار احتمالين: أولًا، أن الفروقات الفردية في التفكير العقلاني ستتنبأ بالإلحاد، وثانيًا، أن التنبيهات التجريبية للتفكير بشكل أكثر عقلانية، من شأنها أن تعزز الإلحاد. نشرنا بحثًا في مجلة (Science) بدا أنه يظهر دعمًا لكلا الاحتمالين. كشفت إحدى الدراسات عن علاقة متبادلة؛ حيث صنَّفَ الأشخاصُ الذين حصلوا على درجات أعلى في اختبار معياري يقيس العقلانية أنفسَهم أنهم أقل تديُّنًا مِمَّن يفكرون بشكل حدسي. وجدت أربع دراسات متتالية أن التنبيهات التجريبية للتفكير بشكل أكثر عقلانية أدت بالناس إلى الإبلاغ عن درجات تدين أقل. انضمت نتائجنا إلى نتائج مماثلة نشرها فريقان مستقلان.

اجتذب عملنا الكثير من الاهتمام في وسائل الإعلام. بشكل عام، كان يُنظر إلى ورقتنا البحثية على أنها جزء أساسي من الأدلة التي تربط العقلانية بالإلحاد. ماذا كان هذا، بعد كل شيء، إن لم يكن إثباتًا علميًا لفكرة أن العقلانية هي مفتاح الإلحاد؟

لنأخذ مثالًا على ذلك، في كتابه ”دليلك لتكوين الملحدين“، حثَّ بيتر بوغوسيان أتباعه على البحث عن المؤمنين علنًا، ومحاولة نزع عقيدة إيمانهم. ينصح الملحدين بمواجهة المؤمنين بعقلانية في العمل، وفي المدرسة، وفي محلات البقالة، حتى في رحلات الطيران (يوصي بحجز مقعد متوسط؛ حيث يكون حولك عدد أكبر من الناس)، مستشهدًا بورقة عام 2012 كدليل إيجابي على أن العقلانية تقوض الإيمان: ”بعبارة أخرى، إذا اكتسب المرء إتقانًا في طرق معينة للتفكير النقدي، فهناك احتمال متزايد بأن المرء لن يكون مؤمنًا“.

بينما كان الاهتمام الشعبي بورقتنا العلمية احتفاليًا إلى حد كبير (على الأقل بين الملحدين العاميين)، سرعان ما تحول الاهتمام الأكاديمي إلى انتقادات. في عام 2017، نشر كلينتون سانشيز وبوب كالين جاغمان (جنبًا إلى جنب مع زملائهما) جهدًا قويًا حسن النية لتكرار اكتشافنا في عام 2012. كان مشروعهم أكثر صرامة من الناحية المنهجية من جهدنا الأولي: كانت العينات أكبر، والتقنيات أكثر دقة. وكانت نتائجهم سلبية -على عكس ادعاءاتنا الأولية-؛ فإن التنبيهات التجريبية للتفكير بعقلانية لم يكن لها أي تأثير على المعتقدات الدينية المبلغ عنها ذاتيًا. حاولت ورقة عام 2018 تكرار نتائج جميع أوراق العلوم الاجتماعية المتعلقة بهذا الموضوع والمنشورة في مجلتي (Science) و(Nature)، ولم تتمكن هذه الورقة أيضًا من تكرار نتائجنا لعام 2012.

واجهت أنا ونورينزايان ذلك، وتنازلنا علنًا عن نتائجنا. يبدو بشكل متزايد أن نتائجنا كانت نتائج إيجابية خاطئة. لا يبدو أن الحوافز التجريبية للتفكير بعقلانية لها أي تأثير ملحوظ على تقارير الناس عن درجة تدينهم. ومما زاد الأمر تعقيدًا، أن فريقًا بقيادة ميغيل فارياس حاول إجراء تجارب تدفع في الاتجاه الآخر -متسائلاً عما إذا كانت التنبيهات التجريبية لاستخدام الحدس والثقة به ستزيد من درجة الإيمان-، ولم تظهر نتائج إيجابية تدعم ذلك أيضًا.

لذا، فإن التجارب التي تربط العقلانية بالإلحاد (والحدس بالإيمان) لم تكن قوية علميًا. لكن ماذا عن الفروق الفردية؟ بعد كل شيء، وجدت ورقتنا البحثية وفريقان مستقلان في وقت واحد تقريبًا أن التفكير العقلاني مرتبط على الأقل بالإلحاد. أجرى جورد بينيكوك تحليلًا شموليًا لتجميع كل الأدلة المتاحة على العلاقة بين التفكير العقلاني والإلحاد، وأفاد بأن العلاقة كانت متينة إحصائيًا بشكل عام.

ألا ينقذ هذا جزئيًا فكرة الإلحاد العقلاني؟ بعد كل شيء، إليك دليلًا واسع النطاق على أنه -في عينة تلو الأخرى-؛ يميل المفكرون العقلانيون إلى أن يكونوا أقل تدينًا قليلًا من الأشخاص الذين يعتمدون على حدسهم الداخلي بشكل أكبر.

العقلانية والإلحاد: ارتباط ضعيف ومتقلب

العقلانية

وجد التحليل الشمولي لـ بينيكوك ارتباطًا ضعيفًا (معامل ارتباط يساوي 0.2 فقط) بين التفكير العقلاني وعدم الإيمان. هذا يعني أن التفكير العقلاني يقلل من التدين بدرجة طفيفة. يبدو أيضًا أن العلاقة بين العقلانية والإلحاد متقلبة تمامًا عبر السياقات الثقافية. لقد قدت فريقًا للبحث عن الإلحاد العقلاني في 13 دولة حول العالم من الدول العلمانية، كهولندا وفنلندا إلى الدول الدينية كالهند والإمارات العربية المتحدة. في أماكن مثل الولايات المتحدة، كان الارتباط موجودًا دون أن يكون قويًا، لكنه يختفي تمامًا في أجزاء أخرى من العالم. وجدنا أن الارتباط البسيط بين العقلانية والإلحاد اختفى إلى حد كبير تمامًا في العينات الأوروبية الأكثر علمانية، وكان أضعف في معظم الأماكن مما يبدو عليه في الولايات المتحدة. بالمتوسط ​​في جميع البلدان الثلاثة عشر، وجدنا ارتباطًا طفيفًا بين العقلانية والإلحاد (معامل ارتباط يساوى 0.1 فقط)، مما يعني أن العقلانية تقلل التدين بدرجة صغيرة جدًا لا تذكر.

من الواضح أن هناك عوامل أخرى أكثر أهمية من العقلانية هنا. 

مكَّننا مشروع بحثي آخر من اختبار فرضية محددة للغاية؛ لمَّحَ إليها الملحدون الجدد: احتمال أن تكون العقلانية مؤثرة بشكل خاص على الأشخاص الذين تربوا بقوة على أن يكونوا متدينين. ربما لا تكون العقلانية -بشكل عام- مدمرة للدين (كما تشير التحليلات المذكورة سابقًا)، ولكن هل يمكن أن تكون عاملًا رئيسيًا في الإلحاد بين الأشخاص الذين تربوا بقوة على أن يكونوا متدينين؟ لقد قمت أنا وماكسين ناجل ونافا كالوري مؤخرًا بنشر دراسة اختبرنا فيها هذه الفرضية في عينة تمثيلية من الأمريكيين على المستوى الوطني. تمكنا من إجراء تحليل إحصائي لتحديد العلاقة بين العقلانية والإلحاد على وجه التحديد؛ بين أولئك الذين تعرضوا بشدة للدين أثناء نشأتهم. ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين نشأوا ثقافيًا ليكونوا متدينين، انخفض الارتباط بين العقلانية وعدم الإيمان الديني إلى الصفر.

هذا صحيح: من بين هؤلاء الأشخاص الأكثر تعرضًا للدين، لا توجد علاقة موثوقة بين العقلانية والإلحاد. هذا يعني أنه من بين أولئك الذين تربوا بقوة على أن يكونوا متدينين؛ فإن الأشخاص الأكثر عقلانية ليسوا أكثر عرضة لأن ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا ملحدين، أكثر من أولئك الذين يميلون إلى الثقة في حدسهم. بعيدًا عن كون العقلانية عاملًا رئيسيًا يُبعد الناس عن التنشئة الدينية القوية، ونحو الإلحاد؛ اتضح أن العقلانية لا ترتبط حتى بشكل متواضع بالإلحاد. لا توجد علاقة على الإطلاق.

فماذا إذن عن السرد الشعبي الذي يربط بين الإلحاد والعقلانية؟ هل كل الأشخاص الذين أخبروني عن رحلتهم العقلانية نحو الإلحاد هم ببساطة متوهمون؟

لا على الإطلاق. بالنسبة للفرد الذي ترك الدين، يمكن أن تبدو العقلانية أهم عامل. ولكن في المجمل -بالنظر إلى جميع السكان، وفي كل شخص نشأ في منزل ديني، ويحاول تطبيق العقلانية في حياته- لا يوجد اتجاه عام حيث تقود العقلانية الناس إلى الإلحاد. الروايات الفردية للناس ليست باطلة. قد تتكون المجموعات الملحدة التي أتحدث إليها حقًا من أشخاص استخدموا العقلانية ليذهبوا إلى الإلحاد. كل ما في الأمر أن هذه المجموعات لن تشمل جميع الأشخاص ذوي التنشئة المتشابهة، الذين يستخدمون العقلانية لاستكشاف إيمانهم.

يصرخ الملحدون الجدد بالعقلانية باعتبارها ترياق الإيمان. ومع ذلك، فقد فشلوا في التعامل مع مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تتعارض تمامًا مع فرضياتهم الأساسية. لقد فشلت عمليات تكرار التجارب التي تربط سببيًا بين الإلحاد والعقلانية، واستنكرها مؤلفوها (بمن فيهم أنا!). يبدو الارتباط بين التفكير العقلاني والإلحاد متينًا إحصائيًا، وإن كان غير مثير للإعجاب. بالتأكيد، الأشخاص الذين حصلوا على درجة أعلى قليلًا في اختبار قياس العقلانية يميلون أيضًا إلى تصنيف أنفسهم على أنهم أقل تدينًا. لكن هذا الارتباط ضعيف، ومتقلب عبر الثقافات المختلفة، ويختفي تمامًا بين الأشخاص المُعرَّضين بشدة للدين أثناء نشأتهم. في كل من هذه النقاط، تفشل الأدلة العلمية بعناد في التوافق مع العالم الذي يصفه الملحدون الجدد، عالم تقود فيه العقلانية حتى الأطفال الذين نشأوا في عائلات أصولية إلى الإلحاد.

عادة ما يتبنى الملحدون والمفكرون الأحرار والمتشككون العلمَ. نحن نثق في العلم جزئيًا؛ لأننا نثق في العلماء للبقاء على اطلاع دائم بالأدلة. يلخص كريستوفر هيتشنز في كتاب (The Four Horsemen) هذا الاحترام للمراجع العلمية: “سآخذ الأشياء التي يقولها دوكينز ودينيت عن العلوم الطبيعية .. مع العلم أن دينيت ودوكينز هما من النوع الذي يتحقق من المعلومات العلمية”. ومع ذلك، لأكثر من عقد من الزمان، فشل الملحدون في الانخراط مع العلم الذي يقوض أحد أقيم افتراضاتهم: أن العقلانية يمكن أن تقود الناس بعيدًا عن الدين نحو الإلحاد. لم تكن الأدلة داعمة بقوة للعقلانية كمحرك رئيسي للإلحاد. والآن، بعد أن قضينا أكثر من عقد من الدراسة المباشرة، يبدو أن العقلانية هي في أحسن الأحوال مجرد خيط ثانوي في نسيج الإلحاد، وليست موضوعًا مركزيًا.

الإلحاد العقلاني هو إلى حد كبير أسطورة

ماذا يعني أن الإلحاد العقلاني هو إلى حد كبير أسطورة؟ هل يجب على المفكرين الأحرار التوقف عن الترويج للعقلانية؟ لا، قد يجلب الترويج للعقلانية في جوهره مكافآته الخاصة، ويجب علينا متابعة الترويج للعقلانية لكن دون أي ادعاءات علمية زائفة بأن العقلانية ستحول المؤمنين إلى الإلحاد. كما أنني أؤمن إيمانًا راسخًا أن التخلي عن أسطورة الإلحاد العقلاني قد يكون له مكاسب ثانوية؛ إذا دفع المفكرون المتحالفون من الملحدين الجدد، إلى التوقف عن محاولة استخدام العلم والعقلانية لتقويض الإيمان الديني. فمن غير المرجح أن تنجح هذه الجهود. والأسوأ من ذلك، أن هذه الجهود قد يكون لها ردود فعل عكسية. لطالما حاول دوكينز وآخرون استخدام العلم والعقلانية لإبعاد الناس عن الدين، لكنهم أخطأوا في تشخيص مصدر الإلحاد في المقام الأول. جهودهم تؤدي إلى إبعاد المؤمنين عن العلم أكثر مما تفعل لجذب أي شخص إلى الإلحاد.

يواجه عالمنا حاليًا عددًا من التهديدات الوجودية المتداخلة: تغيُّر المناخ، عدم المساواة العِرقيَّة، عدم المساواة في توزيع الثروات، والحرب. لحل هذه المشكلات، نحتاج إلى جميع الأيدي العلمية الموجودة على ظهر السفينة. هذه التحديات مهمة للغاية بحيث لا يمكن المخاطرة بإبعاد الناس عن العلم، بسبب الافتراضات الخاطئة بأن العقلانية ستقود الناس بعيدًا عن المعتقدات الدينية.

(1) يتخذ مفهوم “العقلانية” شكلًا غير الذي يبدو للقارئ العربيّ؛ فالمصطلح الغربي العقلانية لا يعني محض التفكير العقلي أو النشاط العقلي؛ بل يعني الاعتماد الكامل والثقة اللامتناهية في اتخاذ العقل أساسًا للمنظور الكوني؛ فالعقل هو مُنشئ الأخلاق، والمفاهيم، ومُقعِّد القواعد،… وهذا يخالف تمامًا ما يتعارف عليه القارئ العربي المسلم عن النشاط العقلي. (المُحرِّر)

(2) ربط الإيمان بالحدس (الذي يمكن أن أعرِّفه بأنه استنتاج أمر دون سبق دليل عقلي مبرهن عليه)، وربط الإلحاد بالعقلانية أمران مرتبطان بثقافة كاتب المقال الغربيَّة المسيحية؛ التي تؤكد على مفهوم الإيمان الدوجمائي، وتفصل أمر الإيمان عن العقل وقضية الاستدلال عليه. (المُحرِّر)

أحمد زايد

طالب في كلية الصيدلة بجامعة طنطا مهتم بفلسفة العلوم وحوارات المعتقدات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى