ثوابت الشورى… وثوابت الديمقراطية.
كثيرًا ما يَغفل من يُقدم لنا الديمقراطية-على أنها هي الحل وطريق الخلاص-الحديث عن ثوابت الديمقراطية، فالديمقراطية ليست مجرد: اختيار الحاكم، والفصل بين السلطات، ومحاسبة رجال الدولة… إلخ، فهذه أمور لا بأس بها، يتفق العقلاء على أهميتها، ولكن الديمقراطية ليست مجرد شكل من أشكال الحكم، إنما لها هوية وثقافة وثوابت لا يمكن أن تكون بدونها.
بمعنى: لو أنك قمت باختيار الحاكم، وفصلت بين السلطات، وفعلّت الأجهزة الرقابية، ولم تقم بتنفيذ “ثوابت” الديمقراطية. فأنت غير ديمقراطي، ولو كان نظامك السياسي من أنجح النظم، وأكثرها عدلًا وفاعلية ورفاهية.
فمن ثوابت الديمقراطية: (الليبرالية الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية).
ركائز الديمقراطية
-
الليبرالية الثقافية:
فهي الحرية المطلقة للأفراد في (الإلحاد، والشذوذ، والإباحية، وحرية التعبير عما يثير الفتن والقلاقل داخل المجتمع، وتدعيم الأقليات في الدول التي تحت الاحتلال غير المباشر لتقويض الدولة بهم عند الحاجة).
-
الليبرالية الاقتصادية:
فهي اقتصاد السوق الحر الذي يمنع الدولة من التدخل لضبط حركة الاقتصاد، ولا بد لهذا الاقتصاد أن يدور في عجلة الاقتصاد الربوي العالمي، وتحت وصاية البنك الدولي وصندوق النقد، وخصخصة موارد الدولة لصالح الشركات الخاصة، مما يحول اقتصاد الدولة ومواردها وثرواتها إلى يد الشركات العابرة للقارات.
-
الليبرالية الاجتماعية:
فهي عولمة الثقافة الغربية، وهضم جميع الأديان والأفكار والثقافات وصهرها في بوتقة الحضارة الغربية، حتى تسود وحدها العالم دون أن يقف أمامها أي حضارة منافسة أو أفكار مناقضة.
الليبرالية باختصار
هذه الليبرالية: تعني ببساطة (حرية المحتل) في نشر ثقافته، وفكره، وهيمنة اقتصاده على العالم أجمع. ومن جانب آخر تعني (خضوع) الضعفاء إلى إرادة المحتل باسم “الديمقراطية”، والقيم الإنسانية العالمية، وحقوق الإنسان. حيث يحتكر الغرب تعريف الإنسان، ويحتكر ما هو الإنسان الذي يستحق هذه الحقوق، وهو الذي يحدد ماهية هذه الحقوق.
البرجماتية السياسية
وهي التي تجعل من المصلحة الذاتية (المنفعة) هي معيار للحق والباطل والخير والشر، فهي الحكم الفعلي للسياسة الديمقراطية، بعيدًا عن شعاراتها البارقة! فهذه البرجماتية توظف كل شيء من أجل تحقيق مصالحها حتى الدين، فهي مستعدة لأن تكون أطول لحية وحافظة للدين طالما في ذلك مصلحتها، ومستعدة في نفس اللحظة أن تكون أشد الناس كفرًا وإلحادًا طالما في ذلك منفعة ما.
وبعد هذه الليبرالية. تأتي الديمقراطية كنظام سياسي قابل للتداول السلمي للسلطة. وما يهم الغرب فيما يصدره لنا من ديمقراطية ليس هو نظامها السياسي المحض، وإنما هي ثوابتها وقيمها، والغرب لا يعنيه نظامنا السياسي أكان ديمقراطيًا أم لا؟ بل بالعكس هو يريد أفشل النظم السياسية لنا ليحافظ على مصالحه، ويسهل عليه تجنيد العملاء والفاسدين من بني جلدتنا، ولذلك نجده داعمًا للأنظمة الديكتاتورية، وهو الراعي الرسمي للانقلابات العسكرية في العالم كله سواء العالم الإسلامي أو غيره.
الديمقراطية على حقيقتها
إن شغل الغرب الشاغل هو ثوابت الديمقراطية من الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو يدعم أي نظام ديكتاتوري أو استبدادي أو أي انقلاب عسكري يؤيد هذه الثوابت، فمثلًا لو أن النظام السياسي الديمقراطي أخذ برأي الأغلبية في ثوابت الديمقراطية كأن تؤيد الأغلبية نظام اقتصادي غير ربوي، أو يضبط حركة السوق بما يخدم مصالح الوطن، أو يعتز بهويته الدينية والثقافية. ويتحرر من الهيمنة والتبعية، فليذهب رأي هذه الأغلبية إلى الجحيم، لأن في ذلك اعتداء على “أصول الديمقراطية” أو كما قالوا:
“لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية” أي لا حرية اختيار أو لا وجود لنظام سياسي لا يقوم بمبادئ الديمقراطية.
ومثال آخر: هل يمكن في النظام الديمقراطي التصويت على رفض العلمانية مثلًا؟ كلا… فالعلمانية هي الأم الشرعية للديمقراطية، ومجرد التصويت هو انقلاب على النظام الديمقراطي كله، ولذلك قالوا: الديمقراطية ليست مجرد أصوات في صندوق!
وعلى صعيد التحكم في الدولة، وضبط ديكتاتورية الأقليات، أو إصدار تشريعات تقلص من سيطرة اليد الغربية على مقاليد الدول الضعيفة، فهذا أيضًا إجراء ضد الديمقراطية. لأن للديمقراطية المصدرة لنا-أو المرضي عنها لنا-لها وجه احتلالي استعماري، يتخذ من بنية النظام الديمقراطي بعض الآليات لتقويض استقلالية الدولة وقرارها السياسي.
فشرعية الديمقراطية: ليست في اختيار الأغلبية، وإنما في الحفاظ على ثوابت الديمقراطية.
مفهوم الشورى ومقتضياتها
وهي أحد بنية النظام السياسي الإسلامي، وإن حصل اعتداء عليها منذ معركة صفين حتى سقوط الدولة العثمانية، وتم تشويه صورتها ببعض أقوال فقهاء الملك العضوض، وتنظريهم الضعيف عنها، فإنها تظل أحد أعمدة الفقه السياسي الإسلامي الراشد، وهي بحاجة إلى تنظير ودعوة وتطبيق. ولها المستقبل إن شاء الله.
ثوابت الشورى:
-
المرجعية الحاكمة:
وهي كتاب الله سبحانه وتعالى والصحيح الثابت سندًا ومتنًا من السنة النبوية، ولا نُقدّم عليهما شيئًا، فهما المرجعية العليا، ولهما السيادة فوق الأمة كلها.
-
الهوية:
هوية الشورى هي هوية إسلامية خالصة نابعة من كتاب الله ومنضبطة بإطاره العام.
-
مجال عملها:
هو تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية العالمية، وحمل رسالة الإسلام إلى العالمين، ورفعة الأمة.
-
ضوابط الشورى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}
فالشورى: تجعل السيادة لله ولشرعه، والسلطة والأمر للأمة.
أنواع الشورى
- شورى تمثيلية: أي تمثيل جموع الناس فيما يخص الشأن العام، ومصالحهم ومعاشهم.
- شورى متخصصة: أي خاصة فقط بأهل الاختصاص.
- شورى الحكم: أي التي تختار الحاكم… إلخ
- شورى فقهية تشريعية: خاصة بأهل الفقه والعلم.
وجميعها منضبطة بالإطار العام لمبادئ الإسلام.
بين الشرعية الديمقراطية، وشرعية الشورى
الاعتداء على ثوابت الشورى، هو اعتداء على الإسلام ذاته، بمعنى أنه لو كان النظام السياسي يتم فيه الاختيار، والرقابة والمحاسبة، ولكنه اعتدى على ثوابت الشورى، تسقط شرعية النظام السياسي الإسلامية، ويتم إصلاحه بكل الوسائل الممكنة. وهذا هو الفرق بين الشرعية الديمقراطية، وشرعية الشورى.
فمثلًا: لو رضي الناس بنسبة مائة بالمائة بالاقتصاد الربوي، أو بما حرّم الله، فليذهب رأيهم هذا إلى الجحيم، لأن للشورى ضوابط ومحددات من يتجاوزها-ولو كان الإنس والجن بعضهم لبعض ظهيرًا-تسقط شرعيته وحكمه.
تقويض الاعتداء على ثوابت الشورى:
-
إنكار المنكر:
وهو مبدأ إسلامي أصيل عام، وكلمة الحق عند سلطان جائر من أعظم الجهاد، والمقتول في سبيلها، من أعظم الشهداء عند الله. وإنكار المنكر في المجتمع الإسلامي يمثل حيوية وحياة وفاعلية هذا المجتمع، ويجب تطوير مؤسسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يكافئ الظروف الحضارية التي تعيشها الأمة، وليست على الصورة المشوهة التي يمارسها أو يزعمها البعض.
-
اعتزال الحكام والعصيان المدني:
وهو تقويض سلمي لشرعية الحكام حال الاعتداء والظلم والبغي بدرجة ما، لم تصل بعد إلى حد سل السيوف. كمثل قوله صلى الله عليه وسلم
“لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ” [صحيح البخاري].
-
عدم الرضى والمتابعة:
وهي أيضًا أحد صور الإنكار، والبراءة من هذه الأفعال المخالفة لثوابت الإسلام أو الشورى. كما في الحديث:
“إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ” [صحيح مسلم].
-
الجهاد:
كما في الحديث: “ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ [وفي رواية أخرى: أمراء]، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ ” [صحيح مسلم].
-
إسقاط الشرعية بالكلية:
في حالة الكفر البواح-أي استعلان (أفعال الكفر) من النظام الحاكم أو مؤسسات الدولة بغض النظر عن الحكم على الأعيان سواء الحاكم أو مؤسسات الحكم-والثورة على هذا النظام والانقلاب عليه. كما في الحديث:
“إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ” [صحيح البخاري].
ففي حال فشل الحفاظ على ثوابت الشورى بالطرق السلمية، وبالقضاء الشرعي، وبأجهزة الرقابة والمحاسبة. تسقط شرعية النظام السياسي، وتبدأ الأمة في مجموعها بالقيام بمهمتها في حفظ هذه الثوابت.
باختصار
من هذه المقارنة بين ثوابت الديمقراطية، وثوابت الشورى، والفرق بين الشرعية الديمقراطية وشرعية الشورى، يتبين الفرق الشاسع والكبير بين كل منهما، حتى ولو كان هناك التقاء عرضي في مسألة “الاختيار والمحاسبة” ولكن هذا الالتقاء لا يعني بأي حال من الأحوال أن الديمقراطية هي الشورى.
ومن يُبشر بالديمقراطية على أنها طريق الخلاص فإنه يخدع هذه الأمة، ويُسلّمها لأعدائها. ذلك لأن لهذه الأمة، وهذا الدين هدف خاص في هذه الحياة، فهذا الدين بمبادئه وأصوله وقيمه يصطدم اصطدامًا مباشرًا بالحضارة المادية الغربية، ولا بد أن يكون لهذا الدين السيادة والكلمة العليا، ولهذه الأمة الخيرية في إيمانها بالله، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.
ودِينٌ هذا أمره، وأُمةٌ هذه مكانتها: لا يمكن أن تستمد ثوابتها وقيمها وموازينها وأفكارها وثقافتها ونظم حياتها من غير كتاب ربها.
أنا متفق مع صاحب هذا المقال إن كانت الديمقراطية كما وصف
غير أن الديمقراطية على ما عرف ووصف ليست هي الديمقراطية على ما عرفت ووصفت والتي هي ما عليه تعاليم القرآن وما عليه الناس اليوم في أوروبا وأمريكا والعالم الديمقراطي كله
وأما ما ذكره عن الشورى فأشبه بخليط السمك واللبن والتمر الهندي لا سيما ما أسماه أنواع الشورى
والغريب المرعب أن من يعيبون الديمقراطية لا يقدمون بديلا إلا شيئا يسمونه الشورى فإن قرأنا تفاصيله لم نجده شورى ولم نجده إلا إكراها في الدين واستيلاء على الحكم بقوة السلاح وتحكما في مصائر الشعوب بالحديد والنار
هل تقصد أن الناس في أوروبا على تعاليم القرآن ؟! وأن الديمقراطية على تعاليم القرآن؟ هذا غير صحيح، النظام الديمقراطي نشأته بالأساس علمانية خالصة، وجذوره يونانية، وهي مسألة ليست مرتبطة بالنظم، بل مرتبطة بالأيديولجيات. فلا يصح أخذها – إذا أردنا الإسلام – إلا من الإسلام وحده.
أما مسألة الشورى وأنواعها، فهو مجرد اجتهاد وضعه الكاتب، يُضاف إليه جهد آخرين في تحقيق مفهوم الشورى بالوسائل المعاصرة والمناسبة لكل جيل، وقد بيّن الكاتب أن الفرق بين الشورى والديمقراطية هي “الثوابت” وأنه في الشورى السيادة للشرع، والسلطة للأمة بعكس الديمقراطية التي تجعل السيادة للشعب، والسلطة في الحقيقة لأصحاب الأموال الذين يتحكمون في صناعة العقول والأراء، وإن كانوا أفضل من النظم الاستبدادية.
وإذ لم يذكر الكاتب تفصيلات عن الشورى، فلأن المقال لا يسمح أو ليس ذلك موضوعه ابتداء، إنما هو حديث عن “الثوابت” وليس في المقال كما زعمت ( إكراهاً في الدين ) أو الحكم بالحديد والنار، فهذا افتراء لم يقله الكاتب، بل فيه دعوة للأمة للتحرر من الطغاة، وأن الأمة صاحبة السلطة.
والذي يتحكم بقوة السلاح في الشعوب هي الديمقراطية، إما الديمقراطية الأمريكية التي تُخضع العالم كله لمصالحها، أو عملاءها في بلادنا. هذا هو الوجه الاحتلالي الاستعماري للديمقراطية.
وأولى بمن يشعر عزة الإسلام أن يبحث فيه عن النظم السياسية الراشدة بدلاً عن أن ( ينبهر ) بالمجرمين والفراعنة في أمريكا وأوربا، فيكفيهم عاراً ملايين من دماء المسلمين الأبرياء، وتدميرهم بلاد المسلمين.
رائع. جُزيت خيراً