الفكر الإسلامي.. أبرز المعالم

لـ الفكر الإسلامي معالم شتى تجعله متميزًا عن ما سواه من الفكر المنتشر في أنحاء الأرض فهو ناتج عن آخر الشرائع التي أنزلها الله؛ فختم الله بها الشرائع فكانت التامة الكاملة.

ولكم في التالي أبرز معالم هذا الفكر الذي اصطفى الله عز وجل به الإسلام:

الربانية

ومعناها قيام الفكر على أسس ربانية في التصور الإسلامي نحو الله سبحانه، والكون، والحياة، والإنسان بما قرره الإسلام عن ذلك، ولهذا فهو فكر يمكن أن نطلق عليه “روحي – مادي”، يتوافق مع طبيعة التكوين الإنساني الذي يتكون من روح وجسد، ولهذا يكون وحده هو الفكر المستقيم الذي يُلبي حاجات الإنسان الروحية والمادية في آن واحد، فلا هو فكر مادي فقط قائم على تحقيق التمتع الحسي المجرد من القيم، ولا هو فكر روحي قائم فقط على تحقيق قيم في عالم الخيال أو في صوامع الرهبان.

التوحيد

توحيد الخالق فهو مدبر كل الأمور، وتوحيد مصدر التلقي وهو الوحي الرباني، وتوحيد الإنسان وعقله بتفرّده في الخلق والأمانة والرسالة وليس من فصيلة “الحيوانات”، وتوحيد الهدف وهو سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وتوحيد الوسائل وهو اتباع المنهج الرباني حقَّ الاتباع.

العالمية

ولأن الإسلام رسالة عالمية، وشريعة ربانية لكل البشر، ولأن الله سبحانه جعل الأمة الإسلامية هي الأمةَ الشاهدة والمُعلِّمة.. وهي التي عليها أن تُخرِج البشرية من مستنقعات التيه ووحل الظلام، لذا فالفكر الإسلامي عالمي التوجه.. “موضوعه” الإنسان، و”هدفه” تحرير الإنسان من العبودية لغير الله في أي صورة من الصور.. سواءٌ أكانت في الاعتقاد والتصور أو في الشعيرة والنُسُك أو في الحكم ونُظُم الحياة.

وبالتالي فهو لا يقف عند حدود الأرض، أو الجنس أو اللون أو اللغة أو القوم وهو على اطلاع على جميع المناهج والتصورات الأرضية، وكذا جميع الثقافات والديانات.. ليعرف كيف يفهمها فهمًا صحيحًا، ويزِنُها بميزان الإسلام، ثم ينطلق يُوجه ويُعلم ويُرشد.. إلى صراط الله المستقيم.

الشمولية

ولأن الإسلام يتناول جميع مناشط الحياة سواء أكانت سياسية، اقتصادية، أخلاقية، قيمية، ثقافية، اجتماعية، دولية، حربية.. إلخ، ولأن شرع الله يعني: كل ما شرّعه الله لتنظيم الحياة البشرية، لذا فهو فكر شامل يتناول كل ما في الحياة، ولا يُغفل جانبًا، ولا يطغى فيه جانب على آخر، ويعالج الحياة بهذه الشمولية المتكاملة، لأنها في واقع الحياة غير منفصلة عن الحقيقة، بل هو انفصال للدراسة والبحث، لكنْ في الحياة لا نجد انفصالًا في السياسة عن الإقتصاد عن الأخلاق عن الاجتماع عن منظومة القيم.. كلها يتفاعل بعضها مع بعض، وكل منها يؤثر في الآخر، لذا فالشمولية في الفكر الإسلامي تتوافق مع طبيعة الحياة المتنوعة، ولا يمكن أن يُتغاضَى عن أي جانب فيها.

التوازن

وهو فكر عندما يتناول الحياة روحيًا وماديًا بكل ما فيها، يحرص على التوازن الدقيق بين رغبات الإنسان الفطرية، وبين نمو الحياة الطبيعي، ولا يحصر نفسه في جانب دون آخر، فلا يكون فكرٌ سياسيٌّ أو اقتصاديٌّ بلا منظومة أخلاق وقيم، ولا تكون منظومةُ أخلاق بلا واقع سياسي اجتماعي واقتصادي، فالإسلام هو الفكرة الوحيدة والمنهج الوحيد المتوازن في هذا الوجود، لأنه منهج رباني، وضعه إله عليم بما خلق، سبحانه.

بل إن الفكر متوازن حتى داخل المجال الواحد، ثم يربط الفكرُ كلَّ مجال بالآخر في منظومة واحدة متكاملة يمكن أن نطلق عليها النظام الإسلامي، فالحضارة الإسلامية التي تنمو نموًا طبيعيًا متكاملًا متوازنًا.

الثبات

الفكر الإسلامي فكر ثابت من حيث الأسس التي يقوم عليها، وهي العقيدة الربانية، ومنظومة القيم والأخلاق الإسلامية، وقواعد الاعتقاد والتصور الإسلامي، كلها مفاهيم ثابتة عميقة أصيلة ضاربة في جذور الفطرة الإنسانية، وفي أعماق النفس المسلمة، فالتصور عن الله، والإنسان، والكون، والحياة، ثابت لا يتغير، ودور الإنسان في الحياة وخلافته فيها ثابت لا يتغير، ورجوعه إلى ربه في النهاية ثابت لا يتغير، وشريعة الله في إقامة الحق والعدل ثابتة لا تتغير، وبالتالي فهو فكر راسخ الجذور، ثابت من ثبات الحقائق الأصيلة في هذا الوجود.

الحرية

ومع ثبات هذا الفكر على الأسس التي أرادها الله تعالى، تلك الأسس التي لن تتغير إلى قيام الساعة، مع ذلك فهو فكر حر داخل الإطار الإسلامي. بل هو فكر حر من النمطية والآبائية والقولبة والتقليد والجمود، بل هو يدعو إلى إطلاق طاقات العقل لتُضيف وتبدع لا لتُقلِّد وتجمُد! فهو فكر فسيح بسَعَة الإطار الإسلامي، وبسعة الكون كله.

بل إن الله سبحانه أمر الإنسان أن يسير في الأرض ويُعمرّها وينمّيها ويكتشف سننها، وينطلق للبناء والاكتشاف في كل مجال، وتحقيق أقصى درجات العمارة في الأرض سواء في البناء والتشييد أو التنظيم والإدارة أو الاكتشاف والتطوير أو الإبداع والرُّقي.. لكن يتحرك في الإطار الإسلامي الذي يحقق ويريد خلافة الإنسان في الأرض خلافة ربانية تقيم الحق والعدل الرباني لكل إنسان في كل الأرض.

المثالية

الفكر الإسلامي فكر مثالي، وليست المثالية في الفكر الإسلام خيالًا أو عيبًا كما في مناهج التفكير الجاهلية، إن الفكر الإسلامي يطمح إلى المثالية في كل شيء في سمو الإنسان الروحي وانتصار الروح على الألم، في سمو الإنسان المادي بالوصول إلى أقصى درجات الرقي والإبداع، في سمو الإنسان الحضاري بالتوازن بين الروح والمادة والمضي في طريق الله المستقيم، في سمو الإنسان الأخلاقي بالوصول إلى منظومة أخلاقية راسخة وحقة نابعة من الإيمان بالله وتقواه، في سمو الإنسان السياسي والاقتصادي بتحقيق الحق والعدل لكل إنسان بعيدًا عن جنسه ولونه ولغته وقومه وعقيدته، في سمو الإنسان الاجتماعي في تكوين شبكة علاقة اجتماعية عالمية تقوم على أواصر البر والتعاون على البر والتقوى.

الواقعية

ومع هذه المثالية الربانية في الفكر الإسلامي، فهو فكر واقعي؛ يتعامل مع الواقع كما هو لا كما يتمنى، لا يجهل المشكلات القائمة، ولا يجهل المستوى الحضاري الذي عليه الناس، ولا يجهل المستوى الفكري والنفسي الذي يعيشه الإنسان، ولكنه فكر لا يُسلّم بالأمر الواقع، ولا يستسلم له؛ بل يدركه تمام الإدراك بكل ما فيه، ويفهم مشكلاته بكل جذورها، ويستوعب الإنسان بكل انحطاطه، ثم ينطلق من حيث هو حتى يترقى به من أسفل سافلين إلى أعلى عِلّيين.

الإيجابية

الفكر الإسلامي فكر إيجابي، بمعنى أن خلاصته لا بد أن تُفضي إلى نتيجة إيجابية تغييرية ممكنة، فإذا هو ينظر إلى الواقع المنحط، والإنسان المحطَّم، والبقايا الآدمية من البشر ويُدرك كل ما فيهم، لا تجعل الفكر يقف عند حدود الإدراك الأليم، وعند مشارف اليأس.

بل هو حركة إيجابية مهما انحدر الواقع، ومهما سقط الإنسان، هناك دومًا “حركة إيجابية” يمكن للفكر الإسلامي أن يصل إليها، وهناك “خطة عمل” تخطو خطوات على طريق التغيير، وتنقل الإنسان في أناة وصبر وحِلم نحو الأفضل.

الثورية

الفكر الإسلامي ثوري بالأساس، لأن الإسلام في ذاته فكرة ثورية تثور على كل وضع لا يدين لشرع الله وحقه وعدله، يثور على كل ظالم وطاغية ومستبد، فالإسلام: الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيء إليه، ولهذا فهو ثورة على كل طاغوت، وهو ثورة على كل جاهلية، وهو ثورة على كل باطل، وهو ثورة على كل حكم ظالم.

وهو كذلك فكر ثوري في الخروج من التقليد والجمود فينطلق في البحث في العلوم التطبيقية عن أدوات وآليات جديدة لتطبيق شرع الله في كل مجال بما يناسب الظرف الحضاري الذي يعيشه الإنسان.

أحمد طه

كاتب ومهتم بالشأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى