بداية فهم الصراع.. قراءة في كتاب خلاصة قصة فلسطين والصهيونية، لمحمد إلهامي

في أحد الأيام وفي أثناء نقاش لي وقع مع إحدى صديقاتي عن أحوال أهلنا في غزة وما يعانونه، فوجئت بزميلة لي تهاجم الحديث عن فلسطين ومتابعة أخبارها قائلة: «فلسطين…! كل ما أسمعه هو فلسطين! ألا تكفينا مشاكلنا؟ ثم أليسوا هم من باعوا أرضهم؟ وهم حاليًا من أدخلوا أنفسهم في حرب لا يقدرون عليها؟!»، شعرت بصدمة، وكأن كلماتها هزتني من الداخل. كيف لمسلمة أن تتحدث بهذا البرود عن معاناة إخوتنا؟!

حاولت توضيح الصورة لها، وشرحت كيف أن هذه الأحاديث المشوهة ليست إلا أكاذيب الأعداء. بَدَت زميلتي متفاجئة عندما بدأتُ بتفنيد بعض الادعاءات التي ذكرتها، وقالت أنها لم تسمع بهذه الردود من قبل وأنها دومًا تسمع ما يتم تداوله على القنوات الفضائية الرسمية ومن يتم استضافتهم من مختصين وخبراء وحتى مشايخ في المؤسسات الرسمية؛ سألتها إن كانت قد قرأت عن الموضوع من مصادر موثوقة، فأجابت بأنها لا تعرف إلا ما تشاهده في مقاطع الإنترنت القصيرة (shorts).

حينها، شعرت بمسؤولية إرشادها إلى مصدر موثوق… بحثت كثيرًا لكن لم أُوفّق، إلى أن فاجأنا الأستاذ محمد إلهامي في السابع من أكتوبر 2024م في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، بنشر كتابه (خلاصة قصة فلسطين والصهيونية من جذور الصهيونية إلى طوفان الأقصى)، فشعرت آنذاك أنه يقدم الإجابة التي تبحث عنها زميلتي، بل والتي وضّحت لي شخصيًا المشهد أكثر في هذه الأرض المباركة؛ لذلك، ها أنا ذي أكتب هذه المراجعة لتكون دليلًا لمن يريد فهم الحقيقة بعيدًا عن الروايات المزيفة.

من هو الباحث محمد إلهامي

الباحث محمد إلهامي

وقبل أن أبدأ الدخول في صلب المراجعة لا بد من تعريف ولو مقتضب بالكاتب، فالباحث محمد إلهامي مختص في التاريخ والحضارة الإسلامية، وهو حامل لشهادة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي، كما أنه عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام ورئيس تحرير مجلتها.

وهو باحث مهتم بالواقع المعاصر للعالم الإسلامي حيث كتب كثيرًا من المقالات على العديد من المواقع الإلكترونية، وله محاضرات ولقاءات ومقابلات على القنوات العربية وعلى قناته على اليوتيوب، إضافة إلى أنه شارك في العديد من المؤتمرات الدولية في التاريخ والفكر السياسي.

ولا بد من التنويه أن ممن أثنى عليه من الشيوخ لهم مقامات وازنة كالشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، والشيخ الطيار محمد موسى الشريف فرج الله عنهما وغيرهم أيضًا.

من مؤلفاته:

  • رحلة الخلافة العباسية
  • نحو تأصيل إسلامي لعلم الاستغراب
  • منهج الإسلام في بناء المجتمع
  • محيي الدين بيري ريس
  • سبيل الرشاد

بين يدي كتاب خلاصة قصة فلسطين والصهيونية

يقع الكتاب في 301 صفحة بصيغة إلكترونية (pdf)، نشره الكاتب بهذه الصيغة لسببين رئيسيّين؛ أولهما: ليستفيد منه عموم المسلمين، ثانيهما: أن الكتاب لا يتحرج من ذكر المسكوت عنه لذلك لا يُتوقع أن ينشر في أي عاصمة عربية1.

أما عن المحتوى العام، فكتاب خلاصة قصة فلسطين والصهيونية مكون من مقدمة وأحدَ عشر فصلًا تحكي تاريخ فلسطين من جذور الصهيونية إلى طوفان الأقصى كما ذُكر في العنوان، ويختم هذا الكتاب بأهم الخلاصات من تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر، مما جعله ليس فقط لتأريخ الأحداث دون تحليل ولا تركيب، بل اجتهد الكاتب -جزاه الله خيرًا- في إبداء أهم النتائج التي يجب الخلوص إليها من خلال هذا التاريخ المهم التي تنفع العامل لدين الله تعالى، ويحتاجه في مسيرته بغض النظر عن نوع هذه الخدمة فالكل محتاج لبوصلة تهديه إلى سواء السبيل.

الهدف العام من الكتاب

لن أكون أعلم بالكاتب من غرضه من الكتاب؛ لذلك سأكتب ما جاء عنه في مقطع فيديو (حوار عن كتاب “خلاصة قصة فلسطين والصهيونية” في يوم صدوره) حيث قال: «فكرة الكتاب جاءت بعد طوفان الأقصى، والهدف منه تقديم حكاية مختصرة مفيدة مليئة بالحقائق عن قضية فلسطين والصهيونية، وما هي الدروس المستفادة من هذا الصراع؟»، وفي فيديو آخر يقول الأستاذ إلهامي عن الغرض من كتابه الإجابة عن هذه التساؤلات:

  • ما الذي يجب أن يعرفه الإنسان العادي/المسلم العربي؟
  • كيف يتم اختصار قضية فلسطين المتشابكة بالأحداث؟

كما صرّح في المقطع الثاني أنه يمكن تدريس هذا الكتاب بين العاملين، وقراءته والاستفادة منه بعيدًا عن الكتابة الأكاديمية المتصلبة.

ولننتقل الآن لعرض بعض محتويات الكتاب المهمة، وإن كانت لا تُغني أبدًا عن مطالعته والاستفادة من كنوزه.

لمحات عن محتويات كتاب خلاصة قصة فلسطين والصهيونية

ابتدأ الكاتب -بعد المقدمة- بفصل حول جذور الصهيونية حيث بينّ أن هذه الجذور ترجع إلى أمور عدة..

أولها: أن اليهود كانوا يحلمون بالرجوع إلى بيت المقدس منذ ثلاثة آلاف عام، فعَرَضَ بعض هذه المحاولات التي بيّن أنه لم يسعَ المؤرخون للبحث فيها إلا بعد إنشاء دولة إسرائيل؛ بُغية إيجاد جذور لمحاولات قديمة لهذا الرجوع.

ثانيها: أن أوروبا غيّرت معتقدها في اليهود بعدما صعد نجم البروتستانتية، فبَدَل النظرة إلى هؤلاء على أنهم المنحرفون عن عقيدة المسيح، أصبح هؤلاء هم الامتداد الطبيعي، الموعودين بالأرض المقدسة.

ثالثها: احتلال نابليون لمصر الذي خضّ المسلمين في عقر دارهم، والذي وجّه نداء لليهود للعودة إلى الديار المقدسة.

رابعا: وهو سبب لا يدركه الكثير من الناس وأنا كنت منهم- أن محمد علي باشا قد هيّأ الظروف لبزوغ فكرة الصهيونية، فهو أول من كسر نظام الحكم الإسلامي، وأول من تجبر تجبرًا، وطغى طغيانًا أشد من نابليون نفسه!

فكانت هذه الأسباب الأربعة مولدة لفكرة إخراج اليهود من أوروبا وإنشاء دولة لهم في فلسطين2، مما أدى إلى تأسيس الحركة الصهيونية على يد هرتزل وهو ما تحدث عنه في الفصل الثاني، حيث تناول كذلك علاقة هرتزل بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يرفض رفضًا باتًا المساومة على الأراضي المقدسة، لكن مع الأسف، وكما بينّه في الفصل الثالث أن الدولة العثمانية كانت غير قوية فلم تُجْدِ محاولات السلطان أيّ شيء في منع ما يصبو إليه اليهود الصهاينة.

ثم من الفصل الرابع إلى الفصل الثامن ينتقل في عرض تاريخي مختصر لكنه غير مخل بالأحداث المهمة حول ما حققه اليهود على أرض الواقع بمساندة الاحتلال البريطاني وبمساندة الأنظمة العربية التي لم تخطط قط لتحرير فلسطين بل كانت وبالًا على هذه القضية تساوم عليها، فما نكبتي 1948م و1967م إلا دليل واضح على ذلك.

وبعد هذا العرض التاريخي يتناول في فصول ثلاثة أخر موضوع المقاومة، ابتداء بالحركات غير الإسلامية انتهاء إلى الحركات الإسلامية ومن بينها حماس التي كانت سببا في تحرير قطاع غزة، والتي ما زالت إلى وقت كتابة هذه السطور تخوض معركة طوفان الأقصى.

وأما عن الخلاصات فهي قيِّمة تحتاج إلى قراءة وطول نظر وتأمل، ومراجعة قصيرة كهذه تظلمها؛ لذلك فإني أنصح نفسي والقارئ بقراءتها مرات ومرات لعلنا نستفيد منها، ولعل من بين أهمها على سبيل الذكر لا الحصر أنه لا يمكن الوصول إلى تحرير فلسطين في ظل بقاء الأنظمة الحالية .

وأختم مقالي بفقرة جاءت على لسان الكاتب: «إن الصراع في جوهره صراع ديني ولن يمكن حله إلا بانتصار أحد الطرفين على الآخر انتصارًا نهائيًا؛ إذ المقدسات لا تقبل التهاون ولا التقسيم. ولا يملك أحد أن يتصرف أو يتنازل عنها».3

الهوامش

  1. https://t.me/melhamy/8215 ↩︎
  2. صـ25 من الكتاب. ↩︎
  3. صـ15 من الكتاب. ↩︎

مريم بنت أحمد

مسلمة مهتمة بدينها وبأمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى