تلخيص كتاب المناعة الفكرية للدكتور عبد الكريم بكار

يعد كتاب المناعة الفكرية للدكتور عبد الكريم بكار واحدًا من أهم الكتب التي سعت لنشر الوعي الفكري المرتبط بالواقع الإسلامي، وفي بناء الشخصية الإسلامية المعتدلة المبتعدة عن الفكر المتشدد والغلو والتعصب، لذلك نراه يلجأ لاستخدام العنوان (المناعة الفكرية)، الذي يومئ إلى أنّ الكاتب يسعى لإنشاء جدار حماية للعقل الإسلامي من الأفكار والمعتقدات الخاطئة، التي تهدد الإنسان المسلم في عصرنا الحديث.

ولكي يعمق الكاتب فكرته حول غزو الأفكار لعقل الإنسان نجده يلجأ إلى استعمال صورةٍ غريبة على صفحة الغلاف، وهي عبارة عن مصباحٍ كهربائي له أذرع وأرجل عنكبوت، فهذه الصورة تدل على تسلل الأفكار وغزوها للعقول، واستيطانها فيها، فكما أنّ العنكبوت يدخل إلى مكانٍ ما خلسةً، وينسج فيه شباكه لاصطياد فرائسه، كذلك الحال مع الأفكار التي تتسلل للعقول، وتأسر أصحابها، ومن ثم تسيرهم لاجتذاب آخرين يدعمونه.

المقدمة

إنّ المتأمل في مقدمة الكتاب، يجد أنّ الكاتب قد صرّح بأن كتابه عبارة عن مقالات متفرقة قام بنشرها على موقع (الإسلام اليوم)، على مدار سنتين، وكان الهدف منها نشر الوعي بين المسلمين تجاه واقعهم، ومحاولة مناقشة أساليب التفكير المتبعة لديهم، بالإضافة إلى تحديد المسؤوليات الفردية الواقعة على الإنسان المسلم، في مجال إصلاح واقع الأمة، ونلحظ أنّ الكاتب قد أرفق في بداية كتابه تقديمًا للداعية سلمان العودة، الذي أثنى على هذا الكتاب بوصفه من أهم كتب التنشئة للشخصية والفكر الإسلامي.

المناعة الفكرية

يسرد الدكتور عبد الكريم حديثًا عن المناعة الفكرية وضعه في عشرة فصول، تناول كل فصل منها قضية معينة، ففي الفصل الأول تحدث عن سبب اختياره لمفهوم المناعة الفكرية، فالله تعالى خلق للإنسان جهازًا للمناعة يحميه من الأجسام الغريبة، وكذلك العقل لا بد له من جهازٍ يحميه من الأفكار الهدامة التي تهدده ويدافع عنه، فنراه يشير إلى أهمية إعمال العقل والفكر، إذ إنّ الفكر الإسلامي هو نتاج للطروحات والاجتهادات الفكرية التي أنتجها العقل الإسلامي المفكر، وهي متعددة الرؤى والاتجاهات نتيجة اختلاف طبيعة الفهم والإدراك من عقل لآخر، وهذا الأمر يكشف عن وجود حركة فكرية جيدة تجسِّد ميزة الاختلاف، الذي يمثل غيابه جمودا فكريًا، لذلك لإنتاج مثل هذه الحركة الفكرية لا بد من الحفاظ على العقل، وتغذيته بكل ما هو مفيد من المعارف والعلوم مبتعدين عن الغلو والتشدد.

أما في الفصل الثاني فانتقل الكاتب للحديث عن الصعوبات التي يواجهها المفكرون الإسلاميون في حل المشكلات السياسية والاجتماعية من منظورهم الديني، والتي ستواجه فشلًا كبيرًا طالما أنه لا يوجد شريحة شعبية تتجاوب مع حلولهم وطروحاتهم، لذلك نجده يقترح على المفكرين الإسلاميين -من وجهة نظره- البدء بإصلاح المجتمع، وذلك بتشخيص الواقع أولا، ومن ثم بتحديد المشكلات الأخلاقية والاجتماعية، وتوضيحها بمصطلحات وتعريفات واضحة خالية من اللبس ضمن خطاب مبسط يراعي تفاوت مستويات الفهم لدى الناس، كي تُتجاوز تلك المشكلات، ويُرتقى بالمجتمع وتُحسَّن معيشة أفراده.

وفي الفصل الثالث يسرد الكاتب كيفية معالجة المشكلات التي يعاني منها المجتمع، فبعد أن تحدث عن ضرورة تشخيص المشكلة تشخيصًا جيدًا، ووضع تعريفات خاصة بها، لا بد من تفكيك المشكلة كي يسهل حلها، كما هو الحال مع المعارف البشرية التي تم تقسيمها إلى علوم متفرعة، وذكر أيضًا أنّ من يتصدى لدراسة أي مشكلة عليه أن يبتعد عن التعميم، فمثلا عند دراسة واقع التعليم في منطقةٍ ما لا يجوز أن نعمم أن التعليم فيها فاشل أو ناجحٌ بالمطلق، بل يجب دراسة واقع التعليم في كل مدرسة، واستنباط أسباب نجاح أو فشل كل منها ومن ثم تحديد نسبة دقيقة لنجاح التعليم أو فشله، فموضوع النسب والإحصاءات ضروريٌ جدا في إنجاح أي دراسة، وهذا الأمر هو ما تفتقده الدراسات العربية.

ويتحدث الكاتب في الفصل الرابع عما يميز الفكر الإسلامي، وهو أنه متجددٌ بطبعه، ويحاور المعطيات الخارجية التي تواجهه، لكنه مطالب بفهم متطلبات الحركة الاجتماعية التي ترتبط بضرورة الانفتاح، الذي يؤدي إلى التطور، وبناءً عليه لا بد من فهم ثلاثة أمور مهمة، هي طبائع الناس ورغباتهم، وحاجة الناس لمن يحقق لهم التوازن والبعد عن الغلو، وأخيرًا إدراك أنّ زمننا هو زمن البغي، فهذه المستلزمات الثلاث تساهم في إنتاج مفاهيم وأفكار تمنع تغول قوى المال والسلطة، وتحيِّد فكرة إحسان الظن في المسائل المصيرية.

ومن ثم يتناول الكاتب في الفصل الخامس أهمية ملاءمة الطروحات الفكرية للمستجدات الحضارية، فالمناعة الفكرية لا تعني الجمود على المبادئ، فلا بد من تجديد طروحاتٍ فكرية تلائمنا وتلبي حاجتنا، لذلك لا بد من اتباع المرونة في طرائق تفكيرنا، فقد بين الكاتب في الفصل السادس كيفية المرونة، وهي بالاطلاع الجيد على المشكلة، وفصل ما كان مصدره ربانيًا عما هو بشري في سياق العادات، وأخيرًا ترتيب الأولويات.

ونجده في الفصل السابع يتناول قضية مهمة في تشكيل المناعة الفكرية، وهي البعد عن الغلو والتطرف، الذي يعد من أكثر المشكلات التي تعرض لها الفكر الإسلامي، لا سيما من قبل الجاهلين بالدين، والمتعصبين فكريًا، لذلك نجده في الفصل الثامن ينبه المفكرين الإسلاميين لثلاثة أمور في استنباطهم للشريعة الإسلامية من أصولها، وهي أنّ معظم نصوص الكتاب والسنة ظنية مفتوحة على التأويل، وأنّ النصوص المرتبطة فيها بزمان ومكان قليلة جدًا، وأنّ هذه النصوص تقبل الاجتهادات السليمة، فعلى الباحثين أن يقتفوا أثر الفقهاء المسلمين في مناهجهم التي اتفقوا فيها على الأصول والمسائل الكبيرة، وتجادلوا في الفروع والمسائل الصغيرة.

إرشاد الأسئلة

إنّ المتأمل لفصول هذا الكتاب يجد أنّ المؤلف ينتقل من الحديث عن المناعة الفكرية إلى إشكالية طرح الأسئلة، إذ يرى أنّ الفكر الإسلامي يعاني من قلة طرح التساؤلات البناءة، وبالتالي قلة الإجابات، وقد نبه إلى هذا الأمر من قبل المفكر عبد الرحمن الكواكبي، الذي أكد في كتابه أم القرى على هذه المسألة إذ لا بد من طرح تساؤلات حول كيفية التقدم بواقعنا العربي لتحقيق الازدهار والتقدم، الذي لم يتحقق بعد بالصورة الصحيحة، إذ لا زلنا متأخرين عن الغرب لا سيما في المجالات التقنية والمعلوماتية، وبناءً عليه يرى الكاتب أنه من الضروري علينا في تطرقنا لطرح الأسئلة أن نبدأ بشكلٍ حلزوني؛ وذلك من الأسئلة البسيطة إلى الأسئلة الكبيرة.

إمكانيات متزايدة 

وفي هذا الفصل يحاول الكاتب أن يسرد لنا أثر الإمكانات المتاحة لنا اليوم في تحسين واقعنا وتقديم أفضل الوسائل للارتقاء بالفكر الإسلامي، فالإمكانات المتاحة لدينا اليوم تمثل سلاحًا ذا حدَّين حسب رأيه، إذ إنّ عدم الاستفادة من هذه الإمكانيات بطريقة صحيحة سيؤدي إلى توجيهها توجيهات خاطئة، فنراه يستعرض على مدار ثلاثة فصول الإمكانات المتاحة في تقويم حركة الفكر الإسلامي ودعمها، ومن ثم يحدد شروطًا للاستفادة من هذه الإمكانات.

طاقة التحمل

في هذا العنوان نجد أنّ الكاتب يحاول أن يشرح لنا مغبة وآثار تحميل الشيء فوق طاقته، مستدلًا بالأدلة القرآنية والأحاديث الشريفة، ومشيرًا إلى كون الشريعة الإسلامية تميل إلى التيسير على الناس في حياتهم وتعاملاتهم إذا ما ظهر لديهم طارئ، فنجدها تخفف عليهم بعض التكاليف المطلوبة منهم، وذلك لإن الإنسان الذي يتعرض لضغوط شديدة تتجاوز قدرة تحمله سيبادر لارتكاب أفعال خاطئة، بالإضافة إلى أنّ تحميل الجماعات أو الفرد التزامات أكبر من وُسْعِهم ستؤدي إلى تمردهم وسعيهم لتحقيق رغباتهم.

تحدي الرخاء

يسرد الكاتب في هذا العنوان عن رؤيته تجاه الرخاء، إذ إنّ الرخاء إذا حلَّ في قوم وتأصل فيهم، فهو نذير على انقلاب أحوالهم، فالرخاء يخون صاحبه إن هو ركن إليه، وعزف عن العمل والاجتهاد، كما هو الحال مع الشعوب الإفريقية التي تعاني الفقر والتراجع الفكري، كونها كانت تعتمد على ما وفرته لهم الطبيعة من موارد غذائية وطقس دافئ، لكن ما إن حلَّ بهم الجفاف حتى وقعوا ضحية هذا الرخاء الذي كانوا فيه، فعلى الإنسان ألاّ يغالي في العمل، وألاّ يستغرق في الرخاء، بل عليه أن يوازن بينهما، فالتوازن الذي لا يظهر إلا بين الأضداد تتجلى قيمته عند تضافر الضدَّين وحضورهما معًا، فتأتي أهميته في ضمان عدم طغيان جانبٍ على آخر.

في وجه التبسيط، والدعوة للتوازن

 وفي ضوء معالجة الكاتب قضية الاتزان في فكرنا الإسلامي يذكر لنا إشكالية مهمة يعاني منها واقعنا العربي، وهي أنَّ كثيرًا من الناس يميلون نحو المعلومات السهلة والجذابة، التي تخدع عقولهم وتسحبهم إليها، ومن ذلك رغبة نسبة كبيرة من الشباب المسلمين في التوجه إلى البلاد الغربية لنهل العلوم منها، وهذا الأمر شكل عبئًا على البلاد الإسلامية المتحفظة، التي تحاول حماية أبنائها من خطر الثقافة الغربية الفاسدة في بعض جوانبها، إذ إنَّ هؤلاء الشباب قد يقعون في شرك الجماعات الغربية المناهضة للإسلام والأمة ويخدعون هؤلاء الشباب ويجرونهم بعباراتهم البراقة نحو فكرهم، لذلك يقترح الكاتب ضرورة وجود خطابيْن في الساحة الإسلامية، هما الخطاب الصفَويُّ الموجه للنخبة من الأمة، وهو خطاب تحليلي عميق يبحث في المشكلات، ويحاول تبيانها، وخطاب بياني تبليغي واضح المعالم لعامة الناس، يتسم بالوضوح والتأثير، ويحاكي الحياة العامة.

مشكلات المثقف

ويستعرض الكاتب في هذا الفصل مشكلات المثقف العربي، لعل أهمها حب الظهور والشهرة التي تصيب بعض من يتصدى للثقافة، وهذا الأمر يخلق مشكلات كثيرة منها أنه إن كان منهجه الفكري غير سليم، واستطاع الوصول إلى الشهرة، فإنه سيؤدي إلى نشر فكره الخاطئ، الذي لن يستطيع أحد تصحيحه له حتى بعد أن يدرك ما وقع فيه من خطأ، وأيضًا من المشكلات التي يطرحها الكاتب تحول بعض المسلمين في تصديهم للدعوة والإصلاح من متطوعين إلى  ما يشبه الموظفين الملزمين بتبليغ الرسالة التي يحملونها مما يؤدي إلى فتور همتهم، وأخيرًا يذكر لنا ثلاثة مشاكل للمثقف العربي هي التحزب  لجماعة ما، والنرجسية، وحضور خطابات جديدة لا تستند على  الشريعة.

خاتمة الكتاب

وفي ختام هذا الكتاب يستعرض الكاتب عددًا من المقالات التي يرد فيها على من يتهم المفكرين بالتنظير غير المقرون بالعمل، إذ يؤكد الكاتب على أهمية التنظير البناء الموجه لأبناء الأمة، فالعمل بلا منهج كمن يسير في الليل بلا نور، لذلك نراه يدعو إلى ضرورة الموازنة بين العمل والتنظير، وأن يكونا مقرونين ببعضهما، وهنا تتجلى أهمية جديدة تتمثل بضرورة تضلع عقلية الإنسان المسلم بالتنظيم والتخطيط، وعدم الانخراط بالأشخاص المتقلبين فكريًا والاستماع إليهم لما سيحدثونه من فوضى، وأخيرًا نجده يدعو إلى ضرورة عدم الاستسلام لما يعترض الإنسان المسلم من غربة ثقافية، بل يحفزنا على عدم التقوقع والانكفاء على أنفسنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى