الديمقراطية، درة تاج المصفوفة

وما زال الحديث موصلا عن مصفوفة النظام العالمي  التي عبثت بعقول المسلمين ومفاهيمهم، وادخلتهم حالة التيه والضياع التي يعيشونها ويعاينون آثارها كل يوم وساعة ودقيقة.

وكان من جملة خديعة المصفوفة للمسلمين كما قلنا هو مجموعة النظم البديلة، التي قدمتها لهم على اعتبارها البديل المثالي لما بين أيديهم من نظم الاهية ومناهج ربانية، وكانت الديمقراطية هي درة تاج ما قدمته المصفوفة، ولكنه تاج من صفيح ودرره من زجاج !!!.

وإذا أردنا الحديث عن الديمقراطية فيجب أن نتحدث عنها من عدة أوجه…

1-هل الديمقراطية حقا هي أوج الحرية؟!

2-هل الديمقراطية هي تلك الجنة التي ينعتونها لنا؟!

3-هل الديمقراطية تتوافق مع الإسلام أم تتعارض معه؟!

أولا: هل الديمقراطية هي حقا أوج الحرية ؟!.

للحرية تعريفات عديدة، كلها تدور حول عدم وجود القيود، فحرية الرأي هي القدرة على تكوين رأى بغير ضغوط أو قيود فكرية، وحرية القرار هي إمكانية اتخاذ القرار بلا قيود أو شروط، وحرية الحركة هي إمكانية الحركة في أي اتجاه وأي مكان بلا حدود حاكمة.

وهكذا…

ولكن الحقيقة أنه لا وجود للحرية المطلقة، فكل حرية لها حدود حاكمة، وكلما زاد اتساع تلك الحدود كلما كان قدر الحرية أوسع. حتى صار المفهوم العرفي للحرية هو التحرر من كل قيد إلا المنطقي المرتضى.

وهنا قدمت الديمقراطية نفسها على اعتبار أنها الآلية التي تتمكن بها المجتمعات والشعوب من صياغة القوانين الحاكمة لنفسها. فمنظور الديمقراطية يقدمونها على اعتبار أنها (حكم الشعب للشعب) أو ((حكم الشعب لنفسه)، والحقيقة أن ذاك الوصف في حد ذاته وبدون أي بحث حقيقته لا يعنى تحرر الإنسان!!!.

فمهما كان اتساع تلك الحدود والقيود التي يسوغها الإنسان لذاته، فإنها تبقى في النهاية حاملة لمعنى خضوع الإنسان لمثله أو لهواه على أدنى الأحوال -هذا أن لم تكن في حقيقتها خضوع لفئة بعينها كما سنوضح لاحقا -وهو بلا شك قيد أوسع من قيد الحكم القهري الجبري، ولكنه لا يزال يقدم نموذجا محدوداً للحرية!!!

نموذجاً لا يرقى أبدا لمعنى تحرر الإنسان من كل قيد يصنعه لنفسه أو يصنعه له من هم مثله مهما كانوا، إلى قيود إلهية ربانية، لا يفرضها عليه إلا العزيز الحكيم.

فأوج الحرية التي يمكن أن يصل لها الإنسان هو التحرر من كل قيود الأرض ومن عليها وما ينتسب اليها، إلى سعة السماء ورحابتها والشريعة الصادرة عن ربنا الكبير المتعال.

فتقديم الديمقراطية إذا على أنها أوج الحرية هو خديعة للعقول، فمهما كانت سعة الحدود التي يصنعها البشر لأنفسهم فإنها بلا شك إذا ما قورنت بشريعة السماء كمقارنة سم الخياط بعرض السماوات والأرض.

ثانيا: هل الديمقراطية هي تلك الجنة التي ينعتونها لنا؟!

أو…إذا افترضنا -جدلا -أن حكم الشعب لنفسه هو الجنة، فهل الديمقراطية هي حقا حكم الشعب لنفسه كما يقول منظروها؟!.

الحقيقة أن الصورة المباشرة للديمقراطية التي يتمكن فيها كل فرد من المجتمع في إبداء رأيه في كل صغيرة وكبيرة من أمور المجتمع والدولة من تشريع أو قوانين أو قضايا هي صورة مستحيلة، لم ينجح منظرو الديمقراطية في تقديم صورة ممكنة لها حتى الآن، ولكنهم قدموا صورتين اخريين على اعتبار أنهما أقرب الصور الممكنة، وهما (الديمقراطية النيابية) التي يختار فيها الشعب ممثليه الذين ينوبون عنه بعد ذلك في كل الأمور. و (الديمقراطية شبه المباشرة) وهي مثل النيابية إلا أنها تحتفظ لقواعد الشعب بالحق في الموافقة على القوانين والدساتير أو رفضها من خلال الاستفتاءات الشعبية، وكذلك اقتراح بعض القوانين أو صياغتها.

فالواقع إذا أن كلا الصورتين تقومان على (النواب) الذين يختارهم الشعب، إذا فالحقيقة أن الشعب خاضع لاختيارات النواب الذين يختارهم وليس لاختياراته هو!!!.

فلو استطاع أحدهم أن يتحكم في هؤلاء النواب أو في كيفية اختيارهم لاستطاع بكل بساطة أن يخضع لسلطانه من خلال تحكمه في اختياراتهم. وهو ما يحدث فعلياً بدرجات متفاوتة في كل ديمقراطيات العالم!!!.

في البداية دعونا نقر أن عملية اختيار هؤلاء النواب تتحكم فيها عدة عوامل الاختيار الحر للناس، منها على سبيل المثال لا الحصر التوجهات السياسية للدولة، الإعلام، رؤوس الأموال…الخ.

فكثيراً ما نجد دولا تدعى انتهاج العملية الديمقراطية ولكنها لا تسمح لتوجهات سياسية معينة بخوض غمار الانتخابات، وان سمحت لهم فإنها تحول بينهم وبين تحقيق أغلبية، وان حقوقها في سهو من الدولة فإنها لا تسمح لهم الاستمرار !!!.
والأمثلة كثيرة في العصر الحديث وبتواطؤ عالمي لا تنكره الأعين، أما الإعلام ورأس المال فهما لاعبان أساسيان في تلك اللعبة، فمن لا يملك القدرة على تقديم نفسه من خلالهما فهو لا يستطيع تقديم نفسه للناس فضلا عن أن يكون اختيارهم.

وهكذا يكون نائب الشعب منذ البداية خاضعا لتوجهات الدولة حتى ترضى عنه وتسمح له بالتواجد على الساحة، وخاضعا لرأس المال الذي يمول حملته ودعاياته في طريقه للحصول على ثقة الناس، وخاضعا للإعلام الذي يصنع صورته الذهنية لدى ناخبيه ليختاروه أو يرفضوه. يخضع كل نائب لتك الجهات بعضها أو كلها بدرجات متفاوتة في أي ديمقراطية عرفتها البشرية. فأنى لخاضع أن يكون حر الاختيار؟!. وكيف له أن يتحرر من تلك القيود كلها ليعبر فقط عن إرادة ناخبيه أن أراد.

فالحقيقة إذا أن الأقلية المتحكمة في ادارة الدولة والإعلام وأصحاب رؤوس الأموال هم من يتحكمون في العملية الديمقراطية من خلال تلك الأدوات، ليقدموا ما يريدونه ومن يريدونه على اعتبار أنه اختيار الأغلبية وإرادتهم، وتلك هي الخديعة الكبري.

فالديمقراطية إذا ليست حكم الشعب لنفسه، ولكن تلك هي الصورة الذهنية التي أرادونا أن نضع فيها ممارستهم للعبتهم للسيطرة على الحكم.

ثالثا: هل الديمقراطية تتوافق مع الإسلام أم تتعارض معه؟!

فصل الكثيرون في إجابة ذلك السؤال، وتراوحت اجاباتهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. من قائل بكون الديمقراطية لا تمت إلى الإسلام بصلة بل هي كفر بواح. وقائل بأنها روح الإسلام وقلبه!!!.
ولكن، دعونا نطرح السؤال بطريقة اخرى، (هل نحن حاجة إلى أن ننسب النظم والأفكار البشرية إلى الإسلام أو ننسبه إليها لنثبت له صلاحية ما؟!!!.
بمعنى…هل نحن بحاجة إلى أن نقول إن الاشتراكية من الإسلام، لنثبت انه يراعى حقوق الفقراء؟!

هل نحن بحاجة إلى أن نقول إن الرأسمالية هي روح المنهج الاقتصادي الإسلامي لنثبت للإسلام احترام الملكية الخاصة؟!.

هل يجب نقول أن الإسلام يراعى (حقوق الانسان) -كما في ميثاق الأمم المائة -لنثبت رحمة الإسلام بالبشر؟!

هل يفترض أن نقول إن الديمقراطية هي قلب الإسلام وروحه لنثبت له مراعاة الحريات ؟!.

الحقيقة أننا لا نحتاج إلى كل هذه الأقوال، وأن ربانية الشريعة وحدها كافية لنثق بأنها أشمل وأكمل من كل أنظمة البشر وافكارهم، وبالتالي فنحن لا نحتاج إلى بحث توافق الإسلام مع أي نظام بشرى أو تعارضه معه، أن كنا نريد الإسلام فلنأخذه هو ولننادي به هو كما نزل، وأن أردنا غيره -أعاذنا الله من ذلك -، فلا ندعى إذا توافقه مع الإسلام.

فلو أن الاشتراكية هي الإسلام لتوافقها معه في أمور، والرأسمالية هي الإسلام، والديمقراطية هى الاسلام، فالإسلام إذا لا كنه له ولا كيان، هو ان كانت تلك حقيقته خليط ممسوخ -تعالى دين ربنا وشرعته عن ذلك علوا كبيرا -لا لون له ولا طعم ولا رائحة.

وذلك عين ما يريده لنا أعدائنا، إخراج المسميات عن معناها الحقيقي، وتفريغها من مضامينها، لتبقى الأمة تائهة متخبطة في التيه.

يا ويح قلبي أمتي، متى من التيه تخرجين؟؟!!!.

إيهاب السعيد

مسلم مهتم بشأن أمته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى