واقع الأمة مخيّب للآمال أم فجر أملٍ ساطع!

نفتح التلفاز أو أيّة منصّة تواصل اجتماعي فنشاهد آثار القتل والهدم طال البشر والحجر لكل من يرفع الشهادتين من أقصى مشارق جنوب القارة الهندية مروراً ببلاد الشام وصولاً الى أقصى جنوب شرق كوبا في الخليج المُستأجر أمريكياً والأفظع إنسانياً فيصيبنا الإحباط والتخبط إلى حدٍّ وصل بالكثيرين من أصحاب العقيدة الضعيفة بعُذر الجهل بسوء الظن بالله سبحانه وتعالى عما يظنون ولكن يأتي السائل فيقول لا دخان دون نار ويأتي الجواب لا مجداً دون كد.

نعم تجزّئ المسلمون وتناحروا فيما بينهم بعدما كادت أن تكون كل بلدة وقرية دولة بحد ذاتها لها أميرها أو خليفتها! فبعد التناحر وحظوظ النفس وأهوائها لم يستطع صلاح الدين أن يحرر بيت المقدس إلا بعدما أصبح وزيراً عند العبيديين واستبدل الله عزَّ وجل على يده أممًا تفرّقت واتبعت أهواءها ليجعله بعدها موحّداً للمسلمين فاتحاً للأقصى.

فعندما ننسى لله سيُنسينا عزّتنا وعند التمسك بحبله والإقرار بحاكميته في الأرض وصدق تقوى نفوسنا سيعود عزّنا، ألم يقل سيدنا عمر بن الخطاب “نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله” ألم يعدنا الله عزَّ وجل في مُحكم تنزيله بالنصر كما في سورة النور وحاشا لله أن يخلف وعده ولكن هل حقّقنا شرط الوعد بدايةً؟

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور 55)

كيفية الأخذ بالأسباب

نقرأ السيرة العطرة لرسولنا الكريم لاستنباط العِبر والدروس فأفعاله وأقواله صلى الله عليه وسلم لا تنبع عن هوى ولنا بقصة هجرته إلى المدينة المنورة فائدة عظيمة في فهم معنى الأخذ بالأسباب فعندما قرر الخروج خرج ليلاً هو وصاحبه ومكث في غار ثور ثلاثة أيام حتى ييأس القوم من البحث عنه في طرقات تؤدي إلى المدينة واستأجر الدليل أريقط (خبير الطرقات) فاتجه جهة اليمن ثم أخذ جهة البحر بالقرب من جدة واستمر السير مسافة ليست بالقليلة ثم انعطف باتجاه المدينة، ولا ريب أن الله عزَّ وجل قادر على أن يرسل جبريل أو يُمكّن نبيّه بأن يخطو خطوة واحدة ليصبح في وسط المدينة فلِم التعب؟!

فهل نريد النصر بليلةٍ وضُحاها وقد صبر رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ثلاثة عشر عاماً قضى معظمها بسرّية وظلام حتى أذن له بالمكوث في أرضٍ ليُقام به صرح الإسلام جهراً لتأسيس دويلة أشبه بقارب صيد تلاطمه أمواج الروم والفرس وقبائل العرب المُتلهّفة على ليِّن العظم لتنهشه!؟ والله عزَّ وجل أليس بقادرٍ على نصر رسوله ودينه بليلة وضحاها.

ولكن لأنه الدين القويم إلى يوم الدين والمحفوظ بوعدٍ إلهي بحفظه لكتابه العزيز الذي به وبتكامله مع هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله هو زاد هذه الأمة ومكمن عزّها في كل زمان ومكان كان الشقاء على سيد المرسلين ليُزرع في نفوسنا اقتران الإيمان بالصبر وعدم استعجال النصر والأخذ بالأسباب الدنيوية مع تقوى النفوس والتوكل على الله عزَّ وجل.

مكان الأمة في الوجود الزمني

قبل كل شيء يجب علينا معرفة واقع الأمة في التاريخ، وتموضعها في دائرة الزمن فكما سمعنا من أجدادنا التاريخ يُعيد نفسه، وسنة الله في الكون واحدة ولا تُحابي أحداً لأن الأسباب لا تتغير والأسماء وإن اختلفت، فالنفوس في جوهرها هي ذاتها إن دخلت في عوامل الانحدار، أو أعز الله الأمة على يدها… فقبل الحكم وُجب معرفة تاريخ هذه الأمة والنظر بنظرة شمولية إلى الخط البياني لمكانة هذه الأمة فقبل كل قمة هنالك وادٍ والعكس صحيح وما بينهما إما منحدر على وجهيه الحاد والسهل أو طريقٌ وعرٌ يمتاز بالغُربة والابتلاء والتمحيص وما المتساقطين إلا في ازدياد إلى أن يصل إلى تلك القمة من يكون أهلاً لها.

فلا تخف على الدين ولكن احذر أين ستكون في نهاية المطاف فالدين بِك أو بدونك سيقوم وما الخاسر إلا أنت.

استحضار التاريخ

هل توّقع أحدٌ من الصحابة بالرغم من يقينهم من بُشارة الرسول الأُميّ وهو يحفر الخندق وقد تكالبت عليه جموع العرب واليهود يتربّصون به من خلفه بالفتح القريب لقصر كسرى وعرش الروم هل توقع أحدهم أن يأتي ذلك في غضون عقدٍ من الزمان؟ ولأن البعض سيقول ذلك عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته حينما كان الدين في صفوته ونقول لهم لم يكن وضع شجرة الدر والمماليك إبان سيطرة المغول على دمشق وتوجّه أنظارهم إلى مصر أفضل من حالنا اليوم فكانت الأمة في ضياع وتخبّط لم يشهد له مثيل وخاصة بعد سقوط أول خليفة وحاكم إسلامي وإعدامه ألا وهو المستعصم بالله وما دور ابن العلقمي وزير الدولة حين إذن في إدخال المغول إلى بغداد عنا ببعيد حيث عاونهم في الإيقاع بالخليفة فكم ابن علقميّ لدينا الآن وهل التتار الجُدد بتنّوع أجناسهم وعروقهم سيبسط حُكمهم على العباد إلى أبد الآبدين أم هو بلاء وتمحيص ما قبل التمكين؟!!

الظن بأنه الوادي الأخير

حينما نقرأ ونسمع عما انتشر في العالم الإسلامي بعد سقوط الحُكم العثماني الإسلامي والتخطيط المحكم لإدخال الأمة في صراعات جُزئية للتسابق على الحكم و”الاستقلال القُطري” بعدما تم استغلال فساد منظومة الحكم العثماني مطلع القرن العشرين بالابتعاد بالشعوب الإسلامية وفصلها كلٌّ على حدى عن جذورها العقائدية بإدخالها بدوّامة المصطلحات الجديدة فمن الجهاد إلى التحرر ومن الشريعة في الحكم إلى الحكم المستقل “الديمقراطي” ومن كيان الأمة الجامع إلى الوطنية والقومية والعروبة فكيف لنا أن نحلم بالوقوف مجدداً في القمة ونحن قد لطّخنا أنفسنا في الوحل!!

ولأنه بطبيعة الحال تم تصدير هذه المصطلحات بحنكة وذكاء من بريطانيا وفرنسا عرّابتا “الثورة العربية الكبرى” وصاحبتا النظرة الاستعمارية الخائفتان من صحوة الكيان الإسلامي، لم يكن التكلم بها إلا من قبل طبقة “المثقفين” فكأن الله ضرب على بصيرتهم فأصبحوا يسوّغون للفروع دون الأصول وأصبحوا ينسفون الأصول تحقيقاً لرفعة فروع الفروع اتباعاً لأهوائهم وتحقيقاً لما خُطط له في أروقة قصور لندن وباريس.

فانتشرت القومية والعروبة وأصبح التكلم عن “إسلامية الحكم” هو رجعية وتخلف فسبحان من وحّد أقوام الروم والفرس والعرب والأكراد والبرابرة والنوبيين والفراعنة والأمازيغيين في بوتقة واحدة ليُعاد تجميعهم لاحقاً باسم العروبة والانتقاص ممن جمعهم لمئات السنين!!

ولأن العامة تبع للنخبة اُستسيغ الأمر وأصبح إزهاق الأرواح رخيصة لأجل هذه الجزئيات… حتى عُدنا لغُربة الإسلام الأولى والماسك على دينه كالعاضد على الجمر كما قال رسولنا الكريم: كما روى أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، صححه الأرناؤوط.

و حيث وصل الانحدار إلى أن أظهر الله عزَّ وجل كيد الماكرين ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين فمن الواضح أن طبيعة التدافع الحضاري بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم قد دخلت مرحلة جديدة مختلفة كمّاً ونوعاً فانتقل الرهان الغربي اليوم إلى تدمير الفطرة الإنسانية في الأمة وضربها عرض الحائط لجعلها قابلة للابتلاع العولمي الجديد والتي لم تأتي محاولاتهم السابقة بالنتائج المطلوبة فتمادوا أكثر وهذا الذي يُستبشر به فالتسويغات الخبيثة المُبطّنة المتدرجة والتي رمت الأمة في وديان الهاوية وفُتن من فُتن , اُستبدلت بإجراءات سلخ الفرد المسلم عن فطرته بانفتاح لا يُنذر إلا بصحوة اجتماعية جامعة تنهض بالأمة ويُعاد لها عزّها ومجدها لأن الجميع بات مُدركاً لحقيقة التدافع الكوني بيننا وبين باقي الأمم كما قال تعالى:

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين

فالتعايش “الإنساني” و “السلمي” بين الأمم لم تعد تنطلي على أمتنا وأيقن شبابها أنها لمحض أداة من أدوات سيطرة الغرب على عقولنا وهمَمِنا ومحاولة تركيع هذه الأمة كما بتعزيزهم لمؤتمرات التسامح الديني وإلغائهم للمناظرات الدينية التي تُظهر الحق لكل ذي عقل وتهربهم منها، وما استطاعوا فعلها إلا بمساعدة بني جلدتنا، لذا كما قال الشيخ الطريفي-فك الله أسره-: “يخلق الله الأزمات ليُخرج ما تخفيه نفوس المنافقين من أحقاد على الحق وفرح بالباطل (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) “.وما كلُّ هذا إلا بالجريان القدري المحتوم الذي كتبه الله لهذه الأمة فلنُبصر موقع قدمينا ونهيئ أنفسنا دينياً وفكريّاً ونستبشر الخير فلا بدّ لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

محمد عبد المجيد

مسلم العقيدة والمنهج، خرّيج دكتور صيدلة، قارئ مهتم في التاريخ والسياسة لمحاولة فهم واقع أمتنا… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى