سقوط بشار الأسد .. يقطع “الهلال الشيعي”
مقال نشرته مجلة لوبوان الفرنسية مؤخرًا بقلم “أرمين عريفي”1 يحلل الانعكاسات الجيوسياسية لسقوط نظام بشار الأسد على المشروع الإيراني الذي كان يُتفاخر به باسم “الهلال الشيعي” يبرز المقال كيف أن انهيار “المحور الإيراني” الذي عملت إيران على بنائه لمدة ثلاثين عامًا يعكس تغييرات استراتيجية عميقة في الشرق الأوسط، ويُظهر ضعف طهران المتزايد في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين.
فقد شهدت إيران خلال فصل الخريف هزائم كبيرة، حيث ضعف حزب الله بشدة بسبب العمليات الإسرائيلية التي استهدفت قادته وآلاف من كوادره، وسقط نظام بشار الأسد نتيجة هجمات المعارضة السورية، ما أدى إلى انهيار “محور المقاومة”.
المقال يقدم قراءة لتحولات ميزان القوى في الشرق الأوسط، حيث يُظهر سقوط نظام الأسد مدى هشاشة المشاريع التوسعية الإيرانية عند مواجهتها ضغوطًا عسكرية وسياسية متزايدة.
يؤكد الكاتب أن انهيار نظام الأسد لم يكن حدثًا معزولًا، بل جزءًا من سلسلة هزائم تعرضت لها إيران وحلفاؤها في المنطقة، هذا الانهيار لم يقتصر على خسائر عسكرية، بل أدى إلى تمزيق شبكة التحالفات التي بنتها طهران خلال 30 عامًا.
ومع سقوط الأسد، تفكك هذا المشروع بشكل درامي، حيث اضطرت الميليشيات إلى التراجع، وفقدت إيران سيطرتها على المحور الجغرافي الذي يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق.
المقال يقدم صورة واضحة عن هشاشة المشروع الإيراني في المنطقة، ويشير إلى أن سقوط نظام الأسد قد يكون بداية لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، ويفترض الكاتب أن إيران، رغم صمودها النسبي، تواجه واقعًا صعبًا قد يدفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية، وأن هذا التحول يمثل لحظة فارقة قد تحدد مستقبل التوازنات في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.
ورغم أن المقال يضع إيران في موضع الضعف، إلا أن التجربة التاريخية تؤكد قدرة هذا النظام على المناورة وإعادة التموضع؛ لذا، فإن الديناميات الحالية قد تشهد تطورات غير متوقعة قد تُعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة.
نص المقال
“من كان يتصور، قبل شهرين فقط، أن إيران ستخرج من خريف هذا العام 2024 ضعيفة إلى هذا الحد؟ لقد شهدت “الجمهورية الإسلامية” هزيمة اثنين من حلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط، حزب الله والنظام السوري، واحدًا تلو الآخر، الأول من خلال عملية للجيش الإسرائيلي، والثاني من خلال هجوم جماعات “المتمردين” السوريين.
لذا، في حين أن الحركة الشيعية اللبنانية، التي ضعفت إلى حد كبير، لم يتم القضاء عليها بالكامل، فقد تمت الإطاحة ببشار الأسد ورحل عن سوريا. وقد تحطم “محور المقاومة” بأكمله، الذي بنته إيران بصبر على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
لقد ولّت تلك الأيام التي كان رئيس بلدية طهران، “علي رضا زاكاني” يتباهى بأن بلاده تسيطر على “أربع عواصم عربية”، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، كان هذا التصريح، الذي أدلى به في سبتمبر 2014، مزعجًا للغاية للدول العربية المجاورة، لكنه غرور نشوة الانتصار التي وجد قادة الجمهورية الإسلامية أنفسهم فيه بعد سيطرة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران على عاصمة اليمن.
تصدير الثورة الإسلامية
وضع هذا الغزو اللمسات الأخيرة لخطة تصدير “الثورة الإسلامية” التي عبّر عنها “آية الله الخميني” قبل ستة وثلاثين عامًا عقب سقوط شاه إيران، بهدف معلن هو “تحرير الشعوب” من ظلم القوى الطاغوتية غير الشرعية، وتنصيب حكومات إسلامية في هذه البلدان على غرار النموذج الإيراني: مع وضع “تحرير القدس” وزوال دولة إسرائيل نصب الأعين.
وقد بدأ بناء “محور المقاومة” أو “الهلال الشيعي” هذا في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) تحت رعاية فيلق القدس، وهو فرع النخبة في الحرس الثوري الإسلامي.
يقول “علي ألفونه” المتخصص في القوات المسلحة الإيرانية في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: «في ذلك الوقت، كان الخوف في طهران هو أن تقوم الولايات المتحدة بالإطاحة بالنظام، وكانت فلسفة هذه المنظمة تقوم على تأجيج التوترات في المنطقة من أجل إبقاء العدو مشغولًا بمحاربة المنظمات الثورية بعيدًا عن الحدود الإيرانية، بدلًا من مهاجمة الأراضي الإيرانية».
أخطاء خصومه
على مدى ثلاثة عقود، عملت قوة القدس والآلاف من رجالها على تطوير شبكة مترامية الأطراف من الجماعات شبه العسكرية التي تجمعها معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل: الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وحزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة، والحوثيين في اليمن.
يوضح المؤرخ العسكري “بيير رازو” المدير الأكاديمي لمؤسسة الدراسات الاستراتيجية أن: «استخدام هذه الجماعات يُمكّن إيران من العمل بالوكالة من خلال إضعاف مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل على المدى الطويل، مع تجنب المواجهة المباشرة نظرًا لتفوقها العسكري».
فالطريقة الإيرانية بسيطة: الازدهار في البلدان المدمرة من خلال الاستفادة من أخطاء خصومهم!! وهكذا، فإن إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين، العدو الرئيسي للملالي في المنطقة في عام 2003، فتح الباب أمام العراق. وبالمثل، فإن استنجاد بشار الأسد في عام 2011 لإنقاذه من الثورة الشعبية التي كانت تهدد نظامه مكّن الحرس الثوري من تثبيت أقدامه بشكل دائم في سوريا ووضع الحجر الأخير في محور طهران-بغداد-دمشق-بيروت، مما ضمن لهم التواصل البري بين إيران ولبنان.
العمق الاستراتيجي
ويؤكد مصدر مقرب من الدوائر الأمنية الإيرانية في طهران أن «سوريا مسألة حيوية بالنسبة لطهران التي تهدف إلى كسب عمق استراتيجي على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك دعم “محور المقاومة”، ولا سيما حزب الله، ضد إسرائيل».
في إسرائيل، من ناحية أخرى، يُنظر إلى الوجود الإيراني على حدودها الشمالية الشرقية على أنه تهديد وجودي للدولة اليهودية، فمنذ ثلاثة عشر عامًا، يقصف الجيش الإسرائيلي بلا هوادة مواقع “الحرس الثوري” وحلفائه في سوريا.
في مواجهة قوة النيران الإسرائيلية، تخفض الجمهورية الإسلامية رأسها وتختار ما تسميه “الصبر الاستراتيجي”، بينما تعمل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية بأقصى سرعتها وتقترب إيران كل يوم من العتبة اللازمة لامتلاك القنبلة الذرية وجعل النظام في مأمن.
السابع من أكتوبر
لكن 7 أكتوبر أحبط خطط طهران، فعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية دعمت رسميًّا ما قامت به حماس، إلا أنها نفت أن تكون قد لعبت أدنى دور في الإعداد له. ويؤكد مصدر دبلوماسي إيراني أن «هذه العمليات لم تكن تهم إيران وتسببت بشكل غير متوقع في العديد من الاضطرابات والكوارث في المنطقة، وبالنظر إلى مستوى الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، كان من المتوقع والطبيعي أن تكثف طهران دعمها الروحي والمالي لحماس والحركات المتحالفة معها في محور المقاومة».
فمنذ 8 أكتوبر 2023، دعمت الجمهورية الإسلامية الحركات المتحالفة معها: حزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية، والحوثيين اليمنيين في هجماتها اليومية ضد إسرائيل، “تضامنًا” مع سكان غزة، معربة في الوقت نفسه عن رغبتها في تجنب أي صراع مباشر مع تل أبيب.
كان هذا كل ما تطّلبه الأمر لإقناع الدولة العبرية بتطبيق ما أسماه رئيس وزرائها السابق “نفتالي بينيت” (عقيدة الأخطبوط)، وأوضح في عام 2022: «لم نعد نلعب بالمخالب، مع وكلاء إيران، لقد خلقنا معادلة جديدة من خلال التصويب على الرأس».
سوء الفهم
على مدار العام الماضي، تمت تصفية العديد من عناصر الحرس الثوري الإيراني، وهم أعضاء رفيعو المستوى في فيلق القدس، في غارات إسرائيلية في سوريا. وقد شهد حزب الله، الذي يعد الذراع الرئيسية لطهران في بلاد الشام، قطع إسرائيل لرأس زعيمه حسن نصر الله وكبار قادة الحزب معه في خريف هذا العام وتفكيك قدراته العسكرية، مع ما ترتب على ذلك من عواقب مباشرة على النظام السوري.
يقول “فابريس بالانش” المحاضر في الجغرافيا في جامعة ليون الثانية ومؤلف كتاب “الأزمة السورية”: «من خلال إعادة قواته إلى جنوب لبنان، جرد حزب الله سوريا من دفاعاتها، وبالمثل، اضطرت الميليشيات الشيعية العراقية، التي قصفتها إسرائيل في سوريا، إلى العودة إلى العراق، وبطبيعة الحال، فإن إضعاف حزب الله، إلى جانب إضعاف “العائلة الشيعية” الموالية لإيران، قد مكن الجماعات الجهادية والمتمردين من شن الهجوم في سوريا».
وإدراكًا منها لعواقب سقوط بشار الأسد على مشروعها الإقليمي، عرضت الجمهورية الإسلامية مرة أخرى مساعدتها العسكرية للرئيس السوري لإنقاذه، لكن دون جدوى.
يقول مصدرنا في طهران: «عرضت إيران التدخل المباشر لمساعدة بشار الأسد في التعامل مع الجماعات التكفيرية لكنه رفض»؛ لأنه اعتقد أنه توصل إلى اتفاق مع تركيا وروسيا، قبل أن يدرك أنه أصبح بمفرده. لكن الأوان كان قد فات.
في طهران، يُنظر إلى هزيمة الجيش السوري، الذي انسحب من عدة بلدات في الأيام الأخيرة دون قتال يذكر، على أنها غير مفهومة، تمامًا كما هو غير مفهوم هذا الانهيار المفاجئ لمحور ينقلب انحساره الآن ضد صانعه الإيراني.
هامش
- أرمين عريفي، كاتب متخصص في الشؤون الإيرانية والشرق أوسطية، يعمل في مجلة “لوبوان” الفرنسية. ↩︎