أمريكا دولة الوهم.. القيم والحقيقة
لقد انتشرت مؤخرًا ظاهرة ارتداء ملابس عليها علم أمريكا، ونرى بعض المحلات وبعض وسائل المواصلات تُعَلّق هذا العلم أيضًا. لعلَّك ترى أن الأمر عاديٌ جدًا، وطبيعيٌ جدًا، فَلِمَ نكره دولة العدل والمساواة؟
أمريكا دولة العدل والمساواة
دعني أُوضح لك بعض الأمور:
أولًا: قال ابن القيم: “أينما يكون العدل فثمَ شرع الله.” إنه عدل هذا الدين الذي أنزله الله ليتحاكم الناس إليه؛ فالعدل هو من شرع الله، وأينما يكون العدل يكون شرع الله. أتعلم لماذا؟ لأنه ببساطة أي منهج للبشر غير المنهج الذي وضعه الله لهم، يستحيل أن يكون به العدل المطلق هذا… لِمَ؟ لأنه قطعًا هناك مصالح ستجعل البشر يظلم بعضه بعضًا، وهُناك أهواء بدون رقيب. ولو تركَنا الله بدون منهج ثابت يكون هو مرجعيتنا لفسدت الأرض وفسدنا.
ثانيًا: أن المساواة: هي التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز بسبب الدين، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو المستوى الاجتماعي. سأدعك تبحث أنت عن “وضع السود في الولايات المتحدة”؛ ليتضح لك نهايًة أن أمريكا ليست دولة المساواة.
لعلَّك تتساءل: ماذا عن الإسلام؟ هل تحكيم الشريعة يعني تطبيق المساواة؟
إن الإسلام أقرّ أن من سمات الجاهلية: التفرقة بين الناس على أساس اللون والجنس واللغة. فمن مبادئ الإسلام الأساسية أنه “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”، و”إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، فلا هو قال أكثركم مالًا، أو أكثركم جمالًا، وإنما التقوى هي المعيار.
أما المساواة المطلَقَة فأكاد أجزم أنها ليست موجودة على الإطلاق؛ لأنها ليست منطقية من الأساس! فلا يصح لعاقل أن يساوي بين الرجل والمرأة -على سبيل المثال- مساواة مطلقة؛ لأن لكلٍ منهم طبيعة خاصة، وقد جاء في القرآن: (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ).
فمن يقول أن المرأة والرجل متساويان تساويًا مطلقًا، فعليه أن يحمَل تسعة أشهر، ويُرضع طفلًا ويخدم بيتًا، ويسهر بجانب أطفاله كثير من الليالي، ويجرب ألم الولادة، وغير هذا، ومن تقول بهذا فعليها أن تقاتل في سبيل الله، وأن تعمل ليلًا ونهارًا خارج المنزل، وأن تُسأل عن بيتٍ وأطفالٍ وامرأةٍ وعن حمايتهم، وغير هذا. إن هذه الفكرة ترفضها أي فطرةٍ “سليمةٍ”.
المدافِعة عن حقوق الإنسان
السلطات الأمريكية تستعمل سجن يُسمّى “غوانتانامو” لسِجن من “تَشتَبِه” أنهم إرهابيون، ويُذكر أن هذا السجن لا يُطَبّق عليه أي قانون من قوانين حقوق الإنسان. نعم، لأنها أمريكا! فمن تعتبره إنسانًا تطبق عليه قوانين حقوق الإنسان، أما من لا تعتبره كذلك، فلا تطبق عليه قوانين حقوق الإنسان، مهزلة!
اقرأ أيضًا: تنافس في الرئاسة الأمريكية على عودة التعذيب بالإغراق.
تحترم القوانين الدولية
فكم مرة استخدمت أمريكا في حروبها أسلحة محرمة دوليًا؟ دعني أُذَكرك بالفلوجة -مثلًا-؛ فقد استخدمت أمريكا في هذه الحرب اليورانيوم المنضب والفوسفور؛ مما أدى إلى تشوهات خَلقية تلاحق المواليد وسكان الفلوجة والعراق إلى يومنا هذا.
أمريكا تُعَدّ نموذجًا للنظام الديمُقراطي
لنفترض أنها تطبق الديمُقراطية -بحذافيرها-، ونتحدث عن النظام الديمُقراطي. ذلك النظام الذي يعتبره أغلب الشعب العربي أفضل نظام للحكم.
القيمة المُقدسة
النظام الديمقراطي قيمته المقدسة هي: حكم الشعب. حسنًا، وهل تجزم لي أن الشعب رأيه صحيح -منطقيًا، وعلميًا-؟ وهل جميع الشعب يفهم في الأمور السياسية، والاقتصادية، والعسكرية لكي يختار ما هو مناسب، وما سينفع بلاده؟
هل هذه القيمة تصح إلى أن تكون هي القيمة المثالية لديك؟ هل تجاهلت أن هناك نسبة أميين في أي دولة يذهبون ليدلُوا بأصواتهم، وهم لا يفقهون شيئًا عن أحوال البلاد!
من يفهم حتى في هذه الأمور كلها، هل هو مُنَزّه عن أي هوىٰ أو مصلحة تجعله يختار ويروج لاختيار شخص سينفعه على المستوى الشخصي ويضر البلاد؟ هل يُعقل أن يُحكم المثقفين بنظام أراده أغلبية الشعب -الجاهلة-! ألا ترى معي أن هذا هراء وعبث؟!
معيار التطبيق
ومعيار تطبيق قيمة (حكم الشعب) في النظام الديمُقراطي هو: تحكيم إرادة الأغلبية. وهل كل الشعب يُدلي بصوته في الانتخابات لتأخذ من الصناديق أنتَ أن هذا هو رأي أغلبية هذا الشعب! وإن حدث ذلك -وهو مستحيل- فبعد أن اختار (جزءٌ) من الشعب الحاكمَ، يختار (جزءٌ) من الشعب نوابَ البرلمان -قلةٌ قليلة جدًا- من الشعب، ويعتزل الشعب الصورة! فهو قد انتخب من ينوبون عنه.
فهل ترى أنت أنه بهذا قد تحققت سيادة الشعب فعلًا، وهل هكذا يُقال أن الشعب يحكم فعلًا؟! سأتركك تفكر بعقلك أنت.
ونحن هنا نتكلم عن الديمُقراطية الحديثة. ليتضح لكَ نهايةً أن القيمة فاسدة وأن المعيار لا يحقق هذه القيمة، وأنها خدعة خدعوك بها لكي تفكِّر أنها هي الشورى في دينك وأنه يمكن تطبيق الشريعة من خلالها! (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
فلنفرّق بين الشورى والديمُقراطية، فهذه إسلام والأخرى جاهلية
الشورى هي تحكيم الأمر لأهله، بمعنى استفتاء من يعلم فيما يعلمه، وليست تعني استفتاء الكل في كل شيء، مثلما تفعل الديمُقراطية! سأوضّح لكَ بمثال بسيط الفرق بينهما: إذا كان هناك أرض زراعية وحيدة في قرية صغيرة وهذه الأرض هي التي تنبت ما يتغذى عليه أهل القرية جميعًا، وعدد السكان في هذه القرية 90 فردًا، 4 أفراد منهم دارسين الزراعة، أما باقي أهل القرية فهُم درسوا أشياءًا مختلفة غير الزراعة.
قرر 60 فردًا أنهم يريدون أن يكون أمام بيت كل فرد أرض زراعية صغيرة خاصة به، وأن يبنوا هذه الأرض الزراعية الكبيرة. وهذه الأرض هي فقط الزراعية في القرية، فإذا بنوا عليها لن يكون في القرية زراعة من الأساس، وفكرة أن يكون أمام كل بين أرض زراعية فكرة فاشلة؛ لأن هذه الأرض المبني عليها ليست زراعية.
إذا استخدموا نظام الديمُقراطية: يطبقون الذي أراده ال 60 شخصًا ويرونه هو الحسن والصواب، ويهملون تحذيرات ال4 أفراد الدارسين لهذا الأمر، ويجب على الـ4 أفراد إحترام هذا الأمر.
أما إذا استخدموا نظام الشورى: يُستفتى في هذا الأمر الـ4 أفراد الدارسين ويؤخذ بقولهم، حتى وإن قال ال 86 شخص الآخرين جميعهم بعكس ماقال الأربعة. (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
ماذا عن كونك مسلمًا
كونك مسلمًا يعني أنك تحمل رسالة، يجب عليك أن تبلغها للناس كافّة، فماذا تبلغهم وأنت تتفاخر بقتلة؟ هل تصلح لأن تكون أنت صورة للإسلام؟ لا مفر من الله يوم القيامة إن فررت من ضميرك الآن.
هل سمعت عن أسرى المسلمين لدى أمريكا؟ هل تعلم شيئًا عن حق المسلم على المسلم؟ حق المسلم على المسلم ليس فقط بالسلام عليه أو بتشميته إذا عطس، وإنما من أهم الحقوق هو نصرته إذا استطعت نصره.
فأنت لست فقط لم تنصره، وإنما تفاخرت بمن يقتله ويعذبه، واستسلمت لهيمنة الكفّار عليك فكريًا قبل عسكريًا، فتلك الظاهرة إنما هي نتيجة واضحة للهيمنة على المسلمين، بدأت منذ أن أقنعوك أن اللغة الإنجليزية أهم من العربيّة، حينما أقنعوك أن تعلُّمَ العلم لدنياك أهم من تعلُّم العلوم الشرعية لدنياك وآخرتك!
حينما أفهموكِ أنكِ عندما ترتدين زِيَّ الكافرات تكونين مثل بدر القمر، وتكونين جميلة جدًا، وأفهّموكِ أن زِيَّ أمهات المؤمنين تخلفٌ ورجعية، قولي لهم يا ابنة الإسلام أن رِضا الله عندي أهم من رِضاكم، قولي لهم أنكِ ستقابلين ربّكِ وحدك فلن ينفعوكِ آنذاك.
قل لهم يا إبن الإسلام أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وأن جهادك في سبيل الله أغلى من دنيا تعيشها كالبهائم؛ تأكل، وتنام، وتعمل، لتتزوج، لتنجب، لتنقل فكرك إلى أولادك، لتموت!
لا تنسى يا ابن الإسلام أنك ستُسأل عن عمرك فيما أفنيته. فهل أفنيته في جهاد في سبيل الله أم في تخطيط لمستقبلك الدنيوي في دولة لا تحكم بما أنزل الله متجاهلًا المستضعفين!؟
هل لك نصيب من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكيه عن ربه -سبحانه-:
أيما عبد من عبادي خرج مجاهدًا في سبيل الله ابتغاء مرضاتي، ضمنت له أن أرجعه، إن أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة، وإن قبضته غفرت له ورحمته!
أين أنت من قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)! ويقول ربُّك سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.. فهل بايعت يا مُسلم؟!
من المؤسف حقًا أن ترى أناسًا يُقال أنهم مسلمون يتفاخرون بقاتل ويمجدونه، ناهيك عن أنهم يحبونه ويرون فيه القدوة، ويرون فيه أيضًا البطل الذي لم ولن يتكرر. والمأساة الحقيقية أن منهم من لا يعلم إجرامه من الأساس!
مقال مفيد شكرا لكم