الشرعية الدولية صنم يجب أن يهدم

إن النظام العالمي الیوم یقوم ببساطة على الوهم، الوهم بكل صوره، إنك لا تحتاج أكثر من بضع دقائق تتأمل فیها حقیقة هذا النظام وستكتشف أننا نعیش في أكذوبة كبرى! إن الجمیع منا صغیرا وكبیرا، عالما وجاهلا، یعلم أن كل ما نشاهده في التلفاز ونسمعه من خطابات سیاسیة وأخبار محلیة وعالمیة لیست إلا الصورة الأخیرة التي أرادوها أن تصل إلینا، الجمیع یفهم أن اللعبة لها قواعد مختلفة، وأن العالم – في النهایة – تتحكم فیه مراكز القوى، وأن ما یظهر فوق الطاولة یناقض ما یدور تحتها، لقد فهمت الشعوب هذا إلى حدٍ جعلها لا تهتم بالسیاسة أصلا ولا تشغل بالها بما یتم، لقد یئست من التغییر في ظل استمرار النظام العالمي كما هو.

إن النظام العالمي هو عبارة عن فیلم هولیوودي، مخرج الفیلم هو الذي یقسم الأدوار، فلیس كل ما تراه عیناك هو الحقیقة؛ “الحقیقة” هي ما یجعله المخرج “حقیقة”، فهذا بطل لأن المخرج أراد له أن یكون البطل! وهذا سیموت في اللحظة التي یریدك المخرج أن تراه فیها میتا! والحقیقة أن هذا لیس بطلا ولا ذاك میتا! مادمت أنت (المشاهد) وتتابع أحداث الفیلم من خلف الشاشة فلن ترى عشرات الكامیرات، ولا مئات الكومبارس، ولا أركان الدیكورات، ولن ترى قهقهات الممثلین تتخلل مشاهد البكاء، ولن ترى “السیناریست” یلقّنّ ولا المخرج یصرخ ویوجه، ولن ترى اللقطات تعاد مرارا كي تظهر في صورتها الأخیرة! شعوب علاقتها بالأحداث فقط (الشاشات) ستظل أسیرة منظومة الوهم، منظومة صار للورق فیها قیمة تفوق الذهب فقط لأن الوهم سماه (عملة صعبة)! صارت الكرة معركة وصراعا، والمقاومة إرهابا والإرهاب الدولي الحقیقي حربا مقدسة من أجل تحریر الشعوب، والفواحش حریة، والانحلال تقدما، ما یقوله الوهم هو الحقیقة، الحقیقة لیست ما یقع على الأرض، الحقیقة ما یریدك الوهم أن تراه قد وقع على الأرض!

هذا الوهم صار حقیقة لأنه امتلك الشرعیة الدولیة، هؤلاء ثوار ومناضلون لأن معهم الشرعیة الدولیة، وهؤلاء متمردون أو إرهابیون لأن الشرعیة الدولیة ترید أن یكونوا كذلك، إذا اختارك الناس “حاكما” فستظل بحاجة إلى الشرعیة الدولیة حتى تصبح بالفعل “حاكما”، حقائق لا تخفى على الشعوب ولكنها سریعا ما تتناساها وتذهل عنها، ولذلك مازلنا نكرر أن معركتنا الأولى هي صناعة الوعي، وأولى خطوات هذا الوعي هي أن تدرك الشعوب أنها أسیرة منظومة وهم عالمیة إدراكا یوجّ ه مواقفها وحركتها، وأن تعلم أنه لا تغییر حتى تخرج من تلك المنظومة.

ولتفهم الفكرة بصورة أكثر عمقا دعونا نفصّل الحدیث عن الشرعیة الدولیة، وسنتحدث عن صورها الثلاثة بالترتیب ( الشرعیة السیاسیة – والشرعیة الاقتصادیة – والشرعیة العسكریة )، سنشرح كلّ واحدٍ منها على شكلِ تدويناتٍ منفصلة بأجزاء..

1- الشرعیة السیاسیة لمنظومة الاحتلال الدولي:

لقد صار للمنظمات المسماة “دولیة” كالأمم المتحدة ووكالة الطاقة وغیرها قیمة سیاسیة باعتبارها أنها منظمات عالمیة ودولیة یشترك فیها العالم كله، وأن قراراتها وقوانینها عادلة منصفة واجبة النفاذ، بالرغم من أن الحقیقة هي أن هذه المنظمات ما هي إلا منظمات “استعماریة” تُكمل “الدیكور” النهائي وتعطي الغطاء السیاسي لمنظومة الاحتلال الدولي وتؤسس لكل عناصر الهیمنة على بلادنا؛ فلكل منظمة منها دور محدد في تقیید الشعوب وإلزامهم بالمسار الذي یخدم مصالح الدول الكبرى، وإن ما یسمى كذلك بالقوانین الدولیة لم توضع إلا لتقیید الدول المستضعفة ولخدمة مصالح النظام العالمي، فالدول الكبرى وعلى رأسها شیطان العصر أمریكا مستثناة من كل قانون، ومتجاوزة لقرارات هذه المنظمات التي تخالف مصالحها، ولا تصدر هذه المنظمات – أصلا – أي قرار یخالف مصالح أمریكا إلا نادرا من باب حفظ ماء الوجه وللإبقاء على “شرعیتها” الدولیة في قلوب الحمقى والمغفلین.

لكنها في الحقیقة منظمات موجهة موظفة في خدمة الأسیاد وعلى رأسهم السید الأكبر أمریكا، وقد غزت أمریكا العراق عام 2003 بدون قرار من مجلس الأمن، وهي مخالفة للقوانین الدولیة، فماذا كان رد فعل مجلس الأمن ؟ أصدر عدة قرارات كانت كلها بمثابة الإقرار الصریح بهذا الاحتلال وإضفاء الشرعیة السیاسیة علیه!! إننا ببساطة نعیش في ظل خلافة أمریكیة مكتملة الأركان، فرؤساء بلداننا كلهم ما هم إلا ولاة تحت أمر الخلیفة في البیت الأبیض، جیوشهم هو من یسلحها وهو من یحدد وجهتها، إن قال حَ رْ بٌ حاربوا أو قال سِ لمٌ سالموا، یحرك أموالهم “بیت المال” في واشنطن (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، ویتلقى شكاوى بلدان الخلافة وینظم علاقاتها السیاسیة “دیوان الشكاوى” في نیویورك (الأمم المتحدة)، وأما القیادة السیاسیة لجیوش الخلافة في البلدان المختلفة ففي نیویورك أیضا “مجلس الأمن”، ویتحكم في مدى تسلیح بلدان الخلافة ویشرف على استخدام الطاقة فیها مفتش الخلیفة الأعظم ومقره في فیینا “وكالة الطاقة الذریة”.

وأما من یوجه ثقافة أبناء الخلافة – الغیر مباركة- ویحافظ على تراثهم بما یراه مناسبا فهو الحاكم بأمر الخلیفة “الیونسكو” في باریس، كما یرعى الخلیفة في البیت الأبیض صحة أبناء الخلافة عبر طبیب الخلافة الأعظم “منظمة الصحة العالمیة” ولا تسأل عن ملایین الموتى بالأمراض والأوبئة في بلدان أفریقیا و “العالم الثالث” فإن أركان الخلافة واسعة وهل الخلیفة سیهتم بصحة هؤلاء ویترك صحة أبناء الدول المركزیة الكبري في خلافته! ناهیك عن جیش الخلافة الفاتح (الناتو) والذي صار یأمر فیُطاع ویبطش فلا یُلام! لقد صار مألوفا لدى المواطن في بلادنا أن یفتح التلفاز لیشاهد مؤتمرا صحفیا لوزارة الخارجیة الأمریكیة تتحدث فیه عن تطورات الأوضاع في مصر مثلا!

الإشكال لیس في عقد المؤتمر فالكل یعلم أنهم یتعاملون معنا كحق مباح لهم، ولكن الإشكال الحقیقي في أن یكون ذلك مألوفا لدى الشعوب، بل وأحیانا ینتظر البعض بالفعل ماذا سیقول السید الأمریكي عن تطور الأوضاع عندنا!! إنها الأزمة الكبرى!

لقد تسللت الشرعیة السیاسیة للهیمنة داخل عقول وقلوب الشعوب لدرجة أنهم أصبحوا لا یستنكرون هذا الوضع الشاذ والمقلوب! لقد تمكنت الآلة الإعلامیة الرهیبة في الخارج والداخل من سحر عقول الناس و زرع بذور التبعیة في قلوبهم، واستسلمت الشعوب للأوضاع بصورة جعلت من یستنكرها ویحاول الخروج علیها هو المستغرَ ب عندهم، بل لقد نصب البعض من نفسه محامیا مدافعا عن هذه الأوضاع فلم تعد أمریكا بحاجة للدفاع عن نفسها؛ فتجد من یقول لك: هذه تفاهمات دولیة، أو من یقول: لقد تغیر العالم ویجب مسایرة الأوضاع! إن هذه النفوس المنهزمة لا تعید مجدا ولا تقیم حضارة ولا تغیر من الأوضاع شیئا.

إن الحقیقة تكمن في أن لله سیسخر لتغییر هذه الأوضاع من یستحق بالفعل أن ینال هذا الشرف، سیسخر من هم أحرار النفس والعقل لا یسایرون الذل ولا یقبلون بأن یعیشوا على هامش الأمم! إن هذه القوانین الدولیة، وتلك المنظمات “الاستعماریة”، بالإضافة إلى ما یُسمى بالمعاهدات والاتفاقیات العالمیة ( والتي تمت عبر الحكام العملاء المغتصبین للسلطة في بلادنا بدون رضا منا، وأحیانا بدون علمٍ منا أصلا) ، كل هذه الأوهام لا اعتبار لها عندنا ولا تعنینا، ولیست لها أي شرعیة سیاسیة في قلوبنا، وإننا بكل فخر نراها هي والعدم سواء، وسیأتي الیوم الذي ندوس علیها فیه بالأقدام كما داس أعدؤنا علیها أصلا في تعاملهم معنا، فإننا لن نخضع إلا لقیم دیننا، وتلك هي الحریة التي نراها.

اضغط هنا لتحميل كتاب معركة الأحرار كاملًا PDF – الطبعة الثانية

أحمد سمير

ناشط ومهتم بالشأن الإسلامي والعالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى