إلى الجيل الصاعد.. كتاب نحتاجه جميعًا
لعلَّ القارئ الكريم قد رأى غلاف هذا الكتاب هُنا أو هُناك أو سمع به، فقد اشتُهر وذاع صيته في الشهور الأخيرة. عنوان الكتاب “إلى الجيل الصاعِد”، واسم الكاتب “أحمد بن يوسف السيِّد”. وقد قيَّض الله هذا الكاتب ووفَّقه ليقوم بمهامّ جسام في السنوات الأخيرة، ويملأ فراغًا أو يُكمل مسيرة أجيال سبقتْه في مجالَيْ العلم الشرعيّ والفكر الشرعيّ. فقد استطاع إنتاج كُتُب وموادّ مرئيَّة تُبثُّ عبر وسائط إلكترونيَّة عديدة، حاول فيها أنْ يعرض العلوم الشرعيَّة على المُسلمين، وأن يردَّ عن الإسلام والسُّنَّة هجمات حاولت النَّيْل منها، وأنْ يُبسِّط منظومة العلوم الإسلاميَّة للأجيال الصاعدة من المُسلمين. ثمَّ أتبَعَ تلك الجهودَ مَشروعَيْ “صناعة مُحاوِر”، و”البناء المَنهجيّ”.
ولنكُنْ في هذا المقال -مثل الكتاب- مُختصرين ومُحدَّدين في القادم فهذا المقال ليس دعوة للاكتفاء به عن قراءة الكتاب، بل دعوة حثيثة إلى قراءة الكتاب من الشباب ومن غيرهم، بل دعوة إلى دراسته من جهور المُختصِّين بالعلوم الشرعيَّة كي ننتج مثله وأفضل -بإذن الله- في القادم.
ما هو كتاب “إلى الجيل الصاعد”؟
هو كتاب فكريّ وتربويّ ونفسيّ، صدرتْ طبعتُه الثانية أوَّل عام 2019م -كما هو موضَّح على الكتاب- من “مركز تكوين للبحوث والدراسات”، وهو كتاب صغير الكمّ؛ حيث يقع في مائة وتسع وعشرين صفحةً. وقسَّمها الكاتب إلى مقدمة، وعشرة من العناوين التي تتناول موضوعاته، وخاتمة بها دُعاء.
من قلب المعركة أتى الكتاب
وكتاب “إلى الجيل الصاعد” جاء كما يقول التعبير العامّ “من قلب المعركة”. فمِن أوساط عجَّتْ بالفوضى والتضارُب والتطاحُن والانقسام والتحزُّب وطنَنَا العربيّ الصغير ووطنَنَا الإسلاميّ الأكبر أصدر الكاتب هذا الكتاب ليُحاول تقديم جرعة وقائيَّة من أدواء وأمراض تنتظر الجيل الصاعد لتفتك به، ويحاولَ أيضًا أنْ يلفت انتباه الأجيال الأقدم إلى دورها الصحيح ويأتي على ذكر بعض مُشكلاتها التي تشترك فيها مع مشكلات الجيل الصاعد. فهذا دافع الكتاب وهدفه.
السبب الخاصّ لتأليف الكتاب
لقد أعرب الكاتب نفسه عن السبب المُباشر والخاصّ الذي دفعه لكتابة كتابه؛ إنَّه رسالة من أحد شباب الجيل الصاعد يُدعَى “طلال” بثَّ فيها شكواه عن جيله وهُموم جيله وصفات أبناء جيله، وانصرافهم عن مواطن الجدّ إلى مواطن الهزل، وحال الضبابيَّة التي هُم فيها، والجهالة الضاربة عليهم، وانسياقهم وراء موجات من المُلهيات التي تتركهم فارغِيْ العقول، وافتقادهم للتركيز والإرادة والعزيمة التي تدفعهم إلى الإنجاز.
وإذا به يختم رسالته بقول مُعبِّر: “أمرُّ بفترة لو قِيلَ لي: صِفْها بكلمة، اخترت لفظة “ضياع”. سؤال المليون دولار -كما يُقال-:
كيف أعرف مَن أنا؟ ومَن أرغب أنْ أكونَه؟ كيف أقشع هذا الضباب الذي من حولي حتى تتضح رؤيتي وتصوُّري عن مُستقبلي وعن علاقتي بالمعرفة والعلم؟ كيف أعرف ما أحبُّ وما أُجيد؟
أحدثتْ هذه الرسالة رجَّةً في نفس الكاتب فدعتْه لكتابة هذه الوصفة الوقائيَّة من جهة، العلاجيَّة من جهة أخرى.
لماذا هو كتاب ناجح؟
لقد توفَّرتْ لهذا الكتاب عوامل نجاح، قبل أنْ نذكرها نُلخِّص نجاحه بكلمة: قَبول. فالكتاب حقيقةً به قبول عجيب من قِبَل نفس القارئِيْنَ -اختبرت هذا على نفسي أثناء القراءة، وكذلك من نتائج قراءته على مَن قرأوه- ما إنْ تبدأ بقراءته حتى تستشعرَ تجربة حقيقيَّة تستحقُّ الاهتمام، وتمتدَّ بينك وبينها أواصر المحبَّة والشغف في إكمالها. فمَن أين أتى القبول الذي يتمتع به الكتاب؟ سأجيب باختصار مُكتفيًا بأبرز ثلاثة أسباب.
فنعلمْ بدايةً أنَّ القبول من “الله” -تعالى- يأتي هبةً لا يُكتسب، فهذا توفيق “الله” لجُهد الكاتب ولشعوره تجاه أبناء أُمَّته. هذا من حيث المصدر؛ أمَّا لماذا يمتاز الكتاب بالنجاح والقبول من حيث العِلل والأسباب المُباشرة؟ إجابة هذا السؤال من عدَّة وجوه نذكر منها أنَّ الوسط الشبابيّ الصاعد كان في احتياج حقيقيّ لمَن يُوجِّه إليهم الخطاب، لمَن يسمع لهم ومَن يُرشدهم بأخوَّة ومحبَّة ورقَّة. هؤلاء لمْ يُعطَوْا الفُرصةَ بعدُ ليقبلوا أو يرفضوا إنَّهم لمْ يتلوَّثوا بعدُ، أقصد هُنا لمْ يتشكَّلوا بعدُ على وجه سيِّءٍ من أثر عوامل الحياة التي يحيون فيها. هؤلاء كانوا -وما زالوا- عَطشَىْ لحديث هداية. ومن هُنا نرى أنَّ أكبر عوامل نجاح هذا الكتاب هو إنَّه رمية مُسدَّدة أصابت هدفها.
ولعلَّ السبب الثاني هو احتواء الكاتب لمشاعر وأفكار الشباب الصاعد؛ فهو قريب منهم -وهو بالفعل أحد الشباب الأكبر سنًّا- يدرك أثر المُلهيات وعوامل التِّيْه التي تتخطَّفهم وتعمل فيهم عملها السيِّء، ويشعر بأخصّ خصوصيَّاتهم وبمدخَل هذه المُلهيات لعقولهم ونفوسهم. كما أنَّه من جانب آخر يدرك الظهير الفكريّ للعصر، ويدرك منظومة العلوم والأخلاق والهداية التي يريد ضمَّهم لها. فصبغَ تجربتَه بكلّ السابق فجاءت تجربة فاهمةً واعيةً مُستوعبةً قادرةً على الوصول إلى عقول وقلوب الشباب. ونستطيع أنْ نمحور هذا السبب حول المبدأ البلاغيّ الشهير “مُراعاة حال المُخاطَب” الذي يفضي إلى قاعدة “لكُلِّ مَقامٍ مقالٌ”. هذا ما حدث في تجربة الجيل الصاعد.
ولعلَّ السبب الثالث هو ربط التفكير النظريّ والحلول المُجرَّدة بالواقع العمليّ. وهذا من أشدّ ما يحتاجه الشباب في هذه السنّ؛ فهُم غير قادرين -في السواد الأعظم منهم- على تقبُّل الفكر التجريديّ وإنزاله على الواقع الحياتيّ لهم. وهذا للأسف يعيب بعض التجارب التربويَّة السابقة حتى نرى الشابّ يقرأ الكتاب أو المقال منها ويقتنع ثمَّ لا يدري كيف يصنع بما فهِم وأدرك، بل قد تؤثِّر فكرة التجريد على فهمه واستيعابه للموضوع المُراد أنْ يفهمه.
الخصائص الأسلوبيَّة والفكريَّة للكتاب
لعلِّيْ هُنا أُحاكي الكتاب نفسه في صياغتي لمحتوى هذا العنوان والذي سبقه. فقد كانت أهمُّ سمات الأسلوب في الكتاب هي اليُسر والسهولة. إنَّ هذا الكتاب يمتاز بسهولة لا تُقدَّر، ولقد استطاع مُفاجأتي حقًّا بمستوى سهولته ويُسره -وصاحب السطور له بعض الباع في الكتب بكلّ تصنيفاتها ومستوياتها-. وشهادةً أقولها من مُحبٍّ للكتب: إنَّ الكاتب بهرني بما استطاع أنْ يصوغه من أفكار ونفسيَّات مُعقَّدة بلمسات يُسر قلَّ أنْ توجَد.
وإذا عُدنا إلى الخطاب العلميّ فإنَّ أسلوب الكتاب تمتَّع بخصائص هي: المُباشرة والإيجاز واليُسر البالغ، والوضوح المَقصود بعينه، والمنهجيَّة الجُزئيَّة -لا الكُليَّة التي سأعرض لها بتقسيم مُقتَرَح للكتاب سيأتي بعد-. ولقد تمتَّع بخصائص فكريَّة منها: التزام الإقناع العقليّ بأقرب طريق مُمكن، التزام طريق الاستدلال المُباشر في ربطه بين الجُزئيَّات المُتناهية، التزام النهج العلميّ العامّ ومُقتضياته، والالتزام بالإسلام وخطابه المُحصَّل من الكتاب والسُّنَّة.
وإذا سألنا مَن أين أتتْ هذه الخصائص؟ فأقول إنَّ الكتاب قد تضمَّن -فيما أثبت بالقطع- تجربة طويلة مُتأنية، وفحصًا دقيقًا لجوانبها: من الشباب في هذه السنّ وأحوالهم ونفسيَّاتهم وأفكارهم، ومن الخطاب الشرعيّ المُوجَّه إلى الشباب وإلى النفس الإنسانيَّة عامةً، ومن جانب المنظومات الفكريَّة والعقديَّة التي تمثِّل أهمّ جوانب المُشكلة -بعد تكوين الشباب الداخليّ-. أيْ باختصار أتتْ التجربة نتاج فحص وتأمُّل وتدبُّر للمرضِ ومحلّ المرض والمريض نفسه. وقد كلَّلها توفيق من “الله” -كما نحسب ونرجو-.
تفرقته بين ثلاثة أجيال
فرَّق الكاتب في بداية الكتاب بين ثلاثة من الأجيال، أو بين جيلَيْن مُحدَّدَيْنِ وجيل يتأرجح بينهما. لكنْ -قبل البدء- أنوِّه إلى تفطُّن الكاتب للخطأ الذي يقع فيه كثيرون، والمُتمثِّل في القطع بالحدود بين الأجيال. فقد صرَّح بصعوبة تحديد جيل عن جيل، وأنَّه اختار معيارًا -ولعلَّه كان مُوفَّقًا إلى حد بعيد في اختياره- وهو ظهور الأجهزة الذكيَّة، ثمَّ شبكات التواصل الاجتماعيَّة، والتطور الهائل في منظومة الألعاب الإلكترونيَّة. وهو موفَّق في هذا المعيار لأنَّ الحديث هُنا عن جيل الشباب الأصغر، وإذا كان محلّ الحديث غيرَهم لوجب عليه تغيير المعيار بإدخال مُباشر للظهير الفكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ. وبالعموم فقد قرَّر الأمر على هذه الشاكلة:
- الجيل الصاعد: مَن وُلدوا بعد عام 1417هـ/1997م.
- الجيل السابق: مَن وُلدوا في ثمانينات القرن العشرين؛ أيْ بين عامَيْ 1409:1400هـ، 1989:1980م.
- الجيل العائِر: وهو المُتأرجِح بين الجيلين. وهُم مَن ولدوا بين عامَيْ 1417:1410هـ، 1997:1990م. وقد استمدَّ الاسم من حديث نبويّ.
مع مُراعاة تقرير الاختلاف الهائل بين الجيل الصاعد وبين الجيل السابق على كافَّة النواحي.
تقسيم مُقترح لموضوعات الكتاب
يقع الكتاب -كما سلف- في عشرة عناوين تتناول موضوعات متنوعة دون عمليَّة تصنيف. وهذا الوجه من التصميم البنائيّ جائز لأنَّه يُوحي بتدفُّق الكلمات في تجربة مُوحَّدة المصدر ومُوحَّدة الهدف. لكنَّني أرى اقتراحًا آخر أكثر دقَّة للكتاب؛ فباطلاعي عليه تبيَّن أنَّ ما به من موضوعات يمكن تصنيفها تحت ثلاثة أصناف: موضوعات فكريَّة، موضوعات علميَّة، موضوعات تربويَّة. وأظنُّ أنَّ الكتاب لو نُقِلتْ موضوعاته ورُتِّبَت على هذه الشاكلة مع بعض التعديل الطفيف لمُراعاة التدفُّق سيكون أشدَّ نجاعةً وقوَّةً، وسنتلافى خروج القارئ من موضوع يختصّ بالتربية إلى آخر فكريّ إلى آخر يتعلَّق بالعلم المحض ومنهجه. لكنْ أكرِّر لا بأس أبدًا بالتنسيق الموجود. وسأُكمل هذا الاقتراح بتحديد كلّ صنف موضوعيّ وأبرز ما جاء فيه.
أولاً: الجانب الفكريّ في الكتاب
وقد تركَّز تحت ثلاثة عناوين: سؤال الهُويَّة، التفكير بين النقد والشكّ، أهميَّة إدراك الجيل الصاعد للسياق التاريخيّ الحديث.
وتحت عنوان “سؤال الهُويَّة” نحا الكاتب تجاه الإسلام وثقافته مُنطلقًا منه لإجابة أسئلة مثل: مَن أنا؟ وماذا ينبغي أن أكون؟ .. فقرَّر ابتداءً أنَّ المُسلم لا هُويَّة له إلا بفهم لمبدأ العُبُوديَّة “لله” -تعالى-. وأشار بذكاءٍ لقول “الله”: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) -الحشر 19-، مُتأمِّلاً معنى أنْ ينسى الإنسان نفسه، وكمْ هي بليغة في اقتناص معاني التِّيْه والغفلة التي تصنعها الحياة ومُلهياتها فينا. وأشار كذلك إلى أنَّ نسيان مقام العبوديَّة لله قد يُوهِم الإنسان أنَّه إله قادر على رؤية الكون والتدبير لحياته، وهذا من أسباب الإلحاد. ثمَّ في توجُّه ذكيّ حاول أنْ يصوغ صِيَغًا عمليَّة لهُويَّة المُسلم كيْ يضع نموذجًا أمام الشباب لإجابة أسئلة الهويَّة، تجدها في محلِّها بالكتاب.
وتحت عنوان “التفكير بين النقد والشكّ” راح يُنبِّه إلى الأهميَّة القُصوى لتنمية مَلَكَة النقد والعقليَّة الناقدة عند الشباب الصاعد، ذلك في ظلّ عالَم يصبُّ الأضاليل والتزييف على هؤلاء الشباب من فوقهم ومن تحتهم ومن بين يديهم. مُرسيًا ذلك على طلب القرآن للبرهان وإعماله في إفحام الآخرين والردّ عليهم، ذاكرًا سمات التفكير النقديّ: من اشتراط الدليل لقبول الدعوى، والنظر في صحَّة تأدية الدليل إلى المدلول، والتأكُّد من أنَّ النتيجة لا تُعارض ما هو أولَى منها بالاعتبار، وعدم قبول التناقض، وغيرها.
ثمَّ أتبع ذلك بالجانب العمليّ ليدلَّ الشباب على مبادئ طريق اكتساب المَلَكة النقديَّة. ومنها تطبيق الاشتراطات السابقة، والعناية بالعلوم التي تُقوِّي مَلَكة النقد مثل علم أصول الفقه والحديث وعلم الجدل والمُناظرة. والعجيب أنَّه لمْ يذكر المنطق -ولا يُقال إنَّه صعب على الشباب فعلم الجدل هذا عسير جدًّا وأصعب من المنطق، كما أنَّ المنطق أولى وأعمّ منه في بناء النظر العقليّ-. وكذلك قراءة كُتُب العُلماء المشهورين بالنقد مثل “ابن حزم” في القديم، ومن المُفكِّرين المُحدَثين “عبد الوهاب المسيريّ”. لكنَّه أشار مُحِقًّا إلى خطورة الولوع بإعمال النقد في كلّ شيء، وخطورة تحوِّله إلى شكّ مذهبيّ.
وتحت عنوان “إدراك الجيل للسياق التاريخيّ” شدَّد على أهميَّة معرفة الماضي القريب لأنَّه بوابة فهم الواقع المُعاش الآن. ثمَّ تحوَّل إلى نموذج تطبيقيّ من الموضوعات التي يجب على الشباب معرفتها لإدراك الواقع، وقد قسَّمها لأحداث القرنين التاسع عشر وآواخر الثامن عشر، وأحداث القرن العشرين. وأظنُّ أنَّه أفرط بعض الشيء -أو كثير الشيء- في الموضوعات التي اقترحها، مع مراعاة أنَّ هذه الأحداث سيجد الشابّ لها وجوهًا كثيرة ومن ثَمَّ عليه أنْ يختار منظورًا لرؤيتها.
ثانيًا: الجانب العِلميّ في الكتاب
وقد وقع تحت عنوانَيْنِ: تحدي الإيمان والثبات، والفوضى المعرفيَّة وترتيب المَنهجيَّة العِلميَّة. وهُنا يجب أنْ أقرِّر -تفاديًا لسُوء الفهم- أنَّ هناك بعض الاختلاط بين الموضوعات الفكريَّة والعلميَّة وبعض التماسّ بطبيعة الحال.
وتحت عنوان “تحدِّي الإيمان والثبات” قرَّر صعوبة المرحلة الآنيَّة، تلك الصعوبة التي ستزداد في القابل من الأعوام. لذلك عنوَنَ الأعوام القادمة بتحدِّي الإيمان والثبات على الدين، ولعلَّ هذا يُذكِّرنا بإخبار الأحاديث النبويَّة عن وصول الأُمَّة إلى تلك الحال. واعتمادًا على هذا التحدي نصح الشباب نصائح، منها: قراءة الكُتُب التي تُعزِّز اليقين كالتي تُصدِرُها مراكز رواسخ وتكوين وتبصير ودلائل -مراكز حديثة لنشر الكُتُب-، وكتاب “النبأ العظيم” للدكتور/ محمد عبد الله دِراز، والحرص على البناء الشرعيّ خاصَّةً علمَيْ الحديث وأصول الفقه، والاهتمام بالقرآن الكريم قراءةً وتدبُّرًا، واقترح كُتُب إعجاز القرآن القديمة والحديثة، ونصح بالتسجيل في برنامج “صناعة مُحاوِر” -ولعلَّ برنامج البناء المنهجيّ في الحُسبان أيضًا وهذه مهمته الأولى-، وكذلك قراءة كُتُب نقد الثقافة الغربيَّة الماديَّة حتى يعلم الشباب حقيقة المظاهر التي يُفتنون بها.
وتحت عنوان “الفوضى المعرفيَّة وترتيب المنهجيَّة العلميَّة” بدأ من مشكلة الفوضى في القراءة حيث نقرأ أيّ كتاب دون معرفة انتمائه ودرجته في السلَّم العلميّ، حتى تكون النتيجة سلبيَّة لا إيجابيَّة. لهذا دعا إلى الترتيب في المنهجيَّة العلميَّة، واقترح -كما راعى دومًا- نموذجًا عمليًّا.
يعتمد على عدَّة قواعد: القاعدة الأولى هي تقسيم الكُتب إلى مراتب، وكيفيَّة التعامُل مع كلّ مرتبة منها. وهي عنده خمسة أقسام: كتب مداخل العلوم والتأصيل الأوَّليّ التي تأخذ بيد المُتعلِّم في معرفة العلم ابتداءً، والكُتُب البنائيَّة التي تشرح الكُتُب التأصيليَّة، والكُتُب المركزيَّة في كلّ علم والتي يَنصح بتكرار القراءة فيها لعُمق فهم العلوم، والتي أعطى أمثلة عليها كانت جيدةً إلا من كتاب “الرسالة” في أصول الفقه؛ فهو لا يصلح لهذا الغرض لأنَّ مَن قرأه سيقع في حيرة ضخمة حيث لمْ تكُن المصطلحات الأصوليَّة قد صُكَّتْ بعدُ أو استقرَّتْ وهو في هذا ككتاب “الكتاب” لسِيْبَوَيْهِ في النحو، فإذا أقدمتَ على قراءته ستشعر بغُربة بالغة حيث لمْ تكُن كذلك المُصطلحات قد صُكَّتْ أو تمَّ الاستقرار عليها. والقسم الرابع الكُتب التخصُّصيَّة وهي للمستوى التخصُّصيّ، وأخيرًا المُطوَّلات والكُتُب الموسوعيَّة -وهذه جُزء أصيل من النوع السابق وإفرادها غير صحيح منهجيًّا، فهي فقط تتميَّز بصفة الشمول والجمع وهي ليست سمةً صالحةً للتقسيم هُنا منهجيًّا- وكان الأولى أنْ نضع بدلاً عنها صِنف المعاجِم العربيَّة والإسلاميَّة ومعاجم العلوم.
والقاعدة الثانية تقسيم القراءة إلى أنواع -وذكر أنواعًا لطيفة-، والقاعدة الثالثة تدوين الفوائد بخطّ الشابّ المُتعلِّم وأثر ذلك عليه، والرابعة تلخيص الكُتُب المركزيَّة، والخامسة الحفاظ على العودة إلى قراءة الكُتُب وتكرار المُطالعة فيها. وهذه القاعدة الأخيرة من أَولَى القواعد وأهمِّها فعن تجربة شخصيَّة -وصاحب السطور المُتواضعة له ما يقرب من عشرين عامًا في حقل العلوم العربيَّة والإسلاميَّة- التكرار يُعالج النقص الإنسانيّ. والفقير إلى الله يعود مرارًا إلى تفاصيل ينساها في النحو أو الأصول أو أيّ مجال فيجد فوائد عُظمى لمْ ينَلْها في مرَّات القراءة الأولى، وهُنا أذكر تجارب تكرار مع الكتاب الفريد “النحو الوافي” وعظائم الاكتشافات كُلَّما عاد الفقير إليه.
ثالثًا: الجانب التربويّ والنفسيّ
صاغ هذا الجانب تحت عناوين: لا تخشَ الفشل، مُشكلة القُدوات، الهداية والاستقامة، رُباعيَّة التميُّز للنُّخبة، تحدِّي الشهوة والحُبّ. وقد رتَّبتها على هذا الترتيب مراعاة لكُليَّة الموضوع وصولاً إلى أكثرها جُزئيَّةً.
تحت عنوان “لا تخشَ الفشل” نبَّه على خطورة الوقوف عند الخوف من الفشل في حياتنا، وأهميَّة تعدِّي هذه العقبة التي تحدُّ من نطاق إنجازنا. وكما العادة حاول وضع نموذج عمليّ من خمس خطوات تعين على تجاوز المشكلة، منها: إعادة تعريف الفشل على حسب المعيار الصحيح؛ وهو فعل ما عليك مِمَّا يقرِّره الإسلام، ومثَّل لذلك بالأنبياء الذين لمْ يجدوا مَن يتَّبعهم وهُم لمْ يفشلوا مع ذلك. وكذلك التهوين من أثر الإخفاق يقصد هُنا ضرورة مواصلة الطريق. وكذلك توسيع دائرة الاهتمامات بالنظر إلى الآخرة مع الدنيا ولعلَّه هُنا مُراعٍ لحال الشباب أمَّا الصحيح فهو النظر إلى الآخرة والعمل لها فهي دار البقاء مع عدم نسيان الحظّ من الدنيا. والخطوة الرابعة أنْ تسعى لتحقيق أفضل ما لديك لا إلى الكمال المُطلق، والخامسة ضرورة رسم خطَّة للنجاح.
وتحت عنوان “مشكلة القدوات” أدار نقاشًا طويلاً مفيدًا عن أهميَّة القدوة ودورها في حياة الإنسان. وحاول الإجابة عمليًّا عن سؤال: بمَن نقتدي؟ وهذه الحيرة التي تتولَّد عنها، مُحدِّدًا بعض صفات القدوة والتي وُفِّق فيها إلى التركيز على الجانب العمليّ في القدوة -لأنَّه قدوة أيْ محلّ للمُحاكاة والتقليد- وفهمها للواقع وحُسن تقديرها. والأهمّ أنَّه شدَّد على قاعدة كبرى وهي أنَّ المبادئ يجب أنْ تعلوَ على الأشخاص.
وتحت عنوان “الهداية والاستقامة” -وأرى تقديمها بعد عنوان القدوات مباشرةً لا في آخر الكتاب- ناقش مسألة الهداية الإلهيَّة ومفاتيح أبوابها -من جهة العبد يقصد-، وهي: مِفتاح التخلُّص من موانع الهداية من ظُلمٍ وكِبرٍ وتهاوُنٍ في اتباع الرسول، وتراكُمٍ للذنوب ومُخالفةِ الحقِّ بعد وضوحه للعبد. وكذلك مِفتاح الاعتصام بالله والعودة إليه دومًا، ومِفتاح التمسُّك بالقرآن، ومِفتاح المُجاهدة في الله بمعناها الواسع الشامل لكُلّ جهاد في سبيل حقّ وجهاد العبد لنفسه وشهواته، ومِفتاح طلب الهداية وكثرة الدُّعاء بها، وغيرها. وهو من ألطف العناوين وأرقِّها، ويُشعر القارئ بالرحاب الإيمانيَّة.
وتحت عنوان “رُباعيَّة التميُّز للنُّخبة” مَحوَرَ الأمور التي يجب على نُخبة الجيل الصاعد الالتزام بها في أربعة محاور: العلم والعبادة والتفكير والدعوة. لكُلِّ منها تفاصيلها ومنهجها.
وتحت عنوان “تحدِّي الشهوة والحُبّ والزواج” -وهو من أطول العناوين- قسَّم حديثه على ثلاث مراحل: ما قبل الزواج والشهوة وخاض حوارًا مفيدًا حول الموادّ الإباحيَّة ومدى خطورتها، ومرحلة الزواج والاختيار ومعاييره وكيفيَّة معرفة الطرف الآخر، ومرحلة ما بعد الزواج والتي اكتفى فيها ببعض النصائح العامَّة. ويُهمِّنا هُنا نقطة سيادة الثقافة المُستعارة من الأفلام والمسلسلات التي تُحاصرنا وتملأ عقول شبابنا بقِيَم ينكرها الإسلام كلَّ الإنكار، وهذا أمر يجب التنبُّه إليه من جانب الشباب.
هذا ليس عرضًا لموضوعات الكتاب أو تلخيصًا له، بل هو نُبذَةٌ تشويقيَّة لقراءة الكتاب بنصِّه كاملاً، ودعوة صريحة لقراءته. وبالعموم الكتاب صغير -من الممكن ضمُّه في أقل من مائة صفحة- ولنْ تنفق في قراءته الوقت الطويل إلا أنَّك ستنتفع منه النفع العظيم. جزى الله الكاتب عنَّا خيرًا وأنار طريقنا جميعًا.