شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وما يفعله إعلام الشيطان

عندما نصوم شهر رمضان فنحن نحتفل بتجديد ذكرى اللحظة القدسية التي نزل فيها النبأ العظيم، ذلك النور الإلهي الذي ولدت منه الأمة الخاتمة ومن بين دفتيه خرجت أمة الرسالة العالمية.

فالصوم أحد أهم أركان توحيد الأمة؛ مع اختلاف شعوبها وأقوامها في لغاتهم وأماكنهم، على فعل عبادي واحد في شهر واحد، للخروج بنتائج محددة متعلقة بتجديد بناء الفرد والجماعة المسلمة؛ لتتجدد طاقتها وتشحذ عزائمها للقيام بمهام وجودها وغايات إخراجها للعالمين.

فقد فرض الله تعالى هذا الشهر الكريم حتى يتمكن كل المسلمين فرادى وجماعات أن يفحصوا مجمل أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم وأفكارهم، وعلاقاتهم ببعضهم البعض، وعلاقاتهم بالعالمين من حولهم وبالكون عامة، وقبل ذلك وبعده فحص واختبار وتقويم علاقاتهم بربهم، ليكون هذا الشهر الكريم شهر تجدد التوبة وتجديد الإيمان وتجديد الوفاء بمواثيقنا وعهودنا معه تعالى.

هذه هي غايات ومقاصد الشهر الكريم التي جمعتها آيات الذكر الحكيم في تقوى الله والتخفف من الطيبات والامتناع عنها لأوقات معلومة طوال الشهر الكريم؛ تحقيقا لشكر رب العالمين والاستبشار بتقبل دعواتنا وتوبتنا إليه واستجابتنا لرسالته، وذلك بالانكباب على الكتاب المجيد تلاوة متدبرة في الصلوات والخلوات وفي كل الأوقات؛ إعلانًا للاستمساك به، ووفاء لعهدنا مع ربنا ورسولنا، وسيرًا على طريقه المستقيم كما سار صلى الله عليه وسلم منذ نزل عليه الروح الأمين ليكون آخر المرسلين نذيرًا وبشيرًا للعالمين.

وهذه الغايات هي ما حاول أعداء الإسلام من خارجه وداخله من الكفار والمنافقين أن يغطوا عليها طوال عمر الإسلام المجيد بشتى الطرق والوسائل التي تنوعت وتجددت بحسب معارف وقدرات كل عصر، وقدرات هؤلاء العقلية والمادية، ودأبهم على أن يردونا عن ديننا ويلبسوا علينا عقائدنا ويشوهوا مواسم طاعاتنا ويفرغوها من غاياتها التي من أجلها شرعت.

ويعلم كل مسلم غيور على دينه مشفق على أمته كيف تستغل وكالات الشيطان الإعلامية التي نشأت في الغرب؛ الفاسق عن أمر ربه منذ قرون والمستكبر في الأرض بغير الحق، ثم انتقلت إلى بلادنا تحمل بذور الغواية لتنمو في الأرض الخبيثة؛ التي أنتجتها قرون الظلام والتخلف عن جوهر الإسلام.

فالعدد الهائل من وسائل الإعلام المتطورة التي تحاصر أبناء أمتنا ليل نهار؛ والتي وصلت لكل فرد وليس كل بيت، وتخاطب غرائز كل واحد منهم، وتَتَجدد بتجدد حاجاته بل تخلق تلك الحاجات خلقًا حتى وصلت للشذوذ وما بعده، هي رأس الحربة لأعداء الأمة من داخلها وخارجها التي تستخدم في تخريب نفوس وعقول وقلوب ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وخروج تلك الأجيال النكدة التي نراها غثاء كغثاء السيل. 

في هذا المقال نتناول كيف استغلت وسائل الإعلام المواسم الدينية لتشوه هوية المسلم المعاصر. ونحاول أن نلقي الضوء على ما يفعله الإعلام من قلبٍ كاملٍ لكافة هذه القيم ومحاولة تهميشها لصالح قيم الاستهلاكية واللعب واللهو والعبث بل والشذوذ وتغييب الإنسان المسلم عن روح الشهر الكريم. وكيف يمكن التغلب عليها على المدى القصير والطويل، لأن الأمر جلل، وهو مثله مثل جُلّ؛ إن لم يكن كل قضايانا، لا يتم التعامل معه إلا من منظور اللحظة أو الحدث، لا من منظور استراتيجي كما تفكر قيادات الأمم الحية.

تاريخ طويل من الحرب

الإعلام والقرآن

على الرغم من أن مكامن الخلل وجوانب الخطأ في التعامل مع الشهر الكريم بما يليق به في أمتنا تعود لزمان قديم، إلا أن هذا المقال لن يعود للتاريخ إلا سريعًا، وسيركز أكثر على الحاضر القريب دون البعيد الذي نعيش فيه ليحاول فهم كيف يتم استغلال الإعلام لبث قيم مضادة لقيم الإسلام واستخدام أساليب تشجع على هجر القرآن واللغو فيه لعل هؤلاء الفجرة والمنافقين يغلبوا في حروب الثقافة على الأجيال الجديدة من المسلمين. 

وخاصة في هذه المرحلة من حياة الأمة التي انفصلت عرى الأخوة بين حكام الأمة وسوادها الأعظم، وانفصل القرآن عن السلطان بل وتضاد الركنان لما تولى أمر الأمة من ليس منها أو من لم يعرف من قرآنها إلا التغني به وترديد حروفه دون وعي لمعناه وتطبيق لأوامره وتحقيق لمقاصده.

شجرة الخلد وتوهين العزم

منذ اللحظة الأولى التي أيقن فيها إبليس بالخسران المبين في مكانته عند ربه وفي علاقته بالمخلوق الجديد الذي اصطفاه الرب الإله ليكون خليفة في الأرض، واستحكمت في نفسه الضغائن حتى بدأ حربه النفسية على أبينا آدم ليستغل نقاط ضعفه كي يفشله في مهمته ويحل عليه ما حل بإبليس من الهوان. هكذا أعلنها صريحة {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 62]، {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17].  

استخدم إبليس قدراته كلها من أجل إغواء آدم وزوجه منذ دخلا الجنة، ودلّاهما بغرور حتى ذاقا الشجرة فأخرجهما منها ومما كانا فيه من الإيمان الخالص والحياة الطيبة بحِيَله النفسية التي خاطبت الغريزة الآدمية في الخلود والملك الذي لا يبلى بكل ما يعنياه من وهم المتاع الدائم المتجدد. 

ولتبدأ مسيرة الإعلام الإنساني الفاسد الذي يزين الشهوات ويخاطب الغرائز، مقتفيًا أثر إبليس الفاجر الصاد عن سبيل الله إلى يوم الدين، بقيادة كل أهل الضلال من الأفراد والأمم الذين فسقوا عن أمر ربهم ممن ورثوا منه فنون الإعلام المضلل الهابط وطوروها؛ ليهبطوا بالإنسان المسلم من علياء وعزة إيمانه وإخلاصه فيهوي في هاوية الرذيلة بدلًا من الصعود إلى مراقي حمل الأمانة.

صراع دائم من لدن نوح إلى محمد عليهما السلام

وعلى مدار تاريخ أبناء آدم على الأرض حتى بعثة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم تنوعت وتطورت وسائل الشيطان وأتباعه من بني آدم من الكافرين والمنافقين الضالين، والتي حكاها لنا القرآن المجيد والسنة والسيرة المشرفة في قصص الأنبياء والسابقين. وكيف استخدمت كل أساليب الترغيب والإغواء من أجل صد الناس عن صراط ربهم المستقيم باستخدام اللهو واللغو بكافة أشكالهما.

ففي تاريخ الإسلام منذ مبدئه حتى انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى لم يوفر الشيطان وأتباعه جهدًا لإغواء الرسول والذين معه عن صراط الله المستقيم. وحشد إبليس وجنوده من الكافرين خَيله ورَجله وكافة وسائله للإغواء من أجل صرف المسلمين عن فضل الله العظيم. واجتهدوا ما وسعهم الجهد للغو في هذا القرآن لعلهم يغلبون، واخترعوا من التفاهات والإلهاءات ما يصرف الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن القرآن وهجره. 

وسور القرآن المجيد في العهدين المكي والمدني ملأى بصور الإعلام الشيطاني، والسيرة المشرفة ملأى بالكثير من طرق ووسائل الإعلام المضللة التي تغوي المسلمين وتبعدهم عن القرآن المجيد.

حروب اليوم الإعلامية

وقد أدرك كفار العصر الحالي ومنافقوه خطورة القرآن المجيد ومركزيته في بعث هذه الأمة من جديد ويقظتها، فعملوا على أن يباعدوا بينهم وبينه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. وفهموا؛ بعكس ملايين المسلمين، معنى الربط المحكم والرباط الوثيق؛ بل الميثاق الغليظ، بين القرآن وشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

فكانت الحملة الشديدة المتجددة المتوسعة والتي تزداد قوة وإحكامًا كل عام من أجل أن يتم فك الربط بينهما، وإضاعة كل لحظة من لحظات هذا الشهر الكريم بعيدًا عن الخطة الربانية التي رسمها الله لهذه الأمة في هذا الشهر المجيد لتجدد إيمانها وعهدها مع ربها وتعي معنى قرآنها ورسالتها وشهودها على العالمين، ولتتحقق الأمة؛ أفرادًا وجماعات، بما تحقق به نبيها صلى الله عليه وسلم من الإيمان الصادق والنية الجازمة والعزم الذي لا يلين؛ لبلاغ رسالات الله، وعبادته حق عبادته، وعمارة أرضه يوم نزل عليه الروح الأمين جبريل عليه السلام بالوحي المبين فغادر النوم عينه وأهل بيته أجمعين ومضوا داعين إلى الله مسلمين وجوههم له وحده رب العالمين.

فمنذ نعومة أظفارنا ونحن يتم تطبيعنا على أن شهر رمضان هو شهر الفن المبدع في أرقى أحواله: جودةً وإتقانًا وإبهارًا ومداعبةً للخيال وللشهوات وتلبيةً للرغبات في المأكل والمشرب والملبس وكافة التطلعات. 

فما إن يقترب الشهر الكريم حتى تمطرنا الصحف والمجلات والإذاعة ثم التلفاز واليوم الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بتلك الحشود الكبيرة وتلك المليارات الوفيرة التي تجتمع معًا من أجل شيء واحد فقط ووحيد: إلهاء المسلمين وهدر كل إمكانياتهم الروحية والمادية بحجة إدخال البهجة عليهم في كل لحظة من لحظات الشهر الكريم منذ أول ليلة الرؤية حتى ليلة العيد.

مكر الليل والنهار

تأثير الإعلام على الأسرة

كانت حروب الإعلام حتى وقت قريب؛ منذ عقدين ونيّف على الأكثر قبل ظهور الفضائيات وإباحتها للعامة دون مقابل، وتفشي وسائط التواصل والاتصال التي صارت في يد الطفل قبل الكبير والفقير قبل الغني، مقتصرة على الفترات التي يأوي فيها الناس إلى بيوتهم بعد يوم عملهم المعتاد، فكانت تأخذ منهم آخر ساعات النهار وبضعًا من ساعات الليل. لكن اليوم؛ مع التطور الرهيب لتلك الوسائل وتيسرها في أيدي الجميع وتوافر تطبيقات المشاهدة والسماع عليها، لم توفر الآلة الإعلامية لحظة إلا وتطارد المسلمين بالغثاء الذي تعد له طيلة العام في حرب ليل نهار؛ مكر الليل والنهار كما يقول القرآن، لإفساد الشهر الكريم على أبناء الأمة. 

ومن لم يجد وقتًا لمشاهدة ما يهواه بالليل أتيح له بالنهار، ومن لم يستطع مشاهدة مسلسلًا أو برنامجًا كاملًا يأتيه مقطع مؤثر يجبره على المشاهدة ويجعله في مرمى هدف المسلسل والبرنامج والقيمة السلبية التي يهدف للوصول إليها. وما إن ينته الناس من المشاهدة حتى ينتقلون للبرامج التي تمدهم بالنقاد يحللون ويؤيدون ويعارضون، بل وتطلب منهم التعقيب والتحليل والنقد والمدح والذم لاختيار الأفضل والأسوأ في اختبارات واضحة لتوجهات وميول هؤلاء جميعًا؛ تُستخدم في التغذية الراجعة لما سيقدمونه من أعمال في قابل الأيام تزيد أبناء الأمة بعدًا عن مقتضيات الإيمان وترسخ هجرانهم للقرآن في شهر القرآن وغيره من شهور العام.

مصر نقطة البداية

لمصر تاريخ كبير في فنون اللهو؛ خاصة في هذا الشهر الكريم، وقد استمرت في عصرها الحديث منذ محمد علي مرورًا بالاحتلال البريطاني ثم عهود الاستقلال الصوري حتى اليوم لتكون قائد سلسلة الإلهاء الشيطاني لباقي شعوب الأمة العربية والإسلامية عن طريق وسائل الإعلام التي نمت وتطورت فيها تحت رعاية الاحتلال البريطاني وعملائه من المثقفين والفنانين والكتاب وصنّاع الفنون والآداب عامة بكافة تخصصاتهم. 

فقامت عبر إعلامها الذي تهيأت له الفرصة لغزو باقي مجتمعات أمتنا العربية والمسلمة بتصدير أسوأ ما لديها من تلك الفنون والآداب: الرقص الشرقي، الأفلام والمسلسلات الهزلية، البرامج الجدلية المفرقة لشمل الأمة، التوجهات التغريبية، التفاهة والاستهلاك الترفي المظهري، وتسطيح فكر الشباب وتهميش القضايا الكبرى؛ وفي القلب منها قضية فلسطين. 

ولم تستطع المحاولات الفردية والمؤسسية القليلة لإنتاج إعلام ومن ثم فن أو أدب هادف في الصمود أمام سيل الإسفاف المؤسسي الممنهج في غالبه الذي وقفت وراءه حكومات ورؤوس أموال طائلة لم يكشف بعد عن مصادرها الحقيقية لتعيد بناء نفسية الإنسان العربي المسلم عن طريق الرواية والفيلم والأغنية والمسلسل وغيرها.

وكل ذلك من أجل هدف واحد رئيس: اللغو في هذا القرآن وتغييب معانيه في الشهر الذي أنزل فيه حتى لا يفيق الإنسان المسلم من غفلته ويتنبه لمعنى الصيام في هذا الشهر بالذات لأنه شهر القرآن، فصار شهر الهجران لهذا القرآن. وبعد أن كان الشهر هو شهر يقظة الأمة صار هو شهر رقدتها والقضاء على ما تبقى من قيمها وعقيدتها وعزيمتها.

هدر القيم.. هدف الإعلام الشيطاني

الهدر هو عنوان الرأسمالية، وهو يتجسد شر ما يتجسد في آلة الرأسمالية الإعلامية التي تطلق قذائفها المعنوية على المسلمين في شهر رمضان؛ هذا الشهر الذي جُعل لتعلم التقشف والاكتفاء الذاتي والإحساس بالغير والمحافظة على كل لقمة صغيرة أو جزء من الألف من أي نعمة أنعم الله بها على الأمة؛ لتكون لها قوامًا، وإبعادها عن أيدي السفهاء، بل وتقليل إن لم يكن انتفاء وجود السفهاء في أمة المسلمين.

وأخطر أنواع هذا الهدر المتخلف عن تلك الآلة الإعلامية الشيطانية، هو هدر القيم التي تهان وتبدد خلال هذا الشهر نتاج حروب الإعلام على قيم ومقدسات وقضايا الأمة ودورها الحقيقي في هذه الحياة؛ ناهيك عن هدر الزمن المتمثل في مئات الملايين من الساعات التي تنفق هباء في غير طائل، بل في تخريب العقول والنفوس والقلوب قبل تخريب الأبدان بالتخمة في الأكل والشرب وتدخين المهلكات من أنواع الدخان.

الإعلام الشيطاني وتسليع مواسم الطاعات 

ثقافة الاستهلاك / الاستهلاكية

إذا كان الهدر هو عنوان الرأسمالية فإن التسليع هو جوهر عملية الهدر التي تتم كل عام في شهر رمضان، فالتسليع يقع في قلب الفكرة الرأسمالية؛ وهو التيمة الرئيسية للإعلام التي من خلالها تنتقل كل الأفكار المميتة لقلوب المسلمين في هذا الشهر الكريم. 

فالتسليع هو تجسيد كل القيم في المادة كنوع من العقيدة التي يعتنقها المرء بوعي أو بدون وعي، فتصبح السلعة هي غايته وهدفه والمعبر عن هويته والطريق الوحيد لإشباع نهمته ورغباته؛ سواء كانت سلعة مادية أو معنوية، حتى يصبح الإنسان ذاته سلعة. والفن هو الأداة الأنموذج للترويج وترسيخ فكرة التسليع التي فتحت الطريق أمام الرأسماليين والمستعمرين لغزو قلوب وعقول ونفوس أمة الإسلام. 

فالطريق إلى استهلاك سلع المصانع الرأسمالية وبيوت الأزياء وشركات إنتاج السلع التافهة التي لا تنتهي وتقذفها مصانع الاستعمار وأعوانه يبدأ من “إتقان دراما الترغيب في الاستهلاك”، من خلال منتجات الفن الغرائبية التي تنسج من الخيال حقائق تغزو القلوب تربط بين المنتجات الفنية الاستهلاكية والهوية الشخصية وتلبية رغباتها وشهواتها بعد تمثل الذات لتلك الأفكار القاتلة التي تبثها تلك الفنون والبرامج التي ينفق على ترويجها مئات الملايين. 

فالمسلسلات والأفلام وبرامج التوك شو الاجتماعية؛ التي تملأ كل لحظة من لحظات الشهر الكريم، بما تناقشه من قضايا وما تطرحه من أنماط حياة متكاملة لبشر أمثالنا، وضعت التجربة الاجتماعية للفرد والأسرة والجماعة المسلمة أمام اختبار صعب، وقدمت شخصياتها للمستمعين وللمشاهدين نموذجًا لما يعنيه أن تكون إنسان في زماننا، وكيف يمكن الحصول على المتعة من الفن بالاستهلاك، في تضاد تام مع الرؤية القرآنية للإنسان.

وحتى الفقراء لم تتركهم آلة الإعلام الشيطانية؛ على الرغم من فقرهم، فهؤلاء يجب أن ينضموا إلى الأغنياء بدلًا من تركهم للمساجد وأماكن الذكر والعبادة والخلوات تعلمهم معاني الصيام ومقاصد الشهر الكريم. لقد تفطن هؤلاء الشياطين لخطورة تلك الملايين الغالبة في بلاد المسلمين من الفقراء المعدمين ومتوسطي الحال ممن لا يقدرون على مجاراة أسعار السلع؛ التي يعرضها إعلام الغواية للأغنياء والقادرين، فأتاحوا لهم تحقيق متعة الخيال والتطلع لما ليس ينال بالجهد والعرق لينال بمختلف أساليب الخيال أو اللجوء لأساليب الالتواء والحرام.

فإذا لم تستطع أن تحقق المتعة في أرض الواقع فلتحققها في الخيال، وإذا لم تتمكن أن تفعل تستطيع أن تحلم، بالسيارة والفتى الوسيم أو الفتاة الجميلة والبيت الواسع والحياة الفارهة وهكذا حتى تفسد نفوس الجميع فيكونون سواء فيسارعون جميعًا في التنافس المذموم على تلك المعيشة المختلة التي ينتظرون السعادة من ورائها، وكان ما نراه من سقوط مدوي لغالبية أبناء الأمة في وحل الاستهلاكية القاتل في محاولة فاشلة لانتزاع المتعة من أشياء هذا العالم بأي سبيل.

المتعة للجميع هو شعار آلة الإعلام في شهر رمضان: استهلكوا أعماركم وقيمكم وأنتم تستهلكون منتجاتنا الفنية والمادية. 

فالمشاهدون المأسورة أبصارهم وأسماعهم وقلوبهم أمام شاشات الفضائيات والتليفونات والكمبيوترات لا يستهلكون القصة المذاعة أو الفيلم أو البرنامج أو اللقطة فقط، ولكنهم يستهلكون وتهلكهم: السلع التي تعلن عنها، أو السلع المتضَمّنة في العمل الفني ذاته التي تحاصرنا منذ: بدء تتر المسلسل مرورًا بشخصياته بملابسها وطرق معيشتها وأماكنها ونمط حياتها وطريقة كلامها وعلاقاتها وبنائها فيما بين بعضها البعض، ومن خلال أماكن التصوير الداخلية والخارجية والرسائل التي ترسلها حتى تتر النهاية، ممطرة علينا رسائل لا حصر لها تلتقطها ذاكرتنا ووعينا ولا وعينا لتفعل فعلها المباشر واللحظي، ومتوسط وطويل الأجل فيما بعد، والذي يعرفه كل من يتابع تغيرات ذاته وغيره ممن حوله قبل وبعد متابعة مسلسل أو فيلم أو برنامج؛ فما بالك بمن لا يفوت أيًا من هذه جميعًا طوال الشهر الكريم. 

إنها المتعة الزائفة التي  تستهلك كل معاني الصيام وغاياته، فلا يتبقى لأبناء الأمة وقتًا ولا عزمًا ولا إيمانًا يُمكّنهم من الانتفاع بصيام أو قيام أو صلاة أو زكاة أو أي عمل خير مهما بدا من ظاهر حاله يشي بمسحة إيمانية ظاهرية في تصرفات المسلمين.

وليس ذلك فحسب، لا، بل إن شهر رمضان يُعد مختبر إطلاق أفكار معينة مصحوبة بسلع وخدمات معينة يمكن من خلالها قياس مدى مرونة المجتمع المسلم للتغير في الاتجاهات التي يرغب فيها أعداؤه، وذلك عبر استخلاص النتائج من حروب شهر رمضان وتقديمها لمنتجي اللهو والعبث وسلعهما وخدماتهما لجعل ممارسات الإنتاج الجديد تتوافق مع قيم الإنسان المسلم المستهلِك بشكل أكبر وتحقق نتائج أكثر قوة ووصولًا لأهدافهم في المستقبل. والمتابع المدقق للإيماءات عن الشذوذ بأنواعه، وعن تمييع قيم وتنفير المسلمين من قيم أخرى طوال العقود الماضية أنتجت أجيالًا تنفر من قيم مثل الجهاد وتندهش من كائنات ما زالت لا تعرف معنى التسامح مع قوم لوط الجدد أو هذا الصنف الثالث الذي لا هو بالرجال أو النساء والحبل على الجرار.

شهر رمضان هذا العام 2025م

مسلسلات رمضان
إعلام الشيطان

تتوالى الأخبار في الصحف والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي تترا مذكرة المسلمين بسيل الأعمال الفنية التي ستعرض في شهر رمضان، في وقت خرجت الأمة من حرب إبادة على إخواننا في فلسطين، وربما نجدها -لا قدر الله- ونحن في الشهر الكريم قد عادت أشد وأقسى من جديد لتنفيذ مخطط التهجير بعد فشل مخطط الإبادة. 

فعلى حسب ما جاء في الأخبار فإن شهر رمضان 2025م، يحمل لجماهير الأمة العربية أكثر من 30 مسلسلًا تُخرجهم الآلة الإعلامية المصرية فقط، بخلاف عشرات البرامج المختلفة على مدار أيام وساعات الشهر. هذا بخلاف حفلات السهر التي سينقلها لنا هذا الإعلام من الخيام الرمضانية التي صارت كالوباء في كل ركن من أركان عواصم الأمة.

وإليك أخي القاريء أسماء بعض المسلسلات المتوقع عرضها على شاشات الفضائيات في مصر فقط: “وتقابل حبيب”، “حكيم باشا”، “المداح 5″، “شهادة معاملة أطفال”، “الغاوي”، “جاني في المنام”، “ناقص ضلع”، “لام شمسية”، “ظلم المصطبة”، “الكابتن”، “مذكرات نشال”، “عقبال عندكم”، “حق آدم”، “أثينا”، “عايشة الدور”، “أشغال شاقة”، “سيد الناس”، “إش إش”، “الجواز سم قاتل”، “كامل العدد”، “العتاولة 2″، “شباب امرأة”، “ضل حيطة”، “الكينج”، “الحلانجي”، “وهم”، “حياة أو موت”، “حسبة عمري”، “نص الشعب أسمه محمد”، “80 باكو”، “قهوة المحطة”، “الشرنقة”، “قلبي ومفتاحه”, وكلها تدور حول تجارة الآثار، وحياة نساء وأحلامهن الشخصية: مطلقات وراقصات أو منحرفات، وقضية التحرش بالأطفال، وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، وأنماط من البلطجة، وتشويه الدين بالحديث عن الإرهاب، والترويج للصوفية المنعزلة عن الحياة، والتسامح الذي يحمل في طياته تمييع الحواجز بين الدين الحق وغيره من الديانات المحرفة، وعلمنة الشهر الفضيل.

ولم تذكر الأخبار التي بين أيدينا أي تفاصيل عن مسلسل ديني واحد، لكن لن تخلُ الخريطة من بعضها؛ حتى لا تنفضح النيات المفضوحة أصلًا، وحتى تكون هناك مندوحة للدفاع عن خريطة الفجور إن تصدى قلم حر أو ناقد منتمٍ للأمة لهذه الحرب الفاجرة على قيم الأمة، فتكون تلك الأعمال القليلة في الأوقات الميتة، وبما تقدمه أيضًا من أفكار ميتة عن قيم الدين، حائط صد وذريعة يتذرعون بها بأنهم يسعون لتقديم جرعة دينية معتدلة لأبناء الأمة.

ولو أخذنا أي مسلسل من هذه المسلسلات وتناولنا أبطاله وقصته وديكوراته وأماكن تصويره والسيناريو الخاص والحوار به، سنجد الأفكار التي قدمناها أعلاه هي المسيطرة. فالممثلون الذين اشتهروا بالملابس الشاذة والتصريحات المستفزة؛ بل يروج بعضهم للشذوذ بتصرفاتهم وملابسهم، سنجدهم يُقدمون كقدوات للأجيال الجديدة في: قيم وطريقة وأماكن حياتهم، وطريقة حديثهم والسلع التي يستهلكونها في العمل الفني. 

فنحن لسنا أمام أعمال فنية تناقش قضية؛ مهما كانت جديرة بالنقاش أو تافهة سطحية أو عميقة أو تبث البهجة والسرور وتنتزع الضحكة، لا، لقد تعدّى الأمر ذلك إلى “تزيين حياة هذه الشخصيات الاستهلاكية” وتحويلها لنماذج يقتدي بها أبناؤنا ويعيشون تفاصيل حياتها طوال الشهر الكريم وبعده وينسون شخصياتهم. 

وهو الأمر الذي نلاحظه في التغييرات التي تطرأ على الأجيال الجديدة بعد مشاهدة مسلسلات الشهر الكريم، وما يتطلعون إليه من تطلعات، وما يتشوقون إليه من رغبات، وما ينبت في شعورهم من احتياجات كاذبة ليمثلوا ما رأوه في ذواتهم عبر: أنماط المعيشة، وهو ما ينعكس على متطلباتهم عند الزواج في: حفلات الفرح أو في تأثيث سكناهم بعد الزواج أو خطط إجازات ما بعد الزواج أو نمط العمل الذي يودون العمل فيه، وتبنيهم نمط الثراء السريع وما يجلبه من كوارث وويلات وجرائم نراها ونسمع عنها كل لحظة.

فالصورة على الشاشة والتي تصاحبها الكلمة واللقطات القريبة والبعيدة، واستخدام الموسيقى للتأكيد على الحالة المزاجية، والديكور الطبيعي أو المصطنع في البلاتوهات كلها تركز الانتباه على الأشياء والأشخاص المراد أن تكون في بؤرة التفكير دائمًا: نمط الشخصية الناجحة الخالية من أي ملمح إسلامي، نمط الحياة السعيدة المليئة بـ: الجنس، المال، الجاه، السلطة، أي التأكيد على الشخصيات المنحرفة وربط الانحراف بالنجاح، والخصائص الحسية للسلع الاستهلاكية بالسعادة.

إنه تحالف شيطاني وثيق بين السلطات الحاكمة وإدارات إعلامها من ناحية وبين شركات الإنتاج الفني وشركات الإنتاج الاستهلاكي والترفي من ناحية ثانية؛ لمحو أي معنى يحدثه الشهر الكريم في نفوس وعقول وقلوب المسلم المشاهد المستهلك لتلك النفايات المسماة أعمال فنية. 

الحرب على إعلام الشيطان.. عين على حاضر الأمة وعين على مستقبلها

من مؤتة إلى طوفان الأقصى: أثر العقيدة في الميدان

إن استعراض آيات الصيام في القرآن المجيد ومظاهر الاجتماع في الشهر الكريم في مجتمع الصدر الأول من الإسلام يعطينا دلائل ومؤشرات وموجهات على المعاني التي يحملها الشهر والقيم التي يكتسبها فيه الإنسان المسلم دونما إهمال نصيبه الدنيوي من الحياة الطبيعية التي يلزمها: المأكل والمشرب والاجتماع والسكن والمودة واللباس بين الأهل والأزواج وأبناء المجتمع الواحد. 

ففي آيات الصيام تجتمع التقوى مع التقشف، والشعور بالجوع مع التضامن، والإمساك عن الشهوة بالنهار للتمتع الحلال بها في ساعات الليل، وما يصاحب ذلك من سمر بريء يتخلل تلاوة القرآن في الصلوات المفروضة وفي صلاة القيام والتهجد في تناغم فريد بين الدين والدنيا ومتطلبات الروح وحاجات النفس والجسد.

من هذا التناغم الذي يحدثه القرآن في النفس بين حاجات الروح ومتطلبات الجسد خلال الشهر الكريم  يمكننا أن ننطلق لبيان بعض معالم الحل لهذه المعضلة التي تواجه الأمة كل عام.

لكن في البداية نحتاج أن نعترف أولًا أن الهدر الحادث في قيم وموارد وأوقات المسلمين يزداد خطورة عامًا بعد الآخر، وكلنا تقريبًا وقعنا في فخاخه منذ الصغر، وما زالت كثير من آثاره ممسكة بنفوسنا وعقولنا وأنماط تفكيرنا وتدبيرنا وأفعالنا اليومية بسبب ما ترسب فيها من آثار تلك الأعمال العميقة علينا جميعًا. 

كما يجب أن نقر بسقوط غالبية أبناء الأمة وأسرهم في أسر تلك البرامج حتى أصبحت جزءًا من نمط الحياة وروتينها اليومي الذي يصل لدرجة الفرض في شهر رمضان الذي لا يمكن الاستغناء عنه كطقس من طقوس الشهر يتم تهيئة الجميع له، لدرجة توقف كثيرين عن أعمالهم ومهماتهم أثناء إذاعة مسلسل ما مثلًا، بل تأخير الصلوات المفروضة أو النوافل المرغوبة إذا تعارضت مع مواعيد بث تلك الأعمال. ناهيك عن إشغال الغالبية عن قراءة القرآن تدبرًا في شهره الذي أُنزل فيه والتهجد والقيام به في الليل.

كما أن علينا كذلك الاعتراف بأن الساحة خالية تمامًا من بدائل حقيقية يمكنها التنافس مع مؤسسات إنتاج الفساد في هذا الشهر الكريم غيره، فمن الاعتراف بهذا الغياب يمكننا البدء في تصحيح الأمور.

بعد الاعتراف بما سبق كله،  فإننا واجدون على الناحية الأخرى محنة عصيبة يمر بها إخواننا في فلسطين خصوصًا وفي اليمن وسوريا والسودان ولبنان وليبيا عمومًا، يمكن أن تتحول إلى منحة ربانية نبدأ بها مسيرتنا التصحيحية لأخطاء قرن مضى في التعامل مع الشهر الكريم بما يليق بها إعلاميًا.

فالحرب على غزة وما يجري في باقي المجتمعات المسلمة العربية السابقة فرصة لا تدانيها فرصة من أجل استعادة نفوس وعقول وقلوب المسلمين في هذا الشهر الكريم من أسر تلك الوسائل الشيطانية التي تعد له عدًا طوال العام، لو استطعنا أن نوجه الناس بشكل مخطط وجذاب لتكون بوصلتهم غزة والضفة والقدس والخرطوم وصنعاء وبيروت ودمشق وطرابلس، وأن تكون تسليتهم الحقيقية؛ وليست الوحيدة، بمتابعة أخبارهم والتآخي معهم، وهي مهمة تقع على عاتق كل مؤسسة مسلمة تسهر على حفظ بيضة الأمة وأهم ما فيها: شبابها من الجنسين. 

لقد جاءت الحرب على غزة وما يحدث في باقي أمة الإسلام والعرب فرصة سانحة على رجال الأمة اقتناصها من خلال توظيف هذا الحدث الجلل لجعله هو مدار الشحذ الصحيح المنتج، وملأً لطاقات وأوقات أبناء الأمة بما ينفعها بدلًا من تلك الخيالات المريضة المعدة لإفساد قلوبهم ولفت أنظارهم بعيدًا عما يجري فيها. 

وذلك بقوة الرسالة الإعلامية المرسلة من خلال: استحضار الهدي القرآني والتطبيق الرسولي في قلب كل عمل فني نصممه وننفذه، وانتقاء المرسِل والرسالة، فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح لتحرير الشهر الكريم وإنسانه المسلم من أسر الآلة الاستهلاكية الإعلامية المضادة لهما.

ويمكن القيام بذلك من خلال بعض المقترحات، مثل:

1- تصميم برامج للتواصل مع الأسر الفلسطينية قبل الإفطار وبعده، ومع الرجال الشجعان من المجاهدين، وبث حكاياتهم في نفس توقيت بث البرامج التافهة، فبدلًا من رامز قلب الأسد نبث برامج عن الأسود الحقيقيين والأمهات الحقيقيات لا الممثلات التافهات. 

ونعرض تلك البرامج في نفس توقيتات مسلسلات أوقات الذروة ونختار منها مقاطع مؤثرة تنشر على مواقع التواصل ونتواصى بتداولها ونشرها بكل ما يمكننا من جهود وقدرات لتكون بدائل عن مسلسلات تافهة تحكي قصص مجموعة من التافهين المنحرفين بملابسهم المستفزة وألفاظهم الجارحة وأفكارهم المميتة، وهكذا.

2- تخصيص مسلسلات وحلقات مغامرات لأطفالنا في شهر رمضان من وحي قصص أطفال غزة وشقيقاتها المبتليات السودان وليبيا وسوريا واليمن، وكيف يعيش هؤلاء الأطفال يومهم وليلتهم في شهر رمضان.

وهذه الجهود تحتاج جيوشًا من العاملين عليها وإنفاقًا مفتوحًا عبر استراتيجية معدة بشكل احترافي تحتاج مؤسسة متخصصة لهذا الشأن وحده يجب الدعوة إلى تأسيسها.

كن بديل إعلام الشيطان

تربية الأبناء على مراقبة الله

وهناك أيضا مهام على كل أب وأم وشاب ملتزم بقيم دينه مدرك لمعنى الصيام وشهر القرآن، يمكن الإشارة إلى بعضها التي قد تخفف من الآثار التخريبية لدراما الفجور في رمضان، نذكر منها:

أن يخصص كل واحد من هؤلاء وقتًا مع أبنائه أو أصدقائه أو أقاربه، وأن يجعل الشهر الكريم فرصة لإبعادهم عن التطبيقات التي تشوه وعيهم، بالصحبة الدائمة معهم، واقتراح النافع المفيد الشيق من العادات والخروجات والقراءات والمشاهدات التي تحقق لهم الارتقاء لمستوى الشهر الكريم ومصاحبة القرآن المجيد. 

وليكون هذا الجزء الرئيسي من جهادنا وبرنامجنا العبادي الرمضاني، فليس معقولًا أن يقرأ أحدنا جزءًا أو اثنين ويقوم الليل ويحضر الصلوات في المسجد ويتصدق ويتابع إخوانه في غزة وغيرها ويتواصل معهم قدر استطاعته، ثم يترك أهله وإخوانه وأصدقائه في غيابات جب إعلام الفجور يتردون، أو يجتنب كل هذا الهدر ثم يترك أولاده وأهله وأصدقاءه نهبًا لهذا الهدر يفعل بهم ما يشاء. وهو ما يجعلنا ندعو كل هؤلاء لوضع خطة للعودة بأبنائنا وأهلنا وأصدقائنا للطريق المستقيم. فيمكن مثلًا:

  • في نهار شهر رمضان وأمسياته الليلة تعليم أبنائنا مبادئ دينهم وسيرة نبيهم ومعالم تاريخهم، وكيف يعرفون أصدقاءهم وأعداءهم، وليس هذا فحسب بل إننا نستطيع أن نغرس فيهم حب القراءة كواجب وليس كهواية أو تسلية ونقف على العوامل التي تحببهم فيها فنستزيد منها، والمعوقات التي تنفرهم منها فنذللها لهم ونرفعها من طريقهم.
  • كما يمكن أيضًا من خلال قاعدة أخف الضررين، تقديم بدائل من المتاح إن لم تتوفر البدائل التي سبق الإشارة إليها أعلاه، مثل: اختيار مسلسلات وبرامج وأفلام معينة بدلاً من أخرى، وأماكن دون غيرها للسهر، واستبدال عادات بعادات واصطحابهم لمساجد معينة والاشتراك معهم في مشاهدة برامج معينة توجه في الاتجاه الصحيح لاستثمار الشهر الكريم. 
  • كما يمكن كذلك تنظيم حملات مقاطعة لبعض المسلسلات والبرامج والأفلام التي تنال من قيمنا وخاصة قيمة الجهاد، من خلال تنظيم فعاليات جذابة على وسائل التواصل الإعلامي ضد المنتجات والشركات التي تقدم محتويات هابطة وحملات تشجيع وتأييد ودعم لغيرها، فتكون منبهات لقطاع كبير من شبابنا وأبناء أمتنا عمومًا للإفاقة من الغفلة؛ خاصة إذا استطاعت تلك الحملات الربط السليم بين تلك الأعمال الهابطة وخذلان أهلنا في غزة.

وبهذا يكون الإنتاج الأخلاقي الراقي الجذاب الذي ننتجه أو نتخيره مما هو متاح شكلًا جديدًا وبديلًا متاحًا ونوعًا من أنواع التغيير في شهر رمضان الكريم كما فعل القرآن المجيد عندما قَوّم سلوك المؤمنين الأوائل عندما وجدهم يختانون أنفسهم بالتمتع ببعض المتع الحلال في السر فصحح لهم ذلك وأباح لهم حلالهم ولكن وجههم لكيفيات وأوقات ذلك التي لا يجب أن تطغى على الهدف من الصيام. 

وبذلك نتمكن من إعادة تشكيل ممارسة الرأسمالية الاستعمارية للاستهلاك الهدري الفاسد إلى إنتاج أخلاقي ماتع، ونحافظ على أمتنا من فتنة تنخر في قواعد عقيدتها وشعائرها حتى تكاد تفرغها تمامًا من مراميها ومقاصدها.

شهر رمضان الذي تكرم بنزول القرآن روح سرت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخرجت خير أمة للناس، فمتى تسري في أرواح وأجساد أبناء الأمة لنكون على شاكلتهم ونصطبغ بصبغة الله القرآنية؟

عماد الدين عويس

باحث في الشؤون الدينية والسياسية، باحث دكتوراه في السياسية العامة، له مؤلفات عديدة من مقالات… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى