التوازن.. ما الوسائل المعينة على تحقيقه في حياتنا؟

تحرير: عبد المنعم أديب

إنسان .. أنا وأنت عزيزي القارئ! ذاك المخلوق الواحد المتعدد، الواحد في ذاته، المتعدد في جوانب كيانه واحتياجاته. فكل منا يشعر بانقسام رغباته وغاياته حسب احتياجات مشتركة بين البشر، والتي إن أطَّرناها في أُطُر عامة فستكون تلك الأطر: الحاجات العقلية، والروحية، والنفسية، والجسدية. وتستوجب كل من هذه التقسيمات العمل على ما يحقق إشباع الحاجة فيها، وهذا يستدعي القيام بالمهام ووضع الأهداف، والتي قد نختلف أحيانًا في نوعها وكيفيَّتها، لكنَّها تخدم في نهاية المطاف تلك الجوانب، وتهدف إلى تحقيق الاستقرار للإنسان.

وعلى سبيل المثال، يحتاج الفرد منا لطلب العلم، كما يحتاج للعمل، ولتكوين أسرة، ويحتاج لإصلاح دينه وخدمة أمّته؛ وبين هذا وذاك، يتعرض الإنسان للحيدة عن جانب إلى آخر فاقدًا توازنه. وهنا تبرز قضية مهمة وهي “فقد الاتزان”، ولا تقف هذه القضية عند حد أن يتزن بين تواجهاته الكبرى المذكورة، بل تذهب به إلى أبعد وأعمق من ذلك، فهو مُفتقر للاتزان حتى عند السير خلال تلك التوجهات، إذ يحتاج الاتزان في تحديد اتجاهاته الفكرية مثلًا، وطريقة تدينه، ومشاعره نحو الآخرين، وفي كل شيء!

إذن، فإن “التوازن” قضية مركزية في حياة الإنسان، واحتياج ضروري له، ومهارة لازمة لضمان قيادته مركب الحياة بشكل آمن، ليتجنب مغبات إهمال جانبٍ على حساب الآخر؛ إذ لا يحقق الإنسان استقراره ونجاحه إلا بتحقيق التوازن، وفي هذا المقال، سنستعرض معنى التوازن بشكل أدق، ونجيب عن سؤال: ما الوسائل المعينة على تحقيق التوازن؟

مفهوم النجاح وعلاقته بالتوازن

التوازن

يحكي الدكتور “عبد الرحمن ذاكر الهاشمي” (الطبيب النفسي والاستشاري الأسري والتربوي) في إحدى حلقاته المتصلة بموضوع التوازن، والمنشورة على “اليوتيوب” بعنوان “زواج 101″؛ يحكي أنه في أثناء أحداثِ تكريم، كُرّمت فيه امرأة على أحد منجزاتها، قُدِّمت للناس على أنّها إنجاز أنثوي وقدوة نسائية “ناجحة”. وبعد التكريم، سألها د/عبد الرحمن السؤال التالي: على حساب من كان نجاح إنجازك هذا؟

فقالت: للأمانة .. على حساب أسرتي! أيْ زوجها وأولادها.

ولك أن تتخيل كيف اهتزت لحظةَ إجابتها نظرةُ الناس إليها كامرأة ناجحة، وربما دفع ذلك الموقف الحضور لمراجعة مفهومهم حول النجاح. لقد اعتدنا أن نصنف الناس كناجحين، ونطلق عليهم هذا الوصف بالمطلق، بمجرد نجاحهم في جانب واحد من جوانب حياتهم.

وحقيقة الأمر أن هذا المنهج في تصنيف الناس بالنجاح أو الفشل خادع، فكم من ناجح في مهنته مثلًا، فاشل في دوره الأسري، أو دينه حُطام مهجور. إذن فالنجاح من الممكن أن يكون نسبيًّا، ولا تُطلق صفة ناجح على الإنسان إطلاقًا لنجاحه في جانب معين، بل قد يوصف الانسان بالنجاح النسبي، ويكون فاشلًا بالحكم المطلق، مثلما يحدث مع من ينجح في مجال عمله ويهمل دينه وأسرته.

التوازنُ بمعناه الدقيق

التوازن

قد يظن القارئ أن القصد بالتوازن، هو أن نقف في المنتصف بين كل شيء؛ فنعطي لكل جانب مقدارًا مُتساويًا من الوقت والعمل، وأن نكون دقيقين في توزيع أنفسنا عليها. مثل أن نعطي هنا 50%، وهناك نفس النسبة، وليس هذا هو المقصود من حديثنا عن التوازن، إذًا فما المقصود؟ 

أولًا، فليعلم القارئ أن المثالية ليست مقصودةً البتة، وهي وهم أعيى كل من سعى إليه؛ فلا ترهق نفسك بالسعي إلى سراب. وإنما المقصود بالتوازن ألَّا يحيد الإنسان، أيْ أن يبقى في دائرة المنتصف وإن مال إلى جانب معين بعض الشيء، المهم أن يبقى في المنتصف ولا يحيد بالشكل المخل.

ومن المعاني الداخلة في لفظ التوازن هو العدل، وذلك يقودنا إلى أن نفهم الاتزان على أنه إعطاء كل أمر القدر الذي يستحقه. و”ما يستحقه” تختلف مرجعيتها بين البشر، وكذلك فإن الأمور تتدرج في الأولوية، وبشكل عام، نتخذ -نحن المسلمين- المرجعية في ذلك الإسلام، فنعطي الواجبات والمستحبات حقها وفقًا لحكمها.

منهجية في السؤال عن تحقيق التوازن

هذه المقالة ليست مكتوبة للإجابة عن: “كيف أحقق التوازن بين معطيات خارجية معينة؟”، كطلب العلم المادي والشرعي مثلًا، أو طلب العلم والزواج، بل هو يتوجه إلى قاعدة الموضوع، ويجيب عن سؤال: كيف أصنع التوازن في نفسي؟ لأحقق التوازن بين المعطيات الخارجية. ليس لأن السؤال الأول خاطئ، بل لأن السؤال الثاني أولى وأعم؛ لأن المعطيات الخارجية تتبدل وتتغير.

من الوسائل المعينة على تحقيق التوازن

التوازن

1- الهداية الإلهية:[1]

ليس صوابًا أن كل من نراه قد أصاب النجاح في جوانب -وفي جوانب يحدث فيها الخلل، ويكثر فيها الزلل- أن نعزي سبب ذلك لعبقريته الفذَّة، أو علمه النافع، أو عُلوِّ همّته وانضباطه. بل علينا أن نتعامل مع هذا الأمر من أساسه؛ والأساس أن تلك من الأسباب التي يهدي ويوفق الله -عز وجل- إليها عباده، فلا مُوفَّق إلا من وفقه الله، ولا يصح الاتكاء الكامل على الذكاء أو القدرات. لذلك أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- “عليًّا” -رضي الله عنه- أن يدعوَ الله طالبًا الهداية والسَّداد عندما قال:

قل اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السّهم. (صحيح مسلم)

2- تحكيم الشريعة في تحديد الحقوق والواجبات وترتيب الأولويات:

إن المنهج الربّاني وُضع لعبادة الله. ولما كانت عبادة الله -عز وجل- متضمنة لصلاح الدنيا والآخرة، رسم لنا ربنا -عز وجل- منهاجًا للحياةِ حدد فيه أولوياتنا، من خلال تشريعات تبين لنا الحقوق والواجبات، والمندوبات والمباحات. فحريٌ بنا أن نهتدي بهدي أحكم الحاكمين [أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ] سورة التين،8.

3- اليقين بالمنطلقات قبل بناء الرؤية والأهداف:[2]

من أهم أسباب تحقيق التوازن، أن يتحقق الإنسان قبل مسيره من مدى صحة المنطلقات التي ينطلق منها، خاصة المنطلقات الكبرى التي تمثل مبادئه وقيمه، والتي يبني عليها رؤيته وأهدافه. ذلك أنه قد يدفعه الإيمان بمنطلقات خاطئة إلى السير في الطريق الخاطئ، أو قد يفقد خلال مسيره إيمانه بمُنطلقاته الصحيحة، ويتعرض للشك فيها ومراجعتها بسبب ضعف يقينه بها ابتداءً، في الوقت الذي كانت فيه تلك المنطلقات حجر الأساس الذي بنى عليه، فيتزعزع ثباته ويفقد توازنه، وربما يسقط.

4- بناء الحزمة الأخلاقية والقيمية المعينة على التوازن: 

هناك حزمة أخلاقية وقيمية معينة، بناؤها في النفس يُعد مغذيًا للإنسان؛ حتى يستطيع تحقيق التوازن. على سبيل المثال:

التوكل: من أعظم الأسباب التي تبعث على النفس التوازن والاستقرار لمن صدق في توكله. فالمؤمن المحقق لعناصر التوكل؛ وهي: اليقين بالله، وحسن الظن به، يواجه المصاعب وهو موقن برحمة الله وقدرته على تفريج كربته، حتى إذا تأخر الفرج أو اقتضت حكمته ألا يحصل على ما يريد، بقيَ متكلًا عليه مسلمًا واثقًا في حكمته في تصريف أقداره. وذلك لمِن أعظم أسباب تحقيق الاستقرار والتوازن. في حين أن مَن فقد هذه القيمة، تجده يائسًا متخبطًا وقت الشدائد.

الصبر: لما كان الاتزان يستلزم العدل والعمل، وكلاهما ثقيل على نفس الإنسان؛ كان لا بد من أن يكون صبورًا، يجر نفسه جرًّا ويغصبها غصبًا على صرف نفسه بالعدل بين الأمور، مخالفًا في ذلك هواه، كما يلزمه الصبر على العمل والتطبيق.

الحِلم: هذه القيمة العظيمة والمركزية، كثير من الأسباب التي تؤدي إلى عدم التوازن مَرجعُها إلى الغضب وعدم ضبط النفس؛ لذا فإن القدرة على عدم الاستجابة الغضبية من أعظم أسبابِ التوازن.

5- الصحبة الصالحة المُتَّزِنة:

وذلك من باب أن ثمَّة أمورًا لا يتعلمها الإنسان من الكتب أو المحاضرات، بقدر ما يتعلمها بالمخالطة. ومن المعلوم أن المرء يكتسب من طباع خليله؛ لذا فإن مصاحبة الصالح المُتَّزن تفتح لنا الباب لتلقي دروسٍ عملية حول مهارة التوازن.

6- السَّويَّة النفسية: 

من المهم خلو النفس البشرية من الأمراض والمشكلات النفسية لتحقق التوازن. ذلك أن طبيعة هذه المشكلات تمثل جواذب قوية تذهب بالنفس بعيدًا عن التوازن، كالاكتئاب مثلًا؛ إذ لا يمكن لمريض الاكتئاب أن يحقق التوازن قبل تمام علاجه.

7- الابتعاد عن العزلة:

إن من الأسباب المهمة المؤدية لعدم التوازن هو العزلة والشذوذ. وليس المقصود بذلك الانفراد المؤقت لأسباب معينة؛ كمن عزم على العمل على هدف معين، فتطلّب منه ذلك أن ينعزل مدة ليشتغل به، وإنما المقصود من اتخذ العزلة أسلوبًا للعيش. فذاك شخص لا يعي جيدًا مَن وما حوله، وهذا مهم لتحقيق التوازن في التفاعل مع الحياة والناس.

ذاك كان جمعًا -لا على سبيل حصر- لبعض الوسائل المعينة على تحقيق التوازن، ويمكننا القول إن غيابها يعني تعرضنا بشكل حتمي لفقدان توازننا. لذا فإنه حريٌ بنا، إن أردنا النجاح بمفهومه الصحيح، أن نتحقق منها ونجتهد في العمل عليها.

المصادر

  1. تقصد الكاتبة بهذا العنصر أنْ يتوازن الإنسان في نظره لنجاحه، أو في نظره لنجاح الآخرين؛ فلا يُعزي هذا النجاح إلى الشخص، بل إلى التوفيق الإلهيّ. وحصر النظرة في التفوق والعمى عن أمر التوفيق والتدبير يؤدي إلى الاختلال؛ الذي هو نقض لتوازن الرؤية.
  2. تقصد الكاتبة الرؤية والأهداف العمليَّة، لا تلك الرؤية النظريَّة الابتدائيَّة التي هي من المُنطلقات.
  3. أخذت المادة من محاضرة: سويّة المؤمن 06 | التوازن | جلسات | أحمد السيد

تهاني علي النعمي

طالبة علاج طبيعي، مهتمة بالمطالعة والقراءة، وأكتب مما تعلمت سطورًا في تبيان.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. تحكيم شريعة !!!! أنت أكيد بتهزر هى الصحة النفسية والتوازن النفسى انى اذل المسيحى واخيره بين دخول الاسلام أو دفع الجزية أو اقتل اللى يخرج عن الاسلام لو انت طبيب نفسى فعلا تقدر تقول الكلام دا أمام الجمعية العالمية للطب النفسى وهو انت بتتكلم باسم الطب النفسى ولا باسم الفقه والشريعة عشان الكلام دا العالم بيضحك على خيبتنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى