اختيارات المحرر

المقاومة السيبرانية العالمية.. الهاكرز في خدمة الأمة

انتشر مؤخرًا في شبكات الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي خبر اعتقال أمريكا لأخوين سودانيين، ليكشف الخبر عن بطولة جديدة خلف أضواء هذا العالم الذي يُراد لكل من فيه أن يعيش في انكشاف تام، فلا يمكنه أن يملك حتى أسراره التي تستنزفه وسائل التواصل يوميًا للبوح بها، وأفكاره التي تلاحقها مفرمة الإعلام والترهيب العالمي لتغييرها وترويضها، خلف تلك الأضواء كان هناك جنديّان سودانيان اختارا خيار المقاومة السبرانية العالمية، والتي من أساسياتها نكران الذات، والعمل في الخفاء، والضرب في المفاصل بقوة.

الأخوان السودانيان أبطال الطوفان

أنونيموس السودان

أحمد صلاح يوسف بعمر 22 عامًا، وشقيقه علاء صلاح يوسف صاحب الـ27 عامًا، هما العبقريان اللذان تتهمهما وزارة “العدل” الأمريكية بإدارة مجموعة أنونيموس السودان (Anonymous sudan)، ولعل سبب استعارة تسمية “أنونيموس” كانت لاستغلال الاسم لمزيد من الانتشار، وقد قامت المجموعة بهجمات سيبرانية استهدفت مصالح أمريكية ومنشآت حكومية حول العالم، بلغ عددها 35000 عملية مختلفة خلال السنة الفارطة.

كما قامت المجموعة في أحد هجماتها بتعطيل موقع X في خطوة من أجل دفع إيلون ماسك لبعث خدمة الإنترنت  ستارلينك” (Starlink) في السودان1، وهي خدمة اتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية. 

وصفها المدعي العام الأميركي في كاليفورنيا في تصريحات صحفية بـ: «المجموعة الإلكترونية الأكثر خطورة من حيث هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة في العالم».

وقد كان للكيان الصهيوني نصيب كبير في الهجمات2، إذ تنوعت الاختراقات لتشمل دوائر مالية ومصارف شهيرة، ووزارة الصحة، ومواقع إلكترونية حكومية وإدارات ومواقع جامعية، وسلطة الموانئ وغيرها.. بل وجهاز الأمن العام “الشاباك”، ووزارة الدفاع وحتى الموساد، حتى بلغ أن اخترقت المجموعة أجهزة وخوادم في مفاعل “ديمونة” النووي الإسرائيلي  دعمًا لغزة3، واستولت على ملفات ومعلومات من الخوادم الخاصة بمعهد الأبحاث النووي الإسرائيلي وأتلفت جزءًا منها.

وقد نفذت المجموعة في 2023 هجومًا استهدف شركة “أوبن إيه آي” كان هدفه تعطيل تطبيق “شات جي بي تي” التابع للشركة، وأعلنت المجموعة أنها ستواصل هجماتها على الشركة حتى يتم فصل “تال برودا” رئيس قسم الأبحاث في شركة “أوبن إيه آي” الداعم لاسرائيل من منصبه، وتتوقف “شات جي بي تي” عن الآراء التي تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين.

لكن الإنجاز الأعظم لعباقرة الحرب السيبرانية السودانيين، هو مشاركتهما في الملحمة والحدث الأبرز لهذا العقد، وهو قيامهما بالإسناد السيبراني يوم السابع من أكتوبر في طوفان الأقصى، تزامنًا مع تدفق المجاهدين من كتائب القسام واجتياحهم لغلاف غزة4، حيث كان أحفاد المهدي في فجر السابع يجلسون خلف أجهزتهم لينفذوا هجمات أدت إلى تعطيل أنظمة الإنذار المبكر المستخدمة في إسرائيل، وشل القبة الحديدية، وتعطيل تطبيقات الجبهة الداخلية والطوارئ ومنعها من التنبيه إلى الهجوم، وقد نُفّذ الهجوم بعد دقائق من بداية اختراق المجاهدين، وتواصلت العمليات السيبرانية حتى يوم التاسع من أكتوبر.

الهاكرز العقائدي

إن البعد الإجرامي الذي يُراد أن يوصف به العاملون في مجال الهاكرز، قد لا ينطبق على مجموعات المقاومة التي تتمركز حول فكرة انتمائها للأمة، وبالتالي العمل عن طريق الإمكانيات المتاحة والمواهب المبدعة؛ لنصرة هذه الأمة والمشاركة الفعّالة الإيجابية في الصراع الدائر مع أعدائها، ما يُحوّل الأمر إلى بطولة فذة على كل شعوب بلداننا أن تفتخر بها.

إن الأمر بالنسبة لهؤلاء الشباب أوضح وأنقى بكثير، فهم يؤمنون بأن انتماءهم لهذا الدين يُحتّم عليهم تلقائيًا أن يُسخّروا طاقاتهم لمقاومة أعداء هذه الأمة، هكذا بلا تعقيدات، وحتى إذا كان الالتزام الفردي عند بعضهم فيه قليل من التقصير، إلا أنهم يعملون بإيمان حارٍ في قلوبهم يدفعهم لتحدي وإخضاع كبار الحصون السيبرانية العالمية، وإلحاق الأضرار الفادحة في مصالح المحتلين والعملاء.

استجابة الهاكرز لنصرة المستضعفين

استجابة الهاكرز لنصرة المستضعفين
اختراق المواقع الرياضية الإسرائيلية

أثر نهاية الخطاب الذي ألقاه أبو عبيدة بمناسبة مرور عام على بداية عملية طوفان الأقصى، والتي استنفر وحرض فيها الهاكرز المسلمين على بداية أكبر هجوم سيبراني نصرة للمستضعفين في غزة والمسجد الأقصى ومشاركتهم في الطوفان المبارك، فما أن أنهى أبو عبيدة الخِطاب حتى بدأ جنود الخفاء في تنفيذ هجماتهم استجابة لنداء الأحرار في غزة..

من تلك الاستجابات ما قام به الهاكر الجزائري الذي صوّر مقطعَ فيديو بدأه بكلمة «سمعناك يا أبو عبيدة يا أسد الأمة، ونحن لهم بالمرصاد»، ثم بدأ باستعراض حصاد المواقع الصهيونية التي تم استهدافها والسيرفرات وقواعد بيانات الشركات الإسرائيلية والمواقع والحسابات التي وقع اختراقها.

كما قام هاكرز آخرون باختراق مواقع اسرائيلية ووضع صورة أبي عبيدة على واجهتها5، منها موقع “ماكابي تل أبيب” لكرة السلة6 الذي قرصنه قراصنة أردنيين (هاكرز الأردن) وتركوا مع صورة أبي عبيدة مقطعًا صوتيًا وعبارة تعني غزة للأبد (Gaza 4 Ev3r).7

كما تم في نفس الفترة اختراق مواقع نوادٍ أخرى، ومؤسسات رسمية حيوية داخل الكيان الصهيوني، وإيقاف خدمات أثّرت على الكيان وأحدثت خسائر مادية ومعنوية مهمة، والحصول على بيانات خطيرة تُهدد أمن إسرائيل.

ولا يمكن حصر كل العمليات البطولية التي قام ويقوم بها فرسان الحرب السيبرانية من كل مكان في الأمة، كالهاكرز المغربي ومجموعة الفلاقة (Fallaga Team) الذين يستوحون تسميتهم من اللقب الذي عُرف به المجاهدون ضد الاحتلال الفرنسي8، وقد عُرف الفلاقة بعدائهم الشديد للكيان الصهيوني. وكغيرهم من الذين يضيق المقام عن تعدادهم، من الذين يسهرون حين ينام الناس، يترصّدون دفاعات العدو، ويُبدّدون أوهام تحصيناته الأمنية، ويقطفون ثمار بذلهم برفع القرآن والتكبير على واجهات المواقع المخترقة.

خاتمة

كما قلنا لا يمكن حصر الجهود التي يقوم بها جنود وفرسان الحرب السيبرانية في عالمنا الإسلامي، والتي تمثل يومًا بعد يوم تهديدًا أكبر لمصالح الكيان الصهيوني وداعميه الغربيين أو عملائه المحليين، 

وكم تحتاج الأمة اليوم إلى من يُسخّرون معارفهم، والعلوم والتقنيات المادية في خدمة القضايا المصيرية، وتحويل تلك الطاقات من المعارف إلى وقود عمل وبرامج مقاومة تُغير موازين القوى في المعركة الدائرة.

إن الهاكرز المسلم يخوض اليوم حربًا بطولية في الوقت الذي يستميت غيرهم لاستغلال الفضاء الرقمي في نشر التفاهة والميوعة، وإشاعة التغييب عن قضايا الأمة الفارقة، إن انتصار فرسان القرصنة لدماء المستضعفين والأبرياء في غزة وكل بلادنا المحتلة، لهو وسام شرف ستذكره سجلات التاريخ، عن الأبطال المجهولين الذين يرى العالم آثارهم لكن لا يستطيع تعقبها، إنها حرب أفكار، والأفكار مضادة للرصاص.

الهوامش

  1. قراصنة “أنونيموس السودان” يهاجمون موقع إكس لجذب انتباه إيلون ماسك. ↩︎
  2. تهديد “أنونيموس السودان” بهجمات تعيد الكيان الصهيوني للعصر الحجري. ↩︎
  3. صحيفة هآرتس الإسرائيلية: هجوم إلكتروني على محطة نووية إسرائيلية في ديمونا: مجموعة مجهولة تخترق النظام. ↩︎
  4. شقيقان سودانيان متهمان بأميركا بشن هجمات إلكترونية خلال طوفان الأقصى. ↩︎
  5. قراصنة يخترقون مواقع رياضية إسرائيلية عقب نداء أبو عبيدة. ↩︎
  6. قراصنة يخترقون مواقع رياضية إسرائيلية ويضعون صورة أبو عبيدة. ↩︎
  7. قراصنة يخترقون موقع نادي مكابي الإسرائيلي وينشرون صورة أبو عبيدة على الواجهة. ↩︎
  8. تقرير عن مجموعة الفلاقة التونسية (Fallaga team). ↩︎

مؤمن سحنون

أرجو أن أكون من الساعين لأن ننال يوما الحرية، الحرية بمعناها الشامل لأمة تعرف رسالتها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم، مقالة محفزة للشباب لخدمة أمته، سمعت ان هناك فريقا من الهاكرز في الجيش الالماني تعداده أ ربعة الاف شخص تابعين للجيش النظامي
    واذا كانت انظمة بلادنا تخشى الدخول رسميا وعلنا لهذا المجال فلتفعل الشعوب كما فعلت في المقاطعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى