سايكس بيكو.. الحدود تراب
إنني وإن كنت أكتب الیوم من مصر إلا أنني أتوجه بحدیثي لشعوب أوطاننا المسلمة كلها، فهي معركة واحدة في الحقیقة، وإن وصول الأوضاع في بلادنا لهذا الحال المزري مر عبر عدة مراحل من ضمنها تقسیم أمتنا المسلمة وعلى رأس ذلك المنطقة العربیة؛ فالذي یظن أنه بإمكانه تغییر أي وضع في الأمة متجاهلًا هذا التقسیم والأثر الاستعماري الذي وقع فهو واهم، فإن التقسیم قد تم على أسسٍ كفیلة بألا تقوم لأي دولة قائمة حقیقیة حتى تقوم وتتكامل معها الدول الأخرى، ومنطقة “الشرق الأوسط” تظهر قوتها الدولیة الفریدة عندما تجتمع ممیزات كل أجزائها معًا.
ولذلك لما أرادت أمریكا أن تعزز من سیطرتها الدولیة لم تكتفِ بالسیطرة على بلد أو بلدین في هذه المنطقة وإنما وضعت یدها -تدریجیًا- على المنطقة كلها، فأمریكا تتجاهل الحدود بین بلداننا وتتعامل معنا كمنطقة واحدة تسمیها منطقة “الشرق الأوسط”، فهذه الحدود إنما وُضعت فقط لتفریق الشعوب وتبدید قوتهم وتسهیل نهبهم!
إننا نعتقد بوضوح أن لنا وطنًا كبیرًا قسمه المستعمر باتفاقیات استعماریة غاشمة لا نعترف بها، ونعتقد أن الحدود التي رسمها المستعمر بیننا وبین إخواننا في باقي أجزاء الوطن المسلم الأكبر ستظل ترابًا أمام قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة).
وإنه لا یوجد مسلم صحیح الإیمان لا یعتصر قلبه حرقة على ضیاع الأقصى وتسلط أذل الخلق علیه وعلى أهله، لا یوجد مسلم لم یهتز لما ارتُكب ویُرتكَب في حق المسلمین المستضعفین في كل مكان، إن مجرد سوء أحوال الأمة كفیل بتحریكنا -في مصر مثلًا- لتغییر الأوضاع كلها، فكیف وحالنا -في مصر- جزء من هذا الحال السيء؟! وقس على ذلك كل البلدان المسلمة! وإنه یكفي أن تتعرف على اتفاقیة مثل سایكس بیكو لتتصور بصورة أعم كیف وصلت البلاد المسلمة لشكلها الحالي.
سایكس بیكو
سایكس بیكو واحدة من أشهر الاتفاقیات التي أدت لتقسیم الأمة، إنها اتفاقیة سریة وقعت بین فرنسا وبریطانیا عام 1916، تنص الاتفاقیة على تقسیم بعض المنطقة العربیة بین فرنسا وبریطانیا في مشهد أشبه بتقطیع (الكعكة)، وكان من آثار هذه الاتفاقیة فقط تقسیم الشام إلى أربع دول: سوریا والأردن ولبنان وفلسطین، هذه الاتفاقیة وأشباهها تجعلنا أمام حقیقة تاریخیة وهي: أن الاحتلال هو الراسم الأول للشكل الحالي لبلادنا!
إن اتفاقیة (سایكس بیكو) لیست مجرد اتفاقیة “استعماریة” أدت لتقسیم بعض أجزاء المنطقة بل هي مثال صارخ على كیفیة تلاعب الاحتلال بمصائر الشعوب وقیمها وحضارتها، والأخطر أنها تحولت من اتفاقیة استعماریة إلى حالة ثقافیة عامة، فصرنا نجد الشعوب تتبادل الشتائم والكراهیة، ویفخر سكان كل بلد على البلدان الأخرى، علمًا بأن بعض شعوب هذه البلدان كانوا شعبًا واحدًا منذ 100 سنة فقط!
إننا سنظل نحلم بأمة مجتمعة متحررة، محرَّر كل شبر تسكن علیه، وإن المعنى الوحید لأمة متحررة هو أن یكون قرارها نابعًا من داخلها، متسقًا مع قیمها، لا یحكمها أحد من خارجها، ولا یتحكم عدوها في اقتصادها ولا یضع القیود على تحركاته، إذا قالت أسمعت، وإذا سكتت أرهبت، وإذا قررت أنفذت!
وهذا لا سبیل إلیه إلا بإسقاط الشرعیة الدولیة التي شكلت هذا الواقع، ولا سبیل لإسقاط هذه الشرعیة الدولیة على الأرض إلا بإسقاطها من القلوب، یجب أن یسقط النظام الدولي داخل قلب كل واحد منا حتى نتمكن من إسقاطه على الأرض، وهذا یحتاج لفهم معنى كلمة الشرعیة الدولیة وحقیقتها، هذا الفهم وحده كفیل بإسقاطها من القلوب للأبد.