ما سر تصاعد عمليات “الذئب المنفرد” مؤخرا في الغرب؟! الجزء الأول

لقد تصاعد عدد الهجمات التي ينفذها  الذئب المنفرد في الأشهر الأخيرة في الغرب، لتشغل عناوين الأخبار والتحليلات في مختلف الوسائل الإعلامية والمحطات الفضائية بل ولتخطف اهتمام مراكز الأبحاث والدراسات الغربية، ولا شك أن بروز هذه الظاهرة بهذا الشكل في حين يخوض الغرب حربا شرسة على ما يسمى “الإرهاب” وفي حين رفعت الدول التي تعتبر أهدافا معلنة لدى الجماعات “الإرهابية” سلم الحذر وسقف المراقبة لكل ما يتحرك أو يسكن على أرضها أو في سمائها، لا شك أنه أمر ينذر بالخطر ويحمل دلالات ويعكس توقعات، وبالنظر في تفاصيل العمليات الأخيرة والتدقيق في خلفية منفذيها فإن الاستنتاجات الأولية تؤكد أن الظاهرة لم تقتصر على الجماعات المصنفة إرهابية بل بدأت تتخذ منحى مقلقا للغرب يحتاج لوقفة ودراسة وهذا ما أكده موقع ديلي بيست الأمريكي حين اكتشف بأن  98% من جرائم الإرهاب في أوروبا و94% في أمريكا منفذوها ليسوا مسلمين.

إحصاء مختصر

يوليو 2016

  • آخر الهجمات المسجلة إلى الآن استهدفت فرنسا في 26 يوليو 2016 حين قتل كاهن ذبحًا في عملية احتجاز رهائن نفذها رجلان في كنيسة في سانت إتيان دو روفريه في شمال غرب فرنسا والعملية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية.
  • وفي نفس اليوم 19 شخصًا قتلوا، وأصيب 25 آخرون بعد هجوم نفذه رجل يحمل سكينا على منشأة للمعاقين بوسط اليابان فيما يعد أسوأ واقعة قتل جماعي في اليابان منذ عقود.
  • وقبلها بيومين فقط في 24 يوليو 2016 ولكن هذه المرة في  ألمانيا فجر لاجئ سوري نفسه في وسط انسباخ في بافاريا بالقرب من مهرجان موسيقي. أوقع 15 جريحا  والعملية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية. رغم أن مهاجم أنسباخ كان لاجئًا سوريًا يبلغ السابعة والعشرين من عمره، وهو يملك تاريخًا من محاولات الانتحار وفقًا للشرطة الألمانية، وطلبه للجوء كان قد رفض فكان الرد بالتفجير.
  • وفي 18 يوليو 2016 في ألمانيا أيضا،  هاجم شاب في السابعة عشرة من العمر يعتقد أنه لاجئ أفغاني أو باكستاني ركاب قطار في بافاريا بفأس مما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص بجروح قبل أن تقتله الشرطة، والعملية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية .
  • وقد تم إحصاء أربعة هجمات في ألمانيا لوحدها خلال أسبوع واحد فقط، ثلاثة منها نفذها لاجئون، وجميعها في المنطقة البافارية ولا تتصل ببعضها البعض.
  • في فرنسا مرة أخرى صدم التونسي محمد لحويج بو هلال بشاحنته حشودا في مدينة نيس في14 يوليو 2016، حيث أسفرت الحادثة عن مقتل 84 شخصًا. وأعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن هجوم نيس.
  • كما أعلنت شرطة ميونخ يوم الجمعة 22 يوليو 2016 بأن 9 أشخاص قتلوا، جراء إطلاق النار  في مركز للتسوق في محيط المركز الأولمبي في المدينة، إضافة إلى إصابة 16 آخرين. منفذ الهجوم كان ألماني من أصل إيراني، يبلغ من العمر 18 عاماً.

يونيو 2016

الذئب المنفرد2
  • بعد يوليو الذي كان ساخنًا، هجمات أخرى تم رصدها في شهر يونيو أهمها تفجيرات 28 يونيو 2016 في تركيا والتي استهدفت ثلاثة تفجيرات منها مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول موقعة 47 قتيلا.
  • في 13 يونيو 2016 في فرنسا رجل يحمل سكينًا قتل مسؤوًلا في الشرطة ورفيقته في منزلهما غرب باريس وأعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية.
  • وفي أمريكا هذه المرة بتاريخ 12 يونيو ،2016 أطلق مسلح النار داخل حانة للمثليين في أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية وقتل 49 شخصًا وقد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم  رغم تضارب الروايات في أصل المنفذ حيث تؤكد بعض المصادر أن المنفذ إيراني الأصل من المذهب الشيعي، وأنه استجاب لنداء أحد رجالات الشيعة الذي فرّ لإيران مباشرة بعد تنفيذ العملية، ولم تكشف التقارير مدى مصداقية كلا الروايتين المتضاربتين.

مارس 2016

  • في 22 مارس 2016 انتقلت الهجمات إلى  بلجيكا حيث قتل 32 شخصًا وأصيب أكثر من 300 في مطار بروكسل ومحطة مترو مالبيك قرب مقر مؤسسات الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن منفذيها من عناصر الخلية نفسها التي نفذت اعتداءات باريس في نوفمبر 2015.
  • في 19 مارس 2016  في تركيا اعتداء في ساحة الاستقلال في إسطنبول أدى إلى مقتل أربعة سياح، ثلاثة إسرائيليين وإيراني.

يناير 2016

الذئب المنفرد3
  • في 12 يناير 2016 كذلك في تركيا قتل 12 سائحا ألمانيا في هجوم  في وسط إسطنبول.

سنة 2015

  • في 2 ديسمبر 2015 في  الولايات المتحدة أطلق باكستاني وزوجته  النار خلال حفل في مناسبة عيد الميلاد في سان برناندينو بولاية كاليفورنيا ما أدى إلى مقتل 14 شخصا.
  • هجمات منسقة ضربت باريس في 23 نوفمبر 2015  أسفرت عن مقتل 130 شخصًا وإصابة أكثر من 350 في قاعة حفلات ومقاه وملعب “ستاد دو فرانس”. وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هذه الهجمات.
  • في 31 أكتوبر 2015 في مصر هذه المرة، تحطيم طائرة ايرباص تملكها شركة روسية على متنها 224 شخصًا فوق سيناء إثر تفجير، وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته.
  • في 26 يونيو 2015 في  تونس قتل مسلح 38 شخصًا بينهم 30 سائحًا بريطانيًا في فندق على شاطئ سوسة التونسية .
  • وقبله بأكثر من ثلاثة أشهر هجوم مماثل استهدف متحف باردو في تونس وأسفر عن 22 قتيلا بينهم 21 سائحًا أجنبيًا. وتبنى تنظيم الدولة كلا الهجومين.
  • في16 يوليو 2015 أسفر هجوم في الولايات المتحدة على مركز تجنيد في تينيسي ومركز لاحتياطي البحرية عن أربعة قتلى من المارينز وبحار برصاص مسلح وحيد.
  • وفي 8 يناير 2015 في فرنسا قتل مسلح شرطية في ضاحية باريس قبل أن يهاجم متجرًا يهوديًا في اليوم التالي ويقتل أربعة أشخاص معلنا ولاءه لتنظيم الدولة.
  • وقبل ذلك بيوم، استهدف الشقيقين كواشي الأسبوعية الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو بهجوم داخل مكاتبها في باريس أسفر عن 12 قتيلًا تبنى العملية فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ثأرًا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-إثر نشر الصحيفة لرسومات ساخرة لم تراع فيها مشاعر المسلمين ولا مكانة نبيّهم الكريم وقد جاءت هذه العملية في سلسلة عمليات أعلنها تنظيم القاعدة ضد كل من أساء لرسول الله كان منها عمليات اغتيال لمدونين في بنغلاديش نشروا إساءات من هذا القبيل تبناها فرع التنظيم في شبه القارة الهندية.

هذا الإحصاء دون أن نضيف العلميات التي صنفت ضد مجهول أو حملت الشكوك في تورط ذئب منفرد، ويعكس الأمر تصاعدًا ملحوظًا في تنامي هذه الظاهرة في الغرب.

تصنيف الظاهرة

تحليل

إن ظاهرة الهجمات الفردية التي يطلق عليها هجمات الذئب المنفرد أطلقت أول مرة بتحريض من الجماعات المصنفة إرهابية في سجلات الخارجية الأمريكية، إلا أن بعض المحللين والباحثين يرفضون تصنيفها في خانة “الإرهاب” بصفة عامة فهم يميزون بين حالات وظروف منفذيها، فمنهم من يعاني مشاكل نفسية أو اجتماعية أو سياسية، يحمل مظالمًا أو غضبًا ويتحيّن الفرصة للانتصار لهذه الدوافع في وسط شعور من العجز والقهر، ثم يترجم هذا الشعور مرة واحدة إلى رد فعل عنيف على أهداف سهلة الاستهداف.

وتكمن خطورة هذا النوع من الهجمات في كون اكتشاف الجهة التي خططت لذلك في حال نجاح المخطط أو فشله يكاد يكون معدومًا وأن الضربات تكون مستقلة لا تحتاج لمقدمات وتمهيدات قد تؤدي لكشف آثارها، فضلا عن أن الفرد المستقل يتحمل لوحده مسؤولية عمله، فلا يتأثر أحد غيره في حال اعتقاله ولا يمكن ربط العملية بأختها أو استدراج الشبكة.

والذئب المنفرد صاحب مظهر عادي لا يلفت الانتباه يتصرف بين الناس بكل عفوية، لكنه حين التنفيذ ينقلب إلى خطر حقيقي قد يهدد أمن دولة برمتها ويُعجز أعتى أجهزة الاستخبارات فضلا عن وسائل المراقبة والتتبع. وليس بحاجة لتعلم صنوف الأسلحة النارية وإعداد المتفجرات، فيكفي أن يسوق شاحنة أو يحمل سكينًا أو فأسًا أو يقدم على إحراق المكان ليحدث الأثر المرجو من هجومه. وظهور الذئاب المنفردة لا يرتكز على نظام ثابت أو نظرية معينة أو تنسيق متواتر أو ارتباط محدد، بل هي العشوائية وعدم الانتظام التي تميّز ضرباته غير المتوقعة.

عمرو منصور يحلل الظاهرة

عمرو منصور المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية رأى أنه من الصعب إن لم يكن مستحيلًا التصدي لعمليات الذئب المنفرد أمنيًا، فهي تحاكي استراتيجية انتفاضة السكاكين في فلسطين التي لم تستطع إسرائيل كبح جماحها. وأضاف:

الذئاب المنفردة هي أن يستيقظ شخص من نومه مقررا أن ينفذ عملًا إرهابيًا دون تنسيق مع أو في أضيق الحدود، فمهما كانت سيطرة الأجهزة الأمنية لن تستطيع توقع العملية ومنعها

أغلب الذئاب المنفردة المسلمة تقودهم مشاعر الرغبة في الانتقام من  الحكومات الغربية التي تمارس سياسات مجحفة بحق شعوبهم، أو لظلم وقع من هذه الحكومات بحق المسلمين في الغرب أو في أي مكان كان. إلا أن الشعور بالظلم أو الغضب لم يقتصر على المسلمين، بل حتى المنفذين من أصول إيرانية أو غربية يحملون ذات الدوافع من شعور بالظلم أو رغبةٍ في الانتقام بدوافع الكراهية والأمراض النفسية والاضطراب الذي خلفته الحضارة الغربية في نفوس الكثير من الشباب التائه الذي يلجأ بنسب معتبرة للانتحار رغم الرفاهية والترف الذي يعيشه هؤلاء “الذئاب”.

لمحة عن تاريخ الظاهرة

الذئاب-المنفرة

برز مفهوم الذئب المنفرد بقوة بعد اجتياح الجيوش الأمريكية العراق وأفغانستان وإعلان بوش مقولته الشهيرة:

أنها حرب صليبية إما معنا أو ضدنا

وبعد إطلاق تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مجلته الشهيرة “إنسباير” التي كان يقف على إعدادها خبراء في  التدريب والهجمات والمتفجرات، وحملت في طياتها موسوعة من المعلومات العسكرية والعملية التي تسهل على الذئب المنفرد التخطيط والإعداد وتحديد الأهداف دون الرجوع لجماعة تكفل له ذلك. وقد سببت هذه المجلة ثورة أمنية في أجهزة الاستخبارات في الغرب باعتبارها تحمل أسرار الهجمات التي يصعب ترصدها، لأنها تعتمد غالبًا على مواد متوفرة في الأسواق العامة. ومن أخطرها ما نشرته المجلة في أحد أعدادها لطريقة تسمح بتصنيع المتفجرات من داخل المطبخ، وأيضا ما تحمله من بث للأفكار المحرضة على الهجمات ضد الغرب ومصالحهم، كما كان في حادثة محاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية أو الطرود المتفجرة والتي أصابت الغرب في حالة هلع كبير.

لكن لا بد من التأكيد على أن هذه الهجمات الفردية لا ترتبط فقط بالمسلمين وبثأر أهل السنة لقضاياهم بل هي موجودة في مختلف الديانات والأيديولوجيات وبشكل مرتفع في الطبيعة الأوروبية؛ مثال على ذلك هجوم ميونخ الأخير أو الطائرة المدنية التي أسقطها مساعد الطيار الألماني فوق جبال الألب الفرنسية قبل أكثر من عام، أو عملية  النرويجي  أندراس بريفيلك، الذي قتل 77 شخصًا في أوسلو عام  2011م، وكما سبق وأن أحصينا عملية اليابان والهجوم الأخير على مركز للمعاقين.

ما وراء الظاهرة

يسعى الإعلام العالمي لتصوير الذئب المنفرد كإرهاب موجه لحرب الغرب داخليًا لمجرد الرغبة في الدمار والقتل ورؤية لون الدم، رغم أن نسبة تردده مقارنة مع عدد عمليات الإرهاب الأوروبي بنفسه لا تعتد، وفي الحقيقة فإن هذا التصوير يتجاهل حقيقة الدوافع التي تقذف بمثل هؤلاء الأفراد إلى المخاطرة بحياتهم وحياة أهاليهم لتحقيق أكبر تدمير أو خسائر تلحق بالغرب، وهو أن سياسات الغرب الخارجية هي السبب الرئيسي في رفع درجة العدوان الداخلي المتمثل في هجمات الذئاب المنفردة.

فالمناصرة المستمرة لإسرائيل بتهميش كامل لجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، والحروب المفتعلة في ديار المسلمين ونهب الثروات، ودعم الأنظمة الوظيفية، وقصص الاختطاف السري والسجن في ظروف التعذيب اللاإنساني الذي ذاع صيته من أبو غريب وغوانتانامو وغيرها، فضلا عن فتح باب الحريات في شتم الدين الإسلامي وإهانة المصحف والاستهزاء برسول الله-صلى الله عليه وسلم-وغيره من الاعتداءات بحق المسلمين ودينهم ومقدساتهم، كل هذا وغيره كان السبب في تغذية شعور الانتقام والدفع بهؤلاء الذئاب لمرحلة توجيه الضربات في داخل الأراضي الغربية.

والدليل على هذا التفصيل أن العمليات المنفردة ليست بالضرورة مرتبطة بقيادة مركزية للجماعات “الإرهابية” وإن كانت في بعض الحالات تتم بتمويل من جماعات بذاتها، إلا أنه في كثير من العمليات يكون العمل اختياريًا وبتمويل شخصي وقد يعلن التنظيم الذي تعاطف معه المنفذ مسؤوليته عن العملية في إطار حرب نفسية على الأعداء. وكثيرا ما تحصل هذه العمليات باستجابة فردية لنداءات الاستغاثة والتنديد التي تنطلق من بلاد المسلمين نتيجة حرب العراق وأفغانستان دون أن ننسى قلب هموم الأمة الإسلامية “فلسطين”.

الحديث عن الذئاب المنفردة لن يتوقف عند هذا الحد، وسنتحدث في الجزء الثاني من هذه المقالة عن أهم الإحصائيات والدراسات التي خرجت بخلاصات مثيرة للاهتمام عند دراسة هذه الظاهرة.

1136

شارك
د. ليلى حمدان
د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

المقالات: 196

نشرة تبيان البريدية

اشترك وتصلك رسالة واحدة كل خميس، فيها ملخص لما نشرناه خلال الأسبوع.

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *