كلمات الرنتيسي التي يجب أن تعيها حماس!
كتب الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي – الذي تسلم قيادة حماس خلفًا للشيخ الشهيد أحمد ياسين بعد اغتياله – مقالًا تحت عنوان “هل السلطة في ظل الاحتلال إنجاز وطني أم إنجاز للاحتلال؟”، المقال فيه من الكلمات ما يجب أن تعيه أي حركة مقاومة في البلدان الإسلامية حتى لا ينتهي بها الحال كحركة فتح التي بدأت كحركة مقاومة وانتهى بها الحال في أحضان الاحتلال، لكن للأسف انخرطت حماس بعيدًا عن خط أسلافها في حكومة أوسلو وسارت بشكل لا يوضح أنهم قد وعوا الرسالة التي تركها لهم قادتهم الأوائل.
وهنا نستعرض ما كتبه الدكتور الرنتيسي في العام 2003 أي قبل عامين من انخراط حماس في العملية السياسية ومشاركتها في الحكومة، هل السلطة في ظل الاحتلال إنجاز وطني أم إنجاز للاحتلال؟:
لقد بات واضحا أن المحتل حين يبسط هيمنته على بلد ما فإن أول ما يسعى إلى تحقيقه هو إيجاد سلطة محلية تدير شؤون المواطنين، فتخفف عن المحتل أعباء الإدارة، وفي نفس الوقت تحفظ للاحتلال مصالحه التي هي في واقع الأمر تتناقض تناقضا جذريا مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الذي يرزح تحت الاحتلال، وأقل ما يمكن أن يقال في هذا الأمر أن هذه السلطة سيكون همها الأول مباركة الاحتلال، والتعاون معه ضد أبناء شعبها، لحفظ أمن الاحتلال، واستقراره، وبقائه، مقابل أن يضمن الاحتلال لتلك السلطة وجودها، والمثل الأكثر شهرة هو حكومة “فيشي” الفرنسية، وقد اتهمت حكومة “فيشي” بالخيانة من قبل الفرنسيين واعتبرت موالية للحكم النازي ضد المصلحة الوطنية، بينما قام “ديجول” بجمع كل الفرنسيين تحت مظلة “روح قومية واحدة” في مواجهة حكومة “فيشي”، في هذا المثال الواضح لا يمكننا إلا أن نقول أن السلطة التي شكلها الاحتلال النازي من الفرنسيين في فرنسا كانت إنجازا واضحا للاحتلال، فالاحتلال هو الوحيد الذي انتفع من تشكيلها، ولم تكن إنجازا وطنيا فرنسيا.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الحكومة الشيشانية التي صنعتها روسيا بعد احتلالها لجمهورية الشيشان، ففي حوار خاص للرئيس الشيشاني السابق “سليم خان” مع “البيان” قال “الحكومة الحالية حكومة عميلة وضعيفة جداً لا تمثل الشعب الشيشاني، ولا يحترمها أحد، وهي غطاء لإدارة جيوش المحتلين الروس. أعضاء الحكومة أدوات طيّعة بأيدي القادة العسكريين من روسيا، يديرونهم كما تدار الدمى الجامدة في مسرح العرائس؛ ولهذا لا أتوقع لها مستقبلاً مستقراً”.
وكذلك حكومة “كرازاي” التي جعلت من كلمة “كرازاي” مصطلحا سيئا شبيها بكلمة “لحد”، فكلما همت أمريكا أو العدو الصهيوني بتشجيع شخص ما ليتولى زمام الحكم في بلده أطلق عليه لقب “كرازاي”، كما يقال اليوم أن أمريكا تبحث عن “كرازاي” العراق، وأصبحت حكومة “كرازاي” تعمل وفق الرؤية الأمريكية، وتشجع الوجود الأمريكي في أفغانستان مع أننا ندرك أن أمريكا لا تعمل هناك من أجل عيون المسلمين الأفغان ولكن فقط من أجل المصلحة الأمريكية، والتي على رأسها إفساد هذا الشعب المسلم المجاهد، وسلخه عن الأخلاق والقيم الإسلامية التي نشأ عليها.
ومن هنا ندرك أن أي حكومة تقوم في ظل الاحتلال، وبإذن منه، لابد أن تستوفي الشروط التي يضعها جنرالات الاحتلال، وهذه الشروط لن تكون إلا لصالح هذا الاحتلال، ولا يمكننا أن نخدع أنفسنا فنتصور أن الاحتلال يمكن أن يقدم مصلحة عدوه على مصلحته، ولا يمكننا أن نتصور أيضا أن مصالح الاحتلال تتقاطع مع مصلحة الشعوب المقهورة المستضعفة التي تقع في قبضته، اللهم إلا إذا كان سيف المقاومة مسلطا على رقاب المحتلين عندها تكون مصلحة الاحتلال في الفرار من جحيم المقاومة، بينما تكون مصلحة الشعب الرازح تحت الاحتلال في الحصول على حريته واستقلاله وتحرير أرضه، ولكن المحتلين لا يتفاوضون إلا مع من يبرأ من المقاومة وينبذها، وعندها لن يستطيع المفاوض الأعزل من سيف المقاومة إلا الرضوخ للشروط التي يمليها الاحتلال، وهذا ما حدث في كارثة “أوسلو”، لقد قبل المفاوضون باسم منظمة التحرير الفلسطينية إقامة سلطة في ظل استمرار الاحتلال، فهل كانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تدرك عندها أن هذه السلطة لن تكون إلا إنجازا احتلاليا، ولن تكون إنجازا وطنيا فلسطينيا؟!!
كل الدلائل تشير أنها كانت تدرك ذلك، فلقد جاء في البيان الأول للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد “ياسر عرفات” ما يبرهن على أن اللجنة التنفيذية كانت تؤمن أن قيام سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال يعتبر مصلحة للاحتلال وحده، ويتناقض كليا مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني فقد جاء في البيان “تسعى الحركة الصهيونية والاستعمار وأداتهما إسرائيل إلى تثبيت العدوان الصهيوني على فلسطين – بإقامة كيان فلسطيني في الأراضي المحتلة بعد عدوان 5 حزيران (يونيو) – كيان يقوم على إعطاء الشرعية والديمومة لدولة إسرائيل الأمر الذي يتناقض كليا مع حق الشعب الفلسطيني في كامل وطنه فلسطين. إن مثل هذا الكيان المزيف هو في حقيقة حاله مستعمرة إسرائيلية، يصفي القضية الفلسطينية تصفية نهائية لمصلحة إسرائيل. وهو في نفس الوقت مرحلة مؤقتة تتمكن فيها الصهيونية من تفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من السكان العرب تمهيدا لدمجها دمجا كاملا في الكيان الإسرائيلي. هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية فلسطينية عميلة في الأرض المحتلة تستند إليها إسرائيل في التصدي للثورة الفلسطينية”. (كتاب سلام الأوهام أوسلو – ما قبلها وما بعدها للكاتب الأستاذ محمد حسنين هيكل صفحة 21).
ورغم أن دافعا وطنيا كان من وراء تشكيل سلطة فلسطينية وهذا ما يميزها عن غيرها إلا أن العدو الصهيوني نجح في جر المنظمة لتشكيل السلطة التي يريد، والتي تحقق له كل ما جاء في بيان اللجنة التنفيذية، فقد اعترفت السلطة بما يسمى “دولة إسرائيل”، وشطبت بذلك حق الشعب الفلسطيني في وطنه، كما نبذت المقاومة الفلسطينية المشروعة واتهمتها بالإرهاب، ثم تصدت لرجال المقاومة واعتقلتهم، وصادرت أسلحتهم، واغتالت بعضهم.
وأما على الصعيد الداخلي فقد صبغ الفساد كل مناحي الحياة، الفساد الإداري، والمالي، والأخلاقي، والقضائي، وغير ذلك من أشكال الفساد، فعن التضخم الوظيفي والبطالة المقنعة حدث ولا حرج، وأصبح التمييز بين أبناء الشعب الواحد في الوظائف أمر يندى له الجبين، وأما نهب البعض للمال العام فقد أزكمت رائحته الأنوف، ثم توج كل ذلك بتجميد أموال المؤسسات الخيرية مما سيؤدي إلى الإضرار بعشرات الآلاف من الفقراء، والأيتام، والأرامل، كما سيؤدي إلى حرمان العشرات من العاملين في هذه المؤسسات من وظائفهم، هذا وقد نجح العدو في خلق صراعات داخلية على مراكز النفوذ داخل السلطة، أدت إلى صرف الأنظار عما يقوم به الصهاينة من إرهاب واسع ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
كما فرض العدو الصهيوني عبر المفاوضات على السلطة التعاون الأمني تحت مظلة مكافحة الإرهاب، مما سلب الفلسطينيين أمنهم لصالح الأمن الصهيوني.
فأي إنجاز هذا الذي تحقق للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بقيام سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال؟!!! وإن كان هناك إنجاز فهل يقارن بما حقق الاحتلال من إنجازات استراتيجية هامة؟!!
إذن فقد وقعت السلطة في الفخ الذي كانت تحذر منه، ولقد حاولت كسر القاعدة حتى تجعل من تشكيلها مصلحة وطنية وليست مصلحة للاحتلال، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل، ولا زالت تحاول إلا أن اليأس بدأ يتسلل إلى نفوس المخلصين من عناصرها، ومن هنا بدأت تشعر بالحرج الشديد أمام شعب بات على ثقة أن السلطة في ظل الاحتلال تعتبر إنجازا للاحتلال وليس إنجازا وطنيا حتى وإن خلصت النوايا.