محنة الإيغور: هل تجعل العالم يعيد حساباته مع الصين؟!
“إن قمع الصين لشعب الإيغور المسلم يطرح سؤالًا جديًا ومُلحًا على جميع الحكومات -وفي مقدمتها حكومات الشعوب المسلمة التي تضطهد الصينُ إخوانهم من الإيغور-: إلى أي مدى يمكن التخلي عن القيم والأخلاق من أجل المصالح الاقتصادية؟”.
هذا السؤال طرحته مجلة “ديرشبيجل” الألمانية في تحقيقها المطول (19 صفحة)، ضمن عددها الأخير، بعنوان “شريك ألمانيا الرهيب ..كيف استسلمنا لبكين؟!”. بعد تسريب ما عرف بـ”ملفات شرطة شينجيانغ”؛ والتي شاركت المجلة مع 30 مؤسسة إعلامية في التأكد من صحتها.
وتعد هذه التسريبات الأكبر حتى الآن عن نظام القمع الصيني في منطقة تركستان الشرقية. وضمت صورًا لم يسبق لها مثيل من داخل معسكرات الاعتقال، وتعليمات رسمية سرية وخطبًا من المسؤولين الصينيين، تثبت الاعتقال التعسفي والجماعي لمسلمي الأويغور في شمال غرب الصين.
ومن ذلك 2881 صورة لأشخاص من المسلمين الإيغور محتجزين في معسكرات “إعادة التأهيل” الصينية في شينجيانغ في عام 2018 منهم:
- إناث: 394.
- ذكور: 2487.
- تحت عمر 20 سنة: 106.
- من 20 إلى 29 سنة: 1751.
- من 30 إلى 39 سنة: 464.
- من 40 إلى 49 سنة: 290.
- من 50 إلى 59 سنة: 184.
- من 60 وما فوق سنة: 86.
وسألت المجلة: ما الذي يهم الألمان عندما يتعرض آلاف المسلمين على مسافة بعيدة منهم للتمييز والاعتقال ووضعهم في معسكرات؟ الجواب: الكثير.
لأن القضية تثير أسئلة مخيفة: هل يمكن لألمانيا أن تفعل أي شيء حيال ما يجري، أم أنها تعتمد على الصين لدرجة جعلتها عاجزة عن التصدي لانتهاكاتها؟ .. ماذا يعني لنا إن هاجمت الصين تايوان أو اشتبكت مع الولايات المتحدة في مكان آخر؟ .. إن الكشف عن مدى قسوة الصين يُوجب على أي دولة لها علاقة بالصين أن تربط السياسة والأعمال بحقوق الإنسان؛ خاصة في ألمانيا التي جعلت نفسها أكثر اعتمادًا على بكين من أي بلد آخر في العالم تقريبًا.
لقد استسلم جزء كبير من الغرب لنظام وحشي للغاية. وربما يكون الغرب قد اخترع الرأسمالية، لكن الصين تشكل حاضرها ومستقبلها. وإذا استمر اقتصاد الصين في النمو بشكل أسرع من الدول الصناعية الأخرى؛ فستكون بكين قريبًا قوية لدرجة أن الأوروبيين سوف يتم استقبالهم في أحسن الأحوال هناك كمُتسولين.
لعقودٍ من الزمان، استفادت ألمانيا من الأعمال التجارية مع ديكتاتورية الصين. والآن أصبح الاقتصاد أكثر اعتمادًا على بكين من اعتماده على موسكو. ويطرح الكشف عن التعذيب الجديد أسئلة أساسية للسياسة والاقتصاد والقيم؛ ما هي الجرائم التي نقبلها من أجل الازدهار؟ وما هي المخاطر التي نواجهها؟
وتتابع المجلة: علاقات ألمانيا مع الصين أكبر منها مع روسيا. فإن تأثرنا في إمدادات الغاز والنفط فقط مع روسيا؛ فهناك قطاعات كثيرة مع الصين، من المواد الكيميائية إلى المنسوجات إلى السيارات، والهاتف المحمول. إن حجم التجارة مع الصين أعلى بأربعة أضعاف من التجارة مع روسيا.
في آخر 30 عامًا، نمت صادرات ألمانيا إلى الصين بأكثر من 4700%. لقد آنَ لألمانيا أن تعيد التفكير في نموذجها الاقتصادي؛ فهو يستند إلى حقيقة مفادها أننا نشتري المواد الخام الرخيصة من روسيا الديكتاتورية، ثم نصنع المنتجات هنا، ثم نبيعها إلى الصين الديكتاتورية الأخرى! هذا يجب أن يتوقف.
نعم لقد أثبتت الصين مرارًا وتكرارًا أنها المنقذ لنا في أوقات الضائقة الاقتصادية. ورأى قادة الأعمال في ألمانيا أنها أرض الميعاد التي يتم منها جلب المال. ولهذا فسرعان ما اعتبر العديد من رواد الأعمال الألمان الصين -ليس فقط نموذجًا اقتصاديًا يُحتذى- ولكن أيضًا نموذجًا سياسيًا.
فقد أشاد بيتر لوشر -رئيس شركة سيمنز السابق- بـ”المنظور طويل المدى في السياسة الصينية”، “والذي ينبغي على المرء” أن يتعلم شيئًا منه بالتأكيد. في نهاية 2021 أجرت ميركل مكالمة هاتفية مع الرئيس الصيني، وتحدثت حول “تعميق الشراكة الثنائية والعلاقات الاقتصادية”.
وبينما تتطور الصين كدولة قمعية، يراها الاقتصاد الألماني سوقًا عملاقةً قبل كل شيء؛ فمجموعة فولكس فاجن -كمثال- هي تقريبًا شركة صينية مقرها في ألمانيا، وهي مع شركائها توظف 90 ألف شخص في الصين، ويقع أحد مصانعها في منطقة أورومتشي في تركستان الشرقية، قريبًا من معسكرات اعتقال الأويغور!
فمُستقبل المجموعة -كما قال رئيس فولكس فاجن هربرت ديس ذات مرة- “سيتم تحديده في السوق الصينية”. فلدى فولكس فاجن 120 موقع إنتاج على مستوى العالم، وفي الصين وحدها 40 موقع إنتاج. وسلمت الشركة في 2021 على مستوى العالم (8.9 مليون) سيارة، منها (3 مليون سيارة) في الصين وحدها.
وتقول المجلة: لم يعد بإمكان الرؤساء التنفيذيين للشركات الألمانية -مثل رئيس فولكس فاجن- الاختباء وراء الالتزامات الضبابية بحقوق الإنسان. ويجب أن يُظهروا القوة بعدم التسامح مع الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في منطقة يتم فيها وضع الناس في معسكرات الاعتقال والعمل بالسخرة.
وهناك شكوك بتورط مصنع شركة فولكس فاجن في أورومتشي بتسخير الإيغور بالعمل فيه؛ وهو ما يتسبب لها بمزيد من المشاكل. وترفض الشركة الكشف عن عدد الأويغور العاملين في المصنع! وخلال الحقبة النازية، أجبر 20.000 شخص للعمل بالسخرة أيضًا في تجميع سيارات الجيب وغيرها في مصانع فولكس فاجن!
وحزب الخضر -شريك الائتلاف الحاكم- لديه شكوك كبيرة حول مدى ضمان حقوق الإنسان في المصنع؛ فلم تقدم فولكس فاجن دليلًا على عدم وجود عمل قسري هناك. وقد ناقش مجلس إدارة الشركة إغلاق المصنع، لكن سرعان ما تم الاتفاق على أن المصنع يجب أن يستمر في العمل كما هو دون تغيير!
وقال “فرديناند دودنهوفر” مدير مركز أبحاث السيارات، إن الحزب الشيوعي الصيني سيرى إغلاق مصنع فولكس فاجن في أورومتشي عملًا غير وديّ!!”. لا ينبغي لأي شركة ألمانية أن تتجاهل الصين؛ “فلا توجد دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالصين مثل ألمانيا.
وبعد كل هذا .. ما الذي فعلته ألمانيا للضغط على الصين في ملف الإيغور وحقوق الإنسان عمومًا؟ تقول ديرشبيجل: إنه اعتبارًا من عام 2023 فصاعدًا، سيجعل “قانون التوريد الجديد” الشركات الألمانية مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، حتى لو حدثت عند مورديها.
ووفقًا لتقرير صادر عن البرلمان الألماني عام 2021؛ فإن هذا سيجعل الأعمال التجارية للشركات الألمانية في شينجيانغ شبه مستحيلة. ويبدو أن قطع العلاقات التجارية مع الموردين الصينيين “أمر لا مفر منه تقريبًا” خلاف ذلك، هناك خطر فرض غرامات، وربما حتى عقوبات جنائية على المديرين.
قد تكون قضية الإيغور تمثل نسبة قليلة من دوافع ضغط وسائل الإعلام وبعض الأحزاب والساسة الألمان لتغيير صيغة التعامل مع الصين. وأن الخوف على ألمانيا من تأثير الصين القوي على أكبر اقتصاد في أوروبا هو المحرك الرئيسي، إلا أن مثل هذه الخطوات ستدفع الصين لتخفيف ضغطها على الإيغور.
وكذلك تغيير سياساتها القمعية -ولو مرحليًا-؛ حيث ما زالت الصين بحاجة للآخرين. لكن الأهم هو قول المجلة في التغريدة الأولى؛ وهو دور الشعوب المسلمة وشركاتها وحكوماتها، والتي تضطهد الصينُ إخوانهم من الإيغور: إلى أي مدى يمكن التخلي عن القيم والأخلاق من أجل مصالحنا الاقتصادية؟”.
أخيرًا: لمن يرغب بالاطلاع على كامل التسريبات لـ”ملفات شرطة شينجيانغ” يتفضل بزيارة الموقع الذي تم تخصيصه لذلك. وادعموا إخوانكم الإيغور بالتعريف بقضيتهم ومحنتهم. فرج الله عنهم وعن جميع المستضعفين.
من أكثر ما يلتفت الانتباه ويثير التعجب، أن المؤسسات الإعلامية التي شاركت في نشر ملف التسريبات التي تظهر فظاعة ما يحدث للمسلمين الإيغور في الصين، ليس من بينها مؤسسة واحدة عربية أو إسلامية! .. يا أيها الناس! لقد شاركت صحيفة جيراليم بوست اليهودية .. أين أنتم؟!
ولزيادة الفائدة وتعميمها، ولفهم قضية الإيغور بشكل أكثر توسعًا .. التغريدة المرفقة تضم روابط كل السلاسل التي كتبتها في هذا الموضوع .. فاقرؤوها وانشروها دعمًا لقضية إخوانكم .. وذلك أضعف الإيمان.