تلخيص كتاب العالم من منظورٍ غربي
يتحدث د.عبد الوهاب المسيري في مقدمة كتاب العالم من منظورٍ غربي عن مفهوم التحيز الذي يقصد به الامتثال لشيءٍ ما وتبنيه، لما لهذا المفهوم من أهمية في حياة الإنسان فكل شخصٍ في الدنيا له أفكاره ومبادئه التي يتحيز لها بعد أن يعتنقها، ويحاول الدفاع عنها وإقناع الآخرين بها، لكن في هذا الصدد يواجه عالمنا العربي اليوم أزمة تحيز لا سيما بعد الغزو الثقافي الذي يتعرض له اليوم، إذ يُظهر كثير من أبناء الأمة تحيزهم للأفكار الغربية، والمعتقدات الإمبريالية، التي تعلموها واكتسبوها من المدارس ووسائل الإعلام المختلفة.
الباب الأول: النماذج والتحيز
يعرض المسيري في هذا الباب ثلاثة فصول، استعرض في الفصل الأولى مواقفَ تعرض لها الكاتب في حياته تعكس طبيعة التحيز عند بعض الناس، وذلك ليوضح لنا مفهوم التحيز، وقد حكى لنا في هذه المواقف عن محاولته التأقلم ومجاراة أنماط التحيز عند غيره، فيروي لنا عن نتائج هذه المحاولات، وعن كونها لا تعدو أكثر من ممارسات لا قيمة لها تهزُّ هوية الإنسان، وتجعله أقرب إلى المهرِّج في محاولته لتقليد طبائع غيره، في حين أنَّ هنالك نماذج عايشها المؤلف تعكس مدى تحيز أصحاب القضية لقضيتهم، وابتكارهم لأساليب جديدة ومميزة تعبر عن تمسكهم بها، ومن ذلك قيام الفلسطينيين برفع نصف بطيخة عند مرور جنود الاحتلال وذلك ردًّا على منع رفع العلم الفلسطيني، فالبطيخة تحمل ألوان العلم الفلسطيني الأحمر والأسود والأخضر، وهي بذات الوقت لا تمثل جريمة، ولا تلزم بالعقاب، لكن رفعها يذكر الصهاينة بثبات أصحاب القضية، فهي تمثل نموذجا معرفيا.
إنّ الكاتب في هذا الفصل يحاول أن يشرح لنا أن بعض الأشياء تعكس دلالاتٍ معرفية منشؤها العقل وما ترسخ فيه من صورٍ قارَّة، فالبطيخة عند رفعها حملت عدة دلالات، أولها العلم الفلسطيني، وثانيها أنها كانت تمثل أداةً من أدوات القتال التي استعملها الثوار فيما مضى، وأخيرًا هي تشير إلى تحيز الفلسطينيين لقضيتهم في مواجهة الاحتلال.
وفي الفصل الثاني من هذا الباب يحاول المؤلف أن يضع أصبعه على واحدةٍ من أخطر المشاكل الثقافية في بلادنا العربية، وهي تحيز بعض أفراده للعادات والتقاليد والفكر الغربي، ومن ذلك تقليد الغرب بأنواع معينة من اللباس لا تناسب مجالات حياتنا، الأمر الذي أحدث صراعًا وجدلًا في عالمنا العربي بين تيارين كبيرين، الأول المنادي بضرورة التمسك بالتراث، والثاني المنادي بالتحيز للفكر الغربي بوصفه يمثل الفكر الحضاري والتطور في عصرنا الحالي.
أما في الفصل الثالث من هذا الباب فيتحدث المؤلف عن مفهوم التحيز المادي وخطورته، بمعنى أن يتحيز الإنسان للمادة تحيُّزا محضا، وتحييد أي طابعٍ إنساني قد يعيق هذا التحيز، وقد قدم أمثلةً كثيرةً على مثل هذا النوع من التحيز مبينا خطورته، ومن ذلك ذكره لتصريح أدلى به موظفٌ بالبنك الدولي يقترح دفع مبالغ مالية لدولٍ إفريقية لدفن قمامة الدول الغربية في أراضيها، دون إعطاء أي اهتمامٍ لحياة الإنسان الإفريقي الذي سيعاني من قذارات المجتمع الغربي، إضافةً إلى أن التحيز البحت للمادة يؤدي إلى الإلحاد الذي تفشى وانتشر في العالم الغربي الذي أضحى يظن نفسه مركز الكون، إضافةً إلى حضور بعض المعتقدات الفكرية المنبثقة عن التحيز للمادة.
الباب الثاني: نحو نموذجٍ بديل
يحاول الكاتب في هذا الباب أن يشرح للقارئ كيفية التحول إلى نموذجٍ بديل في التحيز بدلًا من النموذج الغربي الذي ساد وانتشر عند أبناء أمته، لذلك نراه في الفصل الأول يشرح للقارئ خطوات التحول، مبتدئًا ذلك بالحديث عن أهمية التحيز وضرورته، ومن ثم أشار إلى ضرورة الإفادة من الفكر الغربي وما يقدمه من نتاجٍ معرفي، فقد استطاع الغرب الوصول إلى درجات عليا في التطور والحضارة لا يمكن غض الطرف عنها وتجاوزها، لكن لا بد من الحذر في التعامل معها واستعمال النقد الكلي لها قبل تناولها، فالنموذج الحضاري الغربي اختزل غير قليل من السلبيات، وولد أفكارًا هدَّامة، مثل النموذج السارتري، والنازي، والإمبريالي الاستعماري.، ولا ننسى النماذج الغربية المتولدة عن اليهودية والصهيونية، مثل الفكر العلماني الذي ظهر على يد باروخ إسبينوزا، والمعتقدات الفرويدية القائمة على الأسس الجنسية في دراسة علم النفس، والفكر العبثي على يد فرانز كافكا، والمدرسة التفكيكية في النقد على يد جاك دريدا.
وبعد أن عرض المؤلف خطوات وآليات التحول إلى نموذجٍ بديل، ينتقل في الفصل الثاني من هذا الباب للحديث عن البدء في التحول إلى النموذج البديل عن الفكر الغربي، وهو النموذج التكاملي، الذي يتمثل باستحضار مفاهيم وأسس الإسلام، والإفادة مما قدمه المنجز الغربي من علوم ومعرفة، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار عدة ضوابط حددها الكاتب في بداية هذا الفصل، وهي رفض تمجيد الذات والاغترار بما لدينا، إدراك أثر الإمبريالية المدمر الذي أقام المجتمعات الغربية المتقدمة على دمار ومآسي الشعوب الشرقية، وضرورة الكشف عن مواطن الضعف الداخلي التي مُنيت بها بالأمة، ومن ثم أكد الكاتب على مجموعة من الأسس التي يجب الالتزام بها للوصول نحو النموذج البديل المأمول، وهي الاجتهاد المستمر، وفهم الواقع كما هو، وعدم الاختزال والازدواجية في العمل، والتحلي بمفهوم التوليدية في العمل، وعدم الاتجاه نحو التكرارية، واحترام ذات الإنسان وصيانتها، وعدم المساس بها كما فعلت الإمبريالية الغربية في شعوب إفريقيا وآسيا من استعبادٍ لهم، ونهب ثرواتهم، لتحقيق الرفاه للإنسان الغربي.
لقد حاول المؤلف في كتاب العالم من منظور غربي أن يبين للقارئ حتمية حضور التحيز الفكري، واستحالة وجود حياد كلي، فالإنسان مهما كان محايدًا وموضوعيًا لا بد أن يتحيز لقضية أو فكر يمس دينه أو قوميته أو مجتمعه، فالإنسان لا يمكن أن يعيش بلا مبادئ وأسس يسير عليها، لكن ما أثار الكاتب وجعله يتصدى لتأليف هذا الكتاب، هو التحيز الخاطئ الذي انتشر وساد عند فئة كبيرة من المجتمعات العربية تمثلت في انقيادها نحو الفكر الغربي، لذلك شدد على ضرورة التحول إلى نموذج بديل في الفكر يتم التحيز له والتمسك به، عوضًا عن النموذج الغربي الذي لا يتناسب في كثيرٍ من جوانبه مع نسقنا الثقافي، فالنسق الثقافي الشرقي والعربي لا يسمح بطغيان المادة، وسيادة الإباحية والإلحاد واستعباد الإنسان وامتهان كرامته، التي بدأت تتسرب إلى فكرنا بسبب عدم وجود منظومة فكرية واضحة تمزج بين التراث والدين الإسلامي، وما تقدمه الحضارة الغربية لتصوغه في بوتقةٍ واحدة ليصبح نموذجًا فكريًا بديلًا للإنسان العربي يحتذي به، ويتحيز إليه، محافظًا بذلك على هويته وأصالته التي بدأت تتلاشى بسبب الانحياز للفكر الغربي.