كيف رفض المُفكّرون الغربيون الديمقراطية
تهيمن الديمقراطية اليوم على مشهد المطالب الشعبية، فقد لهجت بذكرها الألسن، ونادت بها الأنظمة والحكومات، وقامت لأجل تحقيقها الثورات، وسعت في الدعوة إليها وتزيينها الأقلام والصحف، وسُخرِت لتلميعها برامج الإذاعات والقنوات الفضائية.
ولكن، هل حقيقة الديمقراطية تستحق كل هذا الثناء والتبجيل؟! هل فعلًا تمثل الديمقراطية النظام الأمثل الذي يحقق الحرية والمساواة والعدالة كما ينادي بذلك دعاة الديمقراطية الغربيون الذين جاءوا بها وسعوا لنشرها في العالم ويردد من خلفهم المسلمون المعجبون بها؟ ثم هل مطالبة الغرب بنشرها جاء لمصلحته أم لمصلحة كل العالم؟ وهل فعلًا هي مطلب الغرب جميعًا؟
هذه الأسئلة وأسئلة كثيرة أخرى تفرض نفسها اليوم بعد أن توالت الأحداث مؤكدةً فشل هذا المسار، ليس على مستوى عالمنا الإسلامي فقط، بل على مستوى العالم كله.
والهدف من هذا الطرح ليس استقصاء أقوال العلماء في الديمقراطية أو حكم الشرع فيها، الذي بتّ بشكل لا لبس فيه بأنها نظام مستورد مخالف لشريعة الإسلام وتعاليمها السامية، وأنها نظام بشري قاصر لا يراعي قيم المسلمين الأصيلة. وإنما الهدف هو إجلاء بعض الحقائق المغيّبة عن الديمقراطية بألسن غربية كفرت بها وحذّرت منها ومن التلاعب بشعاراتها لتضليل الشعوب وترويضها.
ثلث الغرب يرفض النظام الديمقراطي
في الواقع، تؤكد الدراسات أن ثلث المحررين الغربيين تقريبًا لا يقبلون الفكرة الديمقراطية ولا حتى الترويج لها، وتمثل نسبة 63% من الأمريكيين أعلى نسبة أمكن التوصل إليها لأولئك الذين يفضلون استخدام هذا النظام في الغرب.
بل إن رفض الفكرة الديمقراطية بدأ منذ زمن ظهورها، فقد أعلن أفلاطون رفضه للحكم الديمقراطي بصراحة وقوة، وعده حكمًا فاسدًا. بل جعله في مرتبة متردية بين النظم الفاسدة، أي في المرتبة ما قبل الأخيرة في سلم الانحطاط بعد حكم الطغيان، وذلك في كتابه “الجمهورية”.
وفي نفس المرتبة المتردية صنّف أرسطو الديمقراطية في تصنيفه السداسي لأشكال الحكم الذي عرضه في كتابه “السياسة”، حيث جعل الديمقراطية ضمن أشكال الحكم المنحرفة والفاسدة التي لا تسعى لتحقيق المنفعة العامة.
واستمر النقد للنظام الديمقراطي في عصر الحضارة الرومانية التي قدمت معارضة ثابتة له، ثم غاب ذكر الديمقراطية تمامًا في العصر الوسيط، وغاب كل أثر فكري لها أو ممارسة، وتزامن ذلك مع عصر أنار فيه الإسلام الشرق بأنوار الهداية والحضارة ونظام الحكم العادل والمتزن القائم على مبدأ الشورى، وانطلقت فيه النهضة الإسلامية محدثة تطورات حضارية سباقة، في حين كانت تعاني أوروبا من فشل المسيحية المحرّفة، ففُصِلت الكنيسة عن الدولة باعتبارها سبب تخلفها العلمي وتدهورها السياسي، ووجد الأوروبيون في الديمقراطية الملجأ للفرار من ظلم الكنيسة وتعسفها واضطهادها. ورجع الحديث في الغرب من جديد عن الديمقراطية.
من مرحلة التيه إلى الديمقراطية دين
في الواقع، أصبحت الديمقراطية في هذه المرحلة دينًا جديدًا، واستمرت كذلك حتى أصبح مطلب الغرب وشعاره، وعلى رأسه الولايات المتحدة التي لم تكتفِ باتخاذه نظامًا للحكم، وإنما سعت لفرضه بقوة السلاح على بقية الأمم، أو بدقة أكثر سعت لفرضه كغطاء لحروبها. ولم يكن مهمًا كم ستـُبيد الجيوش الأمريكية وتنهب وتقتل وتدمر وتهتك من أعراض بدعوى نشر مبادئ الديمقراطية كما سجلت التقارير في حربي أفغانستان والعراق.
وفي الأخير خلصت المتابعات إلى أن الدوافع لهذه الحروب لم تكن الديمقراطية المزعومة، بل كان النهب والتدمير واستئصال أي صعود إسلامي في البلاد واستبداله بأنظمة طاغية مستبدة قمعية فاسدة، وتغذيتها وحفظ بقائها في مشهد تناقض يكشف زيف الشعارات الأمريكية.
وتقود الحروبَ في العالم اليوم حكوماتٌ تزعم تطبيق الديمقراطية، ومع ذلك لا تقبل أن تحكم بلادَ المسلمين شريعةُ الإسلام، مع أنه مطلب الأغلبية في واقعهم. لكن هذه الحكومات -على عكس ما تقول به الديمقراطية في قبول حكم الأغلبية- تتدخل بقوة السلاح لخلع أي صعود إسلامي، ولو كان سلميًا وبرغبة أغلبية الشعوب المسلمة، وهذا ما يطرح السؤال: أين الديمقراطية التي تنادي بتطبيقها هذه الحكومات؟ والجواب: ليست قضية الديمقراطية مرجعية الأغلبية، وإنما مرجعية الغرب في أن يفرض على البشرية ما يريد من قيم وتصورات.
إقرأ أيضًا: خدعوك فقالوا الديموقراطية هى الشورى!
ثم بدلًا من ذلك سعت إلى فرض النظام الغربي على مجتمعات لا تريده ولا يمثّلها، وهو ما يصنّف عمليًا بالاستبداد والطغيان والاحتلال، ولكنه بصورة عصرية يستتر خلف المطالبة بالديمقراطية.
ومما يزيد من المسافة بين مطالب الديمقراطية ونهج المطالبين بها، أن الحرب العالمية الأولى، وكذلك الحرب الثانية، ثم حَربُ فيتنامَ التي لم تكن برضا الشعب الأمريكي، إذ فُرِضَت من قبل الحكومة الأمريكية، رغم خشية الشعب من الخسائر المترتبة عليها، والذي -وفق النظام الديمقراطي- يمكنه أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في منعها أو تمريرها. ومع ذلك لم يحدث ذلك في أي حرب شنتها الحكومات الأمريكية المتتالية.
فالطبقةَ الرأسماليةَ التي تملِك مصانع السلاح من مصلحتها إشعال الحروب واستمرارها، ويُظهر هذا المشهد الذي يصف ممارسات الحكومات الديمقراطية على أرض الواقع كيف تحكم الشعوبَ الغربيةَ فئةٌ متسلطة. وهو ما يدفع للحديث عن أسباب اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي الذي حاول أن يخرج عن منهج هذه الأقلية الحاكمة بتقديم المصلحة القومية وعقد اتفاقية وفاق دولي. فقُتل ولم يفتح ملفه بعدها.
ميوعة المصطلح تكشف الاضطراب في مفهوم الديمقراطية
ومن أبرز الانتقادات للديمقراطية، انتقاد ميوعة المصطلح، والذي لا يقدم تعريفًا دقيقًا علميًا لمعناه، وهو بحسب العديد من المفكرين أقرب للادعاء الزائف منه للحقيقة.
وبقول في ذلك آرنولد توينبي بحسب ما عرض كتاب “العلمانية” للشيخ سفر الحوالي: “أصبح استِخدامُ اصطلاح الديمُقراطية مُجردَ شِعارٍ مِنَ الدُّخانِ، لإخفاءِ الصراع الحقيقيِّ بَيْنَ مبدَأَيِ الحُريةِ والمُساواةِ”.
وفي نفس الشأن يقول صاحب كتاب نُظُم الحُكْم الحديثة: “كُلُّ مُحاولة تستهدِفُ تحديد الاستعمال الصحيح لاصطلاح الديمُقراطية، مِن شأنِها أنْ تواجِه مَزيدًا مِنَ التعقيداتِ، وليستِ البلادُ التي تُسَمَّى بالديمُقراطية تَقليدًا… هي التي تُظهِرُ المُتناقِضاتِ والعُيوبَ فحَسْبُ؛ بل إنَّ البلادَ الشيوعيةَ في العالَمِ -التي تَعتَنِقُ مَفهومًا سياسيًّا مُخالِفًا تمامًا- تدَّعي بالتأكيدِ ذاته أنَّها ديمُقراطياتٌ شَعبية، وأنَّ انتِسابَ البلادِ الأُخرى إلى الديمُقراطية إنَّما هو مِن قَبيلِ الخِداعِ”.
ولا يوجد تعريف واحد جامع لمعنى الديمقراطية نظرًا للخلط في جوهر مفهومها وآليات التطبيق لهذا المفهوم. ويغلب على الناس فهم أن الديمقراطية هي نشر الحريات السياسية والمدنية والاقتصادية، والحرية في التعبير والتوجهات، كما أنها تعني بالنسبة لهم أن المجتمع يحكم ذاته وأن التغيير الاجتماعي يأتي بناء على إرادة الأغلبية بغض النظر عن سلامة مطلبها من سوئه.
وعلى هذا الأساس، يحاول المروجون للديمقراطية جذب الجماهير -التي تعاني الاضطهاد والقمع بالأصل- وإغرائهم بها.
ولكن في الواقع وبحسب ما خلصت له خلاصات المراقبين والباحثين، فإن الديمقراطية تمخضت عن طغيان أو استبداد الأغلبية، وفي نفس الوقت شجعت حكم القلة التي تحكم فعليًا البلاد، ولا يعدو حظ الشعب سوى التوجه لصناديق الاقتراع في حين لا يدري عن حقيقة ما يجري في كواليس الحكم إلا ما تعرضه له عدسات الإعلام ورغبات القلة الحاكمة ومصالحهم، وفي نهاية المطاف لا يخرج الأمر عن الاستبداد بصورة عصرية.
ويقول برتراند رسل منتقدًا الديمقراطية: “كانت تَعنى حُكْمَ الأغلبيةِ، مع نَصيبٍ قليلٍ غَيرِ مَحدودِ المَعالِمِ مِنَ الحُرية الشخصية، ثم أصبحت تعني أهدافَ الحِزبِ السياسيِّ الذي يُمثِّل مصالحَ الفُقراءِ على أساسِ أنَّ الفُقراءَ في كُلِّ مكانٍ همُ الأغلبيةُ، وفي المَرحلةِ التاليةِ أصبَحَتْ تُمثِّل أهدافَ زُعماءِ هذا الحِزبِ، وها هي الآنَ في أوروبا الشرقيةِ وجزءٍ كبيرٍ مِن آسيا يُصبح معناها الحُكْمَ المُستَبدَّ لِمَن كانوا يومًا ما نُصراءَ لِلفُقراءِ، والذين أصبحوا يَقصُرون نُصرَتَهم هذه لِلفُقراءِ على إيقاعِ الخَرابِ بالأغنياءِ، إلَّا إنْ كان هؤلاء الأغنياءُ مِنَ الديمُقراطيِّين بالمعنى الجديدِ”.
ويعترف الغربيون بأنه في ظل الحكم الديمقراطي كل شيء مباح شراؤه كالمناصب السياسية والقرارات والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، ولو على حساب أنبل المبادئ والقيم، ثم يأتي الشعب ليصوت بناءً على نتائج هذا الخداع والحيلة والمكر الذي تحركه جيوب المستبدين.
ويعكس واقع الغرب تكتلات متناحرة وأحزابًا متناطحة تتلاشى معها وحدة الأمة وتتلاشى صلابتها. وهو مطلب ذو أولوية في أية نهضة، ولهذا يصبح التمزقُ سمةً بارزةً ونتيجةً حتميةً كما هو الحال اليوم بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة.
الديمقراطية تضمن حرية الخداع والاحتيال والكذب
ومن الأمثلة التي تعكس تناقضات الديمقراطية وزيف شعاراتها، الطريقة التي تسير عليها الانتخابات الأمريكية –الديمقراطية–، والتي تمضي بدفع مبالغ مالية ضخمة وتوظيف أبواق إعلامية متخصصة مع تدخل شركات ومنظمات مدفوعة الأجر كل واحدة تدعم مرشحًا معينًا للرئاسة وعضوية الكونغرس، فيتم التأثير في الرأي العام بالمال والدعاية، أو بشراء الذمم وإيهام الجماهير، هذا فضلًا عن الكذب الذي هو سمة الخطابات الدعائية التي ينطق بها المترشحون، وانحطاط القيم الأخلاقية حين يتفرغ كل منهم لتعرية منافسه وكشف عيوبه وفضائحه والمكر له بالافتراء أو باستدراجه للفساد كي تسلم له الانتخابات.
وقد وثّقت الانتخابات الأمريكية تحت غطاء الديمقراطية وقائع الخداع والاحتيال الحاسمة، حيث نـُقل عن عائلة الرئيس الأمريكي بوش أنها سرقت الانتخابات في ولاية فلوريدا في عام 2000، حين طالب حاكمها جيب بوش من المشرفين على الانتخابات محو 57.700 صوت من سجلات المصوتين على أنهم من المجرمين الذين لا حق لهم في التصويت، بينما كان أكثر من 90% منهم أبرياء لا علاقة لهم بالجريمة. وفقد نتيجة ذلك المنافس آل جور 22000 صوت على الأقل، وفاز بوش في الولاية بزيادة 537 صوتًا فقط رغم حجم التزوير في النتائج، ما يعكس ضعف شعبيته أمام منافسه في الولاية.
وهو بوش الذي أغرق العالم في حروبه الصليبية لاحقًا بعد وصوله لإدارة البيت الأبيض بالحيلة والمراوغة والكذب، لا برغبة الجماهير كما تروج له الديمقراطية الكاذبة التي ثبتت سهولة استغلال ثغراتها.
وقد ذكر بعض الكتاب قذارة الأساليب المستعملة في تمويل حملة بوش بملايين الدولارات مقابل ألا تتعقب الحكومة نشاطاتها المدمرة للبيئة والملوثة للهواء، والتستر على حالات قتل الأطفال والتسممات جراء دفن النفايات الكيماوية الخطرة في المناطق المحيطة بها. فهذا مثال من بين العديد من الأمثلة عن زيف الديمقراطية في أكبر بلد يحمل لوائها ويقاتل باسم شعاراتها.
ولعل أكبر أكذوبة في النظام الديمقراطي ما يُسمى البرلمان الذي لم يمثل الأمة بسعتها وتنوع شرائحها، وما يلبث أن يتحول البرلمانيون لعشاق سلطة يتحدثون باسم شعب لا يمثلونه تظهر عليهم أعراض الفساد والطغيان والظلم مثل أي شخص يستلم الحكم ويتشبث به بعد أن يفتن بمحاسنه. ويؤكد ذلك تأثير حجم الرشاوي التي يحصل عليها البرلمانيون لتمرير القرارات وإيهام الجماهير بأن القرار جاء تمثيلًا للأغلبية. بل كثيرًا ما تستعين الأنظمة القمعية بالبرلمان كوسيلة لكتم أصوات المعارضة والنقد وتمرير القرارات بلباس ديمقراطي.
وفي الواقع فإن الديمقراطية ليست إلا إخضاع أكثرية الشعب لأقلية منه، استطاعت أن توصل ممثليها ليشكلوا أغلبية في البرلمان.
الديمقراطية نظام يعزز الاستبداد والانتهازية
وتؤكد النصوص والشواهد ضعف النظام الديمقراطي بعد أن قاد تطبيقه إلى طغيان الأكثرية واستقطاب أقليات انتهازية وصولية في دوائر صنع القرار، وظهور طبقة من الحكام تتسم بالجهل، ثم سرعان ما تتدلى إلى الفساد والطغيان وممارسة أحط النشاطات الذهنية كما وصف ذلك الفيلسوف ألين، في مؤلفه “عناصر الفكر الراديكالي”.
الديمقراطية لا يمكن أن تحقق مطالب الشعوب المسلمة
وقد كتب العديد من العلماء والدعاة المسلمين كتابات بشأن الديمقراطية وفسادها كمنهج لا يتواءم ومقومات الأمة المسلمة، ولعل من أبرز من كتب في هذا الباب الشيخ سفر الحوالي في كتابه العلمانية، حيث قدم نقدًا وافيًا للديمقراطية ونقلًا لآراء الغربيين التي كشفت عيوبها كنظام فاسد لم يعكس على أرض الواقع يوما النجاح الذي تسوّقه أبواق الدعاية لها. ولكن بعض العقليات لا تثق بالكتابات النقدية التي تأتي من المسلمين لشدة تأثرها وإعجابها بالفكرة الغربية، لذلك نقل الشيخ الحوالي أقوال الغربيين أنفسهم يكشفون عيوب الديمقراطية بلا مواراة، كقول هارولد لاسكى الذي ينتقد الديمقراطية قائلا: “إن الدولة الديمقراطية تبذل الكثير في سبيل تحقيق المساواة بين المواطنين فيما تمنحهم من ضمانات، كما تتجه أوامرها القانونية إلى حماية الملكية القائمة للامتيازات أكثر مما تعمل على توسيع نطاقها، فانقسام المجتمع إلى فقراء وأغنياء يجعل أوامر الدولة القانونية تعمل لصالح الأغنياء… إذ إن نفوذهم يرغم نواب الدولة وذوي السلطة فيها على أن يكون لرغباتهم الاعتبار الأول.
وتعبر الدولة عن رغبات أولئك الذين يسيطرون على النظام الاقتصادي، فالنظام القانوني بمثابة قناع تختفي وراءه مصلحة اقتصادية مسيطرة لتضمن الاستفادة من النفوذ السياسي، فالدولة أثناء ممارستها لسلطتها لا تعمد إلى تحقيق العدالة العامة أو المنفعة العامة، وإنما تعمل على تحقيق مصلحة الطبقة المسيطرة في المجتمع بأوسع معانٍ هذه المصلحة.
“إن الحرية والمساواة اللتين حصلنا عليهما كانتا أولاً وقبل كل شئ حرية ومساواة لمالك الثروة” .. وأضاف: “إنَّ إمبراطورياتِ المالِ لَتملِكُ المُنظماتِ الإرهابيةَ والعِصاباتِ المُسلحةَ، إلى جانبِ عصاباتِ الرقيقِ الأبيضِ والرشاوي، بالإضافةِ إلى سيطرتِها على وسائلِ الإعلامِ، واستخدامِها في الفضائحِ السياسيةِ والماليةِ والأخلاقيةِ، وكُلُّها شِباكٌ تنصِبُها للاقتناصِ بالقوةِ تارةً، وبالإغراءِ تارةً أُخرى. والحقيقةُ التي يجبُ ألَّا تَغرُبَ عن بالِنا في هذا الصددِ؛ هي أنَّ الطبقةَ الرأسماليةَ المُسيطرةَ ليست سوى مَجموعِ المُنظَّماتِ الرِّبَويةِ الاحتكاريةِ اليهوديةِ التي تخطِّطُ لِلسيطرةِ على العالَمِ أجمعِ؛ وَفْقَ أوامرِ التلمودِ والبروتوكولات “.
هل نتائج الانتخابات الديمقراطية عادلة؟
ومن خلال تتبع آليات الديمقراطية في بلاد الغرب، نلاحظ نسبة كبيرة تمثل الناخبين الذين عزفوا عن التصويت، ما يعني أن الفوز واقعيًا لا يمثل فوز أصواتِ أغلبيةِ الشعبِ، بل لا يتعدى أن يمثل أصوات أغلبيةِ المشتركين فِعلًا في الاقتِراعِ. نضيف لهذه النسبة الرافضينَ للانتِخاباتِ الممثلين بالمعارضة، فستصبح الأغلبيةَ الفائزةَ في الانتخاباتِ ليست سوى أقليةٍ بالنسبةِ لِمَجموعِ الشعبِ، وعلى سبيلِ المِثالِ يَذكُرُ مُؤلِّفو كِتابِ نظامِ الحُكْمِ والسياسةِ في الوِلاياتِ المُتَّحدةِ أنَّه لم تَزِدْ نِسبةُ الناخبين على (66%) مِن عددِ الأشخاصِ الذين بلغوا سِنَّ الانتخابِ، وفي بعضِ الأحيانِ تكونُ أقَلَّ مِن (55%)، وفي سنةِ (1956م) (60.5%) فقط.
وهذا يعني أن الشعب لا يمثل حكم الأغلبية كما تقول شعارات الديمقراطية.
فرض “المساواة” على المجتمعات مناقض لطبيعتها
سلط الدكتور أليكسيس كاريل الضوء على عيب كبير آخر في الديمقراطية حيث قال:”هناك غلطةٌ أُخرى تُعْزى إلى اضطرابِ الآراءِ فيما يتعلَّقُ بالإنسانِ والفَردِ، وتلك هي المُساواةُ الديمقراطيةُ. إنَّ هذا المَذهبَ يتهاوَى الآنَ تَحتَ ضرباتِ تجارِبِ الشعوبِ، ومِن ثَمَّ فإنَّه ليس مِنَ الضروريِّ التمسُّكُ بزَيْفِه، إلَّا أنَّ نجاحَ الديمقراطيةِ قد جعَلَ عُمُرَها يطولُ إلى أن يدعوَ لِلدهشةِ، فكيف استطاعَتِ الإنسانيةُ أنْ تَقبَلَ مِثلَ هذا المَذهبِ لِمِثلِ هذه السنواتِ الطويلةِ؟!
إنَّ مَذهبَ الديمقراطيةِ لا يحفَلُ بتكوينِ أجسامِنا وشُعورِنا، إنَّه لا يصلُحُ لِلتَّطبيقِ على المادةِ الصُّلْبةِ، وهي الفَردُ.
صحيحٌ أنَّ الناسَ مُتساوون، ولكنَّ الأفرادَ ليسوا مُتساوين، فتَساوي حُقوقِهم وَهْمٌ مِنَ الأوهامِ، ومِن ثَمَّ يَجبُ ألَّا يتساوى ضَعيفُ العقلِ مع الرَّجُلِ العبقريِّ أمامَ القانونِ… ومِن خَطَلِ الرأيِ أنْ يُعطَوْا (أي: الأغبياء) قوةَ الانتخابِ نَفْسَها التي تُعْطى لِلأفرادِ مُكتَمَلي النُّموِّ، كذلك فإنَّ الجنسَيْنِ لا يتساويان، فإهمالُ انعدامِ المُساواةِ أمرٌ خطيرٌ جدًّا، لقد أسهَمَ مبدأُ الديمقراطيةِ في انهيارِ الحضارةِ بمعارضةِ نُموِّ الشخصِ المُمتازِ… ولمَّا كان مِنَ المُستحيلِ الارتفاعُ بالطبقاتِ الدُّنيا، فقد كانت الوسيلةُ الوحيدةُ لتحقيقِ المُساواةِ الديمقراطيةِ بيْنَ الناسِ هي الانخفاضَ بالجميعِ إلى المُستوى الأدنى، وهكذا اختَفَتِ الشخصية.”.
وقال بيكر في منتقدا أسلوب التمثيلِ في الديمقراطية:”إنَّ الناسَ جَميعًا لهم مَصالحُ كثيرةٌ متعددةٌ، حيث لا يمكنُ لجانِبٍ منها أنْ يَنموَ ويطَّرِدَ إلَّا بسَنِّ تَشريعٍ يُحقِّقُ هذا الغَرضَ، ولكنَّ هذا التشريعَ يُسَنُّ على حِسابِ الآخرين، فالزُّرَّاعُ والعُمَّالُ مَثلًا هم المُنتجون والمُستَهلِكون في وَقتٍ واحدٍ. فهم كمُنتِجين يتطَلَّعون إلى أسعارٍ أعلى مِن تلك التي يبيعون بها مُنتجاتِهم، ولكنَّهم كمُستَهلِكين يتطَلَّعون إلى أسعارٍ أقَلَّ مِن تلك التي يشتَرون بها حاجياتِهم”.
ومن أبرز مشاهد التناقض لدى دعاة الديمقراطية أن المساواة التي هي مطلب الدول الغربية لا نرى لها تطبيقًا في مجلس الأمن، أين تفرض الدول الخمسة القوية قراراتها مهما كانت مجحفة على باقي حكومات بني البشر.
الهوة الرهيبة بين التنظير الديمقراطي والواقع الفعلي
قال الكاتب الإنجليزيِّ أ. د لندساس في خلاصة القول عن الديمقراطية: “إنَّ هناك دائمًا هُوَّةً رهيبةً بيْنَ النظرياتِ الرَّفيعةِ عنِ الديمقراطيةِ التي نَقرأُ عنها في كُتُبِ النظرياتِ السياسيةِ، وبيْنَ وقائِعِ السياسةِ الفِعلية”.
وهذه هي الخلاصة في النظام الديمقراطي، فهو نظام فاشل لا يوافق تطبيقه التنظير الذي يقوم عليه وثغراته خطيرة وكثيرة وبالتالي لن يقود إلا لنوعية من الاستبداد الحديث تحدوه الشعارات الكاذبة والخادعة والظالمة بشهادة الغربيين أنفسهم. وهذا مآل كل نظام حكم يصنعه فكر البشر القاصر.
تأثير الإعلام في تزيين الديمقراطية وإخفاء عيوبها
ثم هناك آلة شيطانية تمكّن ساسة الديمقراطية من توظيفها ببشاعة واحترافية هي الآلة الإعلامية، حيث قال ميشيل ستيورات في نقده للديمقراطية: “هناك نُفوذُ الثروةِ على تكوين الرأيِ العامِّ، فالديمقراطيةُ تتطلَّبُ فُرَصًا مُتكافئةً لِجميعِ الذين يُريدون الإقناعَ أو التعبيرَ عنِ الرأيِ، ولقد حاولَتِ الديمقراطيةُ توفيرَ ذلك، بإزالةِ العَقباتِ القانونيةِ على حُرِّيةِ الكلامِ والكتابة”.
وأضاف: “ومِنَ الجائزِ -مع تقَدُّمِ الدراساتِ الخاصةِ بعِلْمِ النَّفْسِ والدعايةِ والإعلامِ- أنْ تَزيدَ مَقدرةُ القِلَّةِ التي تستطيع أنْ تُنفِقَ بسخاءٍ لِلتحكُّم في وسائلِ الإعلامِ على تكييفِ عُقولِ الباقينَ ممَّا يَنالُ مِن حقِّ الشخصِ وقُدرتِه على التفكيرِ، وهو الغَرضُ الأساسيُّ للديمقراطيةِ، وهذه المُشكلةُ هي أكثرُ المشكلات خُطورةً؛ لِأنَّها ليست مِن مُخلَّفاتِ الماضي، وإنَّما هي قوةٌ بلوتوقراطيةٌ (سيطرةُ رَأْسِ المالِ) جديدةٌ ظهرَتْ حديثًا”.
وقال لاسكى عن دور الصحافة في تزييفِ الرأيِ العامِّ: “إنَّ جَمْعَ الأخبارِ ونَشرَها عملٌ لا يُراعى فيه العرضُ المَوضوعيُّ للوقائعِ، فالأخبارُ سُرعانَ ما تُصبح دعايةً عندما تتمكَّنُ مادَّتُها مِنَ التأثيرِ في السياسة، كما يميلُ مَضمونُ الأخبارِ في المُجتمعِ المُتفاوتِ إلى فائدةِ مَن بيَدِهم مَقاليدُ السلطةِ الاقتصادية”.
النظام البشري الفاشل لا يكون بديلا لنظام رباني كامل
ولا يمكننا في هذه السطور نقل كل الآراء الغربية المحذّرة من الديمقراطية، ولعل بعض أبرز من كتب في هذا الباب، كتاب (نَقضُ الجُذورِ الفكريةِ لِلديمقراطيةِ الغربيةِ لكاتبه محمد أحمد مفتي).
ولكن تكفي هذه الاقتباسات لتجعل من الانبهار بالحكم الديمقراطي شذوذًا فكريًا لا ينبغي التسليم له لمجرد انتشار دعايات ملمّعة له، وخاصة لأمة أغناها الله بحكم إسلامي، لا يقبل حكمًا إلا لله وهو الحكم الذي أثبت نجاحه وموائمته لتناقضات النفس البشرية وتعقيدات المجتمعات على اختلاف أصولها عبر محور الزمن.
فهل ستصغي الضمائر المطالبة بإقامة الديمقراطية في العالم الإسلامي لأصوات منتقديها من الغرب نفسه الذي يسعى لنشر الديمقراطية وفق هواه؟ أو هل ستنظر في حجم التناقضات بين واقع هذا الغرب وسياساته في بلاد المسلمين تحت ستار الديمقراطية؟، والإجابة على هذه الأسئلة يحكمها درجة الاستقلالية عن تأثير الفكر الغربي في القناعات ودرجة الإنصاف في تمييز أنظمة الحكم بعين متجردة غير منحازة أو متأثرة بالإعلام الأجير أو بالأحكام المستوردة من دول غربية أقل ما يُقال عنها أنها دول قد شغلت مساحة كبيرة جدًا من تاريخ المسلمين كمستعمرٍ محتلٍ ومغتصبٍ لا يزال يحمل المطامع والأسباب التي تدفعه للهيمنة على العالم الإسلامي بطريقة أو بأخرى.
المشكل ليس في فكرة الديمقراطية وهي أفضل منتوج وصلت إليه المعرفة البشرية، إنما المشكل في ممارسة الديمقراطية بلا أخلاق، أنظر مثلا لدول الإسكندنافية واليابان، أوليست الديمقراطية هناك حقيقية ؟
فكرة الموقع ككل جميلة لكن يجب ان يكون هناك عمق اكثر في الطرح مع تجنب الحشو الذي طائل منه خصوصا مع وجود مواقع عربية مشهورة تنادي بالديمقراطية والحرية مع عمق المادة التي تقدمها بمهنية من دون الخروج عن فكرة المقال او رسالة الموقع
جزاكم الله خيرا ..
الأخ يحيى حين تعترف بقصور النظام الديمقراطي وتعلم جيدا أنه نظام ضعيف وفيه من الثغرات ما يكفي لتحييده، لماذا نصر على استيراده وتطبيقه بعيوبه في بلداننا والاكتفاء بالتبرير أن هذا أحسن الموجود، لماذا لا نبحث نحن عن نظمنا المتوفرة والتي تتجاوز كل عيوب الديمقراطية، ولدنيا نظام الشورى مثلاـ، فهو نظام يعطي حق اختيار الحاكم للنخبة وأهل العلم والحل والعقد في الأمة، هم من لديهم القدرة على اختيار أفضل حاكم، لكن أن نعتمد على حكم الأغلبية وهذا الحكم يعني ان تساوي فيه بين صوت العالم وصوت الجاهل فيكون له ندا، هذا لا يقيم عدالة. ولابد ايضا أن نعترف أن النظام الديمقراطي أصبح الآن يعاني في مهده وتفشت أعراض فشله في الغرب. وأعتقد ما سقته لك من أمثلة يؤكد أن الأركان التي يعتمد عليها هذا النظام لا يمكن أن تضمن استمراريته ونجاحه فلماذا نبقى نلهث خلف الغرب مع علمنا بقصوره واضطرابه ونترك ما عندنا من خير.
تمنيت لو كان طرح الكاتبة أكثر موضوعية ، خاصة مع موضوع أكثر حساسية يتعلق بمصير الشعوب.
من المؤكد أن للديمقراطية عيبوها النظرية و العملية ، لكنها تظل الى الآن هي افضل نظام (معاصر) يتم تطبيقه ، ولا يوجد ما يقابله كنظام متكامل سواء نظريا او عمليا.
الارتكاز على التاريخ الاسلامي وحده لا يكفي للاقناع بترك الديمقراطية ، فعلماء المسملين لم يستطيعوا – حسب علمي – من بناء نظرية متكاملة للنظام سياسي يتلافى عيوب الديمقراطية ويفوق محاسنها.
استطيع أن اشبه الوضع بنقد الديمقراطية كمن ينتقد شرب الخمر لاجراء عمليات جراحية بناء على مفاسد الخمر ولا يوفر مخدر لا يحتوي على مادة الكحول.
أنا كمسلم أتمنى أن يعود الناس و المسلمون ابتداء الى النظام السياسي الاسلامي ، لقد كان النظام السياسي الاسلامي في العصور الوسطى “رغم ما اعتراه من عيوب” كان أفضل نظام في وقته مقارنة بما عاصره من انظمة سياسية ،لكن هذه المقارنة تغيرت بشكل معاكس ما جعل النظام السياسي الذي مارسه المسلمون سابقا لم يعد قادرا على مواكبة التطور الفكري في الجانب الاجتماعي الانساني، و اصبح بحاجة للتجديدواعادة الصياغة بما يقنع العقل البسيط و المعقد معا بتفوقه امام الديمقراطية او غيرها من النظام السياسية.
مقال أكثر من رائع ، سدد الله رميتكم