كيف تصنع ذاكرتك الخاصة وتتلافى مشاكل التفكير الإبداعي

تحدثنا في الجزء الأول حول الشخصيات المختلفة للمبدعين والأذكياء التي تتعرض للفشل الدراسي، وطريقة التعامل الصحيح مع كل شخصية منها لتلافي هذه العثرات والمشاكل النابعة من هذه الطريقة في التفكير ومُعالجة الأمور.


مراحل التعلم

قد يمتلك الإنسان منا عقلا فذا ولكنه لا يمتلك الخريطة خاصته في اكتشاف مواهبه وطرق اكتسابه للعلم، فاكتساب العلم والإبداع مترابطان تماما وقد نعرفها ولكن نخلط في تسلسلها والخلط في تسلسلها يصنع عسرا في التعلم؛ لذلك لا بد من التسلسل

أولا: الإصغاء حتى الحفظ والفهم.

ثانيا: التقليد حتى الإتقان.

ثالثا: التفكير الخارج عن السياق المنهجي الذي ندرسه ولو على سبيل التدريب والمحاولة للوصول إلى الإبداع أو التمرن على الإبداع والاكتشاف، مع التأكيد على أن هذه مرحلة متقدمة وتالية للمرحلتين السابقتين، وهذا يكون عبر:

  • كتابة ملخص لما نقرأ.
  • تطبيق هذا الذي نقرأه بشكل أفضل.
  • محاولة إبداع شيء جديد أو إضافي عليه: وهنا يجب الحذر، فأحد الطلاب المبدعين كان يناقش في عقله شكل المادة الدراسية وطريقة طرحها وهذا الأمر مضيعة للهدف المطلوب وان كان ضروريا ولكنه ضروري لأصحاب القرار فقط كي لا يضيع الجهد في هدف غير مطلوب.

وقد ذكر لي الأستاذ أنس خلف أن أحد أسباب معاناته وتأخره دراسيا هو التفكير النقدي مرة باختصار المواد ومرة بسبب التفكير بأصول الأفكار وجذورها. ومرة بابتكار ما هو أفضل. وهذه الأمور بالتأكيد سابقة لأوانها كما أنها لا تجد بيئتها في دولنا العربية وهذا واقع لابد من التعامل معه كما أن هذا الأسلوب لا يخلو من عيوب أيضًا.

الحل: لا تخلط المراحل ولا تستعجلها

التقليد هو أول أساليب التعلم في طفولتنا ولكنه لا ينتهي عندها والمعيب في التقليد هو التوحد والتماهي حتى ذواب الشخصية، ولكنه نافع جدا إذا ما تم التقليد والاقتباس لمن هم عباقرة. إلا أننا قد لا نكتشف عبقريتنا الخاصة بنا بسبب ذلك التقليد. فعلينا بعد ذلك التقليد العلمي أن نتحرر ونشق طريقنا.

التعلم هو فن التقليد، والابتكار هو استحداث شيء لا يختلف كثيرا ولكنه أحسن من السابق، أما الإبداع فهو شيءٌ كبير وهو أرقى مرحلة منشودة من التعلم، ولكن حين تحاول أن تبدع في الوقت الذي تحاول فيه التعلم؛ فإنك ستفقد الطريقتين.

  • الأولى: أنك لم تتعلم لأنك أمضيت وقتك في أمر آخر وهو استنتاج أمور لا تصب في صالح التعلم لأنه شق عليك تركيزك.
  • الثانية: أنك غالبًا لن تبدع لأنك جهلت الأساسيات التي عليك الانطلاق منها والتحليق عاليًا.

لذلك وجب التعلم بل وعليك بالتراكم المعرفي والاطلاع خارج مناهج الدراسة لكي تدعم قدراتك بإمكانيات وآليات يمكنها أن تختصر عليك الزمن في قطع مسافة أطول. فقد تبدع ولكن لن يكون أكثر مما لو فهمت الأمر الذي يحتاج منك إلى إدراك كامل.

لتلافي مشاكل التفكير الإبداعي

ورغم أن الإبداع مهم إلا أن طريقته الفكرية الرائعة قد تكون مضرة في غير أوانها أو مكانها، وذلك لأن التفكير الإبداعي يُعثِّر المهام العاجلة والتي لا تتطلب إبداعًا والتي تحتاج إلى تطبيق حرفي؛ ومن أجل ذلك:

  • انجز المهام العاجلة في تفكير عاجل خاصة تلك التي لا يحقق التفكير الإبداعي أي فارق معها.
  • احتفظ بدفتر صغير اكتب فيه الأفكار المبتكرة لكيلا تنشغل في التفكير بها في وقت المهام ثم فكر بها وطورها لاحقا.

أما التفكير بأمور تعد جانبية ستضيع عليك الوقت في تجاوز المراحل الدراسية لأنها تخلق الثغرة المعرفية: “فأحيانا ينتابنا الخجل ونحن نكتشف جهلنا في أحد الأمور البسيطة ولكيلا نصغر في أعين الناس لا نسأل وقد نقوم بنفي المعلومة الصحيحة والتمادي بالخطأ…”

(اسأل وابْدُ غبيا في نظر الناس لمدة خمس دقائق خير من أن تبقى جاهلًا طول العمر) مثل صيني

اهم ما في المعرفة هي قواعد المعرفة لذلك احرص على تلك التفاصيل الصغيرة في المعرفة فأنها ثلثي العلم وإلا مال بك البرج الذي تبنيه وانهدم. فالتركيز والتمحيص والصبر بشكل كبير على الأساس الذي ننطلق منه هو من يتحكم أيضا في النهاية التي نريد الوصول إليها عندما يكون مبنيا على أساس متين.

فالأبنية الصغيرة لا تحتاج إلى قواعد استثنائية عميقة للمعرفة، لكنك كلما أردت بنيانا أكثر شموخا احتجت إلى قاعدة أعمق، فماذا لو كنت في أرض زلزالية وفي طوفان من المعرفة الوهمية وفي عالم يحتكر جوهر المعرفة؟

قد نحتاج إلى ذلك في مكان محدد من عقلنا ودفتر يحوي خرائط أفكارنا يضم فيه: الشك الخلَّاق، والتحليل الجذري للفكرة، واكتشاف دقائق المعرفة من خلال التجربة، وتكامل المعرفة: والتي هي مراحل متقدمة من النقد وبناء الوعي. فلا يمكنك بناء قوة المعرفة من دون ذلك التكامل الذي لا يتكون إلا من خلال الدراسة الموجهة بشكل استثنائي، في أغلب الأحيان لا توفرها تلك الدراسة ولكن يوفرها الاطلاع العميق الموجه بفكرة وهدف.

فليست كل ثقافة تملك تلك الأهمية، فالكثير من الكتب ليست إلا خيالًا ووهمًا، لا تختلف كثيرا عن الأغاني والمسلسلات الحالمة.

اصنع ذاكرتك:

من الضروري أن نذكر أن هناك صعوبة في تخزين المعلومات في ذاكرتنا بشكل دقيق عند الكثير من الناس وليس فقط المبدعين ومن أسباب ذلك:

  • الاستغراق في الخيال الذي يؤدي إلى تشتت التركيز والحفظ كما يقول أحد الكُتَّاب: الذاكرة هي فن التركيز.
  • الجهل التام في تحديد نوع الذاكرة فقد تكون لك ذاكرة تتعامل مع الصور ولا تتعامل مع الأرقام.
  • عدم الاقتناع بجدوى المادة الدراسية.
  • طبيعة النسيان.
  • سوء الحالة النفسية.
  • العيش في عالم آخر يتحكم بصاحبه بعيدًا عن الواقع.
  • فالمبدعون ذوي خيال خصب والكثير منهم لا يستطيعون التركيز على الواقع بسبب ذلك. لهذا يفشلون دراسيا أو أنهم لا يتقدمون بشكل جيد.

الفهم والحفظ:

صحيح أن الفهم هو وسيلة للتعلم والحفظ، فهناك تسلسل للأفكار يعرفه العقل ويمكن له السير في طرقاته مجددا كلما أراد التذكر، فالملازم الدراسية ربما تكون طريقة غير مجدية رغم أنها مختصرة، هذا لأنها تضيع علينا التفاصيل المهمة التي تعمل على تكامل المعلومة وتكامل المعلومة يساهم في الحفظ ويساهم في إنتاجية المعلومة والإبداع.

قد تكون مشكلتنا أننا لا نحفظ إلا ما نفهمه أو أننا لا نحفظ إلا ما نحب أو ما يعجبنا أو ما نقتنع به وهذا ليس عمليا أبدا. الحفظ من دون ذلك كله ضروري جدا لأنك قد تحتاج إلى لملمة المعلومات والتأمل والتفكر فيها حتى تكتمل صورة اللغز. وأفضل وأقصر طريقة للحفظ سمعت بها هي: قصر الذاكرة.

نظرية قصر الذاكرة

هذه النظرية مصدرها قصة أسطورية بطلها الشاعر الإغريقي الشهير سيمونيدس (556-468 ق.م)، وهو من أوائل الشعراء الذين استخدموا الشعر كمصدر للكسب من خلال نظم قصائد المديح في الأمراء والملوك وأعيان الناس، وهي نظرية تعتمد على التخيل والتصوير بالدرجة الأولى وللتعرُّف على تاريخ نشأة هذه النظرية يمكنك قراءة هذا الرابط: نظرية قصر الذاكرة

خطوات تطبيق نظرية القصر

  • اختيار القصر

تخيل مبنى ما، أي مبنى، ممكن أن يكون هذا المبنى من صنع خيالك صرفًا أو يكون موجودًا بالفعل في الواقع، لكن معظم الخبراء يفضلون أن تتخيل مبنى يكون موجود بالفعل في الواقع تعرفه جيدًا بكل تفاصيله تمام المعرفة، قد يكون هذا المكان غرفة نومك، أو بيتك أو مدرستك الابتدائية، أو حتى مدينتك أو قريتك، أو قصرا أعجبك مثل قصر غرناطة أو قصر آيا صوفيا أو قصر هيري بوتر فكلما كبرت مساحة المكان كلما كثرت كمية المعلومات المخزنة فيه.

  • حدد طريق الانطلاق

لكي تتذكر الأشياء بالترتيب، عليك أن تحدد طريقا تسير فيه للوصول إلى المبنى الذي وقع اختيارك عليه، هذا الطريق يجب أن يكون معلومًا بالنسبة لك مثله في ذلك مثل المبنى الذي أخترته، فمثلًا لو اخترت أن تكون غرفة نومك هي قصر ذاكرتك، فعليك أن تختار الطريق الذي ستسير فيه حتى تصل إلى غرفة النوم، مثلًا تختار الممر بين الصالة وغرفة النوم.

  • تحديد المخازن

بعد تحديد الطريق عليك أن تسير فيه (بخيالك طبعًا) إلى أن تصل إلى المبنى الذي اخترته من قبل (غرفة النوم)، وبعد وصولك هناك حاول أن تتفقد المكان جيدًا مستكشفًا الأماكن التي توجد بداخله والتي ستخزن بها المعلومات، هذه الأماكن قد تكون: درج، أو دولاب أو خزينة. الخ، المهم أن تجعل كل مخزن مختلف ومميز عن الآخر حتى لا تتداخل المعلومات مع بعضها البعض في المستقبل.

  • تدقيق قصر ذاكرتك

قبل الخوض في تطبيق النظرية عليك أن تجلس مع نفسك قليلًا لكي تتخيل المكان الذي اخترته ليكون قصرًا لذاكرتك، يجب أن تدققه جيدًا وتحفظ كل بقعه فيه، حتى لو اضطررت لأن ترسم خريطة أو مخطط مبدئي للمكان، ولعمل ذلك جيدًا ارسم خريطة على ورقة للمكان بكل تفاصيله وخباياه وبعد ساعة أو ساعتين تخيل المكان في ذاكرتك ثم بعد ذلك قارن بين ما تخيلته وما رسمته على الواقع لتتأكد من أن الصورتين متطابقتين مع بعضهما البعض.

  • حفظ المعلومات في المخازن

نأتي الآن للخطوة العملية وكيفية حفظ المعلومات داخل القصر الذي اخترته، لنفرض أنك أخترت منزلك ليكون قصرًا لذاكرتك وأن عليك حفظ بضعة تعاريف من أجل اختبار يوم غد.

  • أولًا: ضع أول تعريف على مقبض الباب وقد كان مقبض الباب لزجا-لكي يترك لك انطباعا. والثاني في الصالة تحت موزة كبيرة، والثالث على رف المكتبة في كتاب تكثر أوراقه. …الخ.
  • ثانيا: ضع كل معلومة في مكان مختلف ومميز عن الأخر. ولا تضع أكثر من معلومة في مكان واحد.
  • ثالثا: إذا كانت المعلومات تشترط التسلسل مثل القرآن أو الشعر فحافظ على ترتيب الخريطة التي مشيت فيها لترتيب المعلومات.
  • استخدم الرمزية

 تكمن قوة وأهمية أن يكون هناك رمز أو لوجو لشركة ما أو منظمة ما خاص بها ذلك من أجل اختصار الكثير من الكلام لعقل المتلقي الذي عرف مغزى الرمز أو اللوجو أو سيتعرف عليه ليصبح لأصحابه عنوانًا فريدًا في ذاكرة الناس ومميزًا وسريع الاستحضار.

فيكفيك أن ترى رمز المثلث لكي تتذكر كل أو مجمل ما تعرفه عن الفراعنة. لذلك يكفي أن تضع مختصرات كلمة أو رسمة تصممها تختصر موضوعا أنت تعرفه بالكامل ولكن ما تحتاجه هو سهولة وسرعة استحضاره واختصار مكانه في قصر ذاكرتك. ويُفضل أن تضع صورة رمزية للمعلومات الكبيرة، أي رمز يحث ذاكرتك ويستفزها.

اصنع لوجو خاصا بك يقفز إلى ذاكرتك ويختصر معلوماتك التي تحفظها ولا تحتاج إلا إلى مفتاح لتذكرها أو استحضارها وهذه الطريقة أيضا تساعدك على استذكار التواريخ فمثلًا تود أن تتذكر أن مذبحة القلعة وقعت عام 1811، فيمكنك أن تضع على وسادة نومك شارب محمد على باشا الشهير وبجواره سيف وثمانية خناجر وإحدى عشر بندقية (1811). بالطبع هذه الصورة الرمزية ليست حتمية لكنها مفضلة وخاصة مع التواريخ والأرقام.

  • كن مبدعًا وخفيف الظل

استخدم قدرتك الإبداعية أثناء حفظ المعلومات في القصر، أضف للمعلومات المجردة والجافة شيئًا من المرح والفكاهة والعجائبية، أو الرهبة أو الإثارة.

مثال:

حين تريد حفظ قصيدة تخيل أنك شاعرها وستلقيها في حضرة هارون الرشيد بين حاشيته وجنوده. تخيل ذلك منذ باب القصر حتى يأذن لك الحاجب بالدخول فتقول: السلام على أمير المؤمنين هارون الرشيد. ثم تقلد أسلوب الشعراء في الإلقاء. وتطبيق ذلك واقعيا في بروفات. وابتكر أسلوبا يثير ذاكرتك وأحداثًا مدهشة في القصر.

  • استكشاف القصر للمرة الأخيرة

بعد حفظ المعلومات استكشف القصر الخاص بك مرة أخرى قبل النوم وبعد ذلك استيقظ في الصباح ستجد نفسك قد تذكرت كل المعلومات مهما كانت كثرتها بفضل الله!

تفقد خرائط الخزن لكل المعلومات المتصلة ببغضها في قصر ذاكرتك من حين إلى آخر يزيد من قوة الذاكرة وزيد من قدرة استحضار المعلومة.

  • شيد قصورًا جديدة

بعد امتلاء هذا القصر يمكنك بناء قصر آخر لمعلومات جديدة، أو تفريغ القصر القديم، فبعد الانتهاء من مرحلة دراسية ما ربما تجد نفسك لست بحاجة لتذكر المعلومات تلك المرحلة مرة أخرى، في هذه الحالة يمكنك إخلاء القصر وتغيير الألوان والأثاث والأبواب والبلاط وتخزين المعلومات في سرداب في أسفل القصر.

تنويه

1- كلما كان قصرك مثيرا ومدهشا ودقيقا بالنسبة لك كلما كانت نتائجه أفضل على مستوى الذاكرة.

2- اطلع أكثر على أسلوب قصر الذاكرة وأساليب الذاكرة الأخرى لتوظيفها في قصر ذاكرتك. فقد ذكر لي أحد الأصدقاء أنه حين علم أحد رفاقه هذه الطريقة استطاع حفظ 120 قانونًا رياضيات في أربعة أيام وهو ما عجز عن فعله في جهد ٧ أشهر.

3- ستواجه متاعبًا في بناء قصر ذاكرتك في البداية ولكن سيتعود عقلك بعد ذلك وينظم نفسه وسيقوم بترتيب نفسه وفق أسلوب القصر دون جهد كبير فأنت الآن تقوم بعملية البناء في الذاكرة من الصفر.

4- إذا كنت تجد صعوبة في دقة التخيل فيمكنك أن تصنع قصرا أو قصورا على جدران حجرتك من أوراق وصور وملصقات. ليكن بيتك هو قصر ذاكرتك وقم بالفعل بكتابة المعلومات وتعليقها هنا أو هناك وادخلها في الجرارات والمخازن في أوراق أو صور مكتوبًا عليها ما تريد استذكاره. حول قصرك إلى حقيقة.


أنور القاسم

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى